الحرب الأهليّة اللبنانية

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الحدود الإسرائيلية-السورية في الجولان (Kobi Gideon/GPO)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الحدود الإسرائيلية-السورية في الجولان (Kobi Gideon/GPO)

وحدة الاتصال العسكرية مع سوريا: في إسرائيل يخشون من التورط

خوف في إسرائيل من أن تؤدي إقامة الوحدة العسكرية إلى التورّط في الحالة السورية، كما حدث مع وحدة الاتصال العسكرية التي عملت في جنوب لبنان. نائب الوزير أيوب قرا يعترف أنّه زار سوريا: "الوضع خطير جدا، إنه عالم آخر"

سُمح النشر صباح هذا اليوم أنّ الجيش الإسرائيلي أقام وحدة اتصال عسكرية جديدة مع سكان الجولان السوري. أقيمت وحدة الاتصال هذه في قيادة الشمال، وستحلّ مكان الجهات التي عملت في السنوات الأخيرة للحفاظ على التواصل مع سكان الجولان ونسقت نقل المساعدات الإنسانية واستيعاب الجرحى في إسرائيل (حتى اليوم تلقى نحو 2000 جريح سوري علاجا في المستشفيات الإسرائيلية).

تسارع عناوين الصحف في إسرائيل إلى مقارنة هذه الوحدة بتلك التي أقيمت في جنوب لبنان في فترة الحرب الأهلية في السبعينات، وهناك خشية أن يعيد التاريخ نفسه وأن تتورط إسرائيل في الحالة السورية، من خلال إنشاء “شريط أمني” على الحدود.

“هل سيعيد التدخل الإسرائيلي في جنوب لبنان نفسه أيضًا في هضبة الجولان السورية؟ تستعد إسرائيل لفترة طويلة من عدم الاستقرار ومن فراغ سلطوي في المنطقة. في الأسابيع الأخيرة وسّع الجيش الإسرائيلي ومأسَسَ، أجهزة القيادة الشمالية التي تعمل في الحفاظ على التواصل مع السكان المحليين في الجولان السوري. وهكذا بُنيت العلاقة أيضًا مع سكان جنوب لبنان عام 1976. وأصبح نقل الإمدادات الإنسانية عن طريق الجدار الطيب مع مرور الأيام علاقة متواصلة في إطار “وحدة الاتصال مع لبنان”، هذا ما كتبه اليوم المحلل ألكس فيشمان في “يديعوت أحرونوت”.

وجاء أيضا أنّه بواسطة العلاقات التي أنشأتها إسرائيل في الجولان فهي في الواقع تضمن الهدوء على طول الحدود السورية. ساعدت المساعدات الإنسانية لسكان المنطقة، بما في ذلك القنيطرة، في وقف انزلاق القتال، عمدًا، من سوريا إلى إسرائيل.

سارعت جهات مسؤولة في المنظومة الأمنية إلى التوضيح أنّ إسرائيل لا تنوي أن تقيم في الجولان أطرا مثل تلك التي عملت في جنوب لبنان، ولكن هناك خشية أن يورط هذا الواقع الوحدة تورطا فعليا.

في هذه الأثناء، كُشف أمس أنّ نائب وزير التعاوُن الإقليمي، أيوب قرا، زار في السنوات الأخيرة سوريا، رغم أنّه يُحظر على المواطنين الإسرائيليين زيارة سوريا. في مؤتمر صحفي بمشاركة نائب الوزير سُئل قرا ماذا شاهد أثناء زياراته إلى سوريا فأجاب: “حالة صعبة، خطرة جدا، لا يمكنك وصفها… إنه عالم آخر تماما. عندما تنتقل من إسرائيل إلى لبنان أو إلى سوريا، ترى الفرق.. يمكنني أن أقول لك، في يوم ما ستمرّ بما مرّ به هؤلاء الناس، ولن ترغب في أن تبقى حيا”.

ورفض قرا القول إن زيارته حدثت في السنة الماضية، وإذا ما كان مشاركا في عملية إنقاذ الأسرة اليهودية الأخيرة في حلب. وقال عن المدينة نفسها “أصبحت حلب اليوم مهجورة… أنت تصل إليها، ولا تذكّرك بحلب إطلاقا”.

اقرأوا المزيد: 365 كلمة
عرض أقل
دبابة إسرائيلية تعبر الحدود من لبنان إلى إسرائيل في أعقاب القرار الإسرائيلي الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 (Flash90)
دبابة إسرائيلية تعبر الحدود من لبنان إلى إسرائيل في أعقاب القرار الإسرائيلي الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 (Flash90)

15 عاما على الانسحاب من لبنان: ما الذي دفع إسرائيل إلى إخلاء “الحزام الأمني”؟

إذا سألت عضوا في حزب الله لماذا خرجت إسرائيل من لبنان فستكون الإجابة "قتالنا العنيف أبعدهم"، ولكن الصورة بالنسبة لإسرائيل كانت أكثر تعقيدا، إذ كانت للانسحاب من لبنان مجموعة متنوعة من العوامل

24 مايو 2015 | 15:32

بعد 15 عاما على خروج آخر الجنود الإسرائيليين من لبنان، هناك إجماع في إسرائيل على أنّ الانسحاب وفّر حياة آلاف الجنود الإسرائيليين واللبنانيين أيضًا، بل حتى حياة جنود العدوّ اللدود لإسرائيل في لبنان، حزب الله. ولكن سوى حصيلة الضحايا الثقيلة التي دفعتها إسرائيل منذ تمسّكها بالحزام الأمني في لبنان، والضغوط الشعبية التي مُورست على الحكومة، فإنّ غياب الأهداف السياسية والأمنية، وفشل المفاوضات مع سوريا، عزّزت من شعور إسرائيل بأنّ الوجود في لبنان لا طائل وراءه.

صحيح أنك لو سألت أعضاء حزب الله لماذا خرجت إسرائيل من لبنان فستكون الإجابة: “الجيش الإسرائيلي خرج بسببنا”. وستتحوّل القصة إلى نقاش حول بطولة التنظيم الشيعي. ولكن الاعتبارات التي جعلت إيهود باراك يخرج من لبنان عام 2000 كانت أبعد من حزب الله بكثير، دون التقليل من الرغبة الإسرائيلية في الحفاظ على حياة البشر. ونذكّر أنّ إسرائيل دخلت إلى لبنان من أجل قتال منظمة التحرير الفلسطينية وليس حزب الله، وبعد أن نجحت في طرد منظمة التحرير الفلسطينية، فقد بقيت ببساطة على مدى 18 عاما لأنّها لم تعرف كيف تخرج.

تلك هي بعض الاعتبارات العامة التي أدت بالقيادة الإسرائيلية إلى الخروج من لبنان:

ثمن كبير مقابل أهداف غير واضحة

شنّت إسرائيل حربها في لبنان عام 1982 بهدف تدمير البنية التحتية للإرهاب والتي أقامتها المنظمات الفلسطينية، وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية، وهدّدت مواطني إسرائيل بالعمليات الإرهابية في الشمال. بعد أن نجحت إسرائيل في هذه المهمة بعد ثلاث سنوات من الحرب، قرّرت الانسحاب جنوبًا والبقاء في شريط ضيّق سُمّي “الحزام الأمني”.

ولكن بعد أن ضعفت منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، كان بقاء الاحتفاظ بالحزام الأمني أمرا لا لزوم له بالنسبة لإسرائيل وغير مجدٍ، إذ لم تخدم إراقة دماء الجنود السنوية هدفا حقيقيا.

العلم اللبناني وسط أعلام حزب الله (AFP)
العلم اللبناني وسط أعلام حزب الله (AFP)

وحينذاك دخل تنظيم حزب الله إلى الصورة. حزب الله هو تنظيم شيعي تأسس عام 1982 وتعهّد بمحاربة إسرائيل. أدركت إسرائيل بأنّه ميليشيا تحاول ضرب جذورها في البلد الممزّق، لبنان، ولكن كل محاولة للقضاء على حزب الله أدّت إلى ردود فعل دولية شديدة، وذلك بسبب سقوط ضحايا من المدنيين بشكل أساسيّ، وقد سمحت سوريا التي كانت تسيطر على لبنان في تلك الفترة للتنظيم بالعمل بحرية.

وكان القتال ضدّ حزب الله صعبا لأنّ التنظيم عمل في “أرضه” وأخرج عمليات نوعية ضدّ جنود الجيش الإسرائيلي في لبنان، كان عدد القتلى في الجانب الإسرائيلي كبيرا، وفي مرحلة متأخرة أدركت إسرائيل أنّ البقاء في الأراضي اللبنانية لا يمكنه إيقاف صواريخ حزب الله.

وصار التقدير الجديد في إسرائيل يقول إنّه من الممكن الدفاع عن بلدات الشمال أيضًا من الحدود الدولية مع لبنان ولسنا مضطرّين للبقاء في الحزام الأمني. وهكذا، كانت إحدى نتائج حزب لبنان الثانية التي جرت عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله الهدوء في الحدود الشمالية حتى اليوم.

ضغوط شعبية في إسرائيل

كان أحد الحوادث الدراماتيكية التي جرت في فترة السيطرة الإسرائيلية على جنوب لبنان، وأثر كثيرا على صنّاع القرار في إسرائيل، هو الحادث الجوّي القاتل أو ما عُرف في إسرائيل باسم “كارثة المروحيّات”. قُتل في هذه الحادثة 73 جنديّا كانوا في مروحيّات وفي طريقهم إلى جنوب لبنان. أدّت الحادثة القاسية إلى ضغوط شعبية كبيرة على الحكومة الإسرائيلية لترك لبنان.

الجيش الإسرائيلي يقوم بتفجير مواقع تابعة له تجهيزا للانسحاب من جنوب لبنان (AFP)
الجيش الإسرائيلي يقوم بتفجير مواقع تابعة له تجهيزا للانسحاب من جنوب لبنان (AFP)

كانت الحركة الأكثر بروزا والتي تأسست في أعقاب هذه الحادثة هي “أربع أمهات”. تأسست الحركة من قبل أربع نساء من سكان الشمال الإسرائيلي ومن أمهات الجنود الذين خدموا في لبنان، بهدف تحقيق خروج الجيش الإسرائيلي من الحزام الأمني في جنوب لبنان. نقلت الحركة رسالة من القلق على “الشبان المقاتلين”.

سرعان ما اخترقت الحركة النقاش العام وبدأت في إثارة النقاش الذي أساسه “الحرص على المقاتلين” أو الشبان كما تحدّثت الأمهات عن الجنود، بعيدا عن الخطاب الذي هيمن في إسرائيل حول الاحتفاظ بالمناطق أو الانسحاب منها لدوافع استراتيجية. ورغم الانتقادات التي تلقّتها الحركة من قبل المعارضين للانسحاب فقد نجحت في تفعيل ضغوط شعبية غير صغيرة على صنّاع القرار في إسرائيل. وهناك من يدّعي في إسرائيل بأنّ منظّمة “أربع أمّهات” هي التي تقف وراء انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان.

انعدام الانجازات السياسية

في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، أجرت إسرائيل مفاوضات مع سوريا بهدف التوصل إلى تسوية بين إسرائيل وسوريا، ولكن بين إسرائيل ولبنان أيضًا (بسبب سيطرة سوريا في الواقع على لبنان حتى عام 2005). بعد لقاء الرئيس الأمريكي حينذاك، بيل كلينتون، والرئيس السوري حافظ الأسد، وعندما فهم الجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنية أنّه لا يوجد اتفاق، حدث تغيير دراماتيكي في الجانب الإسرائيلي وازدادت الرغبة الإسرائيلية في تنفيذ خطوة من جانب واحد للانسحاب دون التنسيق مع الدول العربية في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، فقد رفضت الحكومة اللبنانية مناقشة ترسيم الحدود مع إسرائيل، ونسّق إيهود باراك، الذي كان رئيس الحكومة حينذاك، هذه الخطوة مع الأمم المتحدة برئاسة مبعوثها تيري رود لارسن.

ضباط إسرائيليون يراقبون ضباط الأمم المتحدة خلال إعادة رسم الحدود بين إسرائيل ولبنان وفقا للقرار 425 الأممي (AFP)
ضباط إسرائيليون يراقبون ضباط الأمم المتحدة خلال إعادة رسم الحدود بين إسرائيل ولبنان وفقا للقرار 425 الأممي (AFP)

ومن الجدير ذكره، أنّ باراك قد وعد خلال انتخابات العام 1999، والتي تغلّب فيها على رئيس الحكومة الحاليّ، بنيامين نتنياهو، بأنّه لو انتُخب لرئاسة الحكومة فسوف يُخرج الجنود من لبنان، وقد ساعده الأمر ليتم انتخابه كرئيس للحكومة.

ونذكر أيضًا أنّ عملية تفكيك جيش جنوب لبنان، الذي عمل في جنوب لبنان إلى جانب إسرائيل، سرّع من انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان. من الصعب أن نقرّر ماذا أثّر على ماذا، هل شعور أعضاء جيش لبنان الجنوبي بأنّ إسرائيل قد انسحبت من لبنان هو الذي أدى بهم إلى التفكّك أم العكس؟ ولكن العلاقات بين إسرائيل وجيش لبنان الجنوبي كانت من بين الاعتبارات التي رجحت كفة الميزان لصالح الانسحاب.

اقرأوا المزيد: 803 كلمة
عرض أقل
الحرب الأهلية اللبنانية (Wikipedia)
الحرب الأهلية اللبنانية (Wikipedia)

بعد أربعين عاما: حرب أهلية أخرى في لبنان؟

يُحيي لبنان ذكرى مرور 40 عاما على اندلاع الحرب الأهلية المشبعة بالدماء. ذكريات مؤسفة لا تزال معشّشة في رؤوس اللبنانيين، الصراع الطائفي آخذ في الازدياد فحسب ووفقا لبعض المحلّلين فمن المحتمل أن تندلع حرب أهلية جديدة في أية لحظة

هذا الأسبوع، يتم إحياء ذكرى مرور 40 عاما على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في أنحاء لبنان، في ظل الأزمة السياسية والاجتماعية التي تهدّد بإعادة الحرب إلى الشوارع. اندلعت الحرب بعد عشرات السنين التي تمّ فيها الحفاظ على التوازن الدقيق بين المسلمين والمسيحيين في بلاد الأرز، توازن قرّر أن يكون الرئيس دائما مسيحيّا – مارونيّا، ورئيس الحكومة مسلما – سنّيا ورئيس البرلمان مسلمًا شيعيّا. كان التوتّر الطائفي في البلاد والذي يوجد فيه فسيفساء بشرية معقّدة في الأجواء دائما.

في 13 نيسان 1975 اشتعلت الصراعات حول التشكيل الطائفي للنظام السياسي في البلاد، وكذلك حول القضية الفلسطينية، بين معسكر اليسار اللبناني المسلم؛ “الحركة الوطنية” بقيادة الزعيم الدرزي الاشتراكي، كمال جنبلاط، حليف منظمة التحرير الفلسطينية، وبين اليمين اللبناني ذي الغالبية المسيحية المارونية؛ “الجبهة اللبنانية” برئاسة حزب بيار الجميّل ونجله بشير الجميّل. أراد المعسكر الأول تغيير الوضع السياسي الراهن في البلاد، بينما أراد المعسكر الثاني الحفاظ عليه.

صورة شهيرة لمجزرة الكرنتينا (Wikipedia)
صورة شهيرة لمجزرة الكرنتينا (Wikipedia)

جرت في ذلك اليوم نزاعات عنيفة في بيروت بين الفلسطينيين من أعضاء الميليشيات العسكرية وبين المسيحيين، جرّت البلاد إلى النيران المشتعلة. حوّلت المجازر من كلا الطرفين البلاد سريعًا إلى ساحة للصراعات الإقليمية، العربية والدولية، حيث تدخّل الجيش السوري أيضًا. بعد تدخّل منظمة التحرير الفلسطينية وسوريا في لبنان، تدخّلت إسرائيل في إحدى فترات الحرب وساعدت مقاتلي الميليشيات المسيحية.

تسبّبت الحرب، التي استمرّت في الواقع حتى احتلال بيروت من قبل الجيش السوري عام 1990، بموت نحو 150,000 شخص وغياب أكثر من 17,000 شخص

بدأ التدخّل الإسرائيلي بدخول لبنان في آذار 1978، في أعقاب التفجيرات التي نفّذها فلسطينيّون داخل إسرائيل. انسحبت إسرائيل في أعقاب قرار للأمم المتحدة، ولكنها عادت في حزيران عام 1982 إلى لبنان بعد محاولة اغتيال سفيرها في بريطانيا. بعد بضعة أشهر من ذلك نفّذت ميليشيات (الكتائب) المسيحية مجزرة بمئات السكّان الفلسطينيين في مخيّميّ اللاجئين صبرا وشاتيلا في بيروت الغربيّة.

انتهت الحرب بعد اتفاق الطائف الذي تمّ توقيعه عام 1989 بين الطرفين برعاية مباشرة من السعودية. تسبّبت الحرب، التي استمرّت في الواقع حتى احتلال بيروت من قبل الجيش السوري عام 1990، بموت نحو 150,000 شخص وغياب أكثر من 17,000 شخص. غادر البلاد مئات الآلاف وتضرّرت البنى التحتية بشكل كبير.

جذور الصراع لا تزال قائمة

خط الجبهة الفاصل بين المتقاتلين في بيروت 1982
خط الجبهة الفاصل بين المتقاتلين في بيروت 1982

مرّ 25 عامًا منذ انتهاء الحرب، وتُذكّرنا الأزمة السياسية السائدة في لبنان اليوم بالفترة المضطربة التي سبقت اندلاعها. منذ أشهر طويلة ولبنان يسير دون رئيس، والدور الإيراني في لبنان آخذ بالازدياد، ورّط تنظيم حزب الله لبنان في الحرب الأهلية السورية وتأجّجت المشاعر الطائفية بين السكان من جديد لتفرح طهران. بالإضافة إلى ذلك، فلا تزال الأسباب التي أدّت إلى تلك الحرب، كالعدد الكبير من اللاجئين في البلاد وعدم المساواة الاجتماعية – الاقتصادية؛ قائمة. يدلّ كل ذلك، وفقا لمحلّلين عرب، على أنّ جذور الصراع التي تسبّبت في الحرب عام 1975 قد تنفجر مجدّدا في أيّة لحظة وتعيدُ لبنان إلى مستنقع الحرب مرة أخرى.

ويخشى المحلّل السياسي لقمان سليم، الذي كان مجرّد طفل عندما اندلعت الحرب، جدّا من حرب أهلية أخرى تحوّم فوق لبنان في هذه الفترة. في مقابلة مع صحيفة العرب تساءل سليم: “لم إذا نحن (اللبنانيون) ينتهي كلامنا (أو حوارنا) سريعا، وكثيرا ما نستلّ السكاكين ونبدأ بشحذها ونهدد بها بعضنا البعض وصولا إلى القتل العادي”. لا يرى المحلّل مستقبل لبنان بشكل متفائل ويقول إنّ الديناميات الراهنة في لبنان هي ديناميات صراع جديد.

لافتة ضخمة عليها صورة رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري في مدينة جونية الى الشمال من بيروت في فبراير 2011 (AFP)
لافتة ضخمة عليها صورة رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري في مدينة جونية الى الشمال من بيروت في فبراير 2011 (AFP)

وينسب سليم السبب الرئيسي لاندلاع حرب مستقبلية محتملة في لبنان إلى اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري عام 2005. “بما ستوصف ذات يوم بأنّها الجد الأكبر لحرب قد تندلع في البلاد”، كما يتوقّع. “إذا راجعنا ما حصل خلال السنوات العشر الماضية سنرى عددا من النزاعات التي أخذت أحيانا أشكالا عنيفة أو غير عنيفة، لكن كان يتم احتواؤها في اللحظات الأخيرة أو تجميدها”، في الطبقات السفلية للمجتمع اللبناني ومنذ ‏2005‏ وصولا إلى اليوم، مرورا بابتلاع الانتفاضة في سوريا التي اندلعت عام ‏2011‏، ونجاح النظام في تحويلها إلى حرب أهلية، فإنّ مكونات النزاع تزداد حدة”. وهو يتوقع أن الصراع في لبنان قد ينفجر “في أية لحظة وبأي شكل”.

“اللبنانيون استقوا العبرة من الماضي”

وتظهر من كلام سليم الخشية من أن يجرّ تدخّل تنظيم حزب الله في الحرب في سوريا بجانب قوات بشار الأسد، بخلاف موقف الشعب، أن يجرّ البلاد إلى أتون الحرب. يدعو سياسيون لبنانيون، في هذه الأيام، حزب الله إلى الخروج من سوريا، والتوقف عن التدخّل في الصراعات الإقليمية في العراق واليمن ونزع سلاحه، وإلا فإنّ خطر حرب أهلية أخرى في لبنان سيكون كبيرا.

جنازة لمقاتلي حزب الله الذين قتلوا في معارك مع جبهة النصرة في سوريا (AFP)
جنازة لمقاتلي حزب الله الذين قتلوا في معارك مع جبهة النصرة في سوريا (AFP)

في المقابل، نفى المحلّل السياسي اللبناني إيلي الحاج، الذي كان عمره 15 عاما عند اندلاع الحرب، في مقابلة مع صحيفة العرب احتمال أن يعاني اللبنانيون من حرب مماثلة في المستقبل القريب، وقد نسب موقفه إلى أنّ قلوبهم لا تزال تحمل مرارة تلك الحرب الأهلية. ويتّهم الحاج النظام السوري حينذاك برئاسة حافظ الأسد في إشعال فتيل الحرب، ولكنّه قال إنّ لبنان بعيد اليوم عن اندلاع حرب أهلية جديدة.

“استقى اللبنانيون العبرة من الماضي”، هكذا شرح الحاج، مضيفا أنّ الشيعة أيضًا يحذّرون من الدخول في حرب جديدة. بحسب كلامه، فإنّ قيادة حزب الله تعلم أنّه في لحظة اندلاع حرب أهلية أخرى؛ فستكون تلك نهايتها، “لبنان لا يمكن أن تحكمه فئة عسكرية”، ولأنّ الفصائل الأخرى ستتجمّع وتمنع ذلك. “أيا من طوائف لبنان وأحزابه ليس لها من مصلحة أن تخوض حربا جديدة، وهم جميعا يتفادونها ولا يضعونها في حساباتهم”.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع ميدل نيوز

اقرأوا المزيد: 809 كلمة
عرض أقل
أزمة مولدات الكهرباء في لبنان (AFP)
أزمة مولدات الكهرباء في لبنان (AFP)

مسدّسات، رشاوى وخطف: هكذا تُدار الأعمال في لبنان

تتم تسوية صراعات تجارية خطيرة في سهل البقاع اللبناني بشكل واحد: الزعماء يستأجرون خدمات مسلّحين من أجل ترتيب الأمور

25 مارس 2015 | 19:03

في مجالات الأعمال الرئيسية في القطاع غير الرسمي، مثل إنتاج الحشيش، الاختطاف لطلب الفدية وتزوير الأموال؛ لا تزال قوة المسدّس مسيطرة في هذا الحوض الزراعي الوحشي، الذي يجاور الحدود السورية، هذا ما تذكره مجلّة الإيكونوميست البريطانية. ولكن لا شيء يوضح ثقافة الأعمال القاسية التي تسيطر عليه، وعلى معظم لبنان، مثل الاشتباكات المسلّحة التي تحدث مؤخرًا بين أصحاب مولّدات كهربائية خاصة وشركة كهرباء محلّية.

ليست هناك في لبنان كهرباء متوفّرة على مدار الساعة يوميّا من قبل الدولة منذ الحرب الأهلية، التي اندلعت عام 1975، واستمرّت 15 عاما، ومهّدت الطريق لصعود نوع من المافيا من أصحاب المولّدات الكهربائية.

أعلن موظّفون في مدينة زحلة، في شهر كانون الأول عام 2014، أنّ المدينة و 18 قرية في البقاع الواقعة على سفوح الجبال المثلجة القريبة ستحصل قريبا على التيار الكهربائي على مدار الساعة من مزوّد الكهرباء. ردّا على ذلك، سدّ أصحاب المولّدات الكهربائية المحلّية – الذين يمسكون بما يعتبر تجارة رابحة جدّا – الشوارع وأحرقوا الإطارات. لقد هدّدوا بخطوات أقسى، فقد خشوا من أن يجدوا أنفسهم دون عمل. ومن ثمّ، في بداية شهر شباط عام 2015، هوجمت وأُتلفت في جوف الليل أربعة محوّلات لشركة الكهرباء Electricité de .Zahlé‎ ‎وحتى يتم إصلاحها، يمكن للعديد من السكان في المنطقة التمتع بمعدل 12 ساعة من الكهرباء من الشبكة فقط، ممّا يضطرّهم إلى الاستمرار في شراء الكهرباء من أصحاب المولّدات الكهربائية.

وقال مراسلو الإيكونوميست في المقال إنّ الصوت الأكثر شيوعا في كلّ ركن في لبنان هو ضجيج المولّدات الكهربائية. في المناطق الأكثر نأيًا في البلاد، يحصل السكان على أقل من أربع ساعات من التيار الكهربائي يوميّا من شبكة الكهرباء القطرية. في بيروت هناك سكان يتعقّبون أوقات قطع الكهرباء اليومي بمساعدة تطبيق في الهواتف الذكية.

لقد سئم المحليّون في قرية زحلة من البلطجية الذين يبالغون في الأسعار مقابل ترك الأضواء مشتعلة. “عندما ينخفض سعر النفط، يجب أيضًا أن تنخفض أسعار التيار الكهربائي من المولّدات، ولكن لا يحدث ذلك”، كما يقول السكان.

واللوم ملقى على الدولة. لم يمرّر البرلمان المنقسم تشريعًا حقيقيّا منذ سنوات، ولم ينجح في اختيار رئيس منذ أيار عام 2014. ويصل الدّيْن القومي الآن إلى 211% من الناتج المحلّي وهو مستمرّ في الصعود، وهناك منظومة راسخة من الأسر الحاكمة تؤكد أنّ حفنة من الأسر تقسّم فيما بينها ثروات لبنان.

يعكس النزاع حول الكهرباء مشكلة تواجهها البلدان التي تتعافى من الحروب الأهلية. أنشأ انهيار الدولة فراغًا، وبقيت العصابات التي ملأته في الحكم حتى بعد انتهاء الحرب. حتى في مناطق العاصمة التي تتمتع بحياة ليلية عصرية، يستخدم مزوّدو خدمات مواقف السيارات الأسلحة أحيانا من أجل الدفاع عن مساحتهم.

اقرأوا المزيد: 392 كلمة
عرض أقل
مظاهرة للأقباط في مصر (AFP)
مظاهرة للأقباط في مصر (AFP)

المسيحيون في الشرق الأوسط- عالم يتلاشى

لماذا يغادر المسيحيّون الشرق الأوسط؟

أكثر من 100 ألف مواطن مصري مسيحي يتركون مصر في كل سنة، وخاصة منذ بدء “الربيع العربي”. في الواقع، هم لم يتركوا بل هربوا. يكشف معطى مثير للاهتمام عن ظاهرة واسعة منتشرة اليوم في كل دول الشرق الأوسط وتهدد تغيير المزيج الطائفي في إحدى الأماكن الحساسة دينيًّا، في العالم.

في العقد الأخير، طرأ تغيير ديموغرافي غير مسبوق مع هروب، ترك المسحيين بلادهم في دول الشرق الأوسط. في أوساط مجتمع محليّ يتألف من 12 مليون مسيحي في عدد من الدول العربية الإسلامية، بدأت هجرة عن محض إرادة أو عن عدمها لمئات آلاف المسيحيين إلى دول أوروبا، الولايات المتحدة وجنوب أمريكا.

إن الحروب الضارية في الشرق الأوسط، صعود حركات سلفية ونظام حكم موالي للإسلام، الحرب في العراق وطرد صدام حسين، والذي دافع نسبيًّا عن المجتمع المسيحي في العراق، تفكك سوريا في الحرب الأهلية القاسية وصعود حماس في غزة سدة الحكم، كل هذه سرّعت جدا رغبة الكثير من المسيحيين لترك الشرق الأوسط.

مظاهرة للأقباط في مصر (AFP)
مظاهرة للأقباط في مصر (AFP)

ها هي الفرصة لفحص حالة الشريحة السكانية المسيحية في الشرق الأوسط على خلفية التغييرات الجارية في المنطقة. ويظهر فحص أوضاع المسيحيين صورة قاتمة جدّا من الاضطهاد المتزايد والهجرة السلبية.

بشكل عام، فإنّ الشريحة المسيحية في الشرق الأوسط يمكنها أن تقسّم اندماجها في الدول العربيّة إلى قبل وبعد أحداث “الربيع العربيّ” التي بدأت عام 2011. فإذا كان المسيحيون قد تمتّعوا حتى الربيع العربيّ بالأمن، فإنّهم يعانون بعده من المضايقات من الحركات الإسلامية، وفي الوقت الذي تجد السلطات صعوبة في حمايتهم، يختار الكثيرون الهجرة إلى أماكن أخرى يحيون بها دون اضطهاد وتهديدات مستمرّة، وفي الواقع فقد رافق الربيع العربيّ “تطهير عرقي” لم ير الشرق الأوسط مثله خلال مئات السنين.

الغالبية العظمى من المسيحيين الذين يعيشون في الشرق الأوسط هم ذوي قومية عربية، حيث إنّ لغتهم الأساسية هي العربية. في العقود الأخيرة كانوا جزءًا لا يتجزّأ من الدول التي عاشوا بها، ولكن كما ذكرنا فإنّ الاضطرابات القوية التي يمرّ بها الشرق الأوسط لم تقفز عنهم أيضًا.

يعارض الدين الإسلامي بشكلٍ رسميّ هذا الاضطهاد، ولكن حركات الجهاد المتطرفة تؤذي المسيحيين طوال الوقت، ولا تستطيع السلطات منحهم الحماية المرجوّة. يبيّن تقرير خاصّ أعدّه فريق البحث البريطانيّ سيفيتاس (Civitas) ونُشر قبل عامين، أنّ المسيحيين في دول الشرق الأوسط “أقلّ شأنًا من الناحية الاجتماعية، مضطهدون أو مقموعون بشكل كبير بسبب عقيدتهم”.

مصر

في الشرق الأوسط، فإنّ المكان الذي فيه أقوى موجة لاضطهاد المسيحيين على الإطلاق هو تحديدًا مصر، حيث رفرف فيها علم الربيع العربيّ مع المليونيات في ميدان التحرير. منذ سقوط نظام حسني مبارك، بدأت مضايقات الشريحة السكانية المسيحية، والتي احتدّت مع صعود “الإخوان المسلمون” إلى السلطة، وأدّت إلى هجرة مئات الآلاف من المسيحيين (من بين شريحة سكانية تقدّر بسبعة ملايين مسيحي).

أقباط مصريون يسيرون في طريق الآلام  (JACK GUEZ / AFP)
أقباط مصريون يسيرون في طريق الآلام (JACK GUEZ / AFP)

يعاني المسيحيون في مصر من التحريض الكبير ضدّهم من قبل المجموعات التي تنتمي إلى الإسلام المتطرّف، بداية من القتل في ضوء النهار، حرق الكنائس، المذابح والشعور الكبير بغياب الحماية من قبل السلطات. ويمكن للأحداث التي جرتْ بعد اندلاع الثورة مباشرة أن تبيّن لنا أكثر الوضع الجديد وغير المشجّع لمسيحيّي مصر.

قبل نحو ثلاث سنوات، مع اندلاع الاحتجاجات، حدث انفجار في كنيسة قبطية في الإسكندرية قُتل فيه 21 من المصلّين المسيحيين وأصيب نحو مائة. بعد وقت غير طويل من ذلك، في تشرين الثاني عام 2011، تظاهر مسيحيّون أقباط في ميدان التحرير احتجاجا على حرق كنيسة وعدم كفاءة السلطات في حمايتهم. لم تنظر القوى الأمنية المصرية إلى هذه المظاهرة بإيجابية واشتبكت بعنف مع المحتجّين. قُتل في هذه المواجهات العنيفة جنديّان و22 مواطنا مصريّا، معظمهم مسيحيّون، وأصيب أكثر من 200.

فهم المسيحيون المصريّون أنّهم لن يحظوا على ما يبدو بحياة سلميّة في مصر فقط بسبب دينهم ومعتقداتهم. بالإضافة إلى هجرة مئات الآلاف من المسيحيين إلى خارج مصر، نُشر مؤخرا أنّ مئات الآلاف من الآخرين قد قدّموا في السنوات الأخيرة طلبات للهجرة إلى دول أوروبية وإلى الولايات المتحدة.

لبنان

لم يؤدّ الربيع العربيّ إلى حدوث ثورة في لبنان، ولكنّ صعود قوّة حزب الله يؤثّر هو أيضًا على السكان المسيحيين في البلاد. المزيد والمزيد من المسيحيين يتحدّثون عن فقدان الأمن والشعور المتزايد لديهم بعدم الانتماء مقابل صعود قوة حزب الله.

حتى الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 كانت نسبة المسيحيين من السكان نحو 50%، واليوم فإنّ التقديرات هي أنّ نسبتهم لا تتجاوز 35%. يهاجر الكثير من المسيحيين إلى خارج لبنان، وبالأساس إلى أوروبا، أمريكا الشمالية والجنوبية.

وقد تمّ في السنوات الأخيرة معاينة حالات كثيرة باع فيها مسيحيّون لبنانيّون أرضهم للمسلمين، حيث تمّ تمويل عمليات الشراء بواسطة شركات واجهة إيرانية مرتبطة بالنظام الإيراني، والهدف المعلن من العملية هو السيطرة على مناطق يعيش فيها المسيحيّون و”دفعهم” إلى خارج البلاد.

السلطة الفلسطينية، الضفة الغربية

كاهن مسيحي في بيت لحم (Flash90/Issam Rimawi)
كاهن مسيحي في بيت لحم (Flash90/Issam Rimawi)

 

تظهر بعض الدراسات أنّه بينما شعر المسيحيون والمسلمون الفلسطينيون بالمصير المشترك في السنوات الأولى من قيام دولة إسرائيل، فقد حدث انقسام بين المجموعات في العقود الأخيرة. يشعر المسيحيّون بنسبة أقلّ من الانتماء للرواية الفلسطينية، ونما لديهم شعور قويّ بالهوية الجماعية التي تعبّر عن غضبها من أنّ الرواية الفلسطينية تحوّلت باتجاه كونها رواية إسلامية، بحيث يُستثنى منها الجانب المسيحي.

وبالإضافة إلى هذه المشاعر، فإنّ حالات المضايقات وخصوصا من قبل الشباب المسلم الفلسطيني تجاه المسيحيين الفلسطينيين لم تعد أمرا نادرا، ومن الصعب القول بأنّ الأجهزة الأمنية الفلسطينية تتّخذ موقفا قويا تجاه هذه الظاهرة.

المحافظة التي يمكن أن نلاحظ فيها بصورة واضحة جدّا التغيير في أوضاع المسيحيين هي محافظة بيت لحم. تعتبر بيت لحم، والتي هي وفقا للمعتقد المدينة التي ولد فيها المسيح، مدينة مسيحية طوال الزمن. عام 1947 كان 85% من سكانها من المسيحيين، ولكن المسيحيّين اليوم يشكّلون نحو 20-25% من سكّان المدينة فقط. كانت احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم دائما جزءًا لا يتجزّأ من مشاهد المدينة، ولكنها تقلّصت في السنوات الأخيرة. قبل نحو عام، ومع تصاعد هذا الشعور، تمّ وضع لافتة ضخمة في أحد الميادين المركزية في المدينة قبل عيد الميلاد، وكتب عليها “عيسى ولد وقام للإحياء. الوقت الذي لقلبك حيث يمكنك أن تكون سعيدا. عيد سعيد”. أثارت اللافتة البريئة ردود فعل غاضبة، وخلال أقلّ من أسبوعين تم قطع كابلات إضاءة اللافتة، وفي النهاية تمّت إزالتها.

هذه الظواهر، بالإضافة إلى الشعور بالاستثناء من الرواية الفلسطينية، أدّت بالكثير من الفلسطينيين إلى قرار الهجرة خارج أراضي السلطة الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، يعرب الكثير من المسيحيين الفلسطينيين عن قلقهم وخوفهم من إمكانية سيطرة حركة حماس على الضفة الغربية كما سيطرت على قطاع غزة، بعد مشاهدتهم لاضطهاد المسيحيين الذين لا زالوا يعيشون في غزة مضطهدين من قبل السلطات. يهاجر المغادرون إلى خارج أراضي السلطة الفلسطينية بشكل أساسيّ إلى أمريكا الجنوبية، حيث تتواجد هناك جاليات فلسطينية كبيرة. في تشيلي، على سبيل المثال، هناك – وفق التقديرات – نحو نصف مليون فلسطيني.

 قطاع غزة

يعتبر قطاع غزة أحد الأماكن الأكثر اضطهادا للمسيحيين في الشرق الأوسط على الإطلاق. حتى في الماضي لم يشعر الكثير من المسيحيين بالأمان الكامل، ولكن أوضاعهم ساءت كثيرًا مع سيطرة حماس على القطاع عام 2007.

منذ سيطرة حماس على القطاع، وصعود قوّة الجهات الإسلامية المتطرّفة مثل الحركات السلفية، يعاني المسيحيّون من الاضطهاد، سواء من قبل المواطنين أو من الجهات الحكومية. بعد أشهر من الانقلاب، نفّذت حماس سلسلة من الاعتقالات في صفوف المسيحيين.

ويحاول المسيحيون الذين بقوا الحفاظ على الهدوء وضبط النفس من أجل البقاء على قيد الحياة. إنّهم يقيمون تقاليدهم بتواضع خشية اتهامهم من قبل حماس بمحاولات التنصير. ومن بين أمور أخرى، فهم يستخدمون النبيذ بصورة سرّية، بالأساس من أجل إقامة الشعائر الدينية، وذلك رغم حظر تناول الكحول في قطاع غزة وفقا للشريعة الإسلامية.

وتشير التقديرات المحدّثة أنّه بعد وقت ليس بطويل ستختفي الشريحة السكانية المسيحية تماما من قطاع غزة. حتى عام 2007 عاش في قطاع غزة نحو 3,000 مسيحي، وعام 2011 كان الرقم 1,400، ننيجة لهجرة المسيحيين من غزة إلى الضفة الغربية ودول أخرى، والتي هي بالأساس: أستراليا، الولايات المتحدة، السويد أو أي مكان لهم فيه أقارب.

المسيحيون في غزة (AFP)
المسيحيون في غزة (AFP)

هجرة سهلة نسبيًّا بالمقارنة مع المسلمين

إذا كان الأمر كذلك، فالظواهر التي يعاني منها المسيحييون في كلّ واحد من هذه الأماكن متشابهة: قتل المواطنين المسيحيين ورجال الكنيسة، تدمير الكنائس بل وهناك عدد من الشواهد على جبي الجزية بالقوة والتي لم تؤخذ من المسيحيين واليهود منذ القرن التاسع عشر.

يغادر المسيحيّون الذين يشعرون بالتهديد الشرق الأوسط بأعداد كبيرة. وبجميع الأحوال فإنّ الزيادة الطبيعية لديهم أقلّ من المسلمين، وظاهرة الهجرة السلبية تُقلّص من أعدادهم في المنطقة أكثر وأكثر. هناك من يشبّه تدفّق المسيحيين الحالي بتدفّق نحو 900,000 يهودي من الدول العربيّة، والذين فرّت غالبيّتهم العظمى من أماكن عيشهم بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948، وذلك لشعورهم بالتهديد وانعدام الحماية من السلطات.

يمكنا أن نقرّر بالعموم أنّه يسهل على العرب المسيحيين أن يهاجروا أكثر من العرب المسلمين. نسبيّا فإنّ تعليمهم أعلى، وأوروبا وأمريكا هي دول مسيحية في غالبيّتها. ومع وصولهم إلى البلاد الجديدة فهم يحافظون عادةً على المجتمعات الأصلية، ولكنّ التأثير يقلّ مع مرور الزمن، ويعبّر الجيل الثاني عن رغبته بالاندماج في المجتمع الذي نشأ وترعرع فيه، والاندماج بالمجتمع المحلّي كبير، بالطبع مقارنةً مع الهجرة المسلمة.

إنّ النظر إلى هجرة المسيحيين في الشرق الأوسط يمكنه أن يشير إلى انتشار الحركات الإسلامية المتطرّفة، مثل “الإخوان المسلمون” والحركات السلفية. فالمضايقات الكثيرة للمسيحيين من مقبل هذه الجماعات، مقابل صمت وعدم تدخّل الغرب، تُسرّع من فرار المسيحيّين المهدّدين. يمكننا إذن أن نفهم بأنّ قوة سيطرة الإسلاميين في المنطقة هي أحد المعطيات في الشرق الأوسط ضمن معطيات فرار المسيحيين من المنطقة.

اقرأوا المزيد: 1397 كلمة
عرض أقل
رسم لعلم الاستقلال على احد الابنية في بيروت (AFP)
رسم لعلم الاستقلال على احد الابنية في بيروت (AFP)

الغاء الاحتفال الرسمي بعيد الاستقلال في لبنان للمرة الاولى منذ الحرب الاهلية

انتهت ولاية الرئيس السابق سليمان في 25 مايو. الا ان مجلس النواب فشل في انتخاب رئيس جديد بسبب عمق الانقسام السياسي في البلاد على خلفية الازمة في سوريا

ألغت السلطات اللبنانية الاحتفال السنوي الرسمي بذكرى الاستقلال التي تصادف غدا السبت بسبب استمرار شغور موقع الرئاسة، وذلك للمرة الاولى منذ نهاية الحرب الاهلية العام 1990، بحسب ما ذكر وزير الاعلام رمزي جريج لوكالة فرانس برس.

وقال الوزير الجمعة ان رئيس الوزراء تمام سلام “وجه رسالة الى اللبنانيين في مستهل جلسة الحكومة امس اعلن فيها اننا لن نحتفل بذكرى الاستقلال هذا العام بسبب شغور منصب رئيس الجمهورية”.

وهي الذكرى الواحدة والسبعين لاستقلال لبنان الذي اعلن استقلاله في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1943، منهيا انتدابا فرنسيا استمر 23 عاما.

واوضح مصدر عسكري انها “المرة الاولى التي يلغى فيها الاحتفال بذكرى الاستقلال منذ نهاية الحرب الاهلية التي شهدتها البلاد بين عامي 1975 و1990، مضيفا “في عيد الجيش الذي صادف في الاول من آب/اغسطس، تم كذلك الغاء العرض العسكري  الذي كنا نقوم به سنويا”.

وانتهت ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في 25 ايار/مايو. الا ان مجلس النواب فشل في انتخاب رئيس جديد بسبب عمق الانقسام السياسي في البلاد على خلفية الازمة في سوريا المجاورة.

وتتطلب جلسة انتخاب رئيس حضور ثلثي اعضاء مجلس النواب (86 من اصل 128). ولم يتمكن البرلمان على الرغم من دعوته الى جلسة انتخاب رئيس 15 مرة، من تحقيق نصاب بسبب مقاطعة تكتل حزب الله وحلفائه للجلسات. ويدعو هذا التكتل الى “التوافق مسبقا” على رئيس قبل عقد الجلسة. ويتهمه الفريق المناهض له (قوى 14 آذار) بمحاولة فرض الرئيس الذي يريده.

ضحايا الحرب الأهلية في سوريا (AFP)
ضحايا الحرب الأهلية في سوريا (AFP)

ويتخلل الاحتفال الرسمي بعيد الاستقلال في لبنان اجمالا عرض عسكري تشارك فيه فروع القوات المسلحة والدفاع المدني والكشافة ومؤسسات اخرى، وتحضره الشخصيات السياسية والامنية، على راسهم رئيس الجمهورية.

واوضح مصدر امني لفرانس برس من جهة اخرى ان “جزءا من قرار الغاء الاحتفال يعود ايضا الى قضية الجنود وعناصر الامن المخطوفين” في سوريا.

والى جانب الانقسام السياسي، يتعرض لبنان الى هزات امنية متتالية ناتجة عن تداعيات النزاع السوري.

في مطلع آب/اغسطس، شهدت بلدة عرسال (شرق) الحدودية مع سوريا مواجهات بين الجيش اللبناني ومسلحين قدموا من سوريا ومن مخيمات للاجئين السوريين داخل البلدة استمرت خمسة ايام وتسببت بمقتل عشرين جنديا و16 مدنيا وعشرات المسلحين.

وانتهت هذه المواجهات بانسحاب المسلحين من عرسال الى الجرود والى سوريا، الا انهم خطفوا معهم عددا من العسكريين وعناصر قوى الامن الداخلي، قتلوا منهم ثلاثة ولا يزالون يحتجزون 27.

وتعود رئاسة الجمهورية في لبنان الى الطائفة المارونية. ومنذ انتهاء ولاية سليمان، تتولى الحكومة المؤلفة من ممثلين عن غالبية القوى السياسية ويرأسها تمام سلام (سني)، مجتمعة، بموجب الدستور، صلاحيات الرئيس لحين انتخاب رئيس جديد.

اقرأوا المزيد: 373 كلمة
عرض أقل
مخيم اليرموك بعد القصف، الحرب الأهلية في سوريا مستمرة (AFP)
مخيم اليرموك بعد القصف، الحرب الأهلية في سوريا مستمرة (AFP)

5 معارك جرت في رمضان وهزّت العالم

في رمضان تحديدًا: يغرق الشرق الأوسط والعالم الإسلامي حتى الأعناق في معارك قاسية، وإليكم قائمة لبعض المعارك التاريخية، في فترة رمضان، والتي هزّت الشرق الأوسط

الشرق الأوسط لا يهدأ: في هذه الأيام من الصوم ومراجعة الذات تحديدًا، يعيش الشرق الأوسط أحداث عنف هي الأقسى في تاريخه. تتبادل حماس والتنظيمات الإرهابية الضربات بينها وبين إسرائيل، وفي سوريا تستمر الحرب الأهلية في جني أرواح المواطنين والمقاتلين كلّ يوم، كذلك، في ليبيا يلعقون جراحهم وفي مصر فإنّ الجيش ليس قادرًا على القيام بأيّ شيء للقضاء على الإرهاب في سيناء.

ولكن ملاحظة التاريخ تُظهر أنّ هناك الكثير من المعارك التي بدأت أو أعلنت خلال شهر رمضان. أمامكم عدد من الأحداث التاريخية التي جرت تحديدًا في رمضان

سنبدأ تحديدًا ببعض الأحداث التاريخية القديمة منذ أيام بداية الإسلام:

غزوة بدر

هي غزوة وقعت في‎ ‎‏السابع عشر من رمضان‏‎ ‎في‎ ‎‏العام الثاني من الهجرة (الموافق‎ ‎‏‏‎13‎ ‎ مارس‏‎ ‎‏‏‎624‎ م)‏‎ ‎بين‎ ‎‏المسلمين‏‎ ‎بقيادة‎ ‎‏رسول الإسلام محمد،‏‎ ‎‏وقبيلة قريش‏‎ ‎ومن حالفها من‎ ‎‏العرب‏‎ ‎بقيادة‎ ‎‏عمرو بن هشام المخزومي القرشي.‏‎ ‎وتُعد غزوةُ بدر أولَ معركةٍ من معارك الإسلام الفاصلة، وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى‎ ‎‏منطقة بدر‏‎ ‎التي وقعت المعركة فيها، وبدر بئرٌ مشهورةٌ تقع بين‎ ‎‏مكة‏‎ ‎‏والمدينة المنورة‏‎.‎

فتح إسبانيا

جرى الفتح تحت رعاية الأمويين، بين عامي 711-718، من أيدي مملكة القوط الغربيين التي سيطرت على شبه جزيرة أيبيريا منذ بداية القرن السادس.

بدأ الفتح بغزو عسكري لقوة مكوّنة في معظمها من أبناء القبائل البربرية التي تعود إلى شمال إفريقيا تحت قيادة القائد المسلم طارق بن زياد. اجتازت القوة مضيق جبل طارق (في 29 نيسان عام 711، في شهر رمضان) ومضت في طريقها شمالا. بعد الانتصار الإسلامي الحاسم على جيش الملك القوطي رودريك في معركة وادي لكة، تفكّكت المملكة القوطية وخضعت مدنها للرعاية الإسلامية واحدة تلو الأخرى.

معركة حطين

إعادة معركة حطين (Flash90/Gil Eliyahu)
إعادة معركة حطين (Flash90/Gil Eliyahu)

هي معركة جرت في 4 تموز عام 1187، في حطين الواقعة قرب طبريا، بين الصليبيين من مملكة القدس بقيادة غي دي لوزينيان، وبين الأيوبيّين بقيادة صلاح الدين. أحرز الأيّوبيّون في هذه المعركة نصرًا حاسمًا على الصليبيين.

شكلت المعركة ذروة صراع قاده صلاح الدين ضدّ مملكة القدس الصليبية. مثّلت هذه المعركة، التي أحرز فيها صلاح الدين انتصاره الكبير على الصليبيين، نقطة الانهيار لمملكة القدس، والتي بدت بعد تأسيسها في أعقاب الحملة الصليبية الأولى قوةً إقليمية راسخة. بعد معركة حطين بدأ انهيار المملكة حتى التدمير النهائي، وكانت الهزيمة شديدة لدرجة أنّ جميع المدن والحصون الصليبية تقريبًا خضعت لصلاح الدين بعدها، ولم تعد مملكة القدس بعد ذلك تشكّل عاملا مهمّا في الشام.

حرب تشرين

غولدا مئير وموسيه ديان خلال حرب تشرين (Knesset)
غولدا مئير وموسيه ديان خلال حرب تشرين (Knesset)

بانتقال حادّ نحو التاريخ الحديث للشرق الأوسط، نذكّر بحرب تشرين أو كما تسمّى في العالم العربي أيضًا “حرب أكتوبر” أو “حرب رمضان”. وكما يوحي اسمها بالعبرية (حرب يوم الغفران)، فهي الحرب التي اندلعت في يوم الغفران في إسرائيل والعاشر من رمضان عام 1973.

بدأت الحرب بهجمة مفاجئة لجيوش سوريا ومصر على إسرائيل واستمرّت حتى 24 تشرين الأول عام 1973، وهو اليوم الذي دخل فيه وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ. فاجأت مبادرة الحرب من قبل الدول العربيّة شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، والتي لم تتوقّع بعد الانتصار الكبير في حرب 1967 اندلاعها، ولا كثافة الهجوم وخصائص القتال للجيوش العربية.

يفهم الإسرائيليون ويناقشون حتى اليوم أهمية تلك الحرب القاسية التي جنت أرواح مئات المقاتلين الإسرائيليين رغم الانتصار الإسرائيلي والإنجازات في الميدان. في مصر كذلك يمدحون حتى اليوم قيادة أنور السادات الذي تجرأ على بدء حرب وعلى تحدّي الدولة في الشمال، إسرائيل، وعلى استعادة شبه جزيرة سيناء مجدّدًا عن طريق المفاوضات ومعاهدة السلام بين البلدين.

الحرب الأهلية في لبنان

صورة من الحرب الأهلية في لبنان عام 1982 (AFP)
صورة من الحرب الأهلية في لبنان عام 1982 (AFP)

اندلعت في 13 نيسان عام 1975 كاستمرار مباشر للصراعات الدينية والمواقف السابقة في لبنان، واستمرّت بين وقف إطلاق النار ووقف إطلاق نار آخر، حتى 13 تشرين الأول عام 1990، مع احتلال شرق بيروت من قبل الجيش السوري.

أكّدت الحكومة اللبنانية أنّ الحرب، بجميع مراحلها، قد أسفرت عن مقتل نحو 150,000 شخص، وجرح 200,000 شخص ونحو 17,500 شخص في عداد المفقودين وتم الإعلان عن وفاتهم. فضلًا عن ذلك، فقد ترك وطنه – طوعا أو كرها – نحو 790,000 شخص ونحو 1,000,000 شخص هاجروا خارج حدود لبنان. قُدّرت الأضرار من قبل صندوق النقد الدولي بنحو 25 مليار دولار. حدثت معظم الأضرار جراء هرب نحو 200,000 من الخبراء والمهنيّين إلى خارج حدود لبنان وتدمير معظم المنشآت الصناعية في البلاد.

اقرأوا المزيد: 622 كلمة
عرض أقل
مظاهرة للأقباط في مصر (AFP)
مظاهرة للأقباط في مصر (AFP)

المسيحيون في الشرق الأوسط- عالم يتلاشى

لماذا يغادر المسيحيّون الشرق الأوسط؟

تمثّل زيارة البابا فرنسيس إلى الأراضي المقدسة فرصة لفحص حالة الشريحة السكانية المسيحية في الشرق الأوسط على خلفية التغييرات الجارية في المنطقة. ويظهر فحص أوضاع المسيحيين صورة قاتمة جدّا من الاضطهاد المتزايد والهجرة السلبية.

بشكل عام، فإنّ الشريحة المسيحية في الشرق الأوسط يمكنها أن تقسّم اندماجها في الدول العربيّة إلى قبل وبعد أحداث “الربيع العربيّ” التي بدأت عام 2011. فإذا كان المسيحيون قد تمتّعوا حتى الربيع العربيّ بالأمن، فإنّهم يعانون بعده من المضايقات من الحركات الإسلامية، وفي الوقت الذي تجد السلطات صعوبة في حمايتهم، يختار الكثيرون الهجرة إلى أماكن أخرى يحيون بها دون اضطهاد وتهديدات مستمرّة، وفي الواقع فقد رافق الربيع العربيّ “تطهير عرقي” لم ير الشرق الأوسط مثله خلال مئات السنين.

الغالبية العظمى من المسيحيين الذين يعيشون في الشرق الأوسط هم ذوي قومية عربية، حيث إنّ لغتهم الأساسية هي العربية. في العقود الأخيرة كانوا جزءًا لا يتجزّأ من الدول التي عاشوا بها، ولكن كما ذكرنا فإنّ الاضطرابات القوية التي يمرّ بها الشرق الأوسط لم تقفز عنهم أيضًا.

يعارض الدين الإسلامي بشكلٍ رسميّ هذا الاضطهاد، ولكن حركات الجهاد المتطرفة تؤذي المسيحيين طوال الوقت، ولا تستطيع السلطات منحهم الحماية المرجوّة. يبيّن تقرير خاصّ أعدّه فريق البحث البريطانيّ سيفيتاس (Civitas) ونُشر قبل عامين، أنّ المسيحيين في دول الشرق الأوسط “أقلّ شأنًا من الناحية الاجتماعية، مضطهدون أو مقموعون بشكل كبير بسبب عقيدتهم”.

مصر

في الشرق الأوسط، فإنّ المكان الذي فيه أقوى موجة لاضطهاد المسيحيين على الإطلاق هو تحديدًا مصر، حيث رفرف فيها علم الربيع العربيّ مع المليونيات في ميدان التحرير. منذ سقوط نظام حسني مبارك، بدأت مضايقات الشريحة السكانية المسيحية، والتي احتدّت مع صعود “الإخوان المسلمون” إلى السلطة، وأدّت إلى هجرة مئات الآلاف من المسيحيين (من بين شريحة سكانية تقدّر بسبعة ملايين مسيحي).

يعاني المسيحيون في مصر من التحريض الكبير ضدّهم من قبل المجموعات التي تنتمي إلى الإسلام المتطرّف، بداية من القتل في ضوء النهار، حرق الكنائس، المذابح والشعور الكبير بغياب الحماية من قبل السلطات. ويمكن للأحداث التي جرتْ بعد اندلاع الثورة مباشرة أن تبيّن لنا أكثر الوضع الجديد وغير المشجّع لمسيحيّي مصر.

قبل نحو ثلاث سنوات، مع اندلاع الاحتجاجات، حدث انفجار في كنيسة قبطية في الإسكندرية قُتل فيه 21 من المصلّين المسيحيين وأصيب نحو مائة. بعد وقت غير طويل من ذلك، في تشرين الثاني عام 2011، تظاهر مسيحيّون أقباط في ميدان التحرير احتجاجا على حرق كنيسة وعدم كفاءة السلطات في حمايتهم. لم تنظر القوى الأمنية المصرية إلى هذه المظاهرة بإيجابية واشتبكت بعنف مع المحتجّين. قُتل في هذه المواجهات العنيفة جنديّان و22 مواطنا مصريّا، معظمهم مسيحيّون، وأصيب أكثر من 200.

فهم المسيحيون المصريّون أنّهم لن يحظوا على ما يبدو بحياة سلميّة في مصر فقط بسبب دينهم ومعتقداتهم. بالإضافة إلى هجرة مئات الآلاف من المسيحيين إلى خارج مصر، نُشر مؤخرا أنّ مئات الآلاف من الآخرين قد قدّموا في السنوات الأخيرة طلبات للهجرة إلى دول أوروبية وإلى الولايات المتحدة.

مظاهرة للأقباط في مصر (AFP)
مظاهرة للأقباط في مصر (AFP)

لبنان

لم يؤدّ الربيع العربيّ إلى حدوث ثورة في لبنان، ولكنّ صعود قوّة حزب الله يؤثّر هو أيضًا على السكان المسيحيين في البلاد. المزيد والمزيد من المسيحيين يتحدّثون عن فقدان الأمن والشعور المتزايد لديهم بعدم الانتماء مقابل صعود قوة حزب الله.

حتى الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 كانت نسبة المسيحيين من السكان نحو 50%، واليوم فإنّ التقديرات هي أنّ نسبتهم لا تتجاوز 35%. يهاجر الكثير من المسيحيين إلى خارج لبنان، وبالأساس إلى أوروبا، أمريكا الشمالية والجنوبية.

وقد تمّ في السنوات الأخيرة معاينة حالات كثيرة باع فيها مسيحيّون لبنانيّون أرضهم للمسلمين، حيث تمّ تمويل عمليات الشراء بواسطة شركات واجهة إيرانية مرتبطة بالنظام الإيراني، والهدف المعلن من العملية هو السيطرة على مناطق يعيش فيها المسيحيّون و”دفعهم” إلى خارج البلاد.

السلطة الفلسطينية، الضفة الغربية

تظهر بعض الدراسات أنّه بينما شعر المسيحيون والمسلمون الفلسطينيون بالمصير المشترك في السنوات الأولى من قيام دولة إسرائيل، فقد حدث انقسام بين المجموعات في العقود الأخيرة. يشعر المسيحيّون بنسبة أقلّ من الانتماء للرواية الفلسطينية، ونما لديهم شعور قويّ بالهوية الجماعية التي تعبّر عن غضبها من أنّ الرواية الفلسطينية تحوّلت باتجاه كونها رواية إسلامية، بحيث يُستثنى منها الجانب المسيحي.

وبالإضافة إلى هذه المشاعر، فإنّ حالات المضايقات وخصوصا من قبل الشباب المسلم الفلسطيني تجاه المسيحيين الفلسطينيين لم تعد أمرا نادرا، ومن الصعب القول بأنّ الأجهزة الأمنية الفلسطينية تتّخذ موقفا قويا تجاه هذه الظاهرة.

المحافظة التي يمكن أن نلاحظ فيها بصورة واضحة جدّا التغيير في أوضاع المسيحيين هي محافظة بيت لحم. تعتبر بيت لحم، والتي هي وفقا للمعتقد المدينة التي ولد فيها المسيح، مدينة مسيحية طوال الزمن. عام 1947 كان 85% من سكانها من المسيحيين، ولكن المسيحيّين اليوم يشكّلون نحو 20-25% من سكّان المدينة فقط. كانت احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم دائما جزءًا لا يتجزّأ من مشاهد المدينة، ولكنها تقلّصت في السنوات الأخيرة. قبل نحو عام، ومع تصاعد هذا الشعور، تمّ وضع لافتة ضخمة في أحد الميادين المركزية في المدينة قبل عيد الميلاد، وكتب عليها “عيسى ولد وقام للإحياء. الوقت الذي لقلبك حيث يمكنك أن تكون سعيدا. عيد سعيد”. أثارت اللافتة البريئة ردود فعل غاضبة، وخلال أقلّ من أسبوعين تم قطع كابلات إضاءة اللافتة، وفي النهاية تمّت إزالتها.

هذه الظواهر، بالإضافة إلى الشعور بالاستثناء من الرواية الفلسطينية، أدّت بالكثير من الفلسطينيين إلى قرار الهجرة خارج أراضي السلطة الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، يعرب الكثير من المسيحيين الفلسطينيين عن قلقهم وخوفهم من إمكانية سيطرة حركة حماس على الضفة الغربية كما سيطرت على قطاع غزة، بعد مشاهدتهم لاضطهاد المسيحيين الذين لا زالوا يعيشون في غزة مضطهدين من قبل السلطات. يهاجر المغادرون إلى خارج أراضي السلطة الفلسطينية بشكل أساسيّ إلى أمريكا الجنوبية، حيث تتواجد هناك جاليات فلسطينية كبيرة. في تشيلي، على سبيل المثال، هناك – وفق التقديرات – نحو نصف مليون فلسطيني.

 قطاع غزة

يعتبر قطاع غزة أحد الأماكن الأكثر اضطهادا للمسيحيين في الشرق الأوسط على الإطلاق. حتى في الماضي لم يشعر الكثير من المسيحيين بالأمان الكامل، ولكن أوضاعهم ساءت كثيرًا مع سيطرة حماس على القطاع عام 2007.

منذ سيطرة حماس على القطاع، وصعود قوّة الجهات الإسلامية المتطرّفة مثل الحركات السلفية، يعاني المسيحيّون من الاضطهاد، سواء من قبل المواطنين أو من الجهات الحكومية. بعد أشهر من الانقلاب، نفّذت حماس سلسلة من الاعتقالات في صفوف المسيحيين.

ويحاول المسيحيون الذين بقوا الحفاظ على الهدوء وضبط النفس من أجل البقاء على قيد الحياة. إنّهم يقيمون تقاليدهم بتواضع خشية اتهامهم من قبل حماس بمحاولات التنصير. ومن بين أمور أخرى، فهم يستخدمون النبيذ بصورة سرّية، بالأساس من أجل إقامة الشعائر الدينية، وذلك رغم حظر تناول الكحول في قطاع غزة وفقا للشريعة الإسلامية.

وتشير التقديرات المحدّثة أنّه بعد وقت ليس بطويل ستختفي الشريحة السكانية المسيحية تماما من قطاع غزة. حتى عام 2007 عاش في قطاع غزة نحو 3,000 مسيحي، وعام 2011 كان الرقم 1,400، ننيجة لهجرة المسيحيين من غزة إلى الضفة الغربية ودول أخرى، والتي هي بالأساس: أستراليا، الولايات المتحدة، السويد أو أي مكان لهم فيه أقارب.

المسيحيون في غزة (AFP)
المسيحيون في غزة (AFP)

هجرة سهلة نسبيًّا بالمقارنة مع المسلمين

إذا كان الأمر كذلك، فالظواهر التي يعاني منها المسيحييون في كلّ واحد من هذه الأماكن متشابهة: قتل المواطنين المسيحيين ورجال الكنيسة، تدمير الكنائس بل وهناك عدد من الشواهد على جبي الجزية بالقوة والتي لم تؤخذ من المسيحيين واليهود منذ القرن التاسع عشر.

يغادر المسيحيّون الذين يشعرون بالتهديد الشرق الأوسط بأعداد كبيرة. وبجميع الأحوال فإنّ الزيادة الطبيعية لديهم أقلّ من المسلمين، وظاهرة الهجرة السلبية تُقلّص من أعدادهم في المنطقة أكثر وأكثر. هناك من يشبّه تدفّق المسيحيين الحالي بتدفّق نحو 900,000 يهودي من الدول العربيّة، والذين فرّت غالبيّتهم العظمى من أماكن عيشهم بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948، وذلك لشعورهم بالتهديد وانعدام الحماية من السلطات.

يمكنا أن نقرّر بالعموم أنّه يسهل على العرب المسيحيين أن يهاجروا أكثر من العرب المسلمين. نسبيّا فإنّ تعليمهم أعلى، وأوروبا وأمريكا هي دول مسيحية في غالبيّتها. ومع وصولهم إلى البلاد الجديدة فهم يحافظون عادةً على المجتمعات الأصلية، ولكنّ التأثير يقلّ مع مرور الزمن، ويعبّر الجيل الثاني عن رغبته بالاندماج في المجتمع الذي نشأ وترعرع فيه، والاندماج بالمجتمع المحلّي كبير، بالطبع مقارنةً مع الهجرة المسلمة.

إنّ النظر إلى هجرة المسيحيين في الشرق الأوسط يمكنه أن يشير إلى انتشار الحركات الإسلامية المتطرّفة، مثل “الإخوان المسلمون” والحركات السلفية. فالمضايقات الكثيرة للمسيحيين من مقبل هذه الجماعات، مقابل صمت وعدم تدخّل الغرب، تُسرّع من فرار المسيحيّين المهدّدين. يمكننا إذن أن نفهم بأنّ قوة سيطرة الإسلاميين في المنطقة هي أحد المعطيات في الشرق الأوسط ضمن معطيات فرار المسيحيين من المنطقة.

اقرأوا المزيد: 1256 كلمة
عرض أقل
حقول المريجوانا في البقاع اللبناني (AFP)
حقول المريجوانا في البقاع اللبناني (AFP)

تحت غطاء الحرب الأهلية السورية تزدهر صناعة الماريجوانا في لبنان

حزب الله أيضًا يشارك بتهريب الحشيش عن طريق الحدود بين لبنان وإسرائيل. الهدف: تدمير المجتمع الإسرائيلي بواسطة المخدرات

بينما تدور رحى الحرب الأهلية السورية على بعد خمسين كيلومترًا عن منطقة البقاع اللبناني، تُفضل قوات الأمن اللبنانية التركيز بمشاكل أخرى غير المواجهة السنوية التي تخوضها ضدّ مزارعي الحشيش في المنطقة. “إن أرادوا المواجهة، لا مشكلة لدينا، موسم الحصاد صار وشيكًا”، يقول مزارعو الحشيش.

حقول المريجوانا في البقاع اللبناني (AFP)
حقول المريجوانا في البقاع اللبناني (AFP)

تُرسل قوات الأمن اللبنانية في السنوات الأخيرة جرارات، بلدوزورات وعربات مدرّعة لإتلاف تلك المحاصيل، الأمر الذي أدى إلى مواجهات مع المزارعين المسلحين ببنادق هجومية وقذائف RPG. لا يهم كم هي دراماتيكية، استعراضات القوة التي تقوم بها السلطات اللبنانية فقد سُجلت انتصارات جزئية في تلك المنطقة، التي سلطة قوات الأمن التابعة للدولة اللبنانية فيها هي محدودة، وحتى أفراد حزب الله يبتعدون عن مواجهة العائلات المحلية.

وليد جنبلاط، الذي أكد بحزم أنه لم يدخن الماريجوانا يومًا، الشهر الماضي، إنه يدعم زراعة الحشيش لغايات صحيّة، مدعيًّا أن من شأن زراعة الحشيش بشكل قانوني وتحت الإشراف أن تحسّن الأوضاع المعيشية للمناطق الفقيرة في البقاع

منذ العام 2012، تم إهمال عملية مواجهة الحشيش. قام، قبل عامين، مزارعون بسد الطرقات عندما بدأت القوات اللبنانية عملية إحراق الحشيش. تراجعت الحكومة ووعدت وزارة الداخلية أن تفحص إمكانية تعويض المزارعين عن إتلاف محاصيلهم وإيجاد مصدر رزق آخر لهم. إلا أنه، حسب تصريحات المزارعين، تلك الوعود لم تُنفّذ.

خلال العام المنصرم، عندما اجتاح العنف المنتشر في سوريا الأراضي اللبنانية، من خلال التفجيرات وتبادل إطلاق النيران داخل المدن الساحلية وسقوط قذائف بين الحين والآخر على بلدات البقاع، أوقفت السلطات المواجهات التي خاضتها ضدّ المزارعين منذ الحرب الأهلية اللبنانية، التي استمرت بين عامي 1975 و 1990. خلال تلك الحرب، كانت تُنتج منطقة البقاع ما يقارب 1000 طن سنويًا من الحشيش.

نوع الحشيش الذي يزرعه المزارعون اللبنانيون هو نوع نبات قوي، والذي يمكنه أن يصمد في فترة الشتاء الجافة كفصل الشتاء الذي ساد لبنان هذا العام، دون الحاجة للري الكثير والمكلف. تتراوح تكلفة تجهيز دونم حشيش واحد على المزارع اللبناني بين 100 وحتى 150 دولارًا وهذه الكلفة أقل بكثير من كلفة تجهيز دونم لزراعة القمح. في فترة الحصاد، في أواخر الصيف، يمكن أن يكسب المزارع 3000 دولار من كل دونم. “لا خسارة بزراعة الحشيش”، يقول المزارعون المحليّون.

تتراوح تكلفة تجهيز دونم حشيش واحد على المزارع اللبناني بين 100 وحتى 150 دولارًا وهذه الكلفة أقل بكثير من كلفة تجهيز دونم لزراعة القمح

صنّفت الوكالة الأممية التي تُعنى بالقضايا المتعلقة بالمخدرات والجريمة لبنان في عام 2011 على أنها إحدى أكبر 5 دول منتجة للحشيش. عام 2005، عام مربك في تاريخ لبنان، حيث أنهى الجيش السوري 29 عامًا من التواجد في الدولة، وتمت زراعة 64 ألف دونم. عام 2010، على هامش الصراع مع المزارعين، انخفض العدد إلى 11 ألفًا.

أدت الحملة الطويلة والحرب التي لم تُحسم بعد ضدّ زارعي الحشيش، ترافقًتا مع الخطوات التي خطتها مؤخرًا ولايتان من الولايات المتحدة الأمريكية اللتان اختارتا إجازة الماريجوانا قانونيًا، ببعض الشخصيات اللبنانية البارزة للانضمام إلى المزارعين المطالبين بجعل زراعة الحشيش زراعة قانونية.

الشرطة اللبنانية تعرض المخدرات المضبوطة قبل تهريبها الى إسرائيل (AFP)
الشرطة اللبنانية تعرض المخدرات المضبوطة قبل تهريبها الى إسرائيل (AFP)

قال السياسي الدرزي المخضرم وليد جنبلاط، الذي أكد بحزم أنه لم يدخن الماريجوانا يومًا، الشهر الماضي، إنه يدعم زراعة الحشيش لغايات صحيّة، مدعيًّا أن من شأن زراعة الحشيش بشكل قانوني وتحت الإشراف أن تحسّن الأوضاع المعيشية للمناطق الفقيرة في البقاع.

حزب الله والمخدرات

بدأ حزب الله مؤخرًا بإنشاء بنية تحتية خاصة لترويج المخدرات والقيام بأعمال تخريبية في إسرائيل – هذا ما تُصرح به جهات مخابرات هامة في الشرق الأوسط بين الحين والآخر. تُدار مجموعة مهربي المخدرات، التي بدأت العمل على طرفي الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، بتعليمات من أعلى المستويات في جهاز العمليات التابع لحزب الله من قبل وحدة خاصة تابع للمنظمة، ويُفترض أن تُستخدم كقناة قتالية “هادئة”.

ثمة ثلاثة أهداف لتلك البنية التحتية: تدمير المجتمع الإسرائيلي بواسطة المخدرات؛ تحقيق أرباح مالية من تهريب الحشيش؛ ووضع بنية تحتية لوجستية واستخباراتية لتنفيذ عمليات تخريبية داخل إسرائيل عندما تقرر قيادة حزب الله ذلك – ولكن ترك بصمة المنظمة عليها.

تهريب المخدرات: قناة قتالية جديدة ضدّ إسرائيل يحاول حزب الله تأسيسها وتطويرها، ولكن دون التورّط حاليًا بصراع فعلي مع إسرائيل

استخدام حزب الله لتجار المخدرات والمخدرات ليس بالأمر الجديد. تقوم المنظمة منذ بدايات التسعينات بجمع المعلومات المتعلقة بأهداف بعمليات تخريبية محتملة في شمال إسرائيل من خلال تجار مخدرات إسرائيليين. الطريقة بسيطة: يتلقى تاجر المخدرات الإسرائيلي عرضًا مغريًا من تاجر مخدرات لبناني ومقابل ذلك يوفر له خرائط وصول لأهداف داخل الأراضي الإسرائيلية. تم جزء كبير من صفقات المعلومات الاستخباراتية مقابل المخدرات من خلال قرية الغجر التي تقطعها الحدود. يعمل عدد كبير من سكان الجزء الشمالي من القرية، الموجود في الجزء اللبناني، على تهريب المخدرات مع ودون علاقة بحزب الله.

في الواقع، نتحدث هنا قناة قتالية جديدة ضدّ إسرائيل يحاول حزب الله تأسيسها وتطويرها، ولكن دون التورّط حاليًا بصراع فعلي مع إسرائيل. تحمل تلك القناة حاليًا طابعًا جنائيًا فقط، إنما من خلال ذلك سيدخلون متفجرات ومعدّات قتالية إلى داخل إسرائيل وعندما يقرر حزب الله – بضوء أخضر من إيران وبتوجيه منها – بالطبع.

حقول المريجوانا في البقاع اللبناني (AFP)
حقول المريجوانا في البقاع اللبناني (AFP)

تسير وتتشكل البنية التحتية الجديدة للمخدرات والإرهاب بتوجيه مباشر من مصطفى بدر الدين، القائد الأعلى للعمليات العسكرية في حزب الله. بدر الدين هو وريث عماد مغنية، الذي كان يُعتبر قائد الأركان في حزب الله وحسب ادعاء المنظمة تم اغتياله من قبل إسرائيل في دمشق في شباط 2008. ألقيَّ إنشاء البنية التحتية وتفعيلها على عاتق الوحدة 1800 التابعة لحزب الله، المسؤولة عن تجنيد أموال وتنفيذ عمليات ضدّ إسرائيليين، ليس فقط في إسرائيل بل أيضًا في دول عربية محاذية لإسرائيل مثل مصر والأردن.

يتعلق أحد التفاصيل الملفتة للاهتمام والمتعلقة بإنشاء هذه الشبكة بمصدر المخدرات التي يحاول حزب الله تصديرها إلى إسرائيل. يتضح أن غالبية الحشيش الجيد يأتي من سوريا.

بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، تم قطع أو تشويش طرق تسويق وتهريب المخدرات إلى أوروبا وأماكن أخرى في الشرق الأوسط، إنما زراعته لم تتوقف والمخزون يتكدس في مخازن المزارعين السوريين ولا يجد من يطلبه. إلا أن وجود حزب الله وتورطه بالحرب في سوريا يوفر حلاً ما.

يتمتع مقاتلو الحزب الناشطين في سوريا بإمكانية غير محدودة بالوصول إلى مزارعي الحشيش السوريين ويمكنهم أخذ كمية وفي أي وقت إلى المناطق اللبنانية، وتسويقها من هناك من خلال مسارات تسويق المخدرات اللبنانية التي بات الشيعة في البقاء مختصين بها. إلا أن هذا أدى إلى وجود كمية حشيش زائدة في لبنان والتي قرر حزب الله تحويلها من عبء إلى ثروة استراتيجية واقتصادية. بدل خفض الأسعار – أن يتم بيعها لتجار مخدرات إسرائيليين بأسعار مغرية مقابل المال والتعاون الإرهابي.

اقرأوا المزيد: 966 كلمة
عرض أقل
المطربة اللبنانية العملاقة فيروز (AFP)
المطربة اللبنانية العملاقة فيروز (AFP)

“جارة القمر” الإسرائيليين

رغم ما قيل حول دعمِها نصر الله، اللبنانية فيروز تحتفظ بشعبيّتها، وأغانيها الفاتنة تؤدّى مرارًا بشكلٍ مُثير. المطربة الأسطورية ذات الصوت المخمليّ لا تنفكّ تكون مصدر إلهام - في إسرائيل أيضًا. تقرير عن النقاوة والعذوبة

بعد أن أظهرنا التأثير العظيم لعملاقَي الطرب المصري، أم كلثوم وفريد الأطرش، في الثقافة الموسيقيّة في إسرائيل، يجدُر تقديم الكرامة التي تستحقّها من تُعتبَر سائرةً على دربهما. إنّها المطربة الأهم قاطبةً في العالم العربي كلّه، اللبنانية فيروز. يشبه صوتُها صوت الجرس الفاخر والدقيق، تُثير أغانيها التي تتناول الطبيعة شعورًا بالهدوء والسكينة، فيما تتسلّل أغانيها الأكثر شحنًا إلى أعماق السامعين. شكّلت فيروز مصدر إلهامٍ لفنّانين عديدين، أدّوا أغنياتها، جدّدوها، وترجموا الكثير من إبداعاتها، كما أضحت موضع إعجاب شديد لمستمِعيها.

ستحتفل فيروز، التي وُلدت باسم نهاد حدّاد، بعيد ميلادها الثمانين، العام المُقبل. تعرَّف الناس إلى فيروز عام 1957، حين ظهرت في مهرجان بعلبك، شرقيّ لبنان. بفضل تعاوُنها الناجح مع الأخوَين عاصي ومنصور الرحباني، تمكّنت مِن اجتذاب عُشّاق في بلادها وفي الدول العربية كافّةً، وأحيت حفلات كثيرة أمام جماهير غفيرة. عام 1971، أجرت جولة فنيّة في الولايات المتحدة وكندا، وحظيت بذروة من الاهتمام في العالم الغربي أيضًا. بفضل شخصيتها الدمثة، أوتارها الصوتية التي تبدو آلاتٍ موسيقيّة صنعة يد فنّان، والتزامها بمبادئها طيلة مسيرتها (رفضت مثلًا الغناء على شرف الرئيس الجزائري، هواري بومدين)، تحوّلت فيروز إلى رمزٍ حقيقيّ.

فيروز تغنّي عن “شادي” – أغنية مؤلمة حول الحرب الأهلية اللبنانية:

http://www.youtube.com/watch?v=HGIzNl4cOvo&feature=youtu.be

قلّة هم الفنّانون الذين يبلغون المكانة الرفيعة التي بلغتها فيروز. فقد مثّلت أغانيها البساطة، الحنين، والتوق إلى الماضي الجميل. كما دمجت أغنياتها بين العلمانية، التي تقدِّس الطبيعة، والوطنية، التي ترفع الشعب اللبناني إلى مرتبة الأعجوبة، وكذلك الأمة العربية كلّها. وبشكلٍ مماثل لفريد الأطرش، الذي أحرز نجاحًا كبيرًا في السينما، دخلت فيروز عالَم التمثيل، ولكن من بوّابة المسرح، إذ قدّمت نحو 20 مسرحيّة وأوبريتًا، كتبها عاصي الرحباني، الذي كان أيضًا زوجها (انفصلا عام 1979) وشقيقه منصور. لكنّ إطلالاتها الموسيقيّة كانت ما منحها معظم المجد، وحوّلها إلى قدوة يُحتذى بها بالنسبة للفنّانات في المنطقة.

سريت حداد في أداءٍ محرِّك للمشاعِر لأغنية “سألتك حبيبي” في إطار حفل تحية للمطربات العربيات العظيمات:

خلال الحرب الأهلية في لبنان، التزمت فيروز بعدم إحياء حفلات في بلادها، حتّى لا تُحسب على طرف دون آخر. بعد ذلك، عادت إلى تسجيل الأغاني بنشاط، وأصدرت ما لا يقلّ عن 6 ألبومات خلال التسعينات، مع إكثارها من الحفلات أمام جماهير كبيرة في مهرجانات في جميع أنحاء العالم العربي (والعالَم كلّه). قبل 6 سنوات، تحرّرت للمرة الأولى من قيود الإجماع، حين اختارت إحياء حفل في دمشق بعد انقطاع 23 عامًا. إثر التوتّر بين قسم من اللبنانيين وسوريا، طلب بعض السياسيّين منها علنًا الامتناع عن إحياء الحفل، لكنها رفضت.

وغنيّ عن الذكر أنّ الحفل لم يقلّل أبدًا من مكانتها في لبنان. لكن، ربّما كان مؤشّرًا يُنبئ بتغيّر وجهة نظرها. فقبل نحو شهرَين، قابل موقع حزب الله ابنها زياد، الذي روى أنّ والدته – التي يكتب ويلحّن أغنياتها – “مُعجَبة بالسيّد حسن نصر الله”. أثار التصريح جدلًا واسعًا، في الإعلام، ولكن بشكل خاصّ على مواقع التواصل الاجتماعي، وأكّد مدى خصوصية فيروز. كان فنّانون آخرون سيواجهون انتقادات لاذعة. ورغم أنّ “صاحبة الصوت الملائكي” واجهت انتقاداتٍ، فإنّ معظم المعجَبين بها حاولوا إيجاد تفسير لما نُسب إليها أو التذرّع بسنّها المتقدّمة. كلّ ذلك بهدف الحفاظ على صورتها المثاليّة والناصعة. هذه الشخصية هي ما دفع موسيقيين مختلفين جدًّا واحدهم عن الآخر إلى البحث عن نقاط تربطهم بأغانيها الرائعة.

دكلة تغنّي “حبّيتك بالصيف”، وتضفي على الأغنية إحساسها (المثير):

وإليكم أمرًا مختلفًا قليلًا – مغنية الأوبرا، ساندرا حورش، تغني ترجمة للأغنية الرائعة “حبيتك بالصيف”:

حتّى إن لم يؤثر فيكم المغنّون الذين يجدّدون أغنية أو اثنتَين، أو يغنّون من حين إلى آخر عددًا من أغاني فيروز، فلا يمكن إلّا أن يثير المشروع التالي اهتمامكم. تترجم فرقة “توركيز” (فيروز)، كما يدلّ اسمها، الأغاني، تعيد توزيعها بأسلوب يدمج الروك مع عذوبة اللحن ويحافظ على العظمة، وتظهر في جميع أنحاء إسرائيل في العقد الأخير. تعتزم الفرقة قريبًا إصدار ألبوم، ننتظره بفارغ الصبر. صحيحٌ أنّ المغنية (وعازفة الناي)، داليت فريدمان، لم توهب تناغُم وعذوبة فيروز، لكنها تتحكم في حنجرتها، وتتاقلم بشكل ممتاز مع إيقاع العزف.

فرقة “توركيز”، التي أنشئت بهدف تكريم المطربة الأسطورية، تقدِّم أغنية “ياكرم العلالي”:

http://www.youtube.com/watch?v=PqDnatD95E4&feature=youtu.be

مَن يدري؟ فقد يأتي السلام المنشود يومًا، ويحظى الإسرائيليون أيضًا بعيش الاختبار الرائع وسماع صوت فيروز اللطيف والمهدِّئ. أم كلثوم وفريد الأطرش غادَرانا، لكنّها لا تزال موجودة. سيستمرّ صوتها يصدح حول عظمة الطبيعة، ازدهار الربيع، لينسينا الحروب والألم غير المنتهي. ألا يبدو ذلك مهمة جيّدة لـ “سفيرتنا إلى النجوم”؟

وكيف يمكن أن نُنهي دون أغنية أخرى من روائع “جارة القمر”؟ “سألوني الناس” – وهي الأعظم:

http://www.youtube.com/watch?v=0_sexRkBg_w&feature=youtu.be

 

اقرأوا المزيد: 670 كلمة
عرض أقل