في السنوات الماضية، شهد العالَم العربي هزات كثيرة: الحرب الأهلية السورية، ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، داعش، ملايين اللاجئين، تفكك وطني، ويبدو أن ليست هناك عوامل مشتركة كثيرة بينها. ولكن إذا بحثنا في متصفح البحث “جوجل”، يبدو أن هناك “طرف خيط” بينها، وبشكل عام بين كل كارثة أو تهديد – هناك موقع أو منتدى دائمًا يقرر أن الحديث يجري عن مكيدة إسرائيلية، فيسارع إلى نشر عنوان مثير، يزيد من شعبيتهما.
وبشكل عامّ، يبدو أن وسائل الإعلام العربية تنسب قوة لإسرائيل أكثر مما تملك في الواقع. مثلا، هل إسرائيل قادرة حقا على الوقوف إلى جانب كل من الجهات المختلفة في الحرب الأهلية السورية؟ لا، طبعا. يُستحسن دائما الانتباه إلى إي معسكر ينتمي مَن يتحدث عن “مؤامرة إسرائيلية” وضد مَن يوجه اتهاماته. غالبا، تتضح بناء على ذلك أن المصلحة وراء وصم اسم مجموعة معينة أو وراء إنكار وجود مشاكل حقيقية في الدول العربيّة والإسلامية، تعود إلى أسباب داخلية وليس إلى مؤامرة خارجية.
ولكن يبدو أن ليس هناك صوت عادل يمنع وسائل الإعلام العربية وقراءها عن متابعة خلق فرضيات مؤامرة ونشرها بحماس دون التمييز بينها وبين الأخبار الموثوقة، ومن دون الحاجة إلى التشكيك في مصداقيتها أو البحث عن معلومات أخرى. لا تحفز صناعة مؤامرة الخيال فحسب بل تزيد من نسبة المشاهدة. إن هدفها الرئيسي والخطير هو إبعاد اهتمام جهات حقيقية عن المشاكل مثل الفساد الداخلي أو السياسة الفاشلة.
ولم تُنسب إلى إسرائيل مسؤولية مكائد مختلفة فحسب، بل إلى منظمات حقوق الإنسان، الدول الغربية، وكذلك إلى مَن يمكن أن يشكل عدوا مشتركا لإثارة مشاعر الشعب وصرف الانتباه عما يهمه حقا – عن إدارة دولته وعن أصحاب المناصب الهامة.
نقدم لكم لمحة عن بعض المؤامرات الإسرائيلية، الكبيرة والصغيرة على حد سواء، من بين مؤامرات كثيرة أخرى وحتى أن هناك تناقض بينها. تجدر بكم قراءتها والتفكير في مدى مصداقيتها:
الربيع العربيّ – احتجاج عشوائي أو مؤامرة؟
لا شك أنكم تعرفون الادعاء القائل إن الربيع العربيّ هو مؤامرة خارجية ورطت فيها جهات خارجية الشعوب العربية ضد حكامها. إن المصالح واضحة من هذه الادعاءات – لا يرغب الحكام في الاعتراف بفقدان دعم الشعب، لهذا يعرضون معارضيهم كمبعوثين لخدمة مصالح أجنبية.
ولكن مع الاحترام والتقدير لقوة الاستخبارات الغربية، لا يمكن أن نفترض أنها سعت إلى أن تلحق الشرطة التونسيّة ضررا ببائع الخضراوات، محمد بوعزيز، الذي أضرم النار في جسمه وأدى إلى أن يتظاهر المواطنون ضد قمع الشرطة، حتى تطورت هذه المظاهرات وانتشرت في كل أنحاء تونس، وثار الشعب الذي شعر بقمع في ظل حكم زين العابدين بن علي.
ولم تشجع الاستخبارات الغربية أيضا الأطفال السوريين على كتابة “الشعب يريد إسقاط النظام”، على أحد الجدران، بعد أن سمعوا هذه العبارات في المظاهرات عبر التلفزيون. اختار نظام الحكم السوري استخدام وسائل القمع ضد الأطفال وعائلاتهم ونفذ جرائم، وأثار الثورة السورية.
الدور الوهمي لإسرائيل في الحرب الأهلية في سوريا
يعزز نظام الأسد، والثوار أيضا نظريات حول تورط إسرائيل في الأزمة السورية وينشرونها. يدعي نظام الأسد أن إسرائيل تساعد كل من يعمل ضده، بما في ذلك داعش أيضا.
وفي بيان للجيش السوري بتاريخ 07.09.17 ورد أنه شُن هجوم إسرائيلي ضد “مركز البحوث العلمية” (CERS) في مصياف وأن هذا “الهجوم هو محاولة بائسة لرفع معنويات التنظيم الإرهابي داعش، الذي يشهد تدهورا بعد الانتصارات الحاسمة التي حققها الجيش السوري ضد الإرهاب وفي جبهات كثيرة. يثبت الهجوم الدعم الإسرائيلي المباشر لتنظيم داعش وتنظيمات إرهابية أخرى”.
لا شك أن الهجوم لا يشهد على دعم إسرائيل لداعش أو تنظيمات أخرى. يعتقد الأسد أن كل مَن يعارضه يشكل جهة واحدة ويحاول صرف الانتباه نحو فرضيات المؤامرة هذه بهدف تشويش المجازر التي ارتكبها نظامه ضد شعبه، والتنصل من مسؤوليته المباشرة للوضع في سوريا، من خلال إلقاء اللوم على إسرائيل.
بالمقابل، هناك تنظيمات الثوار، لا سيما المعروفة كتنظيمات إسلامية أو يسارية، التي تستخدم الادعاء القائل إن الأسد هو “كلب إسرائيل الوفي”. هذا الادعاء غير مثبت، ولكنه يشير إلى الدور الحقيقي الذي تلعبه إسرائيل في الصراع بين كلا الجانبين – فيتم ذكر إسرائيل دائما بهدف التشكيك في الجهة المعادية، إضعافها، وتقليل دعمها، وصرف النقاش عن الادعاءات الأساسية.
ويذكر أن الموقف الإسرائيلي الرسمي إزاء الحرب في سوريا هو عدم التدخل، باستثناء تقديم مساعدات إنسانية أو شن هجمات جوية، حسب تقارير أجنبية، ضد أطراف معادية لإسرائيل تستغل الظروف لتضع يدها على معدات قتالية تهدد أمن إسرائيل، وذلك دون اعتراف رسميّ أو نفيّ من قبل إسرائيل لهذه الممارسات.
علكة تحتوي على مرض الإيدز في مصر
إن التوقيع على اتفاقيات السلام لا يضمن الإنصاف وحسن الجوار. في عهد مبارك، شاعت في مصر شائعات تحدثت عن أن إسرائيل تنشر مرض الإيدز في مصر بطرق مختلفة، بدءا من أحزمة أمان السيارات التي تبيعها لمصر، مرورًا بِعلكة للأطفال، وصولا إلى إقامة علاقات جنسية مع مصريين دون استخدام وسائل وقاية مع سائحات إسرائيليات في سيناء.
لم تُثبت الادعاءات حول نشر مرض الإيدز، ولكن ما زالت التقارير الكاذبة مستمرة وتنخرط عميقا في الوعي بعد مرور ثلاثة عقود أيضا. يبدو أن هذه الشائعات كانت تخدم مصالح مُبارك لصرف الانتقادات الجماهيرية عنه وتوجيها نحو جهات خارجية. لا شك أن هذه الشائعات أثرت في إبعاد اليوم الذي تُعقد فيه اتفاقية سلام بين البلدين، فقد نفرت القاهرة من ممثلي المجتمع المدنيّ الإسرائيلي. قُطعت العلاقات بين مفكرين ومؤلفين إسرائيليّين، علماء، رياضيين، صحافيين وسائر أصحاب الرأي وبين مصر.
نتنياهو سوداني
في مقال مطوّل عن الشائعات التي تحدثت أن نتنياهو وُلِد لعائلة يهودية في شمال السودان حاولنا معرفة المصادر الشائعة وأوردنا تفاصيل سيرة حياة نتنياهو الرسمية التي تعارض هذه الشائعات كليا.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني