وكان الجولاني يتحدث في الجزء الثاني من مقابلة مع قناة “الجزيرة” القطرية، تم بثها مساء الاربعاء، من “احدى المناطق المحررة في شمال سوريا”، بحسب ما قال مقدم البرنامج.
وهي المقابلة الثانية مع القناة نفسها بعد مقابلة في 2013.
وقال الرجل الذي لم يظهر وجهه على الشاشة، وقدمته القناة على انه الجولاني أن دولة الخلافة التي أعلنها التنظيم في شهر حزيران/يونيو الماضي “غير شرعية ورفضها العلماء، لأنها لم تقم على أسس شرعية وهم أعلنوها وألزموا الناس بها”.
ورأى أنهم بهذا الإعلان “شقوا صف المجاهدين بشكل كامل وقدموا خدمات لأميركا في محاربة القاعدة من حيث لا يشعرون”.
مقاتلون من جبهة النصرة في حلب بشمال سوريا في 26 ايار/مايو (AFP)
ووصف الجولاني تنظيم الدولة الاسلامية بـ”الخوارج”. وقال أن من صفات هذه الجماعة “استباحة دماء المسلمين وتكفير المسلمين دون ضوابط شرعية وتكفير الخصوم”، مضيفا “هم يكفروننا لكن نحن بالطبع لا نكفرهم”.
وظهر التنظيم في سوريا عام 2013، معلنا ضم جبهة النصرة اليه، ومقدما نفسه باسم “الدولة الاسلامية في العراق والشام”، لكن النصرة رفضت الدمج، ودارت معارك بينهما منذ بداية العام 2014.
وكان ذلك مقدمة لانفصاله عن تنظيم القاعدة بزعامة أيمن الظواهري.
واتهم الجولاني عناصر التنظيم “بنقض العهود”، مشيرا الى ارتكابهم “الكثير من حالات قطع الرؤوس والصلب” في صفوف جبهة النصرة.
وردا على سؤال لمقدم البرنامج، قال الجولاني “خلافنا في الشام انه ليس لديهم اي جدية في قتال النظام الى هذا الوقت”.
https://www.youtube.com/watch?v=a8Kzc7qBgyE
وأكد أنه “ليس هناك حل أو منظور للحل بيننا وبينهم في الوقت الحالي. نأمل أن يتوبوا (…) وإن لم يكن ذلك فليس بيننا وبينهم الا القتال”.
وقال الجولاني الذي أقر بمشاركته في الحرب في العراق خلال الوجود الأميركي في هذا البلد أن “جماعة الدولة لديهم جدية في قتال الرافضة في العراق على خلاف جديتهم في قتال النصيرية في الشام”. وعزا ذلك الى وجود “قيادات عراقية لديها عشر سنوات من التضحية” في صفوف التنظيم هناك.
من جهة أخرى، اعتبر الجولاني أن موضوع فك الارتباط بتنظيم القاعدة الذي يتزعمه أيمن الظواهري “اخذ اكثر من حجمه بكثير”.
وقال أن المعيار الدولي للتصنيف على قائمة الارهاب مرتبط “بمن يخرج ويتمرد على الهيمنة ولا يخضع للأمم المتحدة”.
وقال “لا نسعى الى حكم البلد بل نسعى لان تحكّم الشريعة في البلد”، مشددا على وجوب أن يصار بعد قيام “الحكومة الراشدة” الى “ضمان حق المهاجرين”، في اشارة الى المقاتلين الاجانب في صفوف الجبهة والذين قال انهم يشكلون ثلاثين في المئة من عناصرها.
وتمكنت جبهة النصرة وحلفاؤها خلال الاسابيع الاخيرة من احراز سلسلة نجاحات على الارض في مواجهة قوات النظام لا سيما في شمال غرب البلاد وفي الجنوب، وقد استولوا على مدن كبيرة وقاعدة عسكرية ومعابر حدودية.
تشاجر مع أمير الخلافة الإسلامية وزعيم داعش أبي بكر البغدادي، لا تعلم وكالات الاستخبارات اسمه الحقيقي وليس لديها صور حديثة له، من هو زعيم جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني؟
بعد عامين لم يُشاهد في العلن، ظهر زعيم تنظيم جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، في مقابلة مع شبكة الجزيرة والتي جرت هذا الأسبوع في مكان سرّي. “ستُحسم المعركة في سوريا في دمشق”، قال الجولاني ووجه مغطى وأكّد: “سنستمر في التركيز على دمشق وإسقاط النظام. أنا أعد: سقوط الأسد لن يستغرق زمنا طويلا”.
بل تطرّق الجولاني إلى صراع تنظيمه مع حزب الله، والذي يُقاتل إلى جانب نظام الأسد، وقال إنّ التنظيم الشيعي معروف بأنّ مصيره مرتبط ببقاء الأسد، وإنّ جهود إنقاذ الأسد هي جهود عقيمة. وقد أكّد على أنّه بعد سقوط الأسد، سيعمل التنظيم من أجل إسقاط حزب الله.
احتّل تنظيم الجولاني، تنظيم جبهة النصرة، التابع لتنظيم القاعدة، مناطق واسعة في محافظة إدلب شمال سوريا بعد أن أقام تحالفا مع تنظيمات مختلفة، والذي حظي باسم “جيش الفتح”؛ على اسم حملة الفتوحات التي جرت في القرن السابع والتي تم خلالها نشر الإسلام في بلدان الشرق الأوسط. لم يشتمل التحالف على تنظيم داعش لكونه يُعتبر أحد أعداء جبهة النصرة.
ولكن من هو في الواقع ذلك الزعيم، أبو محمد الجولاني، الذي يقود مع جبهة النصرة القتال العنيد ضدّ بشار الأسد ومساعديه من حزب الله في سوريا.
أمامكم 5 حقائق ستُساعدكم على رسم شخصية أبو محمد الجولاني:
1. كما ذكرنا فأبو محمد الجولاني هو زعيم تنظيم جبهة النصرة التابع للقاعدة ويعمل تحت قيادة أمير القاعدة، أيمن الظواهري. بل يُسمّى تنظيمه أحيانا: “تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الشام” أو “قاعدة الشام”.
2. لفت الجولاني انتباه العالم مع بداية قتال الثوار السوريين لنظام الأسد في أواخر عام 2011 وقد دخل هو نفسه بشكل تلقائي (أيار 2013) إلى قائمة أهمّ الإرهابيين المطلوبين لوكالة الاستخبارات والجيش الأمريكي.
3. يُعرف القليل جدا عن هوية الرجل الحقيقية أو أصوله ولكن وفقا لتقديرات الاستخبارات فهو كما يبدو مواطن سوري أخذ لنفسه اسم الجولاني نسبة إلى الجولان السوري الذي يقع تحت السيطرة الإسرائيلية منذ العام 1967. لم يتم أبدا الكشف عن اسمه الحقيقي وهو نفسه يخضع لحراسة مشدّدة. وفقا لدراسات أجريت، يغطي الجولاني وجهه دائما في اللقاءات، حتى عندما يلتقي زعماء التنظيمات الإرهابية الأخرى. كما يبدو فهو مواطن سوري، ولكن هذه المعلومات أيضًا لم يتمّ التحقّق منها بعد.
4. على ما يبدو فإنّه من مواليد سوريا. ووفقا لتقارير استخباراتية أردنية فقد كان مدرّسا للغة العربية الفصحى في سوريا. انتقل إلى العراق من أجل قتال الجنود الأمريكيين الذين غزوا العراق عام 2003 وسرعان ما صعد في سلّم المراتب في تنظيم القاعدة. وفقا لتقارير أخرى فقد كان الجولاني من المقرّبين لأبي مصعب الزرقاوي، الزعيم الأردني للجماعة المقاتلة للقاعدة في العراق. بعد أن قُتل الرزقاوي في هجمة جوية أمريكية عام 2006، غادر الجولاني العراق، بقي لمدة قصيرة في لبنان، حيث عرض هناك دعما لوجستيا للمجموعة المقاتلة “جند الشام”، والتي اتّخذت أيديولوجيّة القاعدة. عاد إلى العراق من أجل الاستمرار في القتال، ولكنه اعتُقل من قبل الجيش الأمريكي وسُجن في معسكر بوكا الأمريكي على الحدود الجنوبية للعراق مع الكويت. بعد إطلاق سراحه من سجن بوكا عام 2008 اتصل بزعيم داعش في العراق أبي بكر البغدادي. ولدى عودته إلى النشاط العسكري تم تعيينه رئيسا لجناح العمليات لدى القاعدة في محافظة الموصل.
5. بعد مدة قصيرة من اندلاع الثورة السورية ضدّ النظام السوري، انتقل الجولاني إلى الأراضي السورية وتم دعمه بشكل كامل من قبل البغدادي. شكّل في سوريا جبهة النصرة، والتي أُعلن عنها للمرة الأولى في كانون الثاني عام 2012.أصبحت النصرة تحت قيادته إحدى أقوى المجموعات الثائرة في سوريا. وقد حظي بمكانة بارزة في نيسان 2013، عندما رفض محاولة السيطرة على تنظيمه والتي قام بها أبو بكر البغدادي. كانت تلك محاولة فاشلة من قبل البغدادي ولا تزال تعتبر الصدع الأكبر الذي هزّ تنظيم القاعدة. لم يعد الجولاني منذ تلك اللحظة محبّا للبغدادي وقام بمبايعة زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، مباشرة.
اعلن “أمير” جبهة النصرة ابو محمد الجولاني ان توجيهات تنظيم القاعدة تقضي بعدم مهاجمة الغرب انطلاقا من سوريا، مشيرا الى ان التركيز هو على اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد الذي توقع الا يطول كثيرا.
وكان الجولاني يتحدث في مقابلة مع قناة “الجزيرة” التي تتخذ من الدوحة مقرا، تم بثها مساء الاربعاء، من “احدى المناطق المحررة في شمال سوريا”، بحسب ما قال مقدم البرنامج. وهي الثانية مع القناة نفسها بعد مقابلة في 2013.
مقاتلون من جبهة النصرة يستعرضون في مدينة حلب شمال سوريا (AFP)
وقال الرجل الذي لم يظهر وجهه على الشاشة، وقدمته القناة على انه الجولاني، “التوجيهات التي تأتينا من الدكتور ايمن (الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة) حفظه الله، هي ان جبهة النصرة مهمتها في الشام اسقاط النظام ورموزه وحلفائه كحزب الله والتفاهم مع الفصائل لإقامة حكم اسلامي راشد”.
واضاف ان “الارشادات التي اتتنا هي بعدم استخدