“عاش اليهود أكثر من 2.500 سنة حياة فخر، وما زال نحو 1.200 يهودي يحافظون في الحاضر على التقاليد اليهودية القديمة رغم أنهم يعيشون في بيئة إسلامية”، قال الصحفي يائير شركي، الذي زار الجالية اليهودية في تونس. في مدينة جربا، التي يعيش فيها معظم اليهود في تونس، التقى شركي مع الحاخام حاييم بيتان، الحاخام الرئيسي في تونس، ورافقه في رحلة في الكنيس القديم وشاهد كتب التوراة فيها، التي يُحتفظ بها منذ مئات السنوات.
الحاخام الرئيسي في تونس، حاييم بيتان (لقطة شاشة)
رغم أنه ليست هناك علاقات دبلوماسية بين تونس وإسرائيل، ما زالت تهتم السلطات الإسلامية بالحفاظ على علاقة جيدة مع أقليات الجالية اليهودية التي بقيت في تونس. انضم شركي إلى بعثة حاخامات أوروبا، التي دعتها الحكومة التونسية لزيارة تونس. وفق أقوال شركي، “هناك مصالح مشتركة بين اليهود والإسلام في أوروبا وراء المشهد الاستثنائي لمجموعة الحاخامات التي حظيت بحراسة مشددة واحترام كبير، إضافة إلى النضال ضد ذبح الحلال والختان في جزء من دول القارة”.
في إطار الجولة المميزة، صعد المفتي الرئيسي في تونس على ذات المنصة التي صعد عليها الحاخامات من أوروبا والحاخام الرئيسي في تونس. “نرحب بهم في بلادهم، تونس. أرض السلام، الصداقة، الحياة المشتركة والتعايش”، قال الشيخ عثمان بطيح، مفتي تونس. ولكن أثارت تصريحات المفتي هذه ضجة في وسائل الإعلام في تونس، فاضطر إلى الاعتذار.
مفتي تونس مع واحد من الحاخامات (لقطة شاشة)
وفق أقوال شركي، يعتبر الكنيس في جربا أحد الكنس القديمة في العالم، ويتمتع بمزايا خاصة، مثل كتابة أسماء العزاب على قشرة البيض ووضعها تحت كتاب التوراة من أجل الزواج. وأضاف شركي، أنه رغم تحفظ مواطني تونس من إسرائيل، إلا أن يهود جربا يحظون باحترام.
ولكن تعرض شركي في تونس العاصمة إلى وضع مختلف تماما. وفق أقواله، الكنيس في مركز المدينة خال معظم الوقت، إذ لم يبقَ أحد من الجالية اليهودية، التي كان تعدادها عشرات الآلاف في الماضي. إضافة إلى 1.200 يهودي في جربا، هناك نحو 300 يهودي في تونس وأماكن أخرى في الدولة، أما بقية اليهود فقد هاجروا إلى فرنسا وإسرائيل.
في هذه الأيام، يشارك أكثر من 300 حاخام أوروبي مسؤول في مؤتمر سنوي لمركز حاخامات في أوروبا، الذي يُجرى هذا العام في مدينة بوخارست في رومانيا. يهدف المؤتمر، الذي يشارك فيها الحاخام الرئيسي الإسرائيلي، يتسحاق يوسف، إلى مناشدة زعماء أوروبا للعمل ضد سن قوانين معادية لليهودية في أنحاء أوروبا، مثل قانون الهولوكوست وقانون فرض تقييدات على الذبح اليهودي الحلال في بولندا.
يُجرى مؤتمر الحاخامات هذا العام في ظل زيادة معادة السامية في أوروبا وزيادة الأحزاب الشعبية التي تدفع محاولات التشريع التي تلحق ضررا كبيرا بالأقلية الدينية في أوروبا، لا سيما بنمط الحياة اليهودي.
قال رئيس اتحاد المنظمات اليهودية في أوروبا، الحاخام مناحيم مرغولين، خلال المؤتمر: “لم أسمع سابقا عن قلق كبير إلى هذا الحد من جهة الحاخامات حول وضع اليهودية في أوروبا. فبدلا من أن نستثمر وقتنا في دفع الحياة اليهودية في أوروبا قدما نتطرق إلى التهديدات الوجودية التي تظهر من خلال محاولات سن قوانين في دول معينة قد تؤدي إلى نهاية اليهودية في حال نجاحها. أقصد قوانين تحظر تناول الأطعمة الحلال، الذبح الحلال، الختان وطريقة اختيار الملابس”.
أوضح مرغولين أن الحاخامات يريدون إيقاظ الاتحاد الأوروبي من حالة الغيبوبة التي يعيشها وحثه على العمل من أجل ممارسة الحرية الدينية. وفق أقواله، يعمل مركز حاخامات في أوروبا، كل أسبوع تقريبا، على تقديم شكاوى ضد محاولات سن قوانين في دول أعضاء في الاتحاد أملا منه الحفاظ على نمط الحياة اليهودي من القوانين التعسفية. “على قيادة الاتحاد الأوروبي العمل بشكل أساسي والتوضيح أن هذه القوانين تعارض قيم التسامُح والاحترام الأوروبية”، قال مرغولين.
لا شك أن موضوع الحلال والختان هامان لدى المسلمين في هذه الدول، ومن المعهم معرفة كيف سيؤثر نضال الحاخامات لممارسة الحرية الدينية في سكان الدول الأوروبية.
القنصل الإسرائيلي في تركيا يوسي ليفي تسباري (ويكيبيديا/ المصدر/Guy Arama)
يهود تركيا: القنصل الإسرائيلي شخص غير مرغوب فيه
ترافق الأزمة في العلاقات بين إسرائيل وتركيا أزمة مفاجئة أخرى - هذه المرة لا تتعلق بالأتراك إنما بالجالية اليهودية في تركيا على خليفة تعيين القنصل العام في السفارة الإسرائيلية في إسطنبول
وصل القنصل العام يوسي ليفي تسباري، الذي بدأ عمله منذ نحو شهر ونصف، إلى إسطنبول مع روني غولدنبرغ المعروف في وزارة الخارجية الإسرائيلية كشريك حياته. إلا أن ميول ليفي تسباري الجنسية لم ترق لرئيس الجالية اليهودية التركية، إسحاق ابراهايمزادا.
