الطائفية في لبنان

الحرب الأهلية اللبنانية (Wikipedia)
الحرب الأهلية اللبنانية (Wikipedia)

بعد أربعين عاما: حرب أهلية أخرى في لبنان؟

يُحيي لبنان ذكرى مرور 40 عاما على اندلاع الحرب الأهلية المشبعة بالدماء. ذكريات مؤسفة لا تزال معشّشة في رؤوس اللبنانيين، الصراع الطائفي آخذ في الازدياد فحسب ووفقا لبعض المحلّلين فمن المحتمل أن تندلع حرب أهلية جديدة في أية لحظة

هذا الأسبوع، يتم إحياء ذكرى مرور 40 عاما على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في أنحاء لبنان، في ظل الأزمة السياسية والاجتماعية التي تهدّد بإعادة الحرب إلى الشوارع. اندلعت الحرب بعد عشرات السنين التي تمّ فيها الحفاظ على التوازن الدقيق بين المسلمين والمسيحيين في بلاد الأرز، توازن قرّر أن يكون الرئيس دائما مسيحيّا – مارونيّا، ورئيس الحكومة مسلما – سنّيا ورئيس البرلمان مسلمًا شيعيّا. كان التوتّر الطائفي في البلاد والذي يوجد فيه فسيفساء بشرية معقّدة في الأجواء دائما.

في 13 نيسان 1975 اشتعلت الصراعات حول التشكيل الطائفي للنظام السياسي في البلاد، وكذلك حول القضية الفلسطينية، بين معسكر اليسار اللبناني المسلم؛ “الحركة الوطنية” بقيادة الزعيم الدرزي الاشتراكي، كمال جنبلاط، حليف منظمة التحرير الفلسطينية، وبين اليمين اللبناني ذي الغالبية المسيحية المارونية؛ “الجبهة اللبنانية” برئاسة حزب بيار الجميّل ونجله بشير الجميّل. أراد المعسكر الأول تغيير الوضع السياسي الراهن في البلاد، بينما أراد المعسكر الثاني الحفاظ عليه.

صورة شهيرة لمجزرة الكرنتينا (Wikipedia)
صورة شهيرة لمجزرة الكرنتينا (Wikipedia)

جرت في ذلك اليوم نزاعات عنيفة في بيروت بين الفلسطينيين من أعضاء الميليشيات العسكرية وبين المسيحيين، جرّت البلاد إلى النيران المشتعلة. حوّلت المجازر من كلا الطرفين البلاد سريعًا إلى ساحة للصراعات الإقليمية، العربية والدولية، حيث تدخّل الجيش السوري أيضًا. بعد تدخّل منظمة التحرير الفلسطينية وسوريا في لبنان، تدخّلت إسرائيل في إحدى فترات الحرب وساعدت مقاتلي الميليشيات المسيحية.

تسبّبت الحرب، التي استمرّت في الواقع حتى احتلال بيروت من قبل الجيش السوري عام 1990، بموت نحو 150,000 شخص وغياب أكثر من 17,000 شخص

بدأ التدخّل الإسرائيلي بدخول لبنان في آذار 1978، في أعقاب التفجيرات التي نفّذها فلسطينيّون داخل إسرائيل. انسحبت إسرائيل في أعقاب قرار للأمم المتحدة، ولكنها عادت في حزيران عام 1982 إلى لبنان بعد محاولة اغتيال سفيرها في بريطانيا. بعد بضعة أشهر من ذلك نفّذت ميليشيات (الكتائب) المسيحية مجزرة بمئات السكّان الفلسطينيين في مخيّميّ اللاجئين صبرا وشاتيلا في بيروت الغربيّة.

انتهت الحرب بعد اتفاق الطائف الذي تمّ توقيعه عام 1989 بين الطرفين برعاية مباشرة من السعودية. تسبّبت الحرب، التي استمرّت في الواقع حتى احتلال بيروت من قبل الجيش السوري عام 1990، بموت نحو 150,000 شخص وغياب أكثر من 17,000 شخص. غادر البلاد مئات الآلاف وتضرّرت البنى التحتية بشكل كبير.

جذور الصراع لا تزال قائمة

خط الجبهة الفاصل بين المتقاتلين في بيروت 1982
خط الجبهة الفاصل بين المتقاتلين في بيروت 1982

مرّ 25 عامًا منذ انتهاء الحرب، وتُذكّرنا الأزمة السياسية السائدة في لبنان اليوم بالفترة المضطربة التي سبقت اندلاعها. منذ أشهر طويلة ولبنان يسير دون رئيس، والدور الإيراني في لبنان آخذ بالازدياد، ورّط تنظيم حزب الله لبنان في الحرب الأهلية السورية وتأجّجت المشاعر الطائفية بين السكان من جديد لتفرح طهران. بالإضافة إلى ذلك، فلا تزال الأسباب التي أدّت إلى تلك الحرب، كالعدد الكبير من اللاجئين في البلاد وعدم المساواة الاجتماعية – الاقتصادية؛ قائمة. يدلّ كل ذلك، وفقا لمحلّلين عرب، على أنّ جذور الصراع التي تسبّبت في الحرب عام 1975 قد تنفجر مجدّدا في أيّة لحظة وتعيدُ لبنان إلى مستنقع الحرب مرة أخرى.

ويخشى المحلّل السياسي لقمان سليم، الذي كان مجرّد طفل عندما اندلعت الحرب، جدّا من حرب أهلية أخرى تحوّم فوق لبنان في هذه الفترة. في مقابلة مع صحيفة العرب تساءل سليم: “لم إذا نحن (اللبنانيون) ينتهي كلامنا (أو حوارنا) سريعا، وكثيرا ما نستلّ السكاكين ونبدأ بشحذها ونهدد بها بعضنا البعض وصولا إلى القتل العادي”. لا يرى المحلّل مستقبل لبنان بشكل متفائل ويقول إنّ الديناميات الراهنة في لبنان هي ديناميات صراع جديد.

لافتة ضخمة عليها صورة رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري في مدينة جونية الى الشمال من بيروت في فبراير 2011 (AFP)
لافتة ضخمة عليها صورة رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري في مدينة جونية الى الشمال من بيروت في فبراير 2011 (AFP)

وينسب سليم السبب الرئيسي لاندلاع حرب مستقبلية محتملة في لبنان إلى اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري عام 2005. “بما ستوصف ذات يوم بأنّها الجد الأكبر لحرب قد تندلع في البلاد”، كما يتوقّع. “إذا راجعنا ما حصل خلال السنوات العشر الماضية سنرى عددا من النزاعات التي أخذت أحيانا أشكالا عنيفة أو غير عنيفة، لكن كان يتم احتواؤها في اللحظات الأخيرة أو تجميدها”، في الطبقات السفلية للمجتمع اللبناني ومنذ ‏2005‏ وصولا إلى اليوم، مرورا بابتلاع الانتفاضة في سوريا التي اندلعت عام ‏2011‏، ونجاح النظام في تحويلها إلى حرب أهلية، فإنّ مكونات النزاع تزداد حدة”. وهو يتوقع أن الصراع في لبنان قد ينفجر “في أية لحظة وبأي شكل”.

“اللبنانيون استقوا العبرة من الماضي”

وتظهر من كلام سليم الخشية من أن يجرّ تدخّل تنظيم حزب الله في الحرب في سوريا بجانب قوات بشار الأسد، بخلاف موقف الشعب، أن يجرّ البلاد إلى أتون الحرب. يدعو سياسيون لبنانيون، في هذه الأيام، حزب الله إلى الخروج من سوريا، والتوقف عن التدخّل في الصراعات الإقليمية في العراق واليمن ونزع سلاحه، وإلا فإنّ خطر حرب أهلية أخرى في لبنان سيكون كبيرا.

