رغم أن الجهود التي بذلها محمد بن سلمان “MBS”، في عرض صورته الذاتية، كانت هائلة، إلا أنه يمكن التقدير أنه من دون صلة بالدولارات الكثيرة التي استُثمرت في العلاقات العامة الخاصة بالملك السعودي، قد كان هناك اهتمام إعلامي بالبضاعة الساخنة: ملك شاب، بهي الطلعة، يحبه الشبان السعوديون، وهو يتبع أسلوبا قياديا مختلفا. وصوله إلى العرش يكاد يكون أعجوبة بالنظر إلى المصائب التي حلت بالمنطقة جرّاء الربيع العربي.
الناس عادة يسمعون ما يريدون سماعه، لهذا عندما تحدث ابن سلمان مع الأمريكيين، ومن بينهم يهود كثيرون، وإسرائيليون أيضا، عن الإصلاحات التي ينوي إجراءها في السعودية، الثورة الاقتصادية، الحرب ضد التربية على التطرف والكراهية، سمع الكثيرون تصريحات لم تذكر في حديثه، مثلا: تعزيز حقوق الإنسان، حرية التعبير، والمساواة بين الرجال والنساء. إلا أن ابن سلمان ينحدر من خلفية مختلفة تماما. بصفته وطنيا سعوديا، الهدف الأعلى لديه هو أن ينقل الاقتصاد السعودي إلى عهد جديد ويتخلص من الاعتماد على النفط: على النساء أن يقدن السيارات ليصلن إلى العمل، وليس لأن ابن سلمان يؤمن بالحركة النسوية. هو يعتقد أن الاقتصاد النشط يمكن أن يتماشى مع الحكم السلطوي الملائم للثقافة السياسية المحلية، مثل الصين. بكلمات أخرى، هناك من اعتقد أن ابن سلمان أراد أن يكون مثل أوباما، ولكنه في الواقع أراد أن يكون مثل بوتين.
بسبب وجود أعداء داخليين في المملكة، مثل أصحاب الملياردات الفاسدين، نشطاء حقوق الإنسان، أو صحفيين جريئين جدا مثل خاشجقي، استخدم ابن سلمان القوة بشكل غير مسبوق، سعيا للتغلب على المعارضة أو التهديد، وترهيب الآخرين. ربما تنجح طريقة العمل هذه، ولكن قد تحقق النتائج العكسية، كما نشهد في هذه الأيام.
على أية حال، يعتبر ابن سلمان، البالغ من العمر 33 عاما، في المنطقة، وفي السعودية، شابا. وقد بدأ مسؤولون سعوديون في القصر الملكي يتحدثون عن أنه يحدث أضرارا أكثر من الفوائد، وأن تسرعه يشكل خطرا على استقرار السعودية. السؤال هو: هل يملك هؤلاء المسؤولون القوة والجرأة للعمل ضد الأمير، طالما أن الإدارة الأمريكية تدعمه؟
ربما شاهد ولي العهد أفلاما أمريكية كثيرة في صغره، ولعب كثيرا بألعاب الفيديو، ولكن بسبب نقص خبرته، أخطأ ابن سلمان في تقديره سرعة التقلبات في الإعلام الغربي. عندما يعتاد الشخص على السيطرة بشكل تام على وسائل الإعلام متعددة الأذرع، بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي، يبدو أنه من الصعب تقييم حجم الرد بشكل صحيح على اختفاء كاتب العامود في صحيفة “واشنطن بوست” (خاشقجي). بالطبع، نلاحظ في هذه الأيام حجم تورط الأمير: في الأيام الماضية أصبح يعتبر الأمير دكتاتورا ومصدرا للخطر على السلام الإقليمي، بعد أن كان يعد المثل الأعلى في العالم العربي، وبعد أن ظهرت صوره على أغلفة مجلات كثيرة، وبعد أن كُتِبت مقالات المديح والإطراء الكثيرة له. في هذه الأيام، ازداد عدد أعداء السعودية، وقد انتظر الكثيرون هذه الفرصة: القطريون وقنوات الإعلام القطرية هي العدو الأكبر، علاوة على ذلك، استغل الإيرانيون ومنتقدون يساريون الفرصة لشن هجوم ضد الإدارة الأمريكية.
ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان (AFP)
تستند الاستراتيجية الإقليمية الخاصة بالإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية على التوالي، إلى ركيزتين أساسيتين: التحالف مع مصر، والتقرب من محور الدول المعادي لإيران، وأهمها السعودية. كان يفترض أن يحدث المحور الإسرائيلي – السعودي تغييرا في النظام الدولي في المنطقة، فيما يتعلق بالجبهة المقاومة لإيران، وبالتطبيع، اقتصاديا على الأقل، مع الدول. لقد ترك ابن سلمان حقا انطباعا رائعا لدى الإسرائيليين واليهود الذين التقوا معه (كان جزء منه مبررا وجزء آخر متعلقا بالرومانتيكيا المبالغ بها التي تبديها إسرائيل لزعيم عربي يوافق على الالتقاء معها). مثلا، حدثني أحد الأشخاص الذين التقوا ابن سلمان أنه يتحدث الإنجليزية بطلاقة، لكن لغته الإنجليزية، في الواقع، متوسطة وأقل من ذلك. نذكّر ثانية أن ابن سلمان صرح تصريحات معينة، ولكن الناس سمعوا ما أرادوا سماعه.
لصالح ابن سلمان يمكن القول إنه خلافا لما هو متبع في التقاليد الإقليمية التي يتم فيها الاتفاق مع إسرائيل سرا، وبالمقابل، يتم تشهيرها علنا، فإن الزعيم السعودي صرح تصريحات في وسائل الإعلام السعودية ومواقع التواصل الاجتماعي متشابهة.
ولكن كل ما يبدو جيّدا أكثر من أن يكون واقعيا، هو كذلك على الأغلب. يبدو الآن أن ابن سلمان لن يفرض بعد “صفقة القرن” الخاصة بترامب على الفلسطينيين، كما أن قلة الموهبة السعودية (التي تتجسد في تنفيذ العملية المتهاونة لإخفاء خاشقجي) تعني أن إسرائيل، في الواقع، ستبقى وحدها في المعركة ضد الإيرانيين، رغم وجود “المحور الإقليمي” ضد إيران. يتبين أن التصريح العلني لنتنياهو الذي أطلقه في الكنيست بشأن التقارب مع الدول العربية، سيؤجل حتى يفلح ابن سلمان في تثبيت عرشه.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني