“تدفيع الثمن” هو لقب لطريقة عمل غير شرعيّة تُنسَب إلى ناشطي يمين متطرّف إسرائيليين. بدأت هذه النشاطات خلال عام 2008، ويجري في إطارها القيام بأعمال عنيفة ضدّ فلسطينيين وممتلكاتهم: إلقاء حجارة، وضع عوائق على محاور سير تمرّ فيها سيارات فلسطينية، إحراق حقول وبيّارات وإتلاف أشجار، سدّ طرق، إشعال نيران، ونشاطات تمسّ بمساجد وبممتلكات تابعة لشرطة إسرائيل أو الجيش الإسرائيلي. في عدد من الحالات، جرى توثيق أعمال عنف وتسبب بأذى لناشطين يساريين إسرائيليين أو عرب إسرائيليين، وفي عدة حالات بُخّت كتابات على الجدران وأُلحق أذًى بمبانٍ مسيحيّة.
تُنفَّذ هذه النشاطات عادةً ردًّا على هدم مبانٍ غير مرخّصة في المستوطنات من قِبَل شرطة إسرائيل أو الجيش الإسرائيليّ، وكذلك في أعقاب عمليات إرهابية فلسطينية، وتهدف بشكل أساسي إلى الردع عن أعمال كهذه. لكنّ المصطلح يُستخدَم أيضًا للإشارة إلى أعمال كراهية لم يسبقها حدث خاصّ.
بدأت البذور الأولى لأعمال التسيّب تظهر عام 2008، وبدت أعمال “تدفيع الثمن” كالتالي: الجيش الإسرائيلي يُخلي مستوطنة؛ الفلسطينيون يلحقون الأذى بالمستوطِنين عبر الحجارة أو السّلاح، فيخرج شبان من المستوطِنين ويلحقون الأذى بممتلكات فلسطينية، ممتلكات للشرطة، أو للجيش.
مهّد الطريقَ المهندسون المجهولون لسياسة “تدفيع الثمن” قبل نحو 5 سنوات. وتنسب القوى الأمنية إلى بعض سكّان المستوطنات المُبعَدين عن منازلهم عقد اجتماعات، جرى فيها نقل مبادئ “دفع الثمن” و”التعهُّد المتبادل” للناشطين في البلدات.
تقف خلف هذا النهج وجهة نظر بسيطة. وتحدّث شبّان من مستوطنة “يتسهار”، قرب مدينة نابلس الفلسطينية، عنها مؤخرًا للإعلام بما يقارب الهمس: “حان الوقت ليكون لدينا مجانين. أن يكون في جانبنا أيضًا أشخاصٌ لا يمكن ضبطُهم. أشخاص ردودهم (غير متّزنة)، (غير طبيعية)، يقول عنهم العرب أو الجيش الإسرائيلي إنه يجدر عدم التعامل معهم. سيُنظِّم هذا الوضعَ بشكلٍ أفضل. سيفكّر اليهود والفلسطينيون، الذين حوّلونا إلى “كيس اللكم” الخاصّ بهم، مرتَين قبل إلحاق الأذى بنا”.
آباءٌ مؤسّسون
لا أبَ أو أمّ بشكل رسمي لسياسة “تدفيع الثمن”. تربط القوى الأمنية بين أفراد من سكّان المستوطنات النائية وبين طريقة العمل هذه. كذلك لم يجرِ العثور على حاخام يدعم رسميًّا “تدفيع الثمن”، لكنّ الشبان المشاركين يرَون الحاخام يتسحاق غينزبورغ، رئيس المدرسة الدينية “قبر يوسف” في مستوطنة يتسهار، الحاخام دافيد دودكفيتس، حاخام يتسهار، والحاخام يتسحاق شفيرا من يتسهار أيضًا، مرشدين روحيين لهم.
ويُقدَّر أنّ نحو 3000 شخص مسؤولون عن هذه السياسة العنيفة، معظمهم من المستوطنات الدينية الأيديولوجية، حيث إنّ أكبر كثافة لهم هي في مناطق الخليل، يتسهار، وحافات معون جنوب جبل الخليل. وليس هؤلاء بحاجةٍ بعد إلى إرشادات. فالعمل يجري بشكل شبه آليّ. بعد تلقي الإشعار عبر الأجهزة الخلوية، يخرجون إلى العمل. معظم النشاطات هي بأسلوب “اضرب واهرُب” ويجري تنفيذها من قِبل أفراد، لا عصابات كبيرة يمكن منع نشاطها بسهولة.
تتحفّظ مؤسّسة المستوطِنين والأكثرية الساحقة من حاخامات المستوطَنات عن هذه الطريقة في العمَل. حتى إنّ قسمًا منهم أدانوا الأمر بشدّة. معظم المستوطِنين لا يشاركون في هذه النشاطات، لكنّ الشبّان والفتيات المحسوبين عليها يرَونها طريقة صحيحة لردع القوى الأمنية والفلسطينيين من إيذاء اليهود، أو بلغة شبانٍ من يتسهار: “ليتعلّموا ألّا يلعبوا معنا”.
سياسة حُكوميّة غير واضحة
تحذر الأجهزة الأمنية والحكومة الإسرائيليّتان من هذه الظاهرة القاسية. وتعود صعوبة التعامُل مع “تدفيع الثمن”، وفق تقدير مختصّين أمنيّين، إلى التعقيد في التعريف الأمني المُعطى للظاهرة.
ويعمل عدد من الهيئات ضدّ منفذي نشاطات “تدفيع الثمن”: الشرطة الإسرائيلية في الضفة الغربية، القسم اليهوديّ في الشاباك (الأمن العام)، وقوات الجيش الإسرائيلي. عام 2011، أنشئت قوة مهمات لمعالجة الأمر، مكوّنة من قوات “يسام” (القوات الخاصة في الشرطة) وكتيبة حرَس الحدود.
وتواجه محاولات إيقاف منفذي عمليات “تدفيع الثمن” ومحاكمتهم عدة عقبات. فحتى تشرين الأول 2010، افتُتح 97 تحقيقًا انتهى دون لوائح اتّهام. ورغم تقدير الشاباك أنّ هوية المنفّذين معروفة، لم تجرِ حيازة أدلة كافية لمحاكمتهم.
وقال العميد نيتسان ألون، قائد “كتيبة يهوذا والسامرة” (حتى 2011) في نهاية خدمته إنّ نشاطات “تدفيع الثمن” التي تنفذها قلة متطرفة يمكن أن تؤدي إلى تصعيد خطير في الوضع الأمني في الضفة الغربية. وذكر أيضًا أنّ المنظومة الأمنية لم تنجح كما يجب في منع الظاهرة واعتقال المتورّطين. وقد تمّ جره هو نفسه إلى مواجهة مع ناشطين يمينيين هاجموا سيارته بالحجارة، كما واجه تظاهرات مستمرة قبالة بيته وقذفًا به، بشخصيته، وحتى بعائلته. ويُعتبَر العميد ألون أحد قادة “كتيبة يهوذا والسامرة” المكروهين بين الناشطين اليمينيّين وشبّان التلال في السنوات الأخيرة.
ووجه عمل الشرطة ضدّ منفذي العمليّات بصعوبات بسبب صعوبة الوصول بسرعة إلى المساجد التي جرى إشعالُها في أراضي السلطة الفلسطينية. واستغلّ معتقَلون مشتبَه فيهم في تنفيذ نشاطات “تدفيع الثمن” حقّ الصمت في التحقيق معهم. أدّى هذا الأمر إلى عدم صياغة لوائح اتّهام ضدّ مشتبَه فيهم في عدد من النشاطات، رغم أنّ نتائج الحمض النووي (DNA) الخاصّ بهم ظهرت في موقع الجريمة.
وفقًا لتقديرات مصادر قانونيّة، يتحدّر معظم منفّذي النشاطات من خارج المستوطَنات، ويبلغ عمرهم بين 12 و23 عامًا، ويعملون في مجموعات صغيرة مستقلة، دون يدٍ موجّهة. واستخدم منفّذو العمليات استراتيجية التقسيم لإخفاء نشاطاتهم.
ونقلت شرطة إسرائيل أنه خلال فترة نحو سنة ونصف، منذ بداية 2012، فُتح 788 ملفًّا لـ”تدفيع الثمن” في الشرطة، اعتُقل 276 مشتبَهًا فيه، وقُدّمت 154 لائحة اتّهام.
عمل إرهابي أم تنظيم محظور
رغم الطابع التخريبي لنشاطات “تدفيع الثمن”، لم تكُن الحكومة الإسرائيليّة واضحة في تعريف تلك الأحداث العنيفة. فالمجلس الوزاري السياسي – الأمني المصغر كلّف في حزيران 2013 وزير الأمن الإعلان عن ناشطي “تدفيع الثمن” بأنهم “تنظيم محظور” – تعريف يختلف عن ذاك الذي ينظر إلى النشاط كحدث إرهابي.
وأعلن ديوان رئيس الحكومة أنّ القرار “يُتيح لوزير الأمن استخدام صلاحيّاته وفق أنظمة الدفاع ليُعلن عن ناشطي “تدفيع الثمن” كتنظيم محظور بطريقة تقوّي بشكل ملحوظٍ القدرة على محاربة هذه الظاهرة”. كذلك، نُقل أنّ هذا “يزيد بشكل ملحوظ من الأدوات التحقيقية والقانونية لدى القوى الأمنية وقوى فرض القانون بهدف العمل ضدّ النشاطات المدعوّة (تدفيع الثمن)”. بالتوازي، تواصل وزيرة العدل تسيبي ليفني دعم قانون الإرهاب الذي ينظر إلى “تدفيع الثمن” كعملٍ إرهابيّ.
النظرة الشعبية
النظرة الشعبية لأعمال “تدفيع الثمن” هي نظرة استنكار في الغالب. يدين كثيرون من جانبَي قوس قزح السياسية في إسرائيل حملات “تدفيع الثمن”، بمَن فيهم رئيس دولة إسرائيل شمعون بيريس ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وقال رئيس الكنيست السابق رؤوفين ريفلين: “في السنوات الأخيرة، نرى إلحاقًا للأذى بممتلكات عربيّة في ظاهرة تُدعى (تدفيع الثمن)، تشكّل إرهابًا لا غير. هذا إرهاب يهودي، ولا اسم آخر له”.
وتطرّق رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى إضرام النار في أحد مساجد الضفة الغربية قائلًا إنّ الأمر هو إعلان حرب من المستوطِنين على الفلسطينيين، داعيًا إلى تدخُّل المجتمع الدولي.
أدان معظم حاخامات الصهيونية الدينية أو تحفظوا عن نشاطات “تدفيع الثمن”؛ سواء لأسباب أخلاقية لمسّها بالأبرياء، لأسباب فقهيَة تتعلق بـ”منع سلب الأممي” (منع أخذ ممتلكات غير يهوديّ بغير إذنه)، أو لأسباب عمليّة لإضعافها دعم الصراع وتشكيل خطر على الاستيطان.
ويتيح فحص الردود في الإنترنت على التقارير حول هجمات المستوطِنين على فلسطينيين معرفة نظرة الشعب الإسرائيلي إلى أعمال تدفيع الثمن: “هؤلاء هم أعداء إسرائيل الحقيقيون”، “لحسن حظنا، يُكتَب عن ذلك في الصحف، وإلّا ما كنّا سنعرف أو نسمع به”، “يجب حظر هذه التنظيمات وإلحاقها بحماس”، هي في الغالب الردود المعارِضة لهذه النشاطات. لكن لا يخلو الأمر من ردود مدافعة: “ما كنتُ لأدعو ذلك أعمالًا إرهابية، ولكنهم في الطريق إليها”، و”إرهاب السلطة ضدّ المستوطِنين يتمثّل في تدمير وهدم بُيوت سكنيّة”.
أيًّا يكُن الأمر، فإنّ الظاهرة العنيفة التي نمت في السنوات الأخيرة بين عددٍ من المستوطنين تقوى وتتسارع، وليس واضحًا إن كانت ستصبح أكثر حدةً في السنوات القادمة إذا لم يجرِ العثور على منفذ سياسي لحلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
- سياسة إسرائيلية
- تدفيع الثمن
- عنف
- إسرائيل
- فلسطين
- المستوطنات الإسرائيلية
- الضفة الغربية
- عنصرية
- الجيش الإسرائيلي
- اليمين الإسرائيلي
- أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية
- الشرطة الإسرائيلية
- اليسار الإسرائيلي
- المجتمع العربي في إسرائيل
- إرهاب
- مستوطنة يتسهار
- نابلس
- الحاخام يتسحاق غينزبورغ
- الخليل
- شاباك
- بنيامين نتنياهو
- شمعون بيريس
- نيتسان ألون
- الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني
- المجلس الوزاري المصغر
- موشيه يعلون