يعد ليفي تسباري الذي والدته من أصل تركي، دبلوماسيا مقدّرا، وعمل في السفارة الإسرائيلية في أنقرة سابقا. ومع ذلك، يبدو أن خبراته ومهاراته لم تبرز في نظر رئيس الجالية اليهودية، الذي تضرر وفق أقوال المقرّبين منه لأن دولة إسرائيل أرسلت دبلوماسيا كبيرا ينتمي إلى المجتمع المثليّ إلى إسطنبول، دون الأخذ بعين الاعتبار كرامة الطائفة اليهودية التقليدية. وأشار دبلوماسي تركي إلى أن تركيا قبلت التعيين دون أية مشكلة.
قالت مصادر في الجالية اليهودية في تركيا إنه منذ الأيام الأولى التي بدأ فيها ليفي تسباري بشغل منصبه لوحِظ توتر وكان التعامل معه غير ودي. وقد برز ذلك التعامل بعد عدم دعوته إلى الكنيس الرئيسي في إسطنبول، وحتى عندما دُعيَ بعد فترة من الوقت، لم يدعَ لقراءة التوراة أثناء الصلاة. وبعد أن استمرت الجالية في عدم دعوة ليفي تسباري للمشاركة في المناسبات الدينية الأخرى، أمرته وزارة الخارجية بقطع تعاونه مع ابراهايمزادا وبدأت محاولات لحل الأزمة.
وقال أعضاء الجالية اليهودية في إسطنبول إنه على الرغم من تحذيراتهم لوزارة الخارجية قبل تعيينه، تم قبول تعيين ليفي تسباري، وهم يعتقدون أن هذه الخطوة تشكل ضررا للجالية المحافظة غالبا.
شارك ملك البحرين، حمد بن عيس آل خليفة في احتفال في مركز يهودي لإحياء ذكرى الهولوكوست في لوس أنجلوس وقال إنه يشجب مقاطعة الدول العربية لإسرائيل وإنه سيسمح لمواطني البحرين بزيارة إسرائيل قريبا
شجب ملك البحرين، حمد بن عيس آل خليفة، المقاطعة العربية ضد إسرائيل قائلا إنه يُسمح لمواطني البحرين بزيارة إسرائيل. وقال ملك البحرين، التي لا تربطها علاقات دبلوماسيّة مع إسرائيل، هذه الأقوال للحاخام أبراهام كوبر، رئيس مركز “سيمون فيزنتال” في لوس أنجلوس في احتفال بين الأديان وقّعت فيه تصريحات تشجب الكراهية والعنف الديني.
ونُشرت أقوال الملك حمد للمرة الأولى في صحيفة “JPOST” . زار الحاخام كوبر مدينة المنامة، عاصمة البحرين، في وقت باكر من هذه السنة. وفق أقواله، كانت الزيارة “مثيرة للاهتمام. كانت هناك كنيسة وعليها صليب كبير ومعبد هندوسي وكذلك مسجد كبير. حتى أن هناك كنيسا صغيرا وحيدا في الخليج الفارسي، ما زال قائما في البلدة القديمة في المنامة”. التقى كوبر ببن حمد وتحدثا عن إقامة متحف للتسامح الديني في العاصمة.
الحاخام أبراهام كوبر، رئيس مركز “سيمون فيزنتال” في لوس أنجلوس (AFP)
وردت تقارير قبل شهرَين تحدثت عن أن إسرائيل توجهت إلى السعودية للسماح بإجراء رحلات جوية بين تل أبيب ومكة، ليتمكن المسلمون من زيارة مكة وإقامة مناسك الحج. قال وزير الاتّصالات، أيوب قرا لصحيفة بلومبرغ إن إسرائيل تأمل أنه بدلا من أن يسافر المسلمون نحو 1.000 كيلومتر عبر الحافلات، أن يسافروا جوا في غضون وقت أقل.
ويعيش في يومنا هذا في البحرين ما معدله نحو مليون ونصف مواطن. 75% منهم مسلمون، و 14.5% مسيحيون، والبقية هم هندوس. يعيش في الإمارة الصغيرة 35 حتى 40 يهوديا وقد غادر معظم اليهود الإمارة بين عامي 1947-1967.
وفي السنوات الماضية، يحاول ملك البحرين الحفاظ على التسامُح تجاه الأقلية الدينية في الدولة. في عام 2015 شُوهد مسؤولون من البحرين وهم يحتفلون مع الجالية اليهودية بعيد “الحانوكاه” (عيد التدشين).
وغردت عضوة الكنيست كاسنيا سبتلوفا، الخبيرة بالعلاقات بين إسرائيل والدولة العربية بعد نشر التقرير “هذه أخبار جيدة. آمل ألا ترد أخبار لاحقا تنفي هذا الخبر. هل سيكون في وسع الإسرائيليين زيارة البحرين؟”.
Very good. Hopefully this breaking news will not be denied later. Also, what about Israeli citizens visiting Manama? #Bahrainhttps://t.co/7GyDmsmq58
الإسرائيليون يغادرون البلاد، والأمريكيون يهاجرون إليها
بلغ عدد السكان النازحين من إسرائيل الذروة، لكن بالمقابل الهجرة إلى إسرائيل من أوروبا وأمريكا تشهد ارتفاعا.. بين المهاجرين من أمريكا نجلة السفير الأمريكي لدى تل أبيب
في السنوات الماضية، بدأت تحدث عمليتان بالتوازي في المجموعة السكانية في إسرائيل. من جهة، يهاجر آلاف اليهود إلى إسرائيل سنويا من الدول الغربية، ويقيمون فيها. ومن جهة أخرى، تشهد البلاد موجة هجرة لأن الإسرائيليين يريدون العيش في دول أخرى، لا سيما في الدول الغربية.
ويتجسد تبادل السكان هذا في المعطيات الأخيرة التي نشرتها دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية. وفق معطيات هذه الدائرة، يتضح من الفحص الأخير الذي أجرته في عام 2015 أن تبادل الإسرائيليين الذين هاجروا البلاد والإسرائيليين الذين عادوا إليها وصل إلى ذروة مدتها ست سنوات. ففي العام ذاته غادر البلاد 16.7 ألف إسرائيليّ، كان معظمهم عائلات بأكملها. في العام ذاته، عاد إلى إسرائيل 8.500 إسرائيلي بعد فترة طويلة من الانتقال للعيش لعام في خارج البلاد.
وفق دائرة الإحصاء المركزية، منذ قيام الدولة وحتى نهاية عام 2015، انتقل نحو 720 ألف إسرائيلي للعيش خارج البلاد ولم يعودوا أبدا، بما في ذلك مَن توفى أثناء هذه الفترة. تشير التقديرات إلى أنه يعيش خارج البلاد نحو 557 حتى 593 ألف إسرائيلي، لا يتضمن هذا العدد الأطفال الذين وُلدوا لوالدين إسرائيليين يعيشون خارج البلاد.
الشبّان الأمريكيون اليهود يتوقون إلى إسرائيل
بالمُقابل، شهد عام 2015 زيادة نسبتها %10 في عدد المُهاجرين الذين وصلوا إلى إسرائيل مقارنة بعام 2014. وكان معظمهم شبان. في عام 2015، كان نحو %50 من القادمين الجدد شبانا تصل أعمارهم حتى ثلاثين عاما. في السنة الماضية، هاجر إلى إسرائيل نحو 8,200 شاب عمرهم أقل من 19.
هبطت أمس في مطار بن غوريون في إسرائيل طائرة فيها 233 مهاجرا أمريكيا وصلوا بهدف العيش في إسرائيل. من بين القادمين، هناك 75 طفلا، 21 عائلة و 99 شابا وشابة عزاب، ومن بينهم 72 شابا وشابة وصلوا وحدهم دون عائلاتهم للتجند في الجيش الإسرائيلي.
وكانت ابنة السفير الأمريكي في إسرائيل، ديفيد فريدمان إحدى المسافرات اللواتي وصلن إلى إسرائيل من بين القادمين الآخرين الذين وصلوا أمس. قال السفير إن ابنته أرادت دائما أن تهاجر إلى إسرائيل، وإن “العائلة فخورة بها”. لا تعد ابنة فريدمان المواطنة الأمريكية الشابة استثنائية بين المُهاجرين إلى إسرائيل. فهناك آلاف آخرين يهاجرون من أمريكا وأوروبا الغربية إلى إسرائيل. في عام 2015، هاجر إلى إسرائيل نحو 10 آلاف من أوروبا الغربية، معظمهم من فرنسا.
قُتِلت امرأة وأصيب 19 شخصا آخر إثر تعرضهم لإصابة دهس عند تظاهر اليمين المتطرّف أمس (السبت) في فرجينيا. دُهس أثناء الحادثة نشطاء وصلوا إلى الموقع للتظاهر ضد مظاهرات اليمين. قال المتظاهرون في المكان إن عملية الدهس كانت متعمدة. اعتُقِل السائق ابن 20 عاما من أوهايو وهو متهم بعملية القتل.
وفي وقت باكر أمس (السبت) دارت في المدينة اشتبكات عنيفة بين نشطاء حركة اليمين المتطرّف “Alt Right” ونشطاء النازيين الجدد وبين المتظاهرين. قُبَيل التظاهرة، وصل الآلاف من عناصر اليمين المتطرّف من أنحاء الولايات المتحدة، وقال منظموها إنها أكبر تظاهرة لليمين المتطرّف في الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الماضية. في ظل التوتر في ولاية فرجينيا، أعلن حاكمها عن حالة طوارئ. وصل أفراد شرطة كثيرون إلى المنطقة وهم مسلحون ويحملون بنادق ومعدّات لفض المظاهرات.
كان من المخطط إجراء المسيرة تحت اسم “Unite The Right” (توحيد اليمين) ولكن الشرطة أعلنت أنها مسيرة غير قانونية وعملت جاهدة على إبعاد نشطاء اليمين المتطرّف والمتظاهرين. رغم ذلك، ما زال الكثير منهم يتجولون في الشوارع، ويبدو أنه ما زالت تدور اشتباكات عنيفة. يهتف جزء من نشطاء اليمين المتطرّف هتافات نازية ويرفعون أعلام عليها رموز نازية.
وتطرق الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى الاشتباكات في مؤتمر صحفي شاجبا “العنف الذي تمارسه جهات كثيرة”. وكتب في وقت باكر في تويتر “ترفض أمريكا هذا العنف”. أحد الأهداف لإجراء المظاهرة هو إزالة تمثال الجنرال روبرت إدوارد لي، زعيم القوات الفدرالية في الحرب الأهلية الأمريكية الذي يُعد رمزا (لدى اليمين المتطرف) في أمريكا الجنوبية. هناك جدل حول إزالة التمثال منذ أكثر من سنة.
Appalled to see in 2017 Nazi flags in the streets of an American town. Repugnant and unacceptable. #NeverAgain
وتشهد إسرائيل والجالية اليهودية في الولايات المتحدة غضبا بسبب مظاهرات اليمين المتطرّف والنازيين الجدد. غضب داني ديان، القنصل الإسرائيلي في نيويورك من المظاهرات مغردا: “أنا قلق جدا من رؤية أعلام النازيين الجدد مرفوعة في شوارع مدينة أمريكية في عام 2017. هذا مثير للاشمئزاز ولا يُعقل”.
وكذلك فإن الرابطة المكافحة للتشهير صرحت عددا من الإدانات ضد مظاهرات النازيين الجدد مطالبة النشطاء بالعمل ضد الكراهية السائدة في شوارع الولايات المتحدة الأمريكية. ورد في إحدى تغريدات الرابطة: “لا تمثل مظاهرة اليمين “Unite The Right” الولايات المتحدة الأمريكية. التنويع العرقي قوة”.
كنيس “إلياهو هانبي” (النبي إلياهو) في الإسكندرية هو الكنيس اليهودي الأخير في مصر الذي ما زالت تُجرى فيه الصلوات، وهو من بقايا الجالية اليهودية العظيمة في الدولة، ويشكل ذكرى لوضعها المأساوي في يومنا هذا. منذ بضعة أشهر أصبح الكنيس القديم الذي أقيم قبل نحو 160 عاما مغلقا. فقد انهار سقفه الجميل قبل بضعة شهور وأصبح المبنى التاريخي معرضا لخطر الانهيار.
في ظل هذا الوضع قررت الحكومة المصرية تخصيص ميزانية لإعادة ترميمه وحجمها 2 مليون دولار. رغم أنه وفق القانون المصري، على الجالية اليهودية أن تتحمل تكاليف الترميم. ولكن بقي في وقتنا هذا بعض الأشخاص ومعظمهم من البالغين بعد أن كانت الجالية اليهودية مفعمة بالحياة وقوية وتضمنت عشرات آلاف اليهود. لم تذكر الحكومة المصرية سببا رسميًّا لتدخلها ومشاركتها في تكاليف الترميم.
يعتبر كنيس “إلياهو هانبي” في الإسكندرية أحد الكنس الكبيرة في الشرق الأوسط، وفي وسعه أن يستقبل 700 مصل. عاش في الإسكندرية وحدها نحو 50 ألف يهودي في الماضي. حتى إغلاقه قبل بضعة أشهر كان هذا الكنيس هو الوحيد الذي يعمل في مصر كلها.
“كانت أعمال اليهودي متأثرة دائمًا ببيئته”، هكذا افتتح ديفيد ولفسون كتابه “الحركة الإصلاحية اليهودية” (The reform movement in Judaism). يكمن في هذه الكلمة السبب الرئيسي للثورة في أوساط التيار الإصلاحي اليهودي الديني، الذي يعتقد أن اليهودية يجب أن تتغير وفق البيئة. يعتقد أتباع التيار الإصلاحي اليهودي، أن على اليهود قبول التأثيرات الخارجية، ودفع طقوس دينية ووصايا الشريعة اليهودية قدما وفق الفترة التي يمر فيها. تثير هذه الفكرة التي بدأت تتطور في نهاية القرن الثامن عشر معارضة كبيرة في أوساط اليهود من تيارات أخرى، لا سيّما في أوساط اليهود في إسرائيل.
ليس صدفة أن معظم الأدبيات المكتوبة حول التيار الإصلاحي هي باللغة الإنجليزية وليست بالعبرية. وفق استطلاع مركز بيو للأبحاث (PEW) منذ عام 2013، يتماهى معظم اليهود الذين يعيشون خارج إسرائيل مع مبادئ التيار الإصلاحي. هذا التيار مُسيطر بشكل خاصّ في أمريكا الشمالية، كندا، وسائر أوروبا.
ولكن في إسرائيل تحديدًا، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تعرّف نفسها كدولة يهودية، فإن التيار الإصلاحي الذي بدأ يكتسب زخما منذ القرن الماضي ما زال يشكل أقلية فيها. يُدعى التيار اليهودي المركزي في إسرائيل التيار “الأرثوذكسي” ولا يعترف معظم أتباعه بشرعية التفسيرات الإصلاحية للدين اليهودي. تشهد على ذلك أقوال الحاخام الرئيسي في إسرائيل سابقا، الحاخام شلومو عامر، في الأسبوع الماضي: “مَن يسعى إلى تغيير الترتيبات المعمول بها يدنس المقدسات. يخالف الإصلاحيون مبدأ وجودنا. فهم مخطئون ويوقعون آخرون في الخطأ”.
نساء إصلاحيات يتصلين عند الحائط الغربي ويقرأن في التوراة مثل الرجال (Yonatan Sindel/Flash90)
إذا، ما هي تفسيرات اليهود الإصلاحيين للديانة اليهودية، ولماذا تثير غضبا عارما في أوساط اليهود الأرثوذكسيين؟ تشكل الشريعة اليهودية مركز الجدل، وهي منظمومة القواعد اليومية لدى اليهود. لا ينظر التيار الإصلاحي إلى الشريعة اليهودية التقليدية بصفتها منظومة ملزمة تتضمن قواعد وقوانين حظر بل على الأكثر كمصدر إلهام. في الواقع، في وسع التيار الإصلاحي الفردي أن يقرر لنفسه أية وصايا يتماهى معها ويرغب في العمل بموجبها وأية لا. يعتبر الحاخام في التيار الأرثوذكسي الصلاحية الدينية الوحيدة التي تحدد ما هو مسموح أو غير مسموح، في حال وجود شك وليس في وسع الشريعة اليهودية توفير إجابات واضحة. أما إذا كانت الشريعة واضحة في تلك الحالات فعلى الأرثوذكسيين العمل بموجبها.
ولكن بدلا من ذلك، يجري حاخامون إصلاحيون فصلا بين الإيمان والروحانية الدينية، وبين الطقوس والقوانين الدينية. فهم يعتقدون أن الإيمان هو أساس الدين الحقيقي، أما طقوس الشريعة اليهودية وقوانينها فهي أقل أهمية، وهي بمثابة وسائل لتحقيق المكاسب الروحانية، بحيث لم تعد في وقتنا هذا ملائمة ويجب تحديثها. “نعمل بموجب القوانين ذات الصلة بالأخلاق بصفتها قوانين ملزمة، ونحافظ على الطقوس التي تقدس حياتنا وتثريها فقط”.
الصراع الداخلي بين التيار “الأرثوذكسي” والتيار “الإصلاحي”.. يهودية أرثوذكسية تبصق في وجه يهودية إصلاحية (AFP / MENAHEM KAHANA)
مثلا، في الصلاة الاحتفالية الخاصة بأيام السبت، تشغّل في الكنس التابعة للحركة الإصلاحية معدّات كهربائية مثل الميكروفونات ومكبّرات الصوت. كما ويصل الكثير من اليهود إلى الكنيس بواسطة سيارتهم الخاصة. كما ويُسمح بأن يرافق العزف على القيثارة، البيانو، وغيرها الصلاة. بالمُقابل، وفق الشريعة اليهودية تعتبر كل هذه النشاطات مثل تشغيل أجهزة كهربائية، السفر في السيارة، والعزف أيام السبت خطية “تدنيس يوم السبت” ويفرض الله عقوبة الموت لقائها.
كذلك هناك جدل مبدأي حاد بين الإصلاحيين والأرثوذكسيين اليهود. فلا تسمح الشريعة اليهودية بأي شكل من الأشكال لأي رجل أو امرأة أن يتزوجا من غير اليهود. فهي تحظر الزواج المختلط. يعارض الأرثوذكسيون هذا النوع من الزواج. ويذكر كل حاخام أرثوذكسي فورا اقتباسات من سفر التثنية الفصل السابع الآيتين 3-4: “وَلاَ تُصَاهِرْهُمْ. بْنَتَكَ لاَ تُعْطِ لابْنِهِ، وَبِنتْهُ لاَ تَأْخُذْ لابْنِكَ. لأَنَّهُ يَرُدُّ ابْنَكَ مِنْ وَرَائِي فَيَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى، فَيَحْمَى غَضَبُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ وَيُهْلِكُكُمْ سَرِيعًا”. بالمقابل، الجاليات الإصلاحية أكثر تسامحا حول الزواج المختلط، وتسمح بأن يعيش الزوجان غير اليهوديين في أوساطها.
أكبر كنيسة يهودية إصلاحية في العالم، كنيسة “ايمانويل” في مدينة نيو يورك (wikipedia)تأريخ
من جهة أخرى، هناك عدة مبادئ لدى الإصلاحيين لا يتنازلون عنها أبدا، ومن بينها المساواة بين النساء والرجال. التيار الإصلاحي هو التيار الأول الذي سمح للنساء بتأدية وظائف يؤديها بشكل تقليدي الرجال. فتسمح الجاليات الإصلاحية بأن تكون النساء حاخاميات، تدير الصلاة، وتجري مراسم زواج، وغيرها. يعتقد أتباع اليهودية الإصلاحية أن هذا التيار هو نسخة متقدمة وليبرالية من الدين في حين يعتبرون التيار الأرثوذكسي قديما ومحافظا.
تحظى أفكار التيار الإصلاحي بتأييد كبير في أوساط يهود الغرب. فهو يسمح بملاءمة نمط الحياة اليهودي مع نمط الحياة الغربي المعاصر. ولكن يعتقد معظم اليهود في إسرائيل، الذين يؤمنون بالتيار الأرثوذكسي، أن التيار الإصلاحي يشكل خطرا وجوديا يهدد باختفاء اليهودية. وفق قلقهم، فإن التساهل الذي يبديه الإصلاحيون سيؤدي إلى زواج الكثير من اليهود مع أبناء الديانات الأخرى بحيث لن يكون أطفالهم جزءا من الشعب اليهودي. ويعتقد الأرثوذكسيون أن الانخراط في أوساط البيئة الغريبة قد يؤدي إلى انقراض الشعب اليهودي.
هل مخاوف الأرثوذكسيون صادقة؟ هل يؤدي الإصلاحيون إلى نقص عدد اليهود وهل “يعملون خلافا لمبدأ وجودهم”، أو أنهم يسمحون تحديدًا للكثير من اليهود بالتقارب من اليهودية بطريقتهم الخاصة وينقذونهم من الاختفاء التام في بيئة غريبة؟ ستخبرنا الأيام، وفي هذه الأثناء يبدو أن الجدال المستعر بين اليهود الإصلاحيين والأرثوذكسيون سينفجر ثانية بقوة كل بضع سنوات. ليس في وسعنا أن نعرف فيما إذا ستزداد حدة هذه الجدالات، وهل ستؤدي إلى انقسام الشعب اليهودي، أو أن كلا التيارين المتناقضين سيجدان طريقة للعيش معا.
اتخذت الحكومة الإسرائيلية، أمس (الأحد)، قرارين داخلين قد يحددا علاقتها مع اليهود في العالم. بهدف معرفة حجم المشكلة، يجب أن نذكر أن اليهودية ليست متجانسة. فهي مؤلفة من تيارات دينية مختلفة، تدور بينها صراعات وتوترات أحيانا. يسيطر تيار الأرثوذكسية اليهودية في إسرائيل في أوساط اليهود المتدينين ويعتبر تيارا متشددا. ولكن في أوساط يهود أمريكا، تسيطر التيارات الأكثر ليبرالية ويدعى أتباعها باليهود المحافظين والإصلاحين.
القرار الأول الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية هو رفض اتفاق يدعى: “مُخطط الحائط الغربي”. هناك في باحة الحائط الغربي الذي يعتبر أحد أهم أماكن الصلاة في اليهودية في وقتنا هذا، فصل بين الرجال والنساء، ولا يُسمح للنساء أن يمارسن في القسم المعد لهن طقوسا دينية معينة تعتبر خاصة بالرجال من ناحية تقليدية.
تحارب تيارات اليهودية المحافظة والإصلاحية من أجل حقوق النساء لإقامة الصلاة وممارسة طقوس دينية وفق رغبتهن، خلافا لرأي اليهود الأرثوذكسيين. في بداية عام 2016، صادقت الحكومة الإسرائيلية على مُخطط تسوية بين التيارات، حيث تقام بموجبه باحة صلاة أخرى، في الحائط الغربي، يستطيع المصلون فيها تأدية الصلاة وفق تقاليد التيارات غير الأرثوذكسية. لم يقبل اليهود الأرثوذكسيون وممثلوهم في الحكومة الإسرائيلية حقيقة فوز التيار الإصلاحي، لذا مارسوا ضغطا سياسيًّا على نتنياهو. حقق الضغط السياسي أهدافه، وحتى يومنا هذا لم يُطبّق المُخطط الهام، الذي يدعى “مُخطط الحائط الغربي”. حتى أن نتنياهو أعلن أمس بشكل رسمي عن تجميد المُخطط حتى إشعارٍ آخر.
القرار الثاني الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية هو المصادقة على “قانون اعتناق اليهودية” في الكنيست. وفق هذا القانون، قانونيا سيُعترف باعتناق اليهودية الذي تتم مراسمه بإشراف الحاخامية الكبرى في إسرائيل، التابعة للتيار الأرثوذكسي المتشدد، وبموجب القوانين الإسرائيلية. بالمقابل، فإن كل اعتناق لليهودية يتم في إسرائيل أو خارجها، بموجب مراسم اعتناق اليهودية الخاصة باليهود الإصلاحيين والمحافظين، لن يُعترف به في دولة إسرائيل أو لن يعترف به التيار الأرثوذكسي في أنحاء العالم الذي يعمل بموجب الحاخامية الرئيسية.
كانت ردود فعل يهود الشتات على خطوتي حكومة نتنياهو خطيرة جدّا. ألغيَ، من بين أمور أخرى، لقاء احتفالي بين نتنياهو وزعماء الجاليات اليهودية في الشتات الذي كان من المتوقع إجراؤه برعاية “الوكالة اليهودية”. في البيان الذي نشرته “الوكالة اليهودية” جاء أن القرارين اللذين اتخذا أمس في الحكومة الإسرائيلية، يخالفان الالتزامات التي قُطعت على ممثلي الحركتين الإصلاحية والمحافظة، وقد يؤديا إلى شرخ عميق في أوساط يهود الشتات. أعلن بعض الوزراء لاحقا أنهم يعارضون قرار تجميد “مُخطط الحائط الغربي”.
قال رئيس الحركة الإصلاحية في أمريكا، الحاخام ريتشارد جاكوبس أمس: “يشكل القرار صفعة على وجه كلا التيارين اليهوديين المتدينين الكبيرين في الولايات المتحدة”. وصل الحاخام جاكوبس إلى إسرائيل في زيارة طارئة للالتقاء برئيس الحكومة نتنياهو والتعبير عن معارضته.
يُقدّر عدد أتباع الحركة الإصلاحية اليهودية بأكثر من مليوني يهودي في أنحاء العالم ومعظمهم في أمريكا الشمالية. هناك في اليهودية الإصلاحية في أمريكا الشمالية نحو 870 كنيسا يهوديا من بين 1170 كنيسا تابعا للحركة الإصلاحية في العالم كلّه.
يعيش اليوم في بغداد 8 يهود فقط، بقية لجالية عريقة تعود جذورها إلى أكثر من 2500 عام. اقرأوا قصة هذه الجالية وتعرفوا إلى 5 إسرائيليين معروفين انحدروا منها
“يهود بابل” – هذا هو اللقب الذي يستخدمه حتّى اليوم كثير من اليهود ذوي الأصل العراقيّ الذين يقطنون في إسرائيل للإشارة إلى أنفسهم. يهود بابل، لا يهود العراق. ليس بلا سبب تفضيلُ عديدين اللقب القديم على اسم الدولة العصرية التي أتَوا منها – فالجالية اليهودية في العراق ذات جذور تاريخية ضاربة في العمق، تصل إلى دمار الهيكل الأول في أورشليم عام 607 قبل الميلاد.
فقد سبا ملك الإمبراطورية البابلية، نبوخذنصر الثاني، اليهود من موطنهم التاريخي إلى بابل البعيدة، حيث نشأت جالية يهودية جديدة ومزدهرة. لم يتوقف يومًا الحنين إلى الموطن، ويتجلى ذلك في المزمور 137، العدد 1: “عَلَى أَنْهَارِ بَابِلَ، هُنَاكَ جَلَسْنَا. بَكَيْنَا أَيْضًا عِنْدَمَا تَذَكَّرْنَا صِهْيَوْنَ”. لكن في فترةٍ متأخرة أكثر تاريخيًّا، مثل فترة كورش، التي أُجيز فيها لليهود بأن يعودوا إلى أورشليم، بقيت جالية يهود بابل قائمة وكبيرة.
النموّ والازدهار
كانت جالية يهود بابل الأكبر والأكثر ازدهارًا بين الجاليات اليهودية، حتّى حين تشتّت اليهود في كلّ أرجاء المعمورة. فقد كانت الجالية مركزًا تجاريًّا وحضاريًّا مزدهرًا، فضلًا عن كونها مركزًا روحيًّا ودينيَّا ذا أهمية كبرى. تجمّع جميع حكماء الديانة اليهودية بين نهرَي دجلة والفرات، وأقاموا هناك قرونًا. تعاملت الإمبراطورية البارثية التي سيطرت على المنطقة جيّدًا مع اليهود، ومنحتهم حقوقًا بإدارة مستقلّة وحريّة ثقافيّة. في هذه الفترة، بلغ الفِكر اليهودي إحدى ذُراه، في تأليف “التلمود البابلي”. كذلك في السنوات اللاحقة، تحت حُكم الساسانيّين، كان اليهود محميّين من أيّ أذى.
قبر حزقيال (ذو الكفل) في مدينة الكفل العراقيه (AFP)
مع انتشار الإسلام وسيطرة الخلفاء، بدءًا من القرن السابع الميلادي، تحسّن كثيرًا وضع يهود بابل، إذ أصبح للمرة الأولى معظم يهود العالم تحت السيادة نفسها – سيادة الإسلام. لكنّ هذا التعامُل لم يكُن ثابتًا، إذ كان وضع اليهود يعتمد على نظرة الحاكم. ورغم أنّهم نعموا غالبًا بالأمان، لكنهم كانوا تحت تهديد أحكامٍ – مثل حظر الخليفة عُمر بن عبد العزيز في مطلع القرن الثامن أن يلبسوا كالعرب أو أن يعيشوا حياة رفاهية، أو حُكم الخليفة المتوكّل في القرن التاسع، الذي ألزمهم بلبس ثياب خاصّة تكون علامة عار. في فترة الخليفة المأمون، دُعي اليهود “أخبث الأمم”، ودُمّرت مجامع يهودية كثيرة في عهده. في القرون الوسطى، هجر يهود كثيرون بغداد ومحيطها للسكن في الأندلُس، التي أصبحت مركزًا إسلاميًّا مزدهرًا في العالم.
كانت الفترة العثمانية أيضًا فترةً مفعمة بالتقلّبات بالنسبة للجالية في العراق. لكن كلّما ازدادت موجات الدمقرطة، تحسّن وضع اليهود، الذين شكّلوا جزءًا هامًّا من الحياة العامّة والتجاريّة في العراق. عام 1908، حصل جميع يهود العراق على مساواة في الحقوق وحرية دينية كفلها القانون، حتّى إنّ بعضهم أُرسل لتمثيل العراق في البرلمان العُثمانيّ.
كنيس مهجور في مدينة الفلوجة (ِAFP)
بعد الحرب العالمية الأولى وتتويج فيصل ملكًا على البلاد، تحسّن وضع اليهود أكثر فأكثر. كان وزير المالية الأول للعراق في العصر الحديث يهوديًّا، اسمه حسقيل ساسون . اتّخذ ساسون عددًا من القرارات التي أسهمت في استقرار الاقتصاد العراقي في القرن العشرين، بما فيها تنظيم تصدير النفط إلى بريطانيا. وبشكل عامّ، أضحت أسرة ساسون البغداديّة إمبراطوريّة اقتصاديّة امتدّت من الهند شرقًا حتّى أوروبا غربًا.
أمّا ما زاد شهرة يهود العراق أكثر من أيّ شيء آخر في العصر الحديث فهو موسيقاهم. فقد اشتُهر الكثير من اليهود بفضل مواهبهم الموسيقيّة، وفي مسابقة الموسيقى في العالم العربي التي أُقيمت في القاهرة في الأربعينات، فاز الوفد العراقي، الذي تألّف من موسيقيين يهود ومُطرب مسلم واحد. ويُذكَر بشكل خاصّ صالح وداود الكويتي، اللذان أنشآ فرقة الإذاعة الموسيقية الوطنية في العراق، حتّى إنهما غنّيا في حفل تنصيب الملك فيصل الثاني.
التدهوُر والمغادَرة
حدث التدهوُر الأكبر في وضع يهود العراق مع صعود النازيين في ألمانيا في ثلاثينات القرن العشرين. فقد عملت السفارة الألمانية في بغداد بوقًا لرسائل لاساميّة أدّت تدريجًا إلى تغيّر نظرة العراقيين المسلمين إلى إخوتهم اليهود. فعام 1934، فُصل عشرات الموظَّفين اليهود من وزارة الاقتصاد، عام 1935 فُرضت قيود على عدد اليهود في المدارس، وعام 1938 أُقفلت صحيفة “الحصاد”، لسان حال يهود العراق.
مجموعة حاخامات يهود في بغداد عام 1910 (Wikipedia)
وكانت الذروة عام 1941، بعد فشل الانقلاب الذي قاده رشيد عالي الكيلاني، الذي سعى إلى طرد البريطانيّين وإنشاء سُلطة ذات رعاية ألمانية – نازيّة. في تلك السنة، حدث ما يُعرف بالفرهود – المجزرة الأكبر بحقّ يهود العراق. في إطار الاضطرابات، قُتل 179 يهوديًّا، أصيب 2118، تيتّم 242 طفلًا، وسُلب الكثير من الممتلكات. وصل عدد الأشخاص الذين نُهبت ممتلكاتُهم إلى 50 ألفًا، ودُفن الضحايا في مقبرة جماعيّة في بغداد.
كانت النتيجة المباشرة للمجزرة تعزيز قوة الصهيونية، والإدراك أنّ فلسطين (أرض إسرائيل) وحدها تشكّل ملاذًا آمنًا ليهود العراق. فاقم إنشاء دولة إسرائيل ونتائج حرب العام 1948 أكثر وأكثر التوتر بين اليهود والمسلمين في العراق. فاليهود الذين اشتُبه في ممارستهم نشاطاتٍ صهيونية قُبض عليهم، احتُجزوا، وعُذِّبوا.
عام 1950، سنّت الحكومة العراقية قانونًا يسري مفعوله لعامٍ واحد، أتاح لليهود الخروج من البلاد شرطَ تنازُلهم عن جنسيّتهم العراقية. أُتيح لكلّ يهودي يبلغ عشر سنوات وما فوق أن يأخذ معه مبلغًا محدَّدًا من المال وبضعة أغراض. أمّا الممتلكات التي خلّفوها وراءهم فكان يمكنهم بيعها بمبالغ ضئيلة.
نتيجة ذلك، أطلقت دولة إسرائيل عملية باسم “عزرا ونحميا” تهدف إلى إحضار أكبر عددٍ ممكن من يهود العراق إلى البلاد. وكلّما زاد تدفّق اليهود الذين غادروا العراق، ازدادت مضايقات اليهود، حتّى إنّ البعض منهم فقد حياته.
عائلة يهودية عراقية
منذ 1949 حتّى 1951، فرّ 104 آلاف يهودي من العراق ضمن عمليات “عزرا ونحميا”، و20 ألفًا آخرون هُرِّبوا عبر إيران. وهكذا، تقلّصت الجالية التي بلغت ذروة من 150 ألف شخص عام 1947، إلى مجرّد 6 آلاف بعد عام 1951. أمّا الموجة الثانية من الهجرة فحدثت إثر ارتقاء حزب البعث السلطة عام 1968، إذ هاجر نحو ألف يهودي آخرين إلى إسرائيل. اليوم، يعيش في بغداد عددٌ ضئيل من اليهود، كما يبدو مجرّد ثمانية.
جمّدت السلطات العراقية الممتلكات الكثيرة لليهود الذين هجروا البلاد. ويُقدَّر أنّ قيمة الممتلكات كانت تبلغ نحو 30 مليون دولار في الخمسينات. أمّا بقيمة اليوم، فيمكن القول إنّ يهود العراق تركوا وراءهم ممتلكاتٍ تُقدَّر قيمتها بـ 290 مليون دولار.
خمسة إسرائيليّين – عراقيين عليكم أن تتعرفوا إليهم
عائلة يهودية عراقية تصل الى مطار اللد عام 1950 (WIKIPEDIA)
بدءًا من الخمسينات، ازدهرت جماعة يهود بابل في دولة إسرائيل. لم تكُن صعوبات الاستيعاب في الدولة الفتيّة بسيطة، وكان عليهم أن يناضلوا للحفاظ على هويّتهم الفريدة مقابل يهود أوروبا الشرقية، الذين رأوا فيهم ممثّلين أقل قيمة للحضارة العربية. لم تقدِّر السلطات الإسرائيلية الممتلكات الكثيرة والغنى الحضاري الذي تركوه وراءهم في بغداد والبصرة، ولم يتمكّن يهود العراق من إيجاد مكانة لهم بين سائر المهاجرين: المهاجرين من أوروبا الشرقية من جهة، والمهاجرين من شمال إفريقية من جهة أُخرى.
لكن كلّما مّرت السنون، تعرّف الشعب الإسرائيلي إلى أهمية وإسهامات المهاجرين من العراق، ووصل بعضٌ منهم إلى مواقع مركزيّة في السياسة، الثقافة، والمجال المهنيّ في إسرائيل. إليكم خمسة عراقيين يهود إسرائيليين، عليكم أن تتعرّفوا إليهم:
الحاخام عوفاديا يوسف – وُلد عام 1920 في بغداد باسم “عوفاديا عوفاديا”، وأصبح مع الوقت الزعيم الديني دون منازع لجميع يهود الشرق في إسرائيل. وضع الحاخام، الذي اعتُبر معجزة دينيّة منذ طفولته، أولى مؤلفاته الدينية في التاسعة من عُمره. يتذكّره كثيرون في إسرائيل بسبب إجازته الفقهيّة لعمليّة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن أيضًا بسبب زلّات لسانه العديدة. فقد قال مثلًا عن أريئيل شارون: “ليُنزل عليه الله – تبارك وتعالى – ضربةً لا يقومُ منها”، ووصف رئيس الحكومة نتنياهو بأنه “عنزة عمياء”.
بنيامين “فؤاد” بن إليعيزر – الطفل الصغير من البَصرة الذي أمسى قائدًا عسكريًّا بارزًا في إسرائيل، وبعد ذلك سياسيًّا شغل عددًا كبيرًا من المناصب الوزارية، وكان صديقًا مقرَّبًا من الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك. فبعد أن كان وزير الإسكان في حكومة رابين، وزير الدفاع في حكومة شارون، ووزير الصناعة في حكومتَي أولمرت ونتنياهو، تتجه أنظار “فؤاد” الآن إلى المقام الأرفع، إذ يسعى إلى أن يكون أوّل رئيس عراقي لدولة إسرائيل.
دودو طاسا – حفيد داود الكويتي الذي أضحى هو نفسه موسيقيًّا كبيرا ورياديًّا في إسرائيل. يدمج تاسا بين الأسلوب الغربي وبين الموسيقى العراقية التقليدية، ويُذكَر بشكل خاصّ أداؤه لأغنية فوق النخل ، التي اشتُهرت بأداء جدّه. قادت الأغنية إلى ألبوم يعزف فيه تاسا أغاني الكويتيَّين (داود وصالح).
إيلي عمير– الأديب الذي جسّد أفضل من أيّ شخص آخر مشاعر القادِمين من العراق. عبّر كتابه “ديك الفِداء”، الذي كتبه على مدى 13 عامًا، بشكل دقيقٍ عن مصاعب شابّ ذي أصل عراقي يستصعب الوصل بين عالم والدَيه الماضي وبين عالَم رجال الكيبوتز ذوي الأصول الأوروبية، الذي أراد الاندماج فيه. بقيت لغته الأم عربية، وهو حزين للإكراه الثقافي الإسرائيلي، الذي ألزمه بمحو ماضيه. مع السنوات، أضحى عمير ناشطًا في حزب العمل الإسرائيلي.
إيلي يتسفان – كبير الكوميديين الإسرائيليين هو في الواقع من أصل عراقيّ. فرغم أنه وُلد في إسرائيل، والداه كلاهما عراقيّان. سمع يتسفان، أصغر خمسة أبناء، العربية العراقية تصدح في بيته، وأصبح مقلّدًا موهوبًا قادرًا على تمثيل شخصية أيّ إنسان، ولا سيّما شخصيات من العالم العربي. كاد تقليده للرئيس المصري محمد حسني مبارك (الذي أعطى مبارك لهجة مختلطة – مصريّة وعراقيّة) يقود إلى أزمة في العلاقات الإسرائيلية – المصريّة.