• شابات حركة الكيبوتسات - صورة توضيحية
    شابات حركة الكيبوتسات - صورة توضيحية
  • شابة إسرائيلية تعمل في حقول الكيبوتس (Yaniv Nadav/FLASH90)
    شابة إسرائيلية تعمل في حقول الكيبوتس (Yaniv Nadav/FLASH90)
  • الحياة الاشتراكية والمشتاركة في الكيبوتس في الخمسينات (Wikipedia)
    الحياة الاشتراكية والمشتاركة في الكيبوتس في الخمسينات (Wikipedia)
  • فيلات جديدة في الكيبوتس.. فلم يبقَ اليوم أي ذكر تقريبا لأيدولوجية الكيبوتس وطابعه الخاص (Moshe Shai/FLASH90)
    فيلات جديدة في الكيبوتس.. فلم يبقَ اليوم أي ذكر تقريبا لأيدولوجية الكيبوتس وطابعه الخاص (Moshe Shai/FLASH90)

ماذا حدث للكيبوتس؟

تعرّفوا إلى التجربة الاجتماعية الأكبر في إسرائيل التي كان يُفترض أن تحقق حلم الاشتراكية لدى الشبان الذين يؤمنون بالمثالية ولكنها اتجهت نحو مسار لم يتوقعه أحد

في ظل الظروف الصعبة التي واجهتها الجاليات اليهودية في أنحاء العالم، قامت في العقود الأولى من القرن العشرين حركة تؤمن بالمثالية من الشبان اليهود العلمانيين الذين شعروا أنهم يشكلون نخبة ومثالا للكثيرين. عمل هؤلاء الشبان وهم يرتدون بنطالا قصيرا ويحملون أدوات العمل على خلق مجتمع مثالي. سُمي ذلك المجتمع “الكيبوتس”.

اعتبر أبناء الكيبوتسات أنفسهم "رأس الحربة" التي تقود الشعب - صورة توضيحية، الأربعينات
اعتبر أبناء الكيبوتسات أنفسهم “رأس الحربة” التي تقود الشعب – صورة توضيحية، الأربعينات

“ففي الكيبوتس تصل إلى لحظة تنسى فيها نفسك. تصبح حدود “الأنا” مشوشة، وأنت تصبح جزءا من مجموعة أكبر بكثير، تشعر أنها أفضل، أجمل، وأنسب شيء”

وصل شبان بالكاد كان عمرهم في العشرينات دون عائلاتهم إلى إسرائيل، وبادروا إلى إقامة الكيبوتسات فيها، وذلك بعد أن قطعوا علاقتهم باللغة الأوروبية وحضارتها اللتين ترعرعوا عليهما. هناك من نعت هذا التكتل الاجتماعي باسم “جمهورية الشبان”. كانت حياتهم المشتركة بديلا للوحدة. تضمنت الحياة المثالية من وجهة نظرهم العمل في الزراعة، وفي وقت لاحق في الصناعة، ولكنها تضمنت المساواة والاشتراكية. قام معظم أعضاء الكيبوتس بتشيكلة من الوظائف الإدارية والتنفيذية على حدِّ سواء، بالتناوب.

بدلا من شراء الممتلكات الخاصة، استأجر مقيمو الكيبوتسات الأراضي التي أقاموها عليها، واختاروا الأماكن المهجورة التي تتطلب عملا صعبا لاستغلالها. اتخذ كل أعضاء الكيبوتس القرارات معا. واحتفلوا بالأعياد في القاعة ذاتها وتناولوا الوجبات معا يوميًّا في غرفة الطعام الكبيرة المشتركة. وصل التعاون الجماعي إلى مواضيع مثيرة للجدل أيضا، مثل الحياة العائلية. ترعرع أطفالهم خارج منزل الأسرة، مع أطفال أعمارهم شبيهة، في مكان يدعى “بيت الأطفال”.

الحياة الاشتراكية والمشتاركة في الكيبوتس في الخمسينات (Wikipedia)
الحياة الاشتراكية والمشتاركة في الكيبوتس في الخمسينات (Wikipedia)

صعود الكيبوتس

تأثر شبان آخرون من الفكرة الأيدولوجية القوية التي انتشرت كالنار في الهشيم. فانضم عشرات آلاف الشبان إلى حركة الكيبوتسات. في تلك الأيام مقابل العظمة التي سادت في الغرب، كان الكيبوتس موقعا مثيرا للفخر في أوساط اليهود الذين وصلوا إلى الأراضي المقدّسة، وكذلك حظي خارج إسرائيل بتقدير.

رغم الحياة المتواضعة، اعتقد أبناء الكيبوتسات أن نمط حياتهم أفضل من نمط حياة المدينة. قال البروفيسور أبراهام بلبن، باحث إسرائيلي في مجال الأدب، عاش في كيبوتس، أنه “في الكيبوتس تصل إلى لحظة تنسى فيها نفسك. تصبح حدود “الأنا” مشوشة، وأنت تصبح جزءا من مجموعة أكبر بكثير، تشعر أنها أفضل، أجمل، وأنسب شيء، وأنها تشكل “رأس الحربة” التي تقود الشعب”.

شابات حركة الكيبوتسات - صورة توضيحية
شابات حركة الكيبوتسات – صورة توضيحية

حظيت مشاعر من عاش في الكيبوتس بصفتهم نخبة دولة إسرائيل الشابة بتعزيزات في الواقع. فشغلوا مناصب رفيعة جدا في قيادة دولة إسرائيل في العقود الأولى، رغم أنهم كانوا يشكلون %8 فقط من عامة السكان عند إقامة الدولة. عاش رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول، دافيد بن غوريون، في كيبوتس في جنوب البلاد. وُلِد السياسي الإسرائيلي موشيه ديان في كيبوتس أيضا. حتى أن رئيس الحكومة الإسرائيلي الثالث، ليفي أشكول، أقام كيبوتسا. في يومنا هذا أيضا نسبة سكان الكيبوتسات الذين يلتحقون بدورة الضباط في الجيش الإسرائيلي أعلى بأربعة أضعاف من نسبتهم بكافة السكان.

الحلم وخيبة الأمل

قال أحد مقيمي الكيبوتسات الأوائل منذ العشرينات: “نعرف كيف نبدأ الثورات، ولكن لا نعرف ما علينا القيام به لاحقا”. لم يفهم حينذاك أعضاء الحركة مدى صحة أقواله.

أدت القروض والاستثمارات غير المسؤولة إلى إفلاس الكيبوتسات، والجيل الشاب ابتعد عنها (Doron Horowitz/FLASH90)
أدت القروض والاستثمارات غير المسؤولة إلى إفلاس الكيبوتسات، والجيل الشاب ابتعد عنها (Doron Horowitz/FLASH90)

بدأت حينها تضطرب الأمور في الكيبوتسات، مقابل حدوث انهيار الاتحاد السوفياتي، وفي الثمانينيات انهارت الكيبوتسات تماما. أدت القروض والاستثمارات غير المسؤولة بملايين الدولارات التي راحت سدى إلى إفلاس الكيبوتسات. حينها، لم يكن اليسار الإسرائيلي مُسيّطرا على القيادة الإسرائيلية، وكان الاقتصاد الإسرائيلي مؤلفا من شركات خاصّة وليس من شركات وطنية كما في الماضي. أوضحت الحكومة اليمينية للكيبوتسات أنها لن تنقذها هذه المرة وعليها الاهتمام بنفسها. بحث الجيل الشاب الذي ترعرع في الكيبوتس عن طريقه خارج الكيبوتس وظل جيل القدامى في الكيبوتس الذي انخفض عدد أعضائه. كان يبدو أن المحاولة الاجتماعية الأكبر في إسرائيل، كادت تفشل.

من شبان اشتراكيين إلى أغنياء جدد

“بدأت الكيبوتسات بالتعافي والازدهار مجددا، ولكن هذه المرة لم يبقَ أي ذكر تقريبا لأيدولوجيتها، وطابعها الخاص.”

مر نحو عقدين حتى بدأت الكيبوتسات بالتعافي والازدهار مجددا، ولكن هذه المرة لم يبقَ أي ذكر تقريبا لأيدولوجيتها، وطابعها الخاص. بدأ جزء من الشبان الذين هاجروا الكيبوتسات عندما واجهت أزمة اقتصادية بالعودة إليها، ولكن بدلا من أن يعيشوا في منازل متواضعة وصغيرة مثل والديهم، بنوا لهم فيلات فاخرة، وتنازلوا كليا عن الحياة المشتركة التي ترعرعوا عليها. جذبت المناطق الواسعة الخضراء في الكيبوتسات العائلات الغنية التي كانت تسكن في المدينة وبحثت عن جودة حياة أفضل، واعتقدت أن الكيبوتس مكان جميل وهادئ يوفر تربية جيدة للأطفال، لذلك يجدر بهم إقامة منزل أحلامهم الخاص فيه.

خيمات سكنية في الكيبوتس في بدايته
خيمات سكنية في الكيبوتس في بدايته

كانت أسعار المنازل الكبيرة التي بُنيت في البداية على أراضي الكيبوتسات زهيدة مقارنة بالمنازل الخاصة في مركز البلاد، ولكن ارتفعت أسعارها ووصلت إلى مئات آلاف وحتى ملايين الدولارات. أصبح الكيبوتس رمزا لمستوى حياة عال، وعلى من يرغب في السكن فيه أن يكون لديه مالا كافيا. مقارنة بفكرة الاشتراكية، الشيوعية أحيانا، التي شكلت أساسا لإقامة الكيبوتسات، فيُعتبر ذلك التغيير تغييرا جذريا.

صحيح أنه كانت هناك في البداية مساواة اقتصادية بين أعضاء الكيبوتس إلا أن الأزمة كانت مصدر تطور جديد تماما. فإذا كان مدير الكيبوتس يربح في الماضي أجرا شبيها بأجر العمال، فبعد الأزمة الكبيرة في الكيبوتسات، عرف المسؤولون في الكيبوتس أنه إذا أرادوا الحفاظ عليه يتعين عليهم تغيير القواعد الاقتصادية التي كانت غريبة لهم – على كل عضو أن يبذل جهذا وفق قدراته، ويربح أجرا شخصيًّا ملائما لجهوده ووظيفته.‎ ‎

فيلات جديدة في الكيبوتس.. فلم يبقَ اليوم أي ذكر تقريبا لأيدولوجية الكيبوتس وطابعه الخاص (Moshe Shai/FLASH90)
فيلات جديدة في الكيبوتس.. فلم يبقَ اليوم أي ذكر تقريبا لأيدولوجية الكيبوتس وطابعه الخاص (Moshe Shai/FLASH90)

ماذا كان سيفكر مقيمو الكيبوتسات، لو عرفوا ماذا حصل لمشروعهم؟ هل يشهد انهيار الكيبوتس على أن مبادئَه  تتضارب مع الواقع أو أنها تتناقض مع ناموس الإنسانية؟ هل كان الكيبوتس عملا اجتماعيّا، انطلاقة، وفكرة رائعة في المجتمَع البشري، كما يعتقد الكثيرون حتى يومنا هذا، الذي انهار بسبب قرارات خاطئة اتخذها المسؤلون فيه؟ لا يهتم سكان الكيبوتسات الجدد بمعرفة الإجابة. فلا يؤثر اسم “كيبوتس” فيهم، ومن جهتهم، يمكن تسميته قرية أيضا، بلدة أو حي فيلات، أهم شيء ألا يلحق ضرر بممتلكاتهم الخاصة، التي تطل على مناظر الحقول الرائعة في الكيبوتس، التي يعمل فيها في يومنا هذا عمال أجانب بدلا من العمال الاشتراكيين الذين أقاموا الكيبوتسات قبل مئة عام.

اقرأوا المزيد: 865 كلمة
عرض أقل
عاملات عربيات في إسرائيل (Hadas Parush/Flash 90)
عاملات عربيات في إسرائيل (Hadas Parush/Flash 90)

تصنيف حقوق عمّال: إسرائيل في الوسط، فلسطين وسوريا في المكانان الأسوأ

وفقًا لتصنيف الاتحاد الدولي لنقابات العمّال فإنّ إسرائيل تحظى بدرجة 3 من 5، الولايات المتحدة وإيران في حالة أسوأ، مع درجة 4، فلسطين وسوريا هما الأسوأ على الإطلاق مع درجة 5+.

نشر الاتحاد الدولي لنقابات العمّال (ITUC) هذا الأسبوع، في مؤتمر في برلين، وثيقة تصنّف دول العالم من خلال موقفها من حقوق العمّال، مثل الحقّ في أجر عادل، منح مزايا اجتماعية، الإضراب، التنظيم النقابي والتفاوض الجماعي مع أرباب العمل.

يتراوح التصنيف في الوثيقة بين 1، وهي الدرجة الأعلى على الإطلاق، و 5، وهي الدرجة الأسوأ على الإطلاق، مع بعض الاستثناءات التي تلقّت درجة 5+ لتأكيد خطورة الأوضاع. تمّ تصنيف إسرائيل في الوسط، مع درجة 3، سوية مع دول غربية كثيرة مثل بريطانيا، أستراليا، كندا والبرتغال. وفقًا للوثيقة، ففي الدول التي تلقّت التصنيف 3: “الحكومة و/أو الشركة تنتهك بانتظام حقوق العمّال في التفاوض الجماعي، أو أنّها لا توفّر الحماية الكاملة لجوانب مهمّة من هذه الحقوق”. وتنبع هذه الحالة عادة بسبب الثغرات والخلل في القوانين ذات الصلة والتي تسمح بالانتهاك المتواصل للحقوق.

ورغم أنّ هذا الوضع أبعد ما يكون عن المثالية، ولكنّه يُظهر بأنّ الأوضاع قد تكون أسوأ من ذلك بكثير. حصلت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، على درجة منخفضة 4، سوية مع دول مثل إيران، العراق، الأردن، لبنان، موريتانيا وباكستان. تنصّ الوثيقة على أنّه في هذه الدول يحدث “انتهاك منهجي لحقوق العمال”، وتفصّل: “يذكر العمال في الدول التي حصلت على درجة 4 أنّهم تعرّضوا لانتهاكات منهجية لحقوقهم. وأن الحكومة و/أو الشركات تبذل الجهود الجادّة لخنق الصوت الجماعي للعمال وتهدد باستمرار حقوقهم الأساسية”.

في أسفل القائمة، في مجموعة صغيرة نسبيًّا من الدولة مع درجة 5+، يمكننا أن نجد فلسطين وسوريا. وهذه درجة استثنائية بشكل خاصّ تعطى للبلدان التي تتّصف بالفوضى الاجتماعية والاقتصادية وانهيار النظام العام، دون أيّ حماية لحقوق العمال. ومن بين الدول التي تلقّت درجة “5”، الحدّ الأدنى من حماية حقوق العمال، هناك مصر، السعودية، تركيا، الصين، الهند، ومعظم دول الخليج العربي، وبشكل مفاجئ أيضًا اليونان، وهي الممثلة الوحيدة للدول الأوروبية في هذه الدرجة (حيث أنّ معظم الدول الأوروبية تلقّت الدرجة العالية 2).

وأين هو أفضل مكان للعمل؟ وفقًا للتصنيف، فإنّ قائمة مقلّصة من الدول تلقّت الدرجة 1، والتي تدلّ على الحفاظ المتّسق والكامل لحقوق العمّال، ومن بينها إيطاليا، ألمانيا، جنوب إفريقيا، أوروغواي وبلدان الشمال الأوروبي (السويد، الدنمارك، فنلندا والنرويج).

اقرأوا المزيد: 324 كلمة
عرض أقل
عامل  في كيبوتس إسرائيلي (Moshe ShaiFLASH90)
عامل في كيبوتس إسرائيلي (Moshe ShaiFLASH90)

نهاية مجتمع المساواة؟

الكيبوتس رمز الاشتراكية الإسرائيلية، يغيّر وجهته؛ فغالبية الكيبوتسات تتفكك، وأصبح التعاون محدودًا أو أنه ألغي تمامًا، والقوة العاملة الرخيصة تقوم بالعمل الزراعي، هل هذه هي نهاية الحلم؟

عندما أقيم الكيبوتس الأول سنة 1909، بدا أن هذه بداية مجتمع مثالي تمامًا، كأن حلم ماركس يتجسّد لحمًا ودمًا على أرض إسرائيلية، ويساعد ذلك الصهيونيون على توطيد البلاد والدفع قدمًا. ولكن اليوم، أقل قليلا من مئة سنة بعد ذلك، لم يبق الكثير من تلك المثالية الاشتراكية المزدهرة.

عمال في كيبوتس إسرائيلي عام 1958
عمال في كيبوتس إسرائيلي عام 1958

كانت المبادئ بسيطة جدًا: عمل مستقل، مساواة وتعاون في كل مجالات الإنتاج، الاستهلاك والتعليم، وطبعًا، في تكلفة مشتركة على المقتنيات. فعليًا، كان هذا مجتمعًا زراعيًا، زوّد أعضاءه بكل ما يحتاجونه، إذ عمل كل واحد منهم حسب استطاعته، وأخذ ما يحتاجه. لم يكن ملك خاصٌ لدى أحد إلا ما وافقت عليه لجنة الكيبوتس. وأكل الجميع معًا، الأكل ذاته في غرفة الطعام المركزية، نام وتعلم الأولاد معًا ولبسوا نفس الملابس، وعندما كبروا بدؤوا يعملون في الزراعة وساهموا بقسطهم للكيبوتس، كل من النساء والرجال على حد سواء.

في البداية، بدا هذا نجاحًا عظيمًا. فأقيمت كبيوتسات كثيرة، وكل من رأى أنه اشتراكي طلب الانضمام للكيبوتس. ومع قيام دولة إسرائيل في سنة 1948، عاش ما يقارب 8 % من السكان في الكيبوتسات، التي كانت رمزًا صهيونيًّا لحب البلاد والصلة بالأرض. أقيم ما لا يقل عن 267  كيبوتسًا على طول السنين.

مع إقامة الجيش، وعلى مدى سنوات، اعتُبر أبناء الكيبوتسات روادًا في الوحدات القتالية والمشاة المختارة، وكانت نسبة الضباط الذين انضموا من الكيبوتس أعلى من عدد الكيبوتسات في المجتمع.

أعضاء كيبوتس إسرائيلي (Moshe ShaiFLASH90)
أعضاء كيبوتس إسرائيلي (Moshe ShaiFLASH90)

لكن “قصة النجاح” بدأت في التغيّر في أواخر الثمانينات. فالأزمة الاقتصادية الحادة التي عصفت بإسرائيل ألحقت ضررًا شديدًا بكيبوتسات كثيرة، ولذلك لم تنجح في الاستمرار في نهجها، وكانت هناك حاجة إلى  خصخصة قسم من الكيبوتسات، واللجوء للبحث عن مصدر خارجي، ولتقليل أسعار التكاليف قدر الإمكان. في بعض الحالات، بيعت أراضٍ من أراضي أعضاء الكيبوتس، وبدأ يتزعزع مبدأ “المساواة المطلقة” بين أعضائه.

كذلك التواصل بين الأجيال لم يعد قطًا كما كان. فلم يرغب الأشخاص  الذين ترعرعوا في الكيبوتس، وعانوا من المعيشة المشتركة في “بيت الأولاد” ( فيه نام الأولاد بعيدين عن آبائهم) منح أولادهم نفس التجربة الشعورية. وبدأ قسم منهم يطلب أكثر فأكثر الخروج  من الكيبوتس وتعلم مواضيع حرة لا زراعية، وعندما بدؤوا يربحون أجرًا أفضل مقارنة بأجرهم في الكيبوتس، رفضوا أن يشاركوا دخلهم مع العامّة.

بدأ الكيبوتس، الذي يعتبر تقليديًا نوعًا من “مجتمع آخر”، وتختلف قيمة وأسلوب الحياة فيه من تلك التي في المجتمع العام،  بفقدان خاصيته. خُصصت الممتلكات، وأهمِلت الزراعة لصالح الصناعة، وبُدّلا التضامن والتشارك بالمنافسة والصراع على المساحات. لم يعد بالإمكان الحديث عن المدخولات المتساوية، وحتى غرفة الطعام، التي كانت يومًا ما مركز الكيبوتس، فعليا، ولكن بالأساس اجتماعيًا، جماهيريًا وعامّة، تحوّلت إلى ما يشبه “تمثالا تذكاريًا” لما كانت الكيبوتسات عليه يومًا.

كيبوتس إسرائيلي في شمال البلاد (Moshe ShaiFLASH90)
كيبوتس إسرائيلي في شمال البلاد (Moshe ShaiFLASH90)

في السنوات الأخيرة، يقوى الاتجاه، ولم يبق الكثير من “الكيبوتس الذي كان ذات مرة”. فعدد الكيبوتسات التي ما زالت تدير أسلوب حياة متساويًا وتعتاش على الزراعة هامشيًا، واليوم الحديث بالأساس عن بلدات “خضراء” وهادئة، في الأغلب بعيدة عن المركز، وأحيانًا باهظة التكلفة.

نجح قسم من الكيبوتسات  في استغلال الوضع وزيادة التغيير، فبدلت الحظائر بالمصانع، أو بفنادق فاخرة، وأصبحت اليوم الأماكن الفاخرة والرائدة في إسرائيل، وهو وضع أبعد ما يكون عن الاشتراكية والبساطة التي شكّلت المبادئ التي وجّهت الكيبوتسات ذات مرة.

من ناحية أخرى، لحقت خسائر كبيرة  بكيبوتسات أخرى، لذلك اضطرت لأسباب أخرى إلى التنازل عن قيّمها الموجّهة. من ضمنها، تبرز في قسم من الكيبوتسات السخافة خاصة حين يقال “أصحاب المزرعة” ويُشغّل بدلا منهم عمال فلسطينيين، الذين يعدّون “أيدي عاملة رخيصة”.

يعيش أولاد الكيبوتس الذين كانوا يوصفون بأنهم كبروا حُفاة في الطبيعة، ونموا بين التبن مع غليون في اليد والحب الحر، اليوم في بيئة لا يمكنها الوقوف في وجه التكنولوجيا والقيّم الرأسمالية.

الصناعة بدلا من الزراعة: مصنع في كيبوتس إسرائيلي  (Moshe ShaiFLASH90)
الصناعة بدلا من الزراعة: مصنع في كيبوتس إسرائيلي (Moshe ShaiFLASH90)

لم يبقوا الآن روادًا من حيث نسب التجنّد للجيش والوحدات القتالية (وأخلَوا مكانهم لأبناء المستوطنات). هذا، ويشير أحد المعطيات المقلقة والصادمة إلى ارتفاع في نسبة انتحار الجنود الذين غادروا الكيبوتس. ويفضلون أن يتعلموا في الجامعة المحاماة وإدارة الحسابات بدلا من الزراعة، التي تبدو في عالم اليوم أنها لن  تساهم في تقدمهم كثيرًا.

“مضت الأيام التي كان بها  الكيبوتس مقترنًا بالزراعة والقيّم مثل المساواة والتواضع بروح الاشتراكية”، يقول ذلك أعضاء أصيبوا بخيبة أمل في الحركة الكيبوتسية. حتى أنه قد أقيمت لجنة جماهيرية خاصة كي تفحص التغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي حلّت بالكيبوتسات، وأدت استنتاجاتها إلى تفكيك رسمي لقسم من الكيبوتسات التي لم تعد تعتبر جمعيات تعاونية، بل أماكن عادية.

يبدو أن الحلم المثالي قد توارى، وأن المجتمع التعاوني الذي كان مرة صار يشبه أكثر فأكثر المجتمع الرأسمالي التنافسي. أخلى “الحلم الصهيوني” لإنقاذ إسرائيل بالأيدي، بالعمل في الأرض، مكانته للمصانع الصناعية. سواء أكان الحديث عن ظاهرة سلبية أو عن اندماج لا يقاوم وحتى إيجابي في واقع اليوم، يبدو أنه يمكن القول بقدر كبير من اليقين إن الحلم الاشتراكي قد تلاشى.

اقرأوا المزيد: 708 كلمة
عرض أقل