في مقابلة خاصة أجريناها معه، يعرض د. دافيد تقديراته ورؤيته للإجراءات الهامة التي تجرى اليوم في المملكة الهاشمية: الأهمية الاستراتيجية للمملكة، نظرة إسرائيل الأمنية للجارة الغربية، تدخل الولايات المتحدة المتزايد في محاولة للحفاظ على وحدة المملكة الصغيرة وبقائها، وتأثير الحرب الأهلية في سوريا وأهميتها المركزية في اتخاذ القرارات في الأسرة المالكة الأردنية.

فيما يلي المقابلة

لماذا، حسب رأيك، لم يندلع “الربيع العربي” حتى الآن في المملكة الهاشمية؟

“ثمة عدد من الظروف الداخلية والخارجية. من الناحية الداخلية، السبب المركزي الذي منع نشوب “الربيع العربي” في المملكة الأردنية هو التصدع بين الفلسطينيين والأردنيين. الخوف الرئيسي لدى كل من الفئتَين، هو أنه إذا تزعزعت الأسرة المالكة وسقطت، فإن الفئتَين لن تتمكنا من الثقة الواحدة بالأخرى، ولن تتمكنا من التغلب على الانقسام، والتعاون معا. وبذلك، أضحى المس باستقرار الدولة عامل ردع لدى كلٍّ من المجموعتين. فضلا عن ذلك، لم يعد تأييد الأسرة المالكة موجودا لدى الأردنيين (البدو). نفس المجموعة السكانية التي دعمت لسنوات الأسرة المالكة وأنقذتها (من اضطرابات أيلول الأسود 1970)، ابتعدت عنها جدا بسب إجراءات اتخذتها الأسرة المالكة. إجراءات كان هدفها اقتصادا نيو- ليبراليا مس باقتصادهم التقليدي. أدت الخيارات الاجتماعية – الاقتصادية للملك عبد الله إلى انفصال تدريجي بين مصالح العائلة المالكة ومصالح السكان الأردنيين. مؤشرات أولى للأزمة المتكونة كانت تصريحات العسكريين المتقاعدين بشكل علني ضدّ الملكة، وبعد ذلك ضد الملك عبد الله نفسه.

حتى قبل انفجار الربيع العربي، بدأت بالتشكل تصدعات وأعمال عنيفة مخلة بالأمن ضد العائلة المالكة. حل الربيع العربي، والأسرة المالكة في أسوأ حالاتها من حيث الشعبية. وفي ظل ابتداء فقدان الاستقرار في الجوار، في تونس ومصر، نجح النظام في استغلال التصدع الفلسطيني – الأردني بشكل مؤثر عبر إنتاج خطاب عام تهديدي. بدأ النظام يحذّر الأردنيين من أنه إذا اندلعت أعمال الشغب، فإن الدولة ستنهار، وسيدخل الأردنيون مرحلة حرب دموية بين المجموعتَين السكانيتَين. طريقة أخرى كانت إشعال العلاقات بين الإخوان المسلمين وبعض القبائل. إرسال عصابات النظام، البلطجية، لضرب المتظاهرين وإحراق فروع للإخوان المسلمين، وإشعال النزاع بينهم وبين القبائل. كانت العائلة المالكة معنية بإضرام النار في مراحل معينة للتحذير من تدهوُر الوضع. بينما نجح النظام في تأطير الخطر المرتقب من تدهور العلاقات بين المجموعتَين، نجح أيضا في دق إسفين في مصالحهما المشتركة ومنع تكتلهما.

د. آساف دافيد خبير في شؤون المملك الأردنية الهاشمية
د. آساف دافيد خبير في شؤون المملك الأردنية الهاشمية

يسهل جدا على الأردنيين وعلى الفلسطينيين على حد سواء تصديق نظرية المؤامرة، ومفادها أنه إذا سقط الأردن، فإن إسرائيل ستنتهز الفرصة لطرد جميع الفلسطينيين إلى الأردن، وتحويل الأردن إلى ” وطن بديل”. والأردنيون يخافون جدا من هذه الإمكانية.

