تناسخ الأرواح هو نظرية دينية ظاهرة في العديد من الأديان مثل الأديان الشرقية والدين الدرزي، وخفية في أديان كاليهودية، والتي ذكرت فيها في الكابالا والزوهار. يصف الاسم العام للظاهرة عملية تنتقل خلالها الروح بعد موت الإنسان. والمشترك بين جميع نظريّات تناسخ الأرواح أنها عملية تعود فيها روح الإنسان المتوفي إلى العالم وتتجسّد في شخص آخر.

إنّ المناهج المختلفة لتناسخ الأرواح تتفرّد بفهم العملية باعتبارها عملية لمرّة واحدة، عدّة مرات، إلى ما لا نهاية، وحول السؤال فيما إذا كانت روح الإنسان تتناسخ وتظهر تحديدًا في إنسان أم في كائنات حيّة أخرى، مثل النبات أو الحيوان.

إنّ معرفة أنّ هناك واقع من تناسخ الأرواح، يغيّر وجهة نظر الإنسان عن الحياة، وفي حالات كثيرة يساعد هذا الإيمان بإعطاء إجابة عن عدد من الأسئلة الفلسفية مثل: لماذا تحدث أمور سيئة لأناس طيّبين؟ لماذا هناك أشخاص أصحاب مواهب طبيعية كثيرة بينما يجد آخرون صعوبة أو يكونون مقيّدين

الأديان الثلاثة وتناسخ الأرواح

في التوراة، كتاب اليهود المقدّس، ليس هناك تطرّق لفكرة تناسخ الأرواح وإنما لازدواجية الجسد والروح. كُتب في بعض آيات التوراة عن عودة الروح إلى الله ولكن لم توصف عمليات تناسخ الأرواح. ووفقًا لبعض مفسّري التوراة فإنّ الازدواجية المذكورة في التوراة وانفصال الروح عن الجسد تدلّ على وجود الإيمان بتناسخ الأرواح بشكل خفيّ.

كنيسة القيامة في القدس وخلفها قبة الصخرة (Miriam Alster/FLASH90)
كنيسة القيامة في القدس وخلفها قبة الصخرة (Miriam Alster/FLASH90)

وقد طوّرت فكرة تناسخ الأرواح في اليهودية في التقاليد الصوفية في اليهودية: الكابالا. حسب رؤية الكابالا فقد جُعل تناسخ الأرواح من أجل إصلاح الروح، وقد خلق الله كلّ إنسان بهدف أن يصل إلى الكمال من خلال استخدام اختياره الحرّ. إنْ لم تصل النفس إلى كمالها خلال أيام حياة الإنسان، يمكّنه تناسخ الأرواح من فرص أخرى لإصلاح النفس بمساعدة الاختيار.

من الناحية اللاهوتية فإنّ هذه النظرية تعطي حلّا لمشكلات الثواب والعقاب، وعلى وجه الخصوص تفسير الكوارث التي تحدث للأطفال الذين لا يسري عليهم العقاب، والكوارث التي تحدث للصالحين لتعليق الكارثة بخطيئة تمّت في تناسخ سابق.

إضافة إلى التيار المركزي في اليهودية، ترفض التيّارات المركزية في المسيحية والإسلام فكرة تناسخ الأرواح، ولكنّ بعض المذاهب الصوفية، كالصوفيين والدروز في الإسلام وبعض الطوائف في المسيحية الغنوصية والباطنية تقبل ظاهرة تناسخ الأرواح وتولي لها أهمية كبيرة.

تناسخ الأرواح في الطائفة الدرزية

يولي الدين الدرزي أهمية كبيرة لفكرة تناسخ الأرواح، إذ يعتبر هذا المفهوم أحد أسس العقيدة الدرزية. ووفقًا لهذا الإيمان فإنّ روح الإنسان الدرزي تنبعث فورًا بعد موته في روح مولود درزي يتواجد في جسد امرأة حامل، وبعد ولادته يذكر أحيانًا بعضًا من حياته السابقة. إنّ إيمانهم القويّ بتناسخ الأرواح يمثّل راحة من الحزن بسبب فقدان الحياة، ويعزّز هذا الإيمان التسامح والتضامن بين أبناء الطائفة الذين يعتقدون أنّهم يولدون واحدًا عند الآخر.

وفقًا لرؤية الدروز فإنّ الجسد هو كالثوب الذي تبدّله الروح. وإنّ انعدام أهمية الجسد الحقيقية عند الدروز يظهر في غياب الحاجة إلى طقوس الدفن المعقّدة، في شاهدة القبر وزيارة قبر الميّت في مواعيد محدّدة أو حتى في جلب الجثة إلى مكان سكن أسرة الميّت. رغم وجود المقابر، فغالبًا ليست هناك شواهد قبور عند الدروز (باستثناء المقبرة العسكرية للجنود الدروز في إسرائيل).

رجال دين دروز في إسرائيل (FLASH90)
رجال دين دروز في إسرائيل (FLASH90)

ويشير الاعتقاد بتناسخ الأرواح أيضًا إلى عدم جواز البكاء على الميّت، نظرًا إلى أنّ روحه قد انبعثت في مولود جديد ممّا يجلب الفرح إلى أسرته.

العلم وتناسخ الأرواح

حتى اليوم، لم يجد البحث في علوم الطبيعة أدلّة على وجود الروح، وهكذا يتمّ رفض الادعاء بخصوص تناسخ الأرواح. رغم ذلك، يعتقد بعض الباحثين من مجالات علم النفس والطبّ النفسي أنّ هناك أدلّة لظاهرة تناسخ الأرواح. إنّ المنهج العلمي الذي اتّبعه هؤلاء الباحثون هو توثيق عفوي لقصص يحكيها أشخاص مختلفون، وخصوصًا الأطفال، حول تجارب يذكرونها من حياتهم السابقة، ثم بعد ذلك فحص موثوقية المعلومات المقدّمة في إطار نقد يحاول إنكار إمكانية تعرّض ذلك الشخص لهذه المعلومات خلال حياته.

على سبيل المثال، في الحالة الدرزية، تم إجراء العديد من المقابلات مع أطفال من الدروز في إسرائيل الذين قالوا إنّهم يذكرون تجارب مرّوا بها في سوريا ولبنان، على سبيل المثال كيف توفّوا أو إلى أيّ عائلات كانوا ينتمون. في حالات كثيرة قامت أسرة الطفل بالتواصل مع العائلة الدرزية في سوريا أو لبنان وتم التحقّق من الكثير من التفاصيل.

هناك ظاهرة أخرى تدلّ على تناسخ الأرواح تدعى “زينوجلوسيا”، وهي ظاهرة خارقة للطبيعة يستطيع من خلالها الإنسان الحديث بلغة لم يتعلّمها أبدًا. لم يقبل اللغويّون وعلماء النفس هذه الظاهرة رغم أنّ بعض علماء النفس قد وثّقوا حالات أصيلة شاهدوها بأمّ أعينهم.

تناسخ الأرواح في الأديان الشرقية

إنّ فكرة تناسخ الأرواح في الأديان الشرقية (لا سيّما الهند والصين) هي جزء أساسي من عقيدتهم. تعتبر “السامسارا”، وهي عجلة الولادة والموت، من عقائد البوذية والهندوسية. في الهندوسية؛ يعتبر الموت تبديلا لثوب أحد الأجساد، بثوب جسد آخر. ويعمل إلى جانبه “قانون الحفاظ على طاقة الروح”. إنّ سبب تناسخ الأرواح وفق هذا المعتقد هو الحاجة إلى العودة وإصلاح أوجه القصور في الحياة السابقة في مبنى شخصية الإنسان الذي حصل على الكارما. تعتبر الحياة رحلة روحية طويلة ومستمرّة في العالم، بحيث لا يمكن أن تكتمل في تجسّد واحد.

وفقًا لهذا المعتقد يمكن تفسير اللقاء مع شخص غريب يبدو مألوفًا منذ الأبد، أو الشعور بأنّنا قد كنّا بالفعل في حالة معيّنة، رغم أنّنا نعرف بأنّنا لم نمرّ بها (ديجا فو). وعقب هذا النهج، هناك علاجات تسمّى “إعادة التجسّدات”، والتي تحاول العلاج من خلال التطرّق إلى الصدمات النفسية القديمة التي “سُجّلتْ” في روح المريض، في أحد تجسّداته الماضية.

في الختام، فإنّ الثقافة الشعبية لا تقبل نظرية تناسخ الأرواح وتؤكّد بدلا من ذلك على أنّ الإنسان يعيش لمرّة واحدة وأنّ الحياة قصيرة، ولكنّها تجد صعوبة في توفير تفسيرات بخصوص معنى حياة الإنسان كما تفعل نظرية تناسخ الأرواح.

اقرأوا المزيد: 839 كلمة
عرض أقل