الاقتصاد اللبناني

أزمة مولدات الكهرباء في لبنان (AFP)
أزمة مولدات الكهرباء في لبنان (AFP)

مسدّسات، رشاوى وخطف: هكذا تُدار الأعمال في لبنان

تتم تسوية صراعات تجارية خطيرة في سهل البقاع اللبناني بشكل واحد: الزعماء يستأجرون خدمات مسلّحين من أجل ترتيب الأمور

25 مارس 2015 | 19:03

في مجالات الأعمال الرئيسية في القطاع غير الرسمي، مثل إنتاج الحشيش، الاختطاف لطلب الفدية وتزوير الأموال؛ لا تزال قوة المسدّس مسيطرة في هذا الحوض الزراعي الوحشي، الذي يجاور الحدود السورية، هذا ما تذكره مجلّة الإيكونوميست البريطانية. ولكن لا شيء يوضح ثقافة الأعمال القاسية التي تسيطر عليه، وعلى معظم لبنان، مثل الاشتباكات المسلّحة التي تحدث مؤخرًا بين أصحاب مولّدات كهربائية خاصة وشركة كهرباء محلّية.

ليست هناك في لبنان كهرباء متوفّرة على مدار الساعة يوميّا من قبل الدولة منذ الحرب الأهلية، التي اندلعت عام 1975، واستمرّت 15 عاما، ومهّدت الطريق لصعود نوع من المافيا من أصحاب المولّدات الكهربائية.

أعلن موظّفون في مدينة زحلة، في شهر كانون الأول عام 2014، أنّ المدينة و 18 قرية في البقاع الواقعة على سفوح الجبال المثلجة القريبة ستحصل قريبا على التيار الكهربائي على مدار الساعة من مزوّد الكهرباء. ردّا على ذلك، سدّ أصحاب المولّدات الكهربائية المحلّية – الذين يمسكون بما يعتبر تجارة رابحة جدّا – الشوارع وأحرقوا الإطارات. لقد هدّدوا بخطوات أقسى، فقد خشوا من أن يجدوا أنفسهم دون عمل. ومن ثمّ، في بداية شهر شباط عام 2015، هوجمت وأُتلفت في جوف الليل أربعة محوّلات لشركة الكهرباء Electricité de .Zahlé‎ ‎وحتى يتم إصلاحها، يمكن للعديد من السكان في المنطقة التمتع بمعدل 12 ساعة من الكهرباء من الشبكة فقط، ممّا يضطرّهم إلى الاستمرار في شراء الكهرباء من أصحاب المولّدات الكهربائية.

وقال مراسلو الإيكونوميست في المقال إنّ الصوت الأكثر شيوعا في كلّ ركن في لبنان هو ضجيج المولّدات الكهربائية. في المناطق الأكثر نأيًا في البلاد، يحصل السكان على أقل من أربع ساعات من التيار الكهربائي يوميّا من شبكة الكهرباء القطرية. في بيروت هناك سكان يتعقّبون أوقات قطع الكهرباء اليومي بمساعدة تطبيق في الهواتف الذكية.

لقد سئم المحليّون في قرية زحلة من البلطجية الذين يبالغون في الأسعار مقابل ترك الأضواء مشتعلة. “عندما ينخفض سعر النفط، يجب أيضًا أن تنخفض أسعار التيار الكهربائي من المولّدات، ولكن لا يحدث ذلك”، كما يقول السكان.

واللوم ملقى على الدولة. لم يمرّر البرلمان المنقسم تشريعًا حقيقيّا منذ سنوات، ولم ينجح في اختيار رئيس منذ أيار عام 2014. ويصل الدّيْن القومي الآن إلى 211% من الناتج المحلّي وهو مستمرّ في الصعود، وهناك منظومة راسخة من الأسر الحاكمة تؤكد أنّ حفنة من الأسر تقسّم فيما بينها ثروات لبنان.

يعكس النزاع حول الكهرباء مشكلة تواجهها البلدان التي تتعافى من الحروب الأهلية. أنشأ انهيار الدولة فراغًا، وبقيت العصابات التي ملأته في الحكم حتى بعد انتهاء الحرب. حتى في مناطق العاصمة التي تتمتع بحياة ليلية عصرية، يستخدم مزوّدو خدمات مواقف السيارات الأسلحة أحيانا من أجل الدفاع عن مساحتهم.

اقرأوا المزيد: 392 كلمة
عرض أقل
طفل يحمل علم لبنان (AFP)
طفل يحمل علم لبنان (AFP)

السياسة، الاقتصاد، اللاجئون وداعش: عوامل الأزمة في لبنان

الأزمة العنيفة في سوريا لم تؤدِ إلى انهيار لبنان بعد. يشرح الخبراء كيف يمكن أن تؤدي السياسات الخاطئة للحكومة، الوضع الاقتصادي غير المستقرّ، عدم وجود استراتيجية للتعامل مع اللاجئين السوريين وتهديدات داعش؛ إلى إسقاط البلاد في الهاوية

رغم نجاح لبنان حتى الآن في تجنّب الانهيار الاقتصادي والأمني الشامل منذ اندلاع الأزمة في سوريا، فلا زال يعيش وسط الخطر. نشر معهد كارنيغي لشؤون الشرق الأوسط مؤخرًا دراسة تُبيّن أنّ هذا الخطر ما زال قائمًا بسبب أربعة تحدّيات رئيسية: السياسات الخاطئة، اقتصاد تحت الضغوطات، عدم وجود استراتيجية للتعامل مع اللاجئين السوريين وتهديدات تنظيم الدولة الإسلامية.

السياسة

السبب الأول للخطر الذي يحيط بلبنان هو السياسات الخاطئة للحكومة، والمتأثرة بالمصالح السياسية، وتتجاهل المشاكل الاقتصادية ولا تلبّي احتياجات السكان. يعتقد أيمن هنا، وهو باحث من بيروت، أنّ الطريقة التي تتعامل بها الدولة مع آثار الحرب السورية ترمز إلى فشل حكومة لبنان في التخطيط لمستقبلها: القرارات السياسية التي من المفترض أنها تؤثر على حياة اللبنانيين على مدى عقود طويلة يتم اتخاذها بسرعة، سواء من أجل تحقيق مكاسب سياسية على المدى القصير، أو استجابة لتطوّرات دراماتيكية.

“رغم نجاح السياسة اللبنانية حتى الآن في تجنّب الانهيار التامّ للجانب الأمني والاقتصادي في لبنان، فإنّ الطرق التي تدير فيها البلاد لا يمكن أن تستمرّ”، كما يوضّح هنا. حسب كلامه، يتجاهل زعماء لبنان القضايا الرئيسية التي تعاني منها البلاد، مثل العجز في الموازنة العامة للدولة والتحدّيات الكامنة في وجود أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان.

الحكومة اللبنانية الجديدة, يناير 2014 (AFP PHOTO / HO / DALATI AND NOHRA)
الحكومة اللبنانية الجديدة, يناير 2014 (AFP PHOTO / HO / DALATI AND NOHRA)

الاقتصاد

يعيش الاقتصاد اللبناني تحت تهديد كبير، حيث إنّ هذا العام هو الثالث على التوالي الذي تُسجّل فيه الديون العامة للبلاد ارتفاعًا وهي أعلى بكثير من وتيرة النموّ الاقتصادي. على سبيل المثال، عام 2013، ارتفع الدين بنحو عشرة بالمائة بينما حدث نموّ اقتصادي بنسبة 1.5% فقط. وحسب كلام الخبير اللبناني سامي نادر فهناك حاجة إلى تغيير كبير في إدارة الحكومة لمواجهة عجز الموازنة ومعدّلات النموّ الاقتصادي المنخفضة.

الأسباب الرئيسية للأزمة الاقتصادية هي تدهور الوضع الأمني نتيجة الأزمة السورية، الشلل السياسي الذي تعيشه البلاد وعدم تطبيق الإصلاحات. لا يمكن للاقتصاد والبنية التحتية الضعيفة في لبنان أن تواجه العبء الذي يفرضه السوريون في البلاد، والذين يُقدّر عددهم بنحو مليون ومائة ألف إنسان؛ أي نحو ربع أو ثلث السكان في لبنان. وفيما وراء تأثير اللاجئين على الاقتصاد اللبناني، يهدّد اللاجئون النسيج الاجتماعي الحسّاس في البلاد.

اللاجئون

وبشكل مماثل للخبيرين السابقين، يعتقد الباحث كريم شاهين أنّ اللاجئين السوريين يشكّلون الآن جانبًا مهمّا من جوانب الأزمة في لبنان. نتيجة للهجرة الكبيرة من سوريا، حيث تدور هناك حرب أهلية حقيقية، تزايد في لبنان التنافس على أماكن العمل المحدودة وزاد بذلك الفقر في أوساط اللبنانيين.

اللاجئون السوريون (JOSEPH EID / AFP)
اللاجئون السوريون (JOSEPH EID / AFP)

وقد أدّت أيضًا الزيادة الكبيرة في عدد سكان لبنان إلى استخدام شبكة الكهرباء استخدامًا يثير الضغط. الأسوأ من ذلك، أنّ 85% من اللاجئين السوريين هم جزء من الطبقة الأكثر فقرًا في لبنان. إنهم مزدحمون في مخيّمات صغيرة ويعانون من فقر كبير. وقد تذكّرت الحكومة اللبنانية في وقت متأخر جدًا أن تزيد الأمن في حدودها وأن تزيل مكانة اللجوء عن السوريين الذين يعودون إلى بلدهم بهدف الزيارة.

داعش

الضلع الأخير في مربّع الأزمة اللبنانية يكمن أيضًا في الأزمة السورية: تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ترى الباحثة مها يحيى أنّ سلوك داعش قد زاد المخاوف الوجودية لدى الكثير من اللبنانيين، وخصوصًا المسيحيّون منهم. إنّهم يخشون أنّ يحصل التنظيم على موطئ قدم في لبنان، بعد أن نجح مؤخرًا في السيطرة على مناطق قرب الحدود اللبنانية السورية. نتيجة لذلك، وفقًا لموقع العرب، قرّرت بعض البلدات اتخاذ خطوات أمنية منذ الآن.

أدّى فرار اللاجئين من سوريا إلى الأراضي اللبنانية في أعقاب سيطرة داعش على مناطقهم قرب الحدود إلى غضب كبير في أوساط اللبنانيين الذين يخشون من مصير مماثل ينتظرهم. نتيجة لذلك، تزايدت الدعوات في لبنان ضدّ أولئك اللاجئين السوريين ويتم عرضهم في بعض الأحيان باعتبارهم أعداء للبنان. يعود القلق إلى أن يؤدّي استمرار هذه الإدانات إلى انضمام هؤلاء اللاجئين لتلك التنظيمات الإرهابية.

أعضاء تنظيم "الدولة الإسلامية" في عاصمة التنظيم الرقة (AFP)
أعضاء تنظيم “الدولة الإسلامية” في عاصمة التنظيم الرقة (AFP)

نُشِرَت هذه المقالة أوّلا في موقع ميدل نيوز

اقرأوا المزيد: 558 كلمة
عرض أقل