أما من ناحية التأثيرات الخارجية، فإن العامل الأكثر تأثيرا الذي منع تدهور الأوضاع في الأردن، هو الوضع في سوريا. كان المدّ ضد العائلة المالكة في الأردن جارفًا في السنة الأولى من الربيع العربي، وبدا أن الأردن سيُصاب بفيروس الربيع العربي، لكن لحسن حظه، بدأت أعمال الشغب في سوريا. تفاقمت الحرب الأهلية في سورية إلى درجة وصل معها عدد أكبر من اللاجئين السوريين كل يوم إلى الأردن. بدايةً، فر المئات إلى الحدود الشمالية، ثم بلغ عدد الفارّين الألوف وعشرات الألوف. قلَب فرار اللاجئين من الأعمال الوحشية والذبح في سورية، الوضعَ العسكري والاقتصادي إلى غير مستقر، ولم يكن الأردنيون مستعدين للمخاطرة بأمنهم أكثر. في الأردن اليوم نحو نصف مليون لاجئ (يشكلون نحو 10% من السكان)، وهم يسكنون شمال الأردن بشكل أساسي. يفعل اللاجئون، الذين يعانون من ظروف معيشية قاسية، كل شيء ليعيلوا أنفسهم، وهم يسيطرون غير مرة على مصادر معيشة السكان المحليين، ويزيدون نسبة البطالة.

متظاهرون أردنيون خلال مسيرة احتجاج للمطالبة بالإصلاح في عمان (AFP)
متظاهرون أردنيون خلال مسيرة احتجاج للمطالبة بالإصلاح في عمان (AFP)

للأزمة السورية في واقع الحال “أثر مبرّد” للربيع العربي في الأردن. حالما أدرك السكان المحليون المخاطر الكامنة لهم، من تدهور الوضع الأمني والاقتصادي، إذا سقطت الأسرة المالكة، بدأوا بالتراجع في مطالبهم وتخفيف قوة النار ضد الأسرة المالكة. رأى الأردنيون أنه في الدول التي اندلعت فيها الثورات، أضحى الوضع أسوأ. فمصر عاجزة عن عبور الأزمة الاقتصادية والسياسية، تونس لا تستطيع أن تتعافى، وسوريا غارقة إلى العنق في حرب أهلية وحشية. برهان إضافي على عدم رغبة الأردنيين في زعزعة نظام الحكم القائم، هو ظاهرة فشل الإخوان المسلمين، الذين يعجزون حاليا عن إعادة الاستقرار إلى مصر وتونس. لا يسارع الغرب إلى مساعدة الإخوان المسلمين على توطيد الاستقرار في الدول، وهم لا ينجحون في تطبيق خطابهم حول إسرائيل أو الولايات المتحدة، تكبّلهم مصالح متناقضة، ويهاجمهم طرفا الطيف السياسي: القوى الليبرالية والقوى السلفية. منع نسيج الأسباب والتطورات هذه تصاعد ألسنة اللهب في الأردن”.

كيف تنظر المؤسسات الأمنية والسياسية الإسرائيلية إلى الأردن والتطورات الأخيرة فيها؟

“تنظر المؤسسة الإسرائيلية إلى المملكة من المنظار السوري. التعاون بين إسرائيل والأردن اليوم وثيق جدا، وذلك وفقا لمعطيات تُنشر في الإعلام العالمي، لا ينكرها الإسرائيليون ولا الأردنيون إلى حد كبير. من الناحية العسكرية، التعاون وثيق جدا. من المفترض قراءة الإعلام العالمي لنفهم أنّ الأردن فتح مؤخرا مجاله الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية دون طيار لتصوير ما يجري في سوريا. يستضيف الأردن مناورات مشتركة لعدة دول. كانت المناورة الأخيرة مناورة “الأسد المتأهب” باشتراك جيوش الولايات المتحدة، الأردن، و 17 دولة أخرى (بداية حزيران). لدي أساس للاعتقاد، رغم أنه لا يمكنني إثبات ذلك، أن مناورات واستشارات عسكرية منفصلة تجري بين الأردن وإسرائيل، في ظل التطورات في سوريا. قال الملك عبد الله نفسه، وهو أمر ما كان ليفعله قبل سنتَين، إن التعاون بينه وبين رئيس الحكومة نتنياهو وثيق جدا. من الواضح أنّ مصلحة إسرائيل هي الحفاظ على استقرار المملكة، لا سيّما من الشمال.

تدرك إسرائيل أنه في حال انهارت سوريا وانقسمت، فإنّ الأردن سيواجه مدا هائلا من اللاجئين، وسيحتاج مساعدة أمنية لحماية حدوده ومنع تدفق السلاح الكيماوي لأيدٍ غير مرغوب فيها.

الأردن مستعد للتعايش مع تحدي سقوط النظام في سوريا وتفكّك الدولة إلى درجة اننا ندرك فيها بيقين أن ثمة برامج عسكرية تأخذ بالحسبان انهيار سوريا ككيان. حينها سيضطر الأردن إلى إقامة قطاع أمني في درعا. معنى ذلك أن الجيش الأردني سيتواجد في الأرض السورية، في درعا، كما أقامت إسرائيل قطاعا أمنيا بالاشتراك مع جيش لبنان الجنوبي، في جنوب لبنان.

إذا انفجر الوضع في سورية، وتعرض الأردن لمدّ من مئات ألوف اللاجئين السوريين، فسيتوغل في منطقة درعا شمالًا، ويقيم هناك قطاعا أمنيا يُسكن فيه اللاجئين، ويهتم بوصول مساعدات دولية إليهم، ويهدئ الوضع الأمني. هذا تدخل عسكري أردني مباشر. ولهذا الغرض، يحتاج الأردن إلى مساعدة وتعاون من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل في مجالَي الاستخبارات والجاهزية العسكرية.

لا شك أنّ الأردن يحظى بدعم عسكري أمريكي ضخم. فقد ازداد الدعم العسكري للأردن حتى بلغ مقادير هائلة. شكليا، كانت المساعدة العسكرية للملك عبد الله في سنوات حكمه العشر الأولى أكبر من كل المساعدة التي تلقاها والده الحسين في سنوات حكمه الخمسين. للأردن معاهدة مساعدة متعددة السنوات مع الأمريكيين بقيمة 660 مليون دولار سنويا، نصفها مساعدات اقتصادية – اجتماعية، ونصفها الآخر مساعدة عسكرية. يهتم الأمريكيون أيضا بإضافات واسعة على الموازنة كل سنة بقيمة تتراوح بين 100 و 200 مليون دولار سنويًّا. من الواضح أنّ لإسرائيل علاقة بهذا الشأن، إن لم يكن بشكل مباشر، فعلى الأقل على المستوى المخابراتي.

وزير الخارجية الامريكية جون كيري يلتقي مع الملك عبدالله الثاني (AFP)
وزير الخارجية الامريكية جون كيري يلتقي مع الملك عبدالله الثاني (AFP)

تدرك المعارضة الأردنية التعاون بين إسرائيل والأردن، وهي لا تكثر من الضجيج في هذا الشأن. حتى الحدث الأخير الذي صوّت فيه أعضاء البرلمان الأردني بالإجماع على إعادة السفير الأردني من تل أبيب وطرد السفير الإسرائيلي من عمان، جرى امتصاصه في الإعلام، بعد أن تراجع أعضاء برلمان كثيرين عن تصويتهم”.

هل نفهم من هذا أنّ إسرائيل ستكون مستعدة لضمان أمن المملكة مهما كان الثمن؟ حتى لو كان الثمن التدخل العسكري؟

“يجب أن نقول بحذر شديد، لأنّ مصلحة إسرائيل في استقرار الحكم الهاشمي هي في الدرجة الأولى. الأردن هو الخط الأخير الذي يحميها من تدفق الحرب في سوريا إلى حدودها. فضلا عن ذلك، إذا لم ينقذ النظام الهاشمي نفسه ويحمِ دولته، فإنّ إسرائيل لن تقوم بذلك نيابةً عنه. أشك في قدرة إسرائيل على إنقاذ النظام الهاشمي من الانهيار. إنّ مصالح المؤسسة الإسرائيلية هي في استقرار النظام الهاشمي لأنه يُرى نظاما مستقرا ومسؤولا، لكن هذا لا يعني أنه إذا اهتزت أسس النظام نتيجةً لقرارات خاطئة أو لاهتياج داخلي فلسطيني أو أردني، سيفكر أو سيستطيع أحد في إسرائيل إنقاذه. تلتزم إسرائيل للأردن بالصمت في حال تدخل قوى أجنبية (كما فعلت في أيلول الأسود حين بدأ السوريون بإثارة الضجيج بهدف استغلال ضعف المملكة في تعاملها مع التهديد الفلسطيني) لأنها تخاف أن تهدّد هذه القوى أو العناصر الأجنبية أمنها في المستقبل”.

رئيس الوزراء نتنياهو يجتمع مع العاهل الأردني الملك عبد الله (Flash90/Avi Ohayon)
رئيس الوزراء نتنياهو يجتمع مع العاهل الأردني الملك عبد الله (Flash90/Avi Ohayon)

ماذا في شأن العملية السياسية وتأثير الأردن المباشر على الفلسطينيين ومسودة الحل التي يطرحها كيري؟

“إنّ واقع قيام إسرائيل بشكل فاعل بمنع إقامة دولة فلسطينية، معروف للملك عبد الله وللأردنيين أنفسهم، وهم يدركون أنّ هذا الوضع سيكون على حسابهم وسيؤدي إلى تعريضهم للخطر مستقبَلا. إذا أُغلق الباب على إمكانية “حل الدولتَين لشعبَين”، وأظن أنّ الباب قد أُغلق، فمعنى ذلك أنّ كل حل سياسي مستقبلي سيكون على حساب الأردنّ. أرى شخصياً، أنّ مساعي كيري لن تنجح، إذا لم يكن الطرفان، الإسرائيلي والفلسطيني، معنيَّين بحل وبتسوية تاريخية، وكان كلٌّ منهما متشبّثا بمواقفه، فإنّ أحدا ليس بوسعه إكراههما على ذلك.

الأزمة الإسرائيلية – الفلسطينية ثانوية، فللولايات المتحدة مشاكل أكبر وأهم: سوريا وإيران. الولايات المتحدة غير معنية أيضا بإجبار الزعماء في المنطقة لأنها تعرف أنها لن تستطيع حل المشاكل الأعمق في المنطقة. لا تنقص حلول أو مسودات منطقية لإنهاء النزاع والوصول لحل الدولتَين: مسودة كلينتون، مسودة جنيف، أنابوليس، وخارطة الطريق. لا استعداد لدى الطرفَين للتوصل إلى حل رغم أن معظم نقاط الخلاف تمت تسويتها.

حلم إسرائيل هو أمن مُحكَم، حلم غالبية الكنيست والحكومة الحاليتَين هو حق الآباء والأجداد في الضفة الغربية. في الجانب الفلسطيني، حق العودة والقدس. حاليا، لا أحد مستعد للتراجع عن مطالبه قيد أنملة، ليس ثمة زعيم يجرؤ على المخاطرة. كارثة فقط يمكن أن تؤدي إلى تفاهم الطرفَين. وهذه الكارثة يمكن أن تأتي على شكل “انتفاضة ثالثة”.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحدث مع العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني (AFP)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحدث مع العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني (AFP)

حسب رأيي، دفن الربيع العربي حلم الدولتين لشعبين ليس لأنه حوّله غير قابل للتطبيق، بل لأنه منح إسرائيل ذريعة لا مثيل لها لتقول للعالم: كيف تتوقعون منّا إقامة دولة فلسطينية جديدة على حدودنا، فيما المنطقة مشبعة بالعنف والثورات، فمن يضمن أمننا؟ على فرض أن كارثة جديدة تجبر الطرفَين على التفاهم لن تحصل، فإن ما ينتج هو نتيجة واحدة واضحة تأتي على حساب الأردن، على الأقل لسبب بسيط، هو أنّ إسرائيل اليوم هي الطرف الأقوى في المعادلة؛ ما يُقال في اليمين منذ سنوات، ويُرى غير قابل للتطبيق أو كابوسًا: ضم الأراضي المحتلة، وتحويل الفلسطينيين في الضفة إلى مقيمين، لا مواطنين متساوي الحقوق. سيحظون بخدمات صحية، صرف صحي، عمل، ستهتم إسرائيل بهم لكن دون أن تتيح لهم أن ينتخِبوا ويُنتخَبوا، ولا يجري تمثيلهم في أي حكومة أو كنيست. أما الحقوق الوطنية فيحققها الفلسطينيون في الأردن. يدفع هذا الحلَّ، زعيمُ اليمين اليوم، نفتالي بنيت، الذي ادعى مؤخرا أنّ “المشكلة الفلسطينية هي كشظية في المؤخرة”. يقول ذلك أيضا نائب وزير الأمن داني دنون. إضافة إلى ذلك، يدرك الفلسطينيون أنفسهم أنهم، على ما يبدو، غير معنيين بإقامة دولة فلسطينية حاليا. فهم غير معنيين بدولة منزوعة الصلاحيات، دون جيش وقوى أمنية فاعلة، اقتصادها وسلطتها على مواردها متعلقة بإسرائيل. أظن، للأسف، أن الرياح اليوم تهب باتجاه هذا الحل. والأردن يعي هذا الوضع المتفجّر، لكنّ يديه مكبلتان بسبب الأزمة السورية، حاليًّا على الأقل”.

ما معنى التوقيع في آذار الماضي بين الفلسطينيين والأردنيين على اتفاق يمنح الأردنيين الصلاحية للعمل على حماية الأماكن المقدسة ولتمثيل الفلسطينيين في شأن القدس؟ هل عاد حل الكونفدرالية بين ضفتَي الأردن إلى طاولة البحث؟

يمكن اليوم الحديث عن إمكانية قيام كونفدرالية بين ضفتَي الأردن عندما تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وتمنح السلطة الأمنية للأردن، على افتراض أنّ الأردن سيكون مستعدا ليقبل مسؤولية الحفاظ على الأمن وإضافة ملايين أخرى من الفلسطينيين إلى سكانه، حتى لو كان ذلك حلا مؤقتا ريثما تزول المسائل الأكثر تعقيدًا في الشرق الأوسط. لكن للتوصل إلى حل كهذا، على جميع الأطراف التنازل عن أمور عدة: على إسرائيل التخلي عن أراضٍ والانسحاب لحدود 1967، على الأردن أن يقبل بتحمل مسؤولية أمنية، قضائية، سياسية، واقتصادية على ملايين من الفلسطينيين، وعلى الفلسطينيين أن يقبلوا بالوحدة مع الأردنيين مع علمهم أنهم سيكونون في موقف أضعف، وأنهم يتنازلون عن حلم الدولة الوطنية الفلسطينية. كل هذا دون أن نأخذ بالحسبان مشكلة غزة الكبيرة، التي تبقى مبتورة ومنعزلة.

احرس الحدود الأردني أمام صورة الملك عبد الله الثاني (AFP)
احرس الحدود الأردني أمام صورة الملك عبد الله الثاني (AFP)

هذا الحل صعب التطبيق وتتخلله مشاكل بنيوية. حل كونفدرالية على ضفتَي الأردن حلّ أقدم من حل إقامة دولة فلسطينية، وهو كثيرًا ما يطفو على السطح دون أن يتحقق.

يبدو حاليًّا أن فرضا دوليا بالقوة لحل معقول فقط بإمكانه حل هذه الفوضى، واليوم لا رغبة كهذه لدى أية قوة عظمى لأنّ ثمة قضايا أكثر إلحاحا وأكبر للمعالجة.

القدس هي أمر فارغ. عندما تكون السلطة الفلسطينية قوية بإمكانها أن تعمل ضد إسرائيل والأردن. وعندما تكون ضعيفة، كما هي اليوم، فإنّ بإمكان الأردن أن يفرض عليها اتفاقا يسلبها بعض الصلاحيات للعمل في الأماكن المقدسة ولإعادتها إليه.

في إطار معاهدات أوسلو، نال الملك الحسين من إسرائيل اعترافا بالوضع الخاص للأردن مقابل الدول الإسلامية الأخرى، وصلاحية للعمل في القدس في الأماكن المقدسة. الاتفاق في آذار هذا العام، هو في الواقع اعتراف فلسطيني بأفضلية الأردن في تمثيل الأزمة في القدس، وفي تمثيل السلطة أمام عناصر دولية في ما يتعلق بقضية الاهتمام بالأماكن المقدسة. يمكّن هذا الاعترافُ الأردن من العمل ضدّ إسرائيل في كل ما له صلة بحج اليهود إلى جبل البيت وأعمال شغب المستوطنين هناك بين الحين والآخر. لكن الأردن لا يسارع إلى استخدام هذه السلطة لأنه يضحي بهذا الشأن في سبيل مصالح أكبر وأوسع، وهو بقاؤه في السياق السوري. يعترض الأردن ويستنكر في كل مرة يحصل فيها حدث خارق للعادة، ولكن ليس أكثر من ذلك. ما بدا في البداية أنه اتفاق متبادل بين الأردن والسلطة الفلسطينية في شـأن القدس، هو في الواقع اتفاق إذعان السلطة الفلسطينية للأردن في شأن القدس”.

د. آساف دافيد هو باحث في معهد ترومان لتشجيع السلام في الجامعة العبرية في القدس، ومدرّس في قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية، وفي قسمَي تاريخ الشرق الأوسط، والسياسة والحُكم في جامعة بن غوريون في النقب. مجال اختصاصه هو العلاقات بين المجتمع والدولة في الأردن، والعلاقات العسكرية – المدنية في الشرق الأوسط. يعمل د. دافيد كباحث خبير في الشؤون الأردنية في صندوق التعاون الاقتصادي، (ECF)، مستشار للقطاع الخاص والعام في إسرائيل والخارج في الشؤون الأردنية، ومعني بتعزيز وتقييم مشاريع غير حكومية مشتركة بين إسرائيل والأردن.

اقرأوا المزيد: 2133 كلمة
عرض أقل