هل أثر استهلاك المخدرات الخطيرة في القرارات المصيرية لهتلر في الحرب العالمية الثانية؟ نشرت القناة العاشرة الإسرائيلية، أمس السبت، خبرا مثيرا للاهتمام يتطرق إلى بحث أجراه صحفي ألماني، وكان يهدف إلى فحص إلى أي مدى كان يستخدم الجيش النازي والقيادة النازية المخدرات الخطيرة في الحرب العالمية الثانية. في كتابه “بأسرع وقت ممكن” الذي أصبح الأكثر مبيعا، اكتشف الصحفي مارتين أوهلر، أن أدولف هتلر كان مدمنا على المخدرات واستهلك كميات هائلة من الكوكايين والأمفيتامينات.
وفق الكتاب، اكتشف هتلر أن الأمفيتامينات – المخدرات المنشطة التي تتغلب على الخوف وتسمح بالقيام بنشاطات متتالية طيلة أيام دون الاستراحة – يمكن أن تكون حلا رائعا لخلق إنسان مثالي جديد. “كانت تعتبر كل الوسائل شرعية طالما كانت تحسن القدرات الشخصية والدوافع العنصرية بهدف أن تحافظ ألمانيا عن نفسها من الفئات الأخرى التي تسعى إلى إبادتها”، قال للقناة العاشرة المؤرخ جوهان شفوتو.
وفق أقوال أوهلر، شجعت المخدرات المنشطة قوانين الحرب لدى الجيش النازي، التي وصفت بـ “الحرب الخاطفة” (Blitzkrieg)، والتي حرصت على شن هجوم مدمج وسريع، أي الوصول بعيدا في أسرع وقت ممكن. “تفاجئ الجانب الآخر من الجنود الألمان الذين لم يناموا ويستريحوا”، قال أوهلر. “لم تعزز الميثامفيتاميات الحرب الخاطفة فحسب، بل سمحت بحدوثها”.
الصحفي مارتين أوهلر (لقطة شاشة)
وفق المقال، بعد محاولة اغتيال هتلر في عام 1944، بدأ هتلر يستهلك الكوكايين مكتشفا أفضلياته الصحية. “كانت تشير الصورة الذاتية لهتلر إلى أنه إنسان صالح، وأشبه بالقديس”، قال أوهلر “ولكن عندما بدأت أفحص القوائم التي وصفها طبيبه الشخصي له، اكتشفت أن هتلر تلقى أدوية كثيرة طوال الوقت منذ عام 1936 حتى نهاية حياته. تعكس هذه الحقيقة صورة أخرى للقائد، الذي كان قائدا أيضا لكل ما يتعلق بالمخدرات المسببة للإدمان”.
رغم ذلك، هناك من يدعي أن هتلر لم يستهلك المخدرات إلى حد كبير كما ذكر أوهلر، بالمقابل هناك من يدعي أنه ربما يحاول البحث نسب أعمال القائد إلى جهة خارجية. “ليست هناك علاقة بين السياسة المعادية للسامية والعنصرية لدى النازيين وبين المخدرات الخطيرة”، أوضح أوهلر “ولكنها تشكل جزءا لا يتجزأ من البازل الذي يوضح الصورة، التي تساعدنا على فهم كيف صارت الأمور، وماذا حدث في ألمانيا في تلك الفترة”.
أثناء زيارته الحالية في روسيا، شارك رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في مراسم لذكرى الانتصار على ألمانيا النازية بدعوة من الرئيس بوتين. كان نتنياهو الزعيم الغربي الوحيد المشارك في هذه الاحتفالات هذه السنة في روسيا.
خلال المراسم، أنشِد النشيد الوطني الإسرائيلي “هاتكفاه”. في نهاية مسيرة الانتصار السنوية في الميدان الأحمر، جرت مراسم وضع باقات الزهور بالقرب من النصب التذكاري في الميدان الأحمر. وضع بوتين ونتنياهو بطاقات الورد، ثم أنشِدَ النشيد الوطني الروسي والنشيد الوطني الإسرائيلي “هاتكفاه” بينما كان يقف بوتين وبيبي صامتين. بعد ذلك مر بالقرب منهما أعضاء وحدة الأعلام التابعة للجيش الروسي. في وقت لاحق، تصافح بوتين مع أعضاء البعثة الإسرائيلية المشاركة في مسيرة الانتصار، وصافح من بين شخصيات أخرى، الوزير الإسرائيلي، زئيف ألكين.
يشير يوم الانتصار في أوروبا الغربية إلى خنوع ألمانيا النازية، بتاريخ 8 أيار 1945، وانتهاء الحرب العالمية الثانية. من المتبع في الاتحاد السوفياتي سابقا ودول أخرى كانت تابعة للاتحاد السوفياتي إحياء ذكرى الانتصار بتاريخ 9 أيار من كل عام. في هذا التاريخ انتصر الجيش الروسي على الجيش النازي وانتهت الحرب العالمية الثانية.
سيلتقي بوتين ونتنياهو في الكرملين اليوم (الأربعاء) بعد الظهر وسيتباحثا الوضع في سوريا والتنسيق الأمني بين البلدين، وكذلك الاتّفاق النوويّ الإيراني، ومعلومات استخباراتية حول البرنامج النووي الإيراني كان قد كشفها الموساد وعرضها رئيس الحكومة الإسرائيلي في الأسبوع الماضي.
قبل أن يغادر قال نتنياهو إنه “في طريقه اليوم صباحا للقاء هام مع الرئيس الروسي، فلاديمر بوتين. اللقاءات مع بوتين هامة غالبا وهذا اللقاء هام بشكل خاصّ. في ظل ما يحدث في سوريا الآن، هناك حاجة إلى متابعة التنسيق الأمني بين الجيش الروسي والجيش الإسرائيلي”.
بعد مرور عشرات السنوات من السرية، كُشفت تفاصيل حول ملاحقة الموساد الإسرائيلي للمجرم النازي أثناء الحرب، يوزاف منغيله، في وسائل الإعلام الإسرائيلية. يتضح أنه هذه المطاردة هي إحدى أطول المطاردات، وأكثرها تعقيدا وصعوبة مما عمل عليها الموساد، للبحث عن مَن كان يُعرف باسم “ملاك الموت من أوشفيتس”.
عُيّن دكتور يوزاف منغيله في عام 1943 طبيبا كبيرا في معسكر الإبادة الألماني، “أوشفيتس – بيركناو”. كان مسؤولا عن التنصيف في معسكر الإبادة وحكم دون تفكير واهتمام على مئات آلاف اليهود بالموت في غرف الغاز دون رأفة. بالمقابل، أجرى تجارب “طبية” مفزعة على الأسرى.
وبعد الانتهاء الحرب وهزيمة ألمانيا النازية، نجح منغيله في الهرب، والاختباء في أمريكا الجنوبية. كان “الموساد” المنظمة الاستخباراتية في دولة إسرائيل في السنوات الأولى بعد إقامتها، مسؤولا، من بين مسؤوليات أخرى، عن القبض على مجرمي الحرب النازيين الذين نجحوا في الهرب والعيش تحت أسماء مُزيّفة ومحاكمتهم.
ونجح الموساد بشكل أساسي في هذه المهام في القبض على أدولف آيخمان، وهو من بين المسؤولين الكبار عن تطبيق البرنامج لإبادة يهود أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية، وإحضاره إلى إسرائيل لمحاكمته. بعد القبض على آيخمان، وقتله في إسرائيل، كان يُعد منغيله في نظر الكثيرين في إسرائيل والعالم المطلوب رقم 1، وكان على الموساد واجب القبض عليه.
“لقد رشى الموساد ضابطا نازيا سابقا وأعطاه مبلغ 5.000 دولار شهريا، حتى نجح بعد مرور بضعة أشهر في إيصال الموساد إلى عزبة في البرازيل كان يعتقد أن منغيله يختبئ فيها”، هذا وفق أقوال أحد رجال الموساد الذي كان مشاركا في العملية. ولكن شكك الموساد في التعليمات التي تلقاها من العميل، وبعد مرور سنوات كثيرة اتضح أنه فوّت فرصة الإمساك بمنغيله، الذي اختبأ في تلك العزبة حقا.
وادعى أحد رجال الموساد أنه شاهد منغيله وجهًا لوجه عندما كان عليه أن يفحص العزبة المشبوهة عن كثب، ولكن عندما طرأت حادثة طارئة لم يتلقَ تصريحا للإمساك بالمجرم النازي. وفق البرقية التي أرسلها إلى مشغليه في مقر الموساد الإسرائيلي، فقد شاهد رجل الموساد الذي سار في الغابة المجاورة للعزبة التي سكن فيه منغيله شخصا يبدو أنه منغيله وكان يسير أمامه وبرفقته شخصين آخرين. ولكن أخبره مشغلونه، أنه طرأت حالة طارئة اختُطف فيها طفل يدعى يوسلا شوحماكر ونُقِل إلى خارج إسرائيل، لهذا عليه أن يعود إلى إسرائيل بسرعة وتأجيل عملية القبض على منغيله.
وبعد مرور عدة سنوات، وبذل الكثير من المال، والجهود من أجل القبض على منغيله، مجرم الحرب النازي، وبعد أن عرف الموساد نهائيا مكان اختبائه تماما، أصبح الوقت متأخرا لأن منغيله قد مات غرقا.
وسط انتقادات واسعة.. افتتاح أكبر معرض في العالم عن حياة هتلر في برلين
القائمون على المعرض المثير للجدل يوضحون أن هدف المعرض هو محاربة الجهل السائد إزاء النازية وإجرامها، وليس تمجيد شخصية المجرم النازي أدولف هتلر، بعد أن ظل الحديث عنه في ألمانيا من التابوهات
افتتحت برلين أكبر معرض في العالم حول حياة هتلر هذا الأسبوع. وأوضح أمناء المعرض في وسائل الإعلام أن هدف المعرض الأسمى هو محاربة “الجهل السائد عن النازية”.
إعادة بناء مكتب الطاغي هتلر في أحد المعارض في برلين (AFP)
ويقع المعرض “هتلر – كيف حدث ذلك؟” في خندق استخدمه المواطنون أثناء الحرب، كان قريبا من خندق هتلر غير المفتوح أمام الجمهور. افتُتح المعرض بتمويل ذاتي بعد مرور أكثر من 70 عاما من انتحار الطاغية النازي في خندق في نهاية الحرب العالمية الثانية.
معرض في شوارع برلين حول صعود النازيين إلى الحكم (AFP)
وطيلة عشرات السنوات كان التركيز على شخصية هتلر بمثابة محرمات في ألمانيا. يتطرق المعرض إلى كيف أصبح هتلر نازيا، ولماذا أصبح الألمان قاتلين أثناء تلك الفترة. ويتطرق المعرض أيضا إلى حياة هتلر بدءا من ولادته في النمسا، مرورًا بعمله كرسام، وتجاربه أثناء خدمته العكسرية في الحرب العالمية الأولى، وصولا إلى صعوده إلى الحكم، وكيف أثرت جميع هذه المراحل في حياته وبرامجه لإبادة اليهود ودفع تعظيم مكانة الآريين قدما.
وينتهي المعرض في إعادة بناء الغرفة التي انتحر فيها هتلر في الخندق، وهي معروضة عبر جدران زجاجية ويحظر تصويرها.
هرمان غوطنبرغ، العجوز الأرجنتيني الذي يدعي أنه أدولف هتلر (Twitter)
وفي هذه الأثناء،، نُشِرت في الشهر الماضي تقارير تشير إلى أن عجوز عمره 128 عاما من الأرجنتين يدعي أنه أدولف هتلر الحقيقي وأنه هرب من ألمانيا بعد الحرب العالمية في عام 1945 وهو يحمل جواز سفر مُزيّفا حصل عليه من قوات الغستابو. وادعى أيضا أنه يكشف عن هويّته الآن بعد أن تأكد أن الموساد الإسرائيلي لا يبحث عنه بعد وتوقف عن مطاردة النازيين أيضا.
وقالت زوجة هرمان منذ 55 عاما في مقابلات مختلفة إن زوجها، على ما يبدو، هو نازيّ سابقا، ولكن ادعاءه أنه أدولف هتلر يبدو أنه بسبب الخرف الذي يعاني منه.
يعيش اليوم في بغداد 8 يهود فقط، بقية لجالية عريقة تعود جذورها إلى أكثر من 2500 عام. اقرأوا قصة هذه الجالية وتعرفوا إلى 5 إسرائيليين معروفين انحدروا منها
“يهود بابل” – هذا هو اللقب الذي يستخدمه حتّى اليوم كثير من اليهود ذوي الأصل العراقيّ الذين يقطنون في إسرائيل للإشارة إلى أنفسهم. يهود بابل، لا يهود العراق. ليس بلا سبب تفضيلُ عديدين اللقب القديم على اسم الدولة العصرية التي أتَوا منها – فالجالية اليهودية في العراق ذات جذور تاريخية ضاربة في العمق، تصل إلى دمار الهيكل الأول في أورشليم عام 607 قبل الميلاد.
فقد سبا ملك الإمبراطورية البابلية، نبوخذنصر الثاني، اليهود من موطنهم التاريخي إلى بابل البعيدة، حيث نشأت جالية يهودية جديدة ومزدهرة. لم يتوقف يومًا الحنين إلى الموطن، ويتجلى ذلك في المزمور 137، العدد 1: “عَلَى أَنْهَارِ بَابِلَ، هُنَاكَ جَلَسْنَا. بَكَيْنَا أَيْضًا عِنْدَمَا تَذَكَّرْنَا صِهْيَوْنَ”. لكن في فترةٍ متأخرة أكثر تاريخيًّا، مثل فترة كورش، التي أُجيز فيها لليهود بأن يعودوا إلى أورشليم، بقيت جالية يهود بابل قائمة وكبيرة.
النموّ والازدهار
كانت جالية يهود بابل الأكبر والأكثر ازدهارًا بين الجاليات اليهودية، حتّى حين تشتّت اليهود في كلّ أرجاء المعمورة. فقد كانت الجالية مركزًا تجاريًّا وحضاريًّا مزدهرًا، فضلًا عن كونها مركزًا روحيًّا ودينيَّا ذا أهمية كبرى. تجمّع جميع حكماء الديانة اليهودية بين نهرَي دجلة والفرات، وأقاموا هناك قرونًا. تعاملت الإمبراطورية البارثية التي سيطرت على المنطقة جيّدًا مع اليهود، ومنحتهم حقوقًا بإدارة مستقلّة وحريّة ثقافيّة. في هذه الفترة، بلغ الفِكر اليهودي إحدى ذُراه، في تأليف “التلمود البابلي”. كذلك في السنوات اللاحقة، تحت حُكم الساسانيّين، كان اليهود محميّين من أيّ أذى.
قبر حزقيال (ذو الكفل) في مدينة الكفل العراقيه (AFP)
مع انتشار الإسلام وسيطرة الخلفاء، بدءًا من القرن السابع الميلادي، تحسّن كثيرًا وضع يهود بابل، إذ أصبح للمرة الأولى معظم يهود العالم تحت السيادة نفسها – سيادة الإسلام. لكنّ هذا التعامُل لم يكُن ثابتًا، إذ كان وضع اليهود يعتمد على نظرة الحاكم. ورغم أنّهم نعموا غالبًا بالأمان، لكنهم كانوا تحت تهديد أحكامٍ – مثل حظر الخليفة عُمر بن عبد العزيز في مطلع القرن الثامن أن يلبسوا كالعرب أو أن يعيشوا حياة رفاهية، أو حُكم الخليفة المتوكّل في القرن التاسع، الذي ألزمهم بلبس ثياب خاصّة تكون علامة عار. في فترة الخليفة المأمون، دُعي اليهود “أخبث الأمم”، ودُمّرت مجامع يهودية كثيرة في عهده. في القرون الوسطى، هجر يهود كثيرون بغداد ومحيطها للسكن في الأندلُس، التي أصبحت مركزًا إسلاميًّا مزدهرًا في العالم.
كانت الفترة العثمانية أيضًا فترةً مفعمة بالتقلّبات بالنسبة للجالية في العراق. لكن كلّما ازدادت موجات الدمقرطة، تحسّن وضع اليهود، الذين شكّلوا جزءًا هامًّا من الحياة العامّة والتجاريّة في العراق. عام 1908، حصل جميع يهود العراق على مساواة في الحقوق وحرية دينية كفلها القانون، حتّى إنّ بعضهم أُرسل لتمثيل العراق في البرلمان العُثمانيّ.
كنيس مهجور في مدينة الفلوجة (ِAFP)
بعد الحرب العالمية الأولى وتتويج فيصل ملكًا على البلاد، تحسّن وضع اليهود أكثر فأكثر. كان وزير المالية الأول للعراق في العصر الحديث يهوديًّا، اسمه حسقيل ساسون . اتّخذ ساسون عددًا من القرارات التي أسهمت في استقرار الاقتصاد العراقي في القرن العشرين، بما فيها تنظيم تصدير النفط إلى بريطانيا. وبشكل عامّ، أضحت أسرة ساسون البغداديّة إمبراطوريّة اقتصاديّة امتدّت من الهند شرقًا حتّى أوروبا غربًا.
أمّا ما زاد شهرة يهود العراق أكثر من أيّ شيء آخر في العصر الحديث فهو موسيقاهم. فقد اشتُهر الكثير من اليهود بفضل مواهبهم الموسيقيّة، وفي مسابقة الموسيقى في العالم العربي التي أُقيمت في القاهرة في الأربعينات، فاز الوفد العراقي، الذي تألّف من موسيقيين يهود ومُطرب مسلم واحد. ويُذكَر بشكل خاصّ صالح وداود الكويتي، اللذان أنشآ فرقة الإذاعة الموسيقية الوطنية في العراق، حتّى إنهما غنّيا في حفل تنصيب الملك فيصل الثاني.
التدهوُر والمغادَرة
حدث التدهوُر الأكبر في وضع يهود العراق مع صعود النازيين في ألمانيا في ثلاثينات القرن العشرين. فقد عملت السفارة الألمانية في بغداد بوقًا لرسائل لاساميّة أدّت تدريجًا إلى تغيّر نظرة العراقيين المسلمين إلى إخوتهم اليهود. فعام 1934، فُصل عشرات الموظَّفين اليهود من وزارة الاقتصاد، عام 1935 فُرضت قيود على عدد اليهود في المدارس، وعام 1938 أُقفلت صحيفة “الحصاد”، لسان حال يهود العراق.
مجموعة حاخامات يهود في بغداد عام 1910 (Wikipedia)
وكانت الذروة عام 1941، بعد فشل الانقلاب الذي قاده رشيد عالي الكيلاني، الذي سعى إلى طرد البريطانيّين وإنشاء سُلطة ذات رعاية ألمانية – نازيّة. في تلك السنة، حدث ما يُعرف بالفرهود – المجزرة الأكبر بحقّ يهود العراق. في إطار الاضطرابات، قُتل 179 يهوديًّا، أصيب 2118، تيتّم 242 طفلًا، وسُلب الكثير من الممتلكات. وصل عدد الأشخاص الذين نُهبت ممتلكاتُهم إلى 50 ألفًا، ودُفن الضحايا في مقبرة جماعيّة في بغداد.
كانت النتيجة المباشرة للمجزرة تعزيز قوة الصهيونية، والإدراك أنّ فلسطين (أرض إسرائيل) وحدها تشكّل ملاذًا آمنًا ليهود العراق. فاقم إنشاء دولة إسرائيل ونتائج حرب العام 1948 أكثر وأكثر التوتر بين اليهود والمسلمين في العراق. فاليهود الذين اشتُبه في ممارستهم نشاطاتٍ صهيونية قُبض عليهم، احتُجزوا، وعُذِّبوا.
عام 1950، سنّت الحكومة العراقية قانونًا يسري مفعوله لعامٍ واحد، أتاح لليهود الخروج من البلاد شرطَ تنازُلهم عن جنسيّتهم العراقية. أُتيح لكلّ يهودي يبلغ عشر سنوات وما فوق أن يأخذ معه مبلغًا محدَّدًا من المال وبضعة أغراض. أمّا الممتلكات التي خلّفوها وراءهم فكان يمكنهم بيعها بمبالغ ضئيلة.
نتيجة ذلك، أطلقت دولة إسرائيل عملية باسم “عزرا ونحميا” تهدف إلى إحضار أكبر عددٍ ممكن من يهود العراق إلى البلاد. وكلّما زاد تدفّق اليهود الذين غادروا العراق، ازدادت مضايقات اليهود، حتّى إنّ البعض منهم فقد حياته.
عائلة يهودية عراقية
منذ 1949 حتّى 1951، فرّ 104 آلاف يهودي من العراق ضمن عمليات “عزرا ونحميا”، و20 ألفًا آخرون هُرِّبوا عبر إيران. وهكذا، تقلّصت الجالية التي بلغت ذروة من 150 ألف شخص عام 1947، إلى مجرّد 6 آلاف بعد عام 1951. أمّا الموجة الثانية من الهجرة فحدثت إثر ارتقاء حزب البعث السلطة عام 1968، إذ هاجر نحو ألف يهودي آخرين إلى إسرائيل. اليوم، يعيش في بغداد عددٌ ضئيل من اليهود، كما يبدو مجرّد ثمانية.
جمّدت السلطات العراقية الممتلكات الكثيرة لليهود الذين هجروا البلاد. ويُقدَّر أنّ قيمة الممتلكات كانت تبلغ نحو 30 مليون دولار في الخمسينات. أمّا بقيمة اليوم، فيمكن القول إنّ يهود العراق تركوا وراءهم ممتلكاتٍ تُقدَّر قيمتها بـ 290 مليون دولار.
خمسة إسرائيليّين – عراقيين عليكم أن تتعرفوا إليهم
عائلة يهودية عراقية تصل الى مطار اللد عام 1950 (WIKIPEDIA)
بدءًا من الخمسينات، ازدهرت جماعة يهود بابل في دولة إسرائيل. لم تكُن صعوبات الاستيعاب في الدولة الفتيّة بسيطة، وكان عليهم أن يناضلوا للحفاظ على هويّتهم الفريدة مقابل يهود أوروبا الشرقية، الذين رأوا فيهم ممثّلين أقل قيمة للحضارة العربية. لم تقدِّر السلطات الإسرائيلية الممتلكات الكثيرة والغنى الحضاري الذي تركوه وراءهم في بغداد والبصرة، ولم يتمكّن يهود العراق من إيجاد مكانة لهم بين سائر المهاجرين: المهاجرين من أوروبا الشرقية من جهة، والمهاجرين من شمال إفريقية من جهة أُخرى.
لكن كلّما مّرت السنون، تعرّف الشعب الإسرائيلي إلى أهمية وإسهامات المهاجرين من العراق، ووصل بعضٌ منهم إلى مواقع مركزيّة في السياسة، الثقافة، والمجال المهنيّ في إسرائيل. إليكم خمسة عراقيين يهود إسرائيليين، عليكم أن تتعرّفوا إليهم:
الحاخام عوفاديا يوسف – وُلد عام 1920 في بغداد باسم “عوفاديا عوفاديا”، وأصبح مع الوقت الزعيم الديني دون منازع لجميع يهود الشرق في إسرائيل. وضع الحاخام، الذي اعتُبر معجزة دينيّة منذ طفولته، أولى مؤلفاته الدينية في التاسعة من عُمره. يتذكّره كثيرون في إسرائيل بسبب إجازته الفقهيّة لعمليّة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن أيضًا بسبب زلّات لسانه العديدة. فقد قال مثلًا عن أريئيل شارون: “ليُنزل عليه الله – تبارك وتعالى – ضربةً لا يقومُ منها”، ووصف رئيس الحكومة نتنياهو بأنه “عنزة عمياء”.
بنيامين “فؤاد” بن إليعيزر – الطفل الصغير من البَصرة الذي أمسى قائدًا عسكريًّا بارزًا في إسرائيل، وبعد ذلك سياسيًّا شغل عددًا كبيرًا من المناصب الوزارية، وكان صديقًا مقرَّبًا من الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك. فبعد أن كان وزير الإسكان في حكومة رابين، وزير الدفاع في حكومة شارون، ووزير الصناعة في حكومتَي أولمرت ونتنياهو، تتجه أنظار “فؤاد” الآن إلى المقام الأرفع، إذ يسعى إلى أن يكون أوّل رئيس عراقي لدولة إسرائيل.
دودو طاسا – حفيد داود الكويتي الذي أضحى هو نفسه موسيقيًّا كبيرا ورياديًّا في إسرائيل. يدمج تاسا بين الأسلوب الغربي وبين الموسيقى العراقية التقليدية، ويُذكَر بشكل خاصّ أداؤه لأغنية فوق النخل ، التي اشتُهرت بأداء جدّه. قادت الأغنية إلى ألبوم يعزف فيه تاسا أغاني الكويتيَّين (داود وصالح).
إيلي عمير– الأديب الذي جسّد أفضل من أيّ شخص آخر مشاعر القادِمين من العراق. عبّر كتابه “ديك الفِداء”، الذي كتبه على مدى 13 عامًا، بشكل دقيقٍ عن مصاعب شابّ ذي أصل عراقي يستصعب الوصل بين عالم والدَيه الماضي وبين عالَم رجال الكيبوتز ذوي الأصول الأوروبية، الذي أراد الاندماج فيه. بقيت لغته الأم عربية، وهو حزين للإكراه الثقافي الإسرائيلي، الذي ألزمه بمحو ماضيه. مع السنوات، أضحى عمير ناشطًا في حزب العمل الإسرائيلي.
إيلي يتسفان – كبير الكوميديين الإسرائيليين هو في الواقع من أصل عراقيّ. فرغم أنه وُلد في إسرائيل، والداه كلاهما عراقيّان. سمع يتسفان، أصغر خمسة أبناء، العربية العراقية تصدح في بيته، وأصبح مقلّدًا موهوبًا قادرًا على تمثيل شخصية أيّ إنسان، ولا سيّما شخصيات من العالم العربي. كاد تقليده للرئيس المصري محمد حسني مبارك (الذي أعطى مبارك لهجة مختلطة – مصريّة وعراقيّة) يقود إلى أزمة في العلاقات الإسرائيلية – المصريّة.
قصة استثنائية لزكاريا بوطال، يمني يهودي تطوع للخدمة في الجيش البريطانيّ في الحرب العالمية الثانية ونجح في البقاء على قيد الحياة بعد أسره على يدي ألمانيا
تطوع 234 يهوديا من أصول يمنية في الحرب العالمية الثانية لخدمة كتيبة النخبة في الجيش البريطانيّ، إضافة إلى 3000 مقاتل من إسرائيل. لقد عمل المتطوعون في مهام مختلفة مثل فتح طرقات، إقامة حصن، شق شوارع، بناء سكك حديدية، وشحن معدات وذخيرة في الصحراء الكبرى في أفريقيا وفي اليونان. وقع 146متطوعا في الأسر الألماني في اليونان في عام 1941.
نشرت صحيفة “هآرتس” اليوم قصة زكريا بوطال الاستثنائية، أحد المقاتلين من أصول يمنية. ولد زكريا بوطال عام 1922، في بلدة بيتح تكفا (قرية ملبس) في حي أقيم من أجل القادمين الجدد اليهود الذي وصولوا إلى البلاد من اليمن. قدم والده يشعياهو من اليمن عام 1903. ولدت والدته يونا في البلاد لأب من أصل يمني كان قد قدم إلى البلاد عام 1882. كان زكريا عضوا في الحركات السرية اليهودية التي نشطت في إسرائيل أثناء الانتداب البريطانيّ وفي عام 1939، مع نشوب الحرب العالمية الثانية، تطوع للخدمة في الجيش البريطانيّ.
بعد فترة من التدريبات خرج مع أصدقائه المقاتلين للخدمة في مصر وليبيا. في عام 1941، انتقلوا إلى اليونان، ووفق أقواله “أطلق الألمان عليهم وابل من النيران”. لاحقا، تلقى آلاف الجنود في الوحدة البريطانيّة في اليونان أمرا بالخضوع إلى الألمان. “لم يكن أمامنا مكان يمكننا الهروب إليه”، قال بوطال الذي كان واحدا من بين نحو 1.500 جندي إسرائيلي وقعوا في الأسر الألماني.
زكاريا بوطال بعد أسره على يدي ألمانيا
حقيقة كونه جنديا في الجيش البريطانيّ منعت منه أن يكون مصيره مثل اليهود الآخرين الذين وقعوا في أسر الألمان. “نصحنا أحد ضباطنا أن نسير مرفوعي الرأس. أراد ألا نقع في الأسر بينما نظهر خائفين، بل أن نظهر يهودا فخورين”، قال. صحيح أن أكثرية الجنود اليهود بقوا ضمن مجموعة واحدة، ولكن وفق أقواله: “مزق جزء من الجنود هوياتهم ووقفوا بين المقاتلين البريطانيين. كان هؤلاء الجنود يهودا وصلوا من أوروبا، وخافوا لأنهم كانوا يعرفون الشعب الألماني جيدا. أنا لم أشاهد مواطنا ألمانيا أيا كان حتى تلك اللحظة”، قال بوطال.
في البداية، في مدينة كالاماتا، “احتجزونا في مكان كبير دون أن نحصل على طعام وماء”، وفق أقواله. لاحقا كان علينا المشي عشرات كيلومترات باتجاه سالونيك. “فرق الألمان بين اليهود والبريطانيين، ونُقلنا نحن اليمنيون إلى مجموعة منفردة. قالوا لنا إننا لسنا يهودا، بل أفارقة أبناء دين موسى”، وفق أقوال بوطال. أرسِلت المجموعة التي كان ينتمي إليها للعمل في أعمال شاقة في مصنع للمطاط في ألمانيا، كان يصنع سفنا عسكرية ألمانية. “صنعنا ثقوبا في السفن، وألحقنا بها ضررا دون أن يلاحظ أحد ذلك”، قال.
زكاريا بوطال
لاحقا أرسِلت للعمل في سكة الحديد. “لم أستطع العمل. كان الأوروبيون معتادين على البرد القارس، ولكني لم أشعر ببرد قارس إلى هذا الحد سابقا. كنت أقترب إلى برميل أشعلنا فيه حطبا للتدفئة”. عندما لاحظ مدير العمل النازي أفعاله، هاجمه. لذلك ألقى عليه بوطال حجرا. “فصرخ الضابط بوجه جنوده لإطلاق النار علي، فهربت نحو أصدقائي الذين أحاطوني وقالوا للجنود الألمان إنهم إذا أرادوا إطلاق النار علي، فليطلقوا النار علينا جميعا. لحسن حظي لم يفعلوا ذلك”، قال.
بهدف التهرب من البعثة التي أرسِلت للعمل في مناجم الفحم، اختبأ بوطال في أحد الأيام في المرحاض. في نهاية الحرب، عندم تم إخلاء الأسرى في المواكب الجنائزية اختبأ بوطال مع مجموعة صغيرة، حتى أطلق الروس سراحه.
لاحقا حارب في الجيش الإسرائيلي، وعمل طيلة حياته في إسرائيل فلاحا. توفي هذا الشهر عن عمر يناهز 95.
يلعب هيملر بأوراق اللعب، يشاهد فيلما جيدا، ينظر إلى النجوم ويلتقي بأدولف هتلر – توفر يوميات رئيس الإس إس، هاينريش هيملر، التي كُشف عن أجزاء منها، هذا الأسبوع، في الصحيفة الألمانية الشعبية “بيلد”، لمحة مثيرة للاهتمام عن جدول أوقات أحد كبار مسؤولي النظام النازي.
توثق اليوميات سيرة حياة هيملر عام 1938 – وهو العام الذي حدثت فيه “ليلة البلور”، وكذلك عامي 1943-1944، وهما العامان الحاسمان في الحرب العالمية الثانية وهولوكوست يهود أوروبا.
لم يكتب هيملر نفسه اليوميات، ذات ألف صفحة وإنما كتبها مساعدوه. قد عُثر عليها مؤخرا في أرشيف عسكري في روسيا، حيث احتُفظ بها على مدى أكثر من 70 عاما منذ أن صادرها الجيش الأحمر في نهاية الحرب العالمية الثانية. وعُرّفت هذه اليوميات في معهد التاريخ الألماني في موسكو أنها “وثيقة ذات أهمية تاريخية منقطعة النظير”.
تولى هاينريش هيملر سلسلة من المناصب الكبيرة في النظام النازي، واعتُبر الرجل الثاني في أهميته في الرايخ الثالث. وكان أيضا رئيس الغيستابو وتولى منصب وزير الداخلية. عام 1945 سقط هيملر أسيرا لدى البريطانيين وانتحر من دون أن يُحاكم على جرائمه. لا تكشف اليوميات عن معلومات تاريخية استثنائية وتصف في معظمها جدول أوقات روتيني لرجل مسؤول ومشغول. ومع ذلك، فإنّ الدمج بين الاجتماعات، السفريات، الوجبات، التخطيط والتنفيذ للقتل الجماعي ليهود أوروبا، هو الذي يجعلها وثيقة مثيرة للاهتمام ومهمة.
على سبيل المثال، في أحد الأيام زار هيملر معسكر بوخنفالد في ألمانيا، تناول هناك “وجبة سريعة في مقهى كازينو الإس إس”. في يوم آخر زار معسكر الإبادة سوفيفور في بولندا المحتلة وكان شاهدا على قتل 400 طفلة وامرأة يهوديات عن طريق الغاز. ومن هناك استمر لتناول وجبة احتفالية مع عناصر الإس إس.
قال الصحفي الألماني، الذي كشف عن مقاطع من اليوميات قبل نشرها في كتاب، في مقابلة مع الصحيفة البريطانية “تايمز” إنّ “ما يثير الاهتمام في الوثائق هو الدمج”. بحسب كلامه، فمن جهة، يظهر هيملر كإنسان يحرص جدا على زوجته، بناته، أصدقائه، وسكرتيرته، والتي كان على علاقة غرامية بها، ومن جهة أخرى، فقد استمر في تنفيذ القتل الجماعي. “افتتح أحد الأيام بتناول وجبة فطور وتدليك من طبيبه الشخصي. بعد ذلك هاتف زوجته وابنته وحينها قرر قتل 10 أشخاص أو زيارة معسكر اعتقال”، كما قال. في مرة أخرى توثق اليوميات اللحظات التي أمر فيها هيملر بتجهيز معسكر أوشفيتز بكلاب حراسة جديدة يمكنها أن “تمزّق إربا إربا” ضحاياها.
توسلت عائلة السير ونستون تشرشل، رئيس حكومة بريطانيا في الحرب العالمية الثانية، إليه للحيلولة دون اعتناق الإسلام – هذا ما أظهرته رسالة كُشف عنها مؤخرا.
رئيس الحكومة الذي قاد بريطانيا للفوز في الحرب العالمية الثانية وأمسى رمزا ليس فقط في بلاده، قد وقع في أسر الحضارة الشرقية في بداية العشرينات، وعبر عن رغبته في اعتناق الدين الإسلامي. في رسالة من شهر آب 1907 كتبت له زوجة أخيه المعهودة، التي تزوجت لاحقا شقيق تشرشل، جاك: “إذا اعتنقت الدين الإسلامي ستكون لهذا تأثيرات. إنها مسألة عائلية، وعليك أن تحارب ضد ميولك”.
كُشفت الرسالة عن طريق باحث تاريخي في جامعة كامبريدج. مع ذلك أوضح الباحث أنه يعتقد أن “تشرشل لم يفكر مليا في اعتناق الإسلام، وقد كان ملحدا إلى حد ما. ولكن فعل ذلك من أجل شعبية الحضارة الإسلامية التي كانت شائعة في بداية القرن بين أوساط الفيكتوريين”.
لقد انكشف تشرشل على الحضارة الإسلامية عندما خدم كضابط في الجيش البريطاني في السودان. في رسالة كتبها أشار إلى أنه “كان يود أن يكون باشا”، حاكما تركيا في الإمبراطورية العثمانية. كان يحضر الحفلات وهو يرتدي الملابس العربية، وكان يعبّر عن شغفه للحضارة الشرقية أمام رفاقه ومعارفه.
كما يُذكر، في عام 1940، عندما كان تشرشل في ذروة الصراع البريطاني ضد ألمانيا النازية، دعم بناء ما أمسى على مر الأيام المسجد المركزي في لندن بتكلفة 100 ألف باوند، آملا أن يحظى بدعم الدولة الإسلامية في الحرب.
مع ذلك، ورغم انجذابه إلى الحضارة الشرقية والإسلام، لم يوفر تشرشل من انتقاده للدين. “على ما يبدو، فإن حقيقة أنه في القضاء الإسلامي تتبع كل امرأة إلى رجل ولديه حقوق ملكية تامة عليها، حتى إن كانت فتاة، امرأة، أو عشيقة، سوف تؤخر فناء العبودية في العالم، حتى تتوقف العقيدة الإسلامية عن منح السيطرة للرجال العرب”، كتب تشرشل في يومياته عام 1899 وقت خدمته في السودان.
“يمكن أن يتمتع الأفراد المسلمون بقدرات مذهلة، ولكن تأثير الدين الإسلامي على المجتمع العربي يشل التطور الاجتماعي للمؤمنين به. ليست هناك أية قوة في العالم تعرقل التطور وتتخلف عن العالم مثل الإسلام. إن دين محمد بعيد عن الضعف، وهو عقيدة عسكرية ومتملقة”، كتب تشرشل.
ألم التحرير: انتهاء الهولوكوست والحرب العالمية الثانية
مع تقدّم الحلفاء زاد الألمان من وتيرة الإبادة في المعسكرات بموازاة البدء بإخلاء الأسرى في "المواكب الجنائزية". بعد الهزيمة الألمانية ومع تحرير المعسكرات تم الكشف عن حجم الإبادة، الرعب، والوحشية التي هزّت العالم بأسره
مع تفكك الرايخ الثالث وانهيار الجبهة الشرقية بدأ الألمان بانسحاب واسع النطاق نحو الغرب إلى داخل ألمانيا. ومع اقتراب الجيش الروسي إلى الحدود البولندية سرّع الألمان من عملية القتل في المعسكرات.
لقد بدأ القضاء على آخر اليهود في المعسكرات الواقعة في منطقة لوبلين منذ شهر تشرين الثاني عام 1943 تحت الاسم الرمزي “إيرنتيفيست” والذي يعني “عيد الحصاد”. بعد موجة من الترحيل منذ حزيران حتى أيلول عام 1942 تم تركيز الناجين من الجاليات اليهودية من وسط بولندا في عدة غيتوهات معزولة. حتى منتصف عام 1943، دُمّرت هذه الغيتوهات وتم سجن العمّال المؤهّلين في معسكرات للعمل. ومن ثم تم إخلاء المعسكرات عام 1944 وأُرسل السجناء إلى معسكرات في ألمانيا. أُرسل أواخر يهود لودز، وهم نحو 70 ألفًا، إلى معسكر الإبادة أوشفيتز- بيركينو في آب عام 1944. وقد قُتل معظمهم فور وصولهم.
أمر رئيس الإس إس، هاينريش هيملر، أن يُمنع بكل ثمن وضع يحرّر فيه جنود الحلفاء معسكرات الاعتقال ويطلقون سراح السجناء، بحيث يمكنهم الكشف عن حجم الإبادة الممنهجة. وقد قرّر الألمان إخلاء المعسكرات وبذلك يمكنهم القضاء على أدلة جرائم القتل، والاستفادة الكاملة من القوة العاملة اليهودية في ألمانيا والنمسا. كانت الأوامر الأولى هي إخلاء الأسرى نحو الغرب، ولكن خاف بعض الحرّاس على حياتهم وأرادوا الفرار من الحلفاء، لذلك قتلوا الأسرى في المكان.
المواكب الجنائزية
كانت المعسكرات الأولى التي تم إخلاؤها في دول البلطيق، في شرق بولندا ووسطها. تمّ الإخلاء في نفس الوقت تقريبا بالقطارات، وفي أحيان نادرة بالسفن أيضًا. تم إخراج بعض السجناء من المعسكرات مشيًا على الأقدام وبعد فترة قصيرة من ذلك بدأت موجة هائلة من “المواكب الجنائزية”.
في كانون الثاني عام 1945، في أعقاب الهجوم المجدّد للجيش الأحمر، بدأ إخلاء معسكرات الاعتقال من باقي أرجاء بولندا. تم إخراج نحو 66,000 أسير، ومعظمهم من اليهود، من معسكر أوشفيتز ومن المعسكرات الفرعية التابعة له، ومن ثم تم تسييرهم وترحيلهم في قطارات الشحن المفتوحة إلى معسكرات أخرى. لاقى 15,000 ألفًا على الأقل حتفهم خلال الرحلة. بعد ذلك بأيام قليلة، بدأ إخلاء معسكر شتوتهوف والمعسكرات التابعة له. وفي المجموع لاقى حتفه في المواكب الجنائزية وأثناء إطلاق النار على شاطئ البحر نحو 26,000 من بين 50,000 أسير في شتوتهوف.
موكب جنائزي لنساء في الشيك، مايو 1945
استمرّت المواكب الجنائزية حتى اليوم الأخير من الحرب. ولاقى حتفه في المواكب الجنائزية، منذ صيف عام 1944 وحتى نهاية الحرب، ما معدله بين 200,000 إلى 250,000 أسير من معسكرات الاعتقال النازية، من بين 714,000 خرجوا منها. لقد لاقوا حتفهم خنقًا، من الحرّ، الجوع، والعطش، بينما كانوا في قطارات شحن مُغلقة، أو تم قتلهم رميًا بالرصاص أو ضربًا. كان ربع حتى ثلث هؤلاء الضحايا من اليهود. وُجدت بعد الحرب على طول مسارات المواكب الجنائزية مئات القبور الجماعية لعشرات آلاف الأسرى.
نهاية حرب حزينة: الكشف عن حجم الكارثة
في 8 أيار عام 1945، استسلمت ألمانيا النازية للحلفاء، من دون شروط. قبل ذلك بفترة قصيرة بدأ الحلفاء بتحرير معسكرات الاعتقال والإبادة. وقد تم تحرير معسكر أوشفيتز- بيركينو في تاريخ 27 كانون الثاني عام 1945، وهو التاريخ الذي يتم فيه اليوم في العالم إحياء اليوم العالمي لذكرى الهولوكوست. ومع ذلك، فقد استمر الألمان بمقاومة شديدة على “أرض الرايخ”، وتم تحرير معسكرات الاعتقال في ألمانيا والنمسا من قبل الحلفاء فقط في شهرَي نيسان وأيار عام 1945.
في 15 نيسان، حرر الجيش البريطاني معسكر برجن بلسن، وذلك قبل أن يُكمل الألمان إخلاءه. كان في المعسكر نحو 60,000 أسير، كانت غالبيتهم العظمى من المرضى في حالة صعبة. وفي أرض المعسكر كانت ملقاة آلاف الجثث التي لم تُدفن بعد. لقد أصيب الجنود البريطانيون بالذهول مما رأت أعينهم. ولم يكن الجيش البريطاني مستعدّا لعمليات الإنقاذ بالحجم المطلوب. كجزء من عمليات المساعدة تم توزيع كميات هائلة من الطعام على الناجين، ولكن بعد سنوات طويلة من الجوع فإنّ مِعَد الناجين لم تكن قادرة على هضم الطعام، فمات الكثير منهم بسبب الأكل المفرط.
في الأيام الخمس الأولى بعد التحرير توفي 14,000 ألف شخص، ولم يكن بالإمكان إنقاذهم. وتوفي 14,000 آخرون خلال الأسابيع التالية، رغم الجهود التي بُذلت لتقديم المساعدة وإنقاذ حياة من كان على وشك الموت.
ترك تحرير المعسكرات صدمة عميقة في أوساط جنود الولايات المتحدة، ومن بينهم أيضا الجنود الذين كانوا ضالعين في المعارك. قال أناتولي شابيرو، وهو ضابط يهودي شارك في تحرير أوشفيتز: “أول شيء رأيته هو مجموعة من الأشخاص وقفوا في الخارج، في الثلج، وبدَوا كهياكل عظمية ترتدي ملابس السجناء، وعلى أقدامهم خِرَقٌ بدلا من الأحذية. لقد كانوا ضعفاء جدّا إلى درجة أنّهم لم يستطيعوا إدارة رؤوسهم. فقلنا لهم: “لقد وصل الجيش الأحمر لتحريركم”. لم يصدّقونا في البداية. فاقتربوا منّا ولمسونا كي يروا بأنّ ذلك كان حقيقيّا”.
تقول إحدى الناجيات، وهي بيلا برافر: “قال حارس المعسكر الذي جاء ليفتح البوابة: أنتم أحرار ويمكنكم الخروج… كانت هذه إحدى المعجزات! لقد دخل الروس وكنّا في حالة لم يتحرّك ولم يخرج فيها أحد. لم نضحك، لم نفرح، كنّا لا مبالين… جاء أحد الجنرالات، وقد كان يهوديّا. وقال لنا إنّه سعيد جدّا لأنّ هذا هو أول معسكر يعثر فيه على أشخاص ما زالوا أحياء. وقد بدأ يبكي لوحده. أما نحن فلم نبكِ”.
الناجون
حاول مليونا يهودي، وهم الذين ظلوا على قيد الحياة في أراضي الاتحاد السوفياتي ومئات آلاف اليهود الذي نجوا بطرق مختلفة، أو نجوا من المعسكرات، العثور على من يعرف أشخاص نجوا من هذه الفظائع. وغالبا، خاب أملهم، واكتشف الناجون أنّهم ظلوا لوحدهم في العالم. خرج الناجون اليهود من المعسكرات والغابات، عادوا من مخابئهم، وحاولوا العودة إلى منازلهم في أوروبا الشرقية، ولكنهم قوبلوا هناك بالرفض والعداء. خشي الكثير من السكان أنّ يكون اليهود قد عادوا للمطالبة بممتلكاتهم التي سُرقت ووُجدت في أيدي جيرانهم. قتلت عصابات معادية للسامية نحو 1,000 من الناجين في الأشهر الأولى من تحريرهم.
وبدأ الكثير من الناجين بالتحرّك غربًا. استقرّ بعضهم لفترة ما قرب الحدود البولندية الألمانية وأنشأوا مؤسسات جماهيرية رغبة منهم في تحضير أنفسهم نحو حياة جديدة. لقد أسسوا مستشفيات لمعالجة المرضى والمنهكين، دور أيتام، مدارس، ومزارع للتدريب الزراعي. بعد فترة من التعافي أكمل بعضهم طريقه نحو أوروبا الغربية وجنوبًا نحو الساحل الإيطالي. وطالب القليل من الناجين، بالهجرة الحرّة، بشكل أساسيّ إلى أرض إسرائيل.
هاجر نحو ثلث النازحين اليهود الـ 300,000 إلى الولايات المتحدة، كندا، أستراليا، ودول أمريكا اللاتينية. حاول 70,000 منهم الذهاب إلى إسرائيل رغم سياسة عدم الهجرة للانتداب البريطاني. وردّا على ذلك بدأ البريطانيون بترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى قبرص وسجنهم في معسكرات الاعتقال. تم ترحيل نحو 52,000 من المهاجرين غير الشرعيين إلى معسكرات الاعتقال في قبرص وهناك وجدوا أنفسهم مجدّدا وراء الأسلاك الشائكة.
محاكمات نورنبيرغ
بعد انتهاء الحرب، أجريتْ محاكمات لـ 22 من قادة النظام النازي أمام المحكمة العسكرية الدولية، في نورنبيرغ. كان تهدف هذه المحكمة إلى إصدار أحكام ضدّ المتّهمين بارتكاب “جرائم ضدّ الإنسانية والسلام”، وهي الجرائم التي خطّطوا لها، نفّذوها، نظّموها أو أمروا بتنفيذها. ومن بين المحاكَمين كان هناك هيرمان غورينغ، قائد سلاح الجو الألماني الذي كان مسؤولا أيضًا عن مصادرة الممتلكات اليهودية، بالإضافة إلى نائب هتلر، رودلف هس، مع قادة آخرين في النظام النازي.
وتم الحكم بالإعدام على 12 من المتّهمين. انتحر غورينغ في سجنه وتم شنق الآخرين في 16 تشرين الأول عام 1946. حُكم على هس وقادة آخرين بالسجن مدى الحياة، وحصل آخرون على فترات سجن أقصر. تمت تبرئة ثلاثة من المحاكَمين فقط.
كانت محكمة نورنبيرغ المحكمة الأولى في التاريخ التي تمّت فيها محاكمة قادة نظام، حكومة وجيش، والذين كانوا مسؤولين عن جرائم نُفّذت في بلادهم، وذلك بواسطة محكمة مستقلّة وذات طابع دولي. لم تُجرَ لهم محاكمة ميدانية ولا إعدام وفقًا لقرار المنتصرين، وإنما محاكمة وفقا للقانون والعدالة ومع توفير الحماية الكافية للمتّهمين. كان القضاة من مواطني الدول المنتصرة: الاتحاد السوفياتي، الولايات المتحدة، بريطانيا، وفرنسا. وتعتبر الشهادات التي تم الإدلاء بها في محكمة نورنبيرغ، الوثائق التي عرضتها النيابة وبقية التوثيقات مصدرًا أوليّا للتعرّف على فترة الهولوكوست والجهود المطلوبة لمنع تكرار جرائم الإبادة الجماعية.
نساء وأطفال يقتادون إلى غرفتي الغاز 4 و5 عن طريق منطقة BII في المعسكر. وكانت المسنات والأطفال الصغار يرسلون في العادة إلى غرف الغاز مباشرة لمحدودية قدرتهم على العمل. (صور: ياد فاشيم)
معسكرات الإبادة: آلة مُزيّتة للقتل الجماعي
بعد اتخاذ قرار تنفيذ "الحلّ النهائي" في خريف عام 1941، طُرد يهود أوروبا بشكل مركّز إلى معسكرات الإبادة، التي قُتل فيها نحو 3 ملايين يهودي
في نهاية عام 1941 أدرك النازيون أنّ طريقة القتل في حُفر القتل ليست فعّالة بما فيه الكفاية: إنها بطيئة ومكلفة جدّا، وفي بعض الأحيان شعر الجنود الألمان الذين شاركوا فيها بعبء نفسي. لذلك بدأ الألمان بدراسة طرق قتل أكثر فعالية.
معسكرات التركيز والعمل
حتى المرحلة التي بدأ فيها النازيون بالإبادة الجماعية الموجّهة لليهود، سُجن معارضو النظام، الشيوعيون، أسرى الحرب، غير الاجتماعيين وفي مراحل متأخرة أكثر كان اليهود أيضًا، في معسكرات الاعتقال. أقيم المعسكر الأول منذ عام 1933 مع صعود النازيين إلى الحكم، في داخاو قرب ميونيخ.
بعد اندلاع الحرب، فرض الألمان أعمال السخرة على اليهود، البولنديين ولاحقا على المواطنين في جميع البلدان التي تم احتلالها. ومن أجل ذلك فقد أقيمت المئات من معسكرات العمل. وحوّلت ألمانيا النازية اليهود إلى عبيد وسجنتهم في شبكة متفرعة من معسكرات أعمال السخرة التي امتدّت في أنحاء أوروبا كلها. وقد استُغِل اليهود لأغراض الحرب لدى النازيين، ولكن في أثناء ذلك شكّلت أعمال السخرة عديمة الرحمة وسيلة أخرى لإبادتهم. بالمجمل، فقد تمّ جلب أكثر من 14 مليون عامل بالسخرة للعمل في ألمانيا وأضيف إليهم 2.5 مليون من أسرى الحرب.
عمل في معسكرات التركيز والعمل اليهود الذين كانوا على حافّة المجاعة، وفي ظروف غير إنسانية. تم افتتاح كل يوم بترتيب اضطرّ فيه الأسرى إلى الوقوف صامتين دون التحرك، وفي بعض الأحيان على مدى ساعات طويلة في ساحة الترتيبات، في ظروف قاسية من البرد، المطر والثلج. بعد ذلك كان الأسرى يباشرون ببدء العمل، فكانوا يعملون بكدح ويتعرّضون للعنف الشديد والتعسّف، ينتظرون وجبة هزيلة، والتي كانت تتألف غالبا من حساء مخفّف من الخضروات الفاسدة والقليل من الخبز الذي لم يكن كافيا للرجل، ومن ثم يعودون إلى المعسكر، إلى الترتيبات المسائية، وهكذا دواليك.
في أثناء الحرب أقيمت عشرات معسكرات الاعتقال والمئات من معسكرات العمل الأخرى. توفي الكثير من الأسرى نتيجة المجاعة، الأوبئة، العنف وظروف العمل القاسية. عندما بدأ الألمان بالتصفية الجماعية المنظّمة لليهود، بدأوا بإخلاء الأسرى من معسكرات الاعتقال والعمل إلى معسكرات الإبادة.
الإبادة الجماعية بواسطة الغاز
تمت التجربة الأولى للقتل بغاز زيكلون في معسكر الاعتقال أوشفيتز بين 3-5 أيلول عام 1941. أجريتْ “التجربة” على أسرى حرب روس وأسرى بولنديين، ماتوا جميعهم خلالها. تم تنفيذ القتل بواسطة هذا الغاز بشكل ممنهج منذ بداية عام 1942 وحتى تشرين الثاني عام 1944 في معسكر الإبادة أوشفيتز-بيركينو. تم قتل أكثر من 1,200,000 يهودي بهذه الطريقة وعشرات آلاف الضحايا الآخرين.
كان معسكر الإبادة الأول هو معسكر خيلمنو في بولندا، والذي أقيم في بداية كانون الأول عام 1941. في خيلمنو تم تنفيذ القتل بواسطة “شاحنات غاز”: تمت تعرية اليهود الذين طُردوا إليه، ومن ثم أُخذت أغراضهم وتم إصعادهم إلى الشاحنات التي كانت أنبوبتها العادمة موصولة بصندوق الشاحنة محكم الإغلاق. ومن ثم أغلقت أبواب الشاحنات وبدأت بالسفر إلى مكان الدفن في الغابة المجاورة. بواسطة ثلاث شاحنات غاز فقط قُتل في خيلمنو ما يقارب 300,000 يهودي ونحو 5,000 من الغجر. نجا ثلاثة يهود فقط من معسكر الإبادة هذا.
بعد أن وُضعت خطوط العمل للقتل في مؤتمر وانسي، أقام الألمان معسكرات إبادة أخرى. في آذار عام 1942 أقيمت ثلاثة معسكرات أخرى على الحدود الشرقية من الحكومة العامّة وقرب سكك الحديد: بلزاك، سوبيبور، تريبلينكا، والتي خُصّصت لإبادة اليهود الذين عاشوا في الغيتوات في بولندا ووسط أوروبا. تمت إبادة جميع اليهود الذين أُرسلوا إلى المعسكرات تقريبا بواسطة غرف الغاز، دون انتقاء. أرسِل الرجال، النساء، الأطفال والشيوخ، إلى الموت خنقًا بشكل مباشر. تم إبقاء فرق صغيرة على قيد الحياة لتعمل كـ “سوندركوماندو” – وهي وحدات صغيرة كانت مهمّتها التخلّص من جثث ضحايا غرف الغاز. في ربيع عام 1943 بدأ حرق الجثث من أجل التغطية على آثر القتل. في هذه المعسكرات الثلاثة فقط قُتل نحو 1,700,000 يهودي، معظمهم من بولندا.
أقيم مايدانيك في نهاية عام 1941 من أجل استيعاب أسرى الحرب السوفييت واستُخدم أيضًا كمعسكر اعتقال للبولنديين. عام 1942 أقيمت في المعسكر غرف غاز ومحارق وفي ربيع عام 1942 قُتل في المعسكر آلاف اليهود من أصول سلوفاكية، تشيكية، ألمانية وبولندية. عمل هذا المعسكر حتى تحرير منطقة لوبلين من قبل الجيش السوفياتي في تموز عام 1944. قُتل في مايدانيك نحو 78,000 شخص.
أقام الألمان بالمجمل ستّة معسكرات إبادة قُتل فيها نحو 3 ملايين يهودي.
عملية فرز يقوم بها أفراد الإس إس على الرصيف. والناس في الخلفية في طريقهم إلى غرفة الغاز رقم 2 التي يظهر في وسط الصورة وأعلاها جزء من مبنى فرن حرق الجثث التابع لها. (صور: ياد فاشيم)
آلة الإبادة الألمانية
في هذه المعسكرات، بلزاك، سوبيبور وتريبلينكا، كانت طريقة القتل مماثلة: إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث من محرّكات الديزل إلى داخل الغرف محكمة الإغلاق. توفيت الضحايا التي تم حشرها وهي عارية في غرف الغاز مع المعاناة الهائلة والخانقة، ومن ثم أُلقيتْ جثثها بأيدي رجال السوندركوماندو اليهودي إلى داخل حفر ضخمة وتم إحراقها من أجل إخفاء الأدلة. امتدّت كل عملية القتل لعدّة ساعات فقط واستوعب المعسكر و “عالج” عدّة وفود يوميًّا.
كان معسكر الإبادة الأكبر هو أوشفيتز-بيركينو، الذي كان في نفس الوقت معسكر اعتقال وعمل أيضًا. أقيم معسكر بيركينو، أو أوشفيتز 2، قرب معسكر أوشفيتز. في أوشفيتز 1 كانت هناك غرفة غاز واحدة، وأقيمت في بيركينو عام 1942 غرفتا غاز صغيرتان نسبيا. خلال عام 1943 أقيمت في المعسكر أربع غرف غاز كبيرة. في ذروة القتل كان باستطاعة غرف الغاز قتل نحو 20,000 إنسان في اليوم. تم القتل في غرف الغاز في معسكر أوشفيتز-بيركينو بواسطة غاز زيكلون ب.
بحلول تشرين الثاني عام 1944 كان المعسكر “مصنعًا” للقتل الجماعي واستوعب شاحنات النقل من جميع أرجاء أوروبا. أكثر من 90% من الذين طُردوا إلى هذا المعسكر كانوا يهودا، وتم إرسالهم إلى غرف الغاز فورا. قسم صغير من الذين طُردوا فقط مرّوا بعملية الانتقاء. لدى الدخول إلى المعسكر أجريَ انتقاء للأسرى الذين جاؤوا: تم إيقاف المُحضَرين في صفّين – صفّ للرجال والشبان وصفّ للنساء والأطفال – وأجرى أطبّاء الإس إس هذا الانتقاء. تم تقرير التصنيف وفقا لمظهر الأسرى وأعمارهم وتحدد مصيرهم بشكل عشوائي: للعمل القسري أو الموت. طُلب من المحكوم عليهم بالموت خلع ملابسهم قبل دخولهم إلى غرف الغاز وكانوا يعتقدون بأنهم قد أُرسلوا إلى التطهير. تم إغلاق الأبواب لدى دخولهم وعندها بدأ ضخّ الغاز. بعد قتلهم قُلعتْ أسنانهم الذهبية من أفواههم وقُصت شعور النساء بأيدي رجال السوندركوماندو. القليل من الأسرى “اجتازوا” الانتقاء واختيروا للعمل بالسخرة في المعسكر. مات معظمهم نتيجة للعنف، الجوع، الأمراض والانتقاءات المتكررة. لقد اجتاز جزء من الذين خضعوا إلى زيارة الدكتور منجيل وفريقه، تجارب ساديّة وهم على قيد الحياة، وانتهت غالبًا بالموت المؤلم.
نسوة وأطفال على الرصيف فور ترجلهم من القطار. (صور: ياد فاشيم)
الوصول إلى المعسكرات
تمت عمليات الترحيل إلى المعسكرات بطريقة ثابتة، والتي سُمّيت “العمليات” (Aktion) أو بواسطة قوائم الترحيل: كان هناك أمر محلّي يأمر جميع اليهود في الغيتو، في مدينة معيّنة أو في “معسكر انتقالي”، بالذهاب إلى نقطة تجميع، والتي تكون عادة قرب القطار، وبحوزتهم القليل من الممتلكات. ومَن لم يخضع إلى الأوامر أو لم يستجب إلى وتيرة المشي، أطلقت النار عليه خلال العمليات. تم ضغط المرحّلين في محطّة القطار بشكل جماعي في عربات شحن محكمة الإغلاق، دون فتحات للتهوئة واستمرّ السفر أحيانا لأيام طويلة دون توفير الماء والغذاء، مما أدى إلى حصد أرواح الكثير من الضحايا.
لم يكن يعلم اليهود إلى أين يُرسلون، وغالبا لم يكونوا يعلمون بأنّهم سيُقتلون حتى لحظة الموت نفسها. قيل لبعضهم إنّهم مسافرون إلى معسكرات العمل في أوروبا الشرقية، واعتقد آخرون أنّهم ببساطة سينتقلون للسكن في الشرق. بل إن الألمان شجّعوا اليهود على إرسال رسائل بذلك إلى أقاربهم. عندما بدأت تُذاع الإشاعات عن وجود معسكرات الإبادة رفضت النفس البشرية تصديقها، ولم يعلم معظم اليهود بوجودها حتى وصلوا إليها بأنفسهم.