جنازة لمقاتلي حزب الله الذين قتلوا في معارك مع جبهة النصرة في سوريا (AFP)
جنازة لمقاتلي حزب الله الذين قتلوا في معارك مع جبهة النصرة في سوريا (AFP)

في المقابل، نفى المحلّل السياسي اللبناني إيلي الحاج، الذي كان عمره 15 عاما عند اندلاع الحرب، في مقابلة مع صحيفة العرب احتمال أن يعاني اللبنانيون من حرب مماثلة في المستقبل القريب، وقد نسب موقفه إلى أنّ قلوبهم لا تزال تحمل مرارة تلك الحرب الأهلية. ويتّهم الحاج النظام السوري حينذاك برئاسة حافظ الأسد في إشعال فتيل الحرب، ولكنّه قال إنّ لبنان بعيد اليوم عن اندلاع حرب أهلية جديدة.

“استقى اللبنانيون العبرة من الماضي”، هكذا شرح الحاج، مضيفا أنّ الشيعة أيضًا يحذّرون من الدخول في حرب جديدة. بحسب كلامه، فإنّ قيادة حزب الله تعلم أنّه في لحظة اندلاع حرب أهلية أخرى؛ فستكون تلك نهايتها، “لبنان لا يمكن أن تحكمه فئة عسكرية”، ولأنّ الفصائل الأخرى ستتجمّع وتمنع ذلك. “أيا من طوائف لبنان وأحزابه ليس لها من مصلحة أن تخوض حربا جديدة، وهم جميعا يتفادونها ولا يضعونها في حساباتهم”.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع ميدل نيوز

اقرأوا المزيد: 809 كلمة
عرض أقل
رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري (AFP)
رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري (AFP)

عودة الحريري الى لبنان والتحديات المقبلة

إذا كان يعتزم الحريري تغيير مسار لبنان، فسوف يضطر إلى مواجهة المسلحين السنّة، وتوحيد الطائفة السنية، واحياء ما يسمى بتحالف 14 آذار الموالي للغرب

عاد رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري إلى بيروت الأسبوع الماضي، وذلك بعد غياب دام حوالي ثلاث سنوات قضاها في المنفى الاختياري. ويذكر أن الحريري، الزعيم المعتدل والأكثر مصداقية بالنسبة إلى المجتمع السني اللبناني، كان قد غادر بيروت في العام 2011 وسط تهديدات بالاغتيال. لكن في غيابه، تدهورت الحالة الأمنية في البلاد وارتفعت حدة التوترات الطائفية، كما بدا أن بعض السنة اللبنانيين المعتدلين تاريخيًا بدأوا يجنحون نحو التطرف.

وصل الحريري إلى بيروت يوم الجمعة الماضي حاملًا معه هبة بقيمة مليار دولار من المملكة العربية السعودية لتمويل قوات مكافحة الإرهاب في لبنان، ووعدًا بملء الفراغ في قيادة مجتمعه السني. إلا أنه عاد وغادر بعد أقل من أسبوع إلى جدة، وقد تردد أن عودته إلى المملكة هي لمناقشة الهبة السعودية، وليس من الواضح متى سيعود مجددا. وتُشكل عودته القصيرة إلى الوطن موضع ترحيب، لكنها ليست بالدواء الشافي، كما أنه من غير المؤكد ما إذا كان سيؤدي وجود الحريري ومكانته إلى وقف الانقسام الحاصل في صفوف السنّة في لبنان والتراجع البطيء للدولة.

في حال لم يعد الحريري إلى بيروت، ستكون الفائدة الملموسة لزيارته القصيرة إلى لبنان محدودة. أما إن عاد، فستكون أمامه قائمة طويلة من الأعمال الواجب تأديتها، إذ يبدو أن الكثير من المؤسسات الحكومية اللبنانية في تراجع. فمنذ شهر أيار/ مايو و لبنان من دون رئيس (مسيحي) للجمهورية كما بات البرلمان يفتقر إلى الشرعية ، وفي أيار/ مايو من العام 2013 تم تمديد ولاية البرلمان لسبعة عشر شهرًا إضافيًا، وليس واضحا ما إذا كان سيتم إجراء الانتخابات البرلمانية في خريف هذا العام.

نساء لبنانيات يتظاهرن من أجل الجيش اللبناني في حربه ضد جماعات الدولة الإسلامية في عرسال (AFP)
نساء لبنانيات يتظاهرن من أجل الجيش اللبناني في حربه ضد جماعات الدولة الإسلامية في عرسال (AFP)

ولا بد من الإشارة إلى أن الوضع الأمني يشكل أيضًا مصدر قلق . ففي وقت سابق من هذا الشهر، قامت “الدولة الإسلامية في العراق والشام” – المعروفة حاليًا باسم “الدولة الإسلامية” – و”جبهة النصرة” بالسيطرة على بلدة عرسال السنية المحاذية للحدود اللبنانية – السورية، ما أسفر عن مقتل أحد عشر عنصرًا وخطف تسعة عشر من الجيش اللبناني وعشرين عنصرًا من قوى الأمن الداخلي. وفي هذا السياق، أدى الهجوم الذي شنه الجيش اللبناني لاستعادة عرسال إلى تدمير مساحات واسعة من البلدة.

في الوقت عينه، لا تزال ميليشيات حزب الله اللبناني الشيعية تحارب الشعب السنّي في سوريا – نيابةً عن نظام بشار الأسد العلوي – من دون حسيب أو رقيب، وهذا ما أثار غضب السنّة في لبنان. والأسوأ من ذلك هو أن الجيش اللبناني كان يتعاون مع حزب الله بشكل غير رسمي لمحاربة المسلحين السنّة في لبنان، ما أضعف من صورة الجيش “الحيادية” ومكانته كمؤسسة “وطنية” غير طائفية.

الجناح العسكري لحزب الله (AFP)
الجناح العسكري لحزب الله (AFP)

وتبرز إلى جانب ذلك قضية اللاجئين السوريين في لبنان. فعلى مدى السنوات الثلاثة الماضية، دخل حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري، معظمهم من السنّة، إلى لبنان ما أدى إلى إخلال التوازن الديمغرافي بين السنّة والشيعة والمسيحيين والدروز، ناهيك عن تكبيد الاقتصاد اللبناني خسائر كبيرة.

إذا كان يعتزم الحريري تغيير مسار لبنان، فسوف يضطر إلى مواجهة المسلحين السنّة، وتوحيد الطائفة السنية، واحياء ما يسمى بتحالف 14 آذار الموالي للغرب والذي تراجعت قوته كثيراً في السنوات الاخيرة. وفي الوقت نفسه على الحريري معارضة التدخل العسكري لـحزب الله في سوريا، ولا بد من الإشارة إلى أن مثل هذا الموقف من شأنه أن يؤدي إلى مقتل الحريري.

الحريري تعهد بتقديم مبلغ 15 مليون دولار لإعادة بناء عرسال، وهي مساهمة ينبغي أن تولد بعض المواقف الإيجابية تجاهه. ويمكن لسخاء مماثل، ربما يكون ممولاً من السعودية، أن يساعد أيضًا على إعادة نفوذه في المناطق السنية مثل طرابلس وعكار وصيدا، والتي يمكن أن تصل اليها موجة التشدد الإسلامي.

الجيش اللبناني يقوم بحراسة بلدة عرسال الحدودية من جماعات الدولة الإسلامية (AFP)
الجيش اللبناني يقوم بحراسة بلدة عرسال الحدودية من جماعات الدولة الإسلامية (AFP)

أما على الجبهة السياسية، فان وجود الحريري ضروري لأنه سيساعد تحالف 14 آذار على التوصل إلى مرشح رئاسي توافقي وقانون انتخابي جديد. بالطبع، سوف يضطر تحالف 14 آذار إلى التفاوض مع حزب الله الذي يرأس تحالف 8 آذار، ولكن مما لا شك فيه هو أن توحيد الصفوف داخل تحالف 14 آذار سيعزز موقف هذا الفريق خلال المحادثات.

لكن الأهم من ذلك، وبغية تجنب الانزلاق نحو مزيد من الحروب الطائفية، سيترتب على الحريري إيجاد وسيلة للحد من تعاون الجيش اللبناني مع حزب الله في مواجهة المسلحين السنّة. من المألوف في الغرب، وحتى في لبنان، اعتبار أن الجهاديين السنّة يشكلون تهديدًا أكبر من الجهاديين الشيعة على غرار حزب الله، لكن هذا الرأي قصير النظر وسيؤدي مع مرور الوقت إلى تطرف السنّة في الدولة اللبنانية وتراجع الدعم للجيش.

مجلس النواب اللبناني (AFP)
مجلس النواب اللبناني (AFP)

في ظل غياب أي فرد أو مؤسسة في لبنان قادرة في الوقت الحالي على مواجهة وهزيمة حزب الله، فإن تعاون الدولة الضمني معه، خصوصًا فيما يتعلق بالتطورات في سوريا، سيؤثر سلبًا على المجتمع اللبناني. وفي حال أراد الحريري انقاذ لبنان ، سيتوجب عليه الامتناع عن الخضوع لسلطة حزب الله. نظرًا إلى التحديات الحالية في لبنان، من الواضح أن مواجهة حزب الله ليست بالحل المناسب، لكن هذا لا يعني بأن التعاون مع حزب الله سيؤدي إلى ارساء الاستقرار في لبنان.

نشر المقال لأول مرة على موقع منتدى فكرة

اقرأوا المزيد: 737 كلمة
عرض أقل
الحكومة اللبنانية الجديدة, يناير 2014 (AFP PHOTO / HO / DALATI AND NOHRA)
الحكومة اللبنانية الجديدة, يناير 2014 (AFP PHOTO / HO / DALATI AND NOHRA)

تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة بعد ازمة استمرت اكثر من 10 اشهر

تضم الحكومة وزيرين من حزب الله الشيعي حيث يتولى النائب محمد فنيش منصب وزير دولة لشؤون مجلس النواب واسندت وزارة الصناعة للنائب حسين الحاج

بعد جمود سياسي استمر اكثر من عشرة اشهر أبصرت النور الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة تمام سلام اليوم السبت في محاولة لتعزيز الامن والاستقرار في بلد يحاول جاهدا منع امتداد العنف اليه من سوريا المجاورة.

وتولت حكومة تصريف الاعمال تسيير شؤون البلاد منذ استقالة حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في مارس اذار الماضي بسبب المشاحنات السياسية بين الاحزاب المتنافسة. وتفاقمت الازمة اثر اصطفاف كل فريق الى جانب حليفه في الحرب الاهلية الدائرة في سوريا منذ نحو ثلاث سنوات.

وتعهد رئيس الوزراء الجديد تمام سلام في كلمة بعد التشكيل بالعمل على ترسيخ الامن ومكافحة الارهاب الذي تواجهه البلاد المتأثرة بالصراع الدائر في سوريا.

وقال سلام “بعد عشرة أشهر من المساعي الحثيثة التي انطلقت اثر تكليفي باجماع من 124 نائبا والتي تطلبت الكثير من الجهد والصبر والتأني والمرونة ولدت حكومة المصلحة الوطنية التي هي حكومة جامعة تمثل في الحكومة الجامعة الصيغة الانسب للبنان بما يمثله من تحديات سياسية وامنية واقتصادية واجتماعية.”

واكد سلام ان الحكومة الجديدة ستعمل على تأمين الانتخابات الرئاسية في موعدها حيث من المقرر ان تنتهي صلاحيات الرئيس ميشال سليمان في مايو ايار المقبل. وينص الدستور على ضرورة انتخاب الرئيس قبل هذه الفترة والا تصبح الرئاسة شاغرة كما حدث في عام 2008.

وفي حال تعذر الوصول الى اتفاق حول شخصية الرئيس المسيحي المقبل عندها تحول صلاحيات رئيس الجمهورية الى الحكومة مجتمعة ريثما يتم انتخاب رئيس جديد.

واشار سلام الى ان الحكومة الجديدة “تهدف الى تشكيل شبكة امان سياسية وتسعى الى انجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها وترسيخ الامن الوطني والتصدي لكل انواع الارهاب كما تسهل معالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية الشائكة وابرزها تنامي اعداد النازحين من الاخوة السوريين وما يلقيه من اعباء على لبنان.”

ويعاني لبنان من عبء الأزمة الناشئة عن حرکة النزوح الکثيفة للمواطنين السوريين الذين باتوا يشكلون اكثر من ربع سكان البلاد.

وكان لبنان شهد منذ العام الماضي سلسلة من الاشتباكات الطائفية والمذهبية في طرابلس الشمالية بالاضافة الى التفجيرات الانتحارية في الضاحية الجنوبية لبيروت والهرمل شمال شرق البلاد معقل حزب الله وسقوط صواريخ على مناطق عدة.

وأدى تفجيران انتحاريان متزامنان قرب السفارة الإيرانية في نوفمبر تشرين الثاني إلى مقتل ما لا يقل عن 25 شخصا بينهم دبلوماسي إيراني.

وكان 124 عضوا في مجلس النواب اللبناني المؤلف من 128 قد اختاروا سلام رئيسا للوزراء في إبريل نيسان عام 2013 لكنه لم يتمكن من تشكيل الحكومة لعدة اشهر بسبب التناحر بين الكتل السياسية المؤلفة من 8 اذار بزعامة حزب الله الشيعي و14 اذار بزعامة سعد الحريري السني.

وفشلت محاولة لتشكيل حكومة جديدة الشهر الماضي بسبب اسم من سيتولى حقيبة وزارة الطاقة التي ازدادت اهميتها على نطاق واسع اثر اكتشاف الغاز قبالة ساحل لبنان على البحر المتوسط.

وفي وقت سابق توصل سلام الى اتفاق سياسي مع الاحزاب السياسية على تداول الحقائب الوزارية بين الاحزاب والطوائف المختلفة في الحكومة الجديدة لذا لم يعد بامكان طرف ان يتمسك بحقيبة بعينها.

وخلال المفاوضات اصر التيار الوطني الحر المسيحي المتحالف مع حزب الله على ان يحتفظ جبران باسيل بوزارة الطاقة لكن النزاع حل بعد ان اسندت الحقيبة الى حليفه الارمني آرتور نظريان من حزب الطاشناق الارمني.

وقال باسيل للصحفيين ان الاولوية المطلقة لهذه الحكومة ستكون “‭‭‭‭لتأمين الاستقرار والامن وايضا لتسيير شؤون الناس اليومية والحياتية والموضوع ‬‬‬‬المهم ‭‭‭‭لكل اللبنانيين واساسي هو موضوع النفط اذ ليس مطلوبا من الحكومة الا جلسة واحدة‬‬‬‬‬(‭‭‭‭لاقرار مرسومين يعيقان المناقصات‬‬‬)‭‭‭‬‬‬‬.”

وقال ز‭‭‭‭ير المال‬‬‬‬ ‭‭‭‭ ‬الجديد ‭‭‭‭علي حسن خليل لرويترز ” نريد لهذه الحكومة الجديدة ان تفتح باب التسوية‬‬‬ ‭‭‭الشاملة وتضع البلد على سكة الاستقرار‬‬‬‬”‭‭‭‭ ‬‬‬‬

ورحب وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بتشكيل الحكومة ووصف ذلك بأنها “خطوة أولى مهمة” للتعامل مع الاضطرابات السياسية التي عاني منها لبنان في الآونة الأخيرة.

وقال كيري “وسط تصاعد الإرهاب والعنف الطائفي نتطلع إلى أن تلبي الحكومة الجديدة -إذا وافق عليها البرلمان- الاحتياجات الأمنية والسياسية والاقتصادية الملحة للبنان.”

تتألف الحكومة الجديدة من 24 وزيرا برئاسة النائب تمام سلام وتضمنت 14 وزيرا جديدا بينهم امرأة واحدة. ‭‭‭‭‭‭‭وتضم الحكومة الجديدة 8‬‬‬‬‬ ‭‭‭‭‭وزراء‬‬‬‬‬ ‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬‬‬سمتهم ‭‭‭‭‭‭‭ قوى 8 آذار‬‬‬‬‬‬ بزعامة حزب الله ‭‭‭‭‭‭‭ المؤيد ‬‬‬‬‬‬‬للرئيس بشار الاسد ‭‭‭‭‭‭‭و8 محسوبين على قوى 14 آذار والمعارضة له و8 سماهم كل من سلام ورئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وهم يشكلون القوى الوسطية‬‬‬.‭‭‭‬‬‬‬‬‬‬

ووفقا للبيان الذي تلاه على الهواء مباشرة في التلفزيون سهيل بوجي الأمين العام لمجلس الوزراء اللبناني يتولى جبران باسيل منصب وزير الخارجية في حين عين وزير الصحة السابق علي حسن خليل وزيرا للمالية.

وأضاف بوجي أن البرلماني نهاد المشنوق من تيار المستقبل عين وزيرا للداخلية في حين عين سمير مقبل المقرب من رئيس الجمهورية وزيرا للدفاع.

وعين المدير العام السابق لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي في منصب وزارة العدل بعد ان رفض حزب الله وحلفاؤه تعيينه في منصب وزير الداخلية وهو الذي يتهمه خصومه بقيادة مجموعات سنية مسلحة في طرابلس بشمال لبنان لمواجهة مسلحين من الطائفة العلوية. ‭‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬‬‬ وقال سلام “لقد وزعت الحقائب الوزارية الاربعة والعشرون في هذه الحكومة بما يحقق التوازن والشراكة الوطنية بعيدا عن سلبية التعطيل. كما تم اعتماد قاعدة المداورة التي سعيت اليها منذ البداية اي تحرير الحقائب من القيد الطائفي والمذهبي.”

وأضاف “لقد شكلت حكومة المصلحة الوطنية بروح الجمع لا الفرقة والتلاقي لا التحدي. هذه الروحية قادرة على خلق مناخات ايجابية لاحياء الحوار الوطني حول القضايا الخلافية برعاية فخامة رئيس الجمهورية. وقادرة على تأمين الاجواء اللازمة لاجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها فضلا عن الدفع باتجاه اقرار قانون جديد للانتخابات التشريعية.”

ومضى يقول “اني امد يدي الى جميع القيادات واعول على حكمتها لتحقيق هذه الغاية وادعوها جميعا الى التنازل لصالح مشروع الدولة والالتقاء حول الجوامع الوطنية المشتركة ومعالجة الخلافات داخل المؤسسات الدستورية والالتفاف حول الجيش والقوى الامنية وابقائها بعيدا عن التجاذبات السياسية.”

وتضم الحكومة وزيرين من حزب الله الشيعي حيث يتولى النائب محمد فنيش منصب وزير دولة لشؤون مجلس النواب واسندت وزارة الصناعة للنائب حسين الحاج.

وحزب الله هو مجموعة شيعية سياسية مسلحة بدعم من ايران وهي واحدة من اكثر المجموعات نفوذا في لبنان خاض حربا مع اسرائيل عام 2006 وارسل مقاتلين الى سوريا لدعم الرئيس بشار الاسد الذي ينتمي الى الطائفة العلوية المحسوبة على الشيعة. ويدعم تيار المستقبل المقاتلين من ذوي الغالبية السنية في سوريا.

وساهمت الازمة في سوريا في بتفاقم الصراع في المنطقة بين المملكة العربية السعودية التي تدعم مقاتلين سنة ودول اخرى في طليعتها ايران وحلفائها الشيعة في لبنان والعراق والذين يدعمون بشار الاسد.

وقد يكون الاتفاق على الحكومة اللبنانية مؤشرا على ان تلك القوى تريد وقف موجة العنف التي تكثفت في العراق.

وكان الحريري الذي دفع بكل قوته لتشكيل حكومة مع قوى 8 اذار تعهد امس الجمعة في ذكرى اغتيال والده بمواجهة كل محاولات التطرف في الطائفة السنية وتغليب منطق الاعتدال لكنه قال ان مكافحة الارهاب في لبنان تتطلب سحب مقاتلي حزب الله الشيعي الذين يقاتلون الى جانب القوات الحكومية في سوريا “لوقف استدراج لبنان الى محرقة مذهبية.”

اقرأوا المزيد: 1030 كلمة
عرض أقل