تحيي اليوم حركة “السلام الآن” (شالوم أخشاف) الإسرائيلية، أقوى حركة سلام ناشطة على الساحة الإسرائيلية، وأكثرها دفاعا عن حقوق الفلسطينيين، ذكرى مقتل الناشط السياسي، أميل غرينتسويغ، على يد متطرف يهودي يميني عام 1982 خلال مسيرة احتجاجية في القدس، طالبت رئيس الحكومة آنذاك، مناحم بيجين، بتبني توصيات لجنة “كوهين” لتقصي الحقائق المتعلقة بمجزرة صبرا وشتيلا. ما هي أهداف حركة “السلام الآن”، وما هي نشاطاتها البارزة، وهل مستقبلها متشائم كما مستقبل عملية السلام؟
السلام الآن، هي مجموعة ضغط يسارية إسرائيلية، غير حكومية، تهدف إلى تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وتقوم الحركة عبر نشاطاتها، الميدانية والتربوية، بالتأثر على صناع القرار في إسرائيل، وإقناع الشعب الإسرائيلي بأهمية التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين عبر انهاء الاحتلال في الأراضي الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل على حدود 1967.
مبادئ الحركة
ترفض الحركة استمرار الاحتلال الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية، وتعده عائقا في وجه السلام بين الشعبين، وأن ضرره يتجاوز مسألة السلام مع الفلسطينيين، فهو كذلك يفسد القيم والأخلاق الإسرائيلية. وتناهض الحركة نشاطات الاستيطان التي تدعمها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في الأراضي الفلسطينية، وترى أن هذه النشاطات تقوض مساعي السلام الحقيقية لإسرائيل ونيتها إقامة دولة فلسطينية حيوية، ناهيك عن العزلة الدولية التي تفرضها الأطراف الدولية على إسرائيل جراء الاستيطان.
مسيرة السلام في تل أبيب (David Katz)
وتؤمن المنظمة بحل الدولتين لشعبين، وتقول إن المسؤولية التي تقع على كتفي إسرائيل أكثر من غيرها، كونها دولة ديمقراطية وحرة في الشرق الأوسط، مما يحتم عليها ضمان حقوق الإنسان لأي شخص كان في الداخل في والخارج، بما في ذلك إرساء العدل والحرية والمساوة.
وتؤمن الحركة بحق إسرائيل لحدود آمنة، وحق جيرانها لنفس الأمر، وكذلك تؤمن بحق الفلسطينيين لتقرير مصيرهم السياسي. وتناضل الحركة من أجل إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل على حدود عام 1967.
يذكر أن الحركة تتمتع بتأييد واسع في أوساط الأكاديميا والإعلام والثقافة، ومعاقل اليسار الإسرائيلي، وهي أقدم حركات السلام في إسرائيل.
رسالة الضباط والسلام مع مصر
انطلقت نشاطات الحركة عام 1978 على خلفية محادثات السلام مع مصر والتي تمخضت عن اتفاقية سلام ثابتة بين إسرائيل ومصر. ولما بدا أن المحادثات توصلت إلى أفق مسدود في بداية الطريق، بادر ضباط وجنود إسرائيليين ببعث رسالة إلى رئيس الحكومة آنذاك، مناحم بيجين، في مارس/ آذار عام 1978، تناشده باستغلال الفرصة لصنع السلام مع مصر، وعدم تفويتها. وجاء في هذه الرسالة التي تُعد أول وثيقة تجسد روح منظمة “السلام الآن”:
“حكومة تفضل إقامة دولة إسرائيل على حدود أرض إسرائيل الكاملة بدلا من أن تقيم السلام مع جيرانها، تثير لدينا مخاوف كثيرة. حكومة تفضل بناء بلدات ما بعد الخط الأخضر بدلا من انهاء الصراع وإقامة علاقات جيدة مع دول المنطقة، تثير لدينا اسئلة كثيرة بالنسبة لصواب طريقنا”. وتابع كاتبو الرسالة: “نناشدك (لمناحم بيجين) اختيار طريق السلام وتعزيز إيماننا بصواب طريقنا”.
مناحم بيجن وانور السادات (GPO)
نشاطات الحركة في إسرائيل وفلسطين
تنقسم نشاطات المنظمة إلى مجالين مركزيين، الأولى عبر تنظيم فعاليات ميدانية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، والثانية عبر فعاليات توعوية وتربوية للتأثر على الرأي العام في إسرائيل.
تطلق الحركة بين الحين والآخر حملات دعائية موجهة للجمهور الإسرائيلي، تشمل هذه إعلانات، اعتصامات، توزيع المناشير، وعقد مؤتمرات ومجموعات حوار، وكذلك إجراء الأبحاث من أجل التوعية لأهمية السلام، والتأثر على الرأي العام في إسرائيل وإقناعه بأهمية مبدأ الدولتين لشعبين.
واحدة من الجولات التي تنظمها حركة “سلام الآن” في القدس الشرقية (facebook)
ومن المشاريع البارزة التي تقيمها الحركة، مشروع رصد المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، والذي يتابع نشاطات الحكومة الإسرائيلية المتعلقة بتوسيع المستوطنات القائمة وبناء الشقق الجديدة، في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وتصدر الحركة على نحو دوري خرائط ومعطيات في إطار هذا المشروع بهدف بيان الثمن الباهظ، الاقتصادي والأخلاقي، الذي يدفعه الجمهور الإسرائيلي جراء مشروع الاستيطان الإسرائيلي.
ورغم أن “السلام الآن” حركة إسرائيلية، وتركز نشاطاتها على الشارع الإسرائيلي، إلا أنها تقيم حوارات ومناسبات مشتركة مع الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية. كما أنها تقيم جولات تفقدية في الضفة والقدس الشرقية للإسرائيليين للتعرف إلى حياة الفلسطينيين ومعاناتهم.
وتفتخر الحركة بأكبر فعالية تعاونية بين الطرفين، عام 1989، حين نظمت الحركة سلسلة بشرية حول القدس تتألف من إسرائيليين وفلسطينيين، وشارك فيها 15 ألف إسرائيلي ونفس الرقم من الجانب الفلسطيني، رفعوا شعارات السلام.
احتفاء الحركة بذكرى مقتل رئيس الحكومة رابين (facebook)
وتتواصل المنظمة في الحاضر مع الفئات المعنية بالسلام في الجانب الفلسطيني وتقيم نشاطات مشتركة مع منظمات سلام مثل People’s PeaceCampaign.
أحداث مفصلية في تاريخ الحركة
نظمت الحركة عام 1982 مظاهرة حاشدة، ربما الأكبر في إسرائيل، حيث طالب نصف مليون إسرائيلي الحكومة الإسرائيلية آنذاك بإقامة لجنة لتقصي الحقائق لأحداث صبرا وشتيلا، والتي تمخضت عن إقامة لجنة كوهين.
وفي عام 1988 في أعقاب مصادقة منظمة التحرير الفلسطينية على قرار 242 الأممي، وقبول مبدأ الدولتين لشعبين، نظمت الحركة مظاهرة كبيرة، شارك فيها نحو 100 ألف إسرائيلي، طالبت الحكومة الإسرائيلية إطلاق مفاوضات سلمية مع منظمة التحرير. كذلك دعمت الحركة اتفاق أوسلو عام 1993، وما زالت تضغط على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الانخراط في محادثات جدية مع الفلسطينيين. واحتفلت الحركة عام 1994 بمسيرات شعبية انطلاق المحادثات السلمية مع الأردن وإقامة السفارات بين البلدين.
ومن الأحداث المأساوية التي عرفتها المنظمة هي مقتل الناشط السياسي أميل غرينتسويغ عام 1983، على يد يهودي متطرق أطلق قنبلة يدوية نحوه، خلال مسيرة احتجاجية طالبت رئيس الحكومة آنذاك، مناحم بيجين، بتبني توصيات لجنة “كوهين” المتعلقة بصبرا وشتيلا.
“السلام الآن” وعملية السلام
يقول القائمون على الحركة أن نضالهم من أجل السلام مع الفلسطينيين متواصل، وهو غير متعلق بموقف الحكومة الإسرائيلية من المفاوضات مع الفلسطينيين، مشددين على أن نشاطاتهم متواصلة وبشدة رغم الجمود الذي توصلت إليه العملية السلمية.
ففي الراهن، تطالب الحركة حكومة نتنياهو وشركاءه من اليمين، بخوض مفاوضات جدية مع الجانب الفلسطيني ووقف النشاطات الاستيطانية التي تعرقل المسيرة السلمية. ورغم أن نشاطات الحركة ما زالت بارزة على الساحة الإسرائيلية، وصوتها ما زال مسموعا وبقوة، إلا أن السنوات الأخيرة شكلت تحديا لمدى نفوذ الحركة وقدرتها على التأثير في الشارع الإسرائيلي.
وزير الخارجية كيري وطواقم المفاوضات التي انتهت في شهر أبريل (State Department photo)
داخليا، أثرت التغييرات في الخارطة السياسية الإسرائيلية، أي صعود اليمين السياسي وتوسع رقعته، ولا سيما دخول حزب “البيت اليهودي” (ممثل المستوطنين) إلى الحكومة، وبالمقابل تراجع اليسار الإسرائيلي المتمثل بحزب “العمل” وحزب ميريتس- أثر سلبيا على نشاطات الحركة وكذلك على مكانتها في الشارع الإسرائيلي.
كذلك، ما مر به الشرق الأوسط، وما زال يمر به في السنوات الأخيرة من ثورات وانقلابات، وصعود التنظيمات الإسلامية المتطرفة، والذي أدى إلى صرف النظر عن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، أدى بدوره إلى صرف النظر عن نشاطات حركات السلام في إسرائيل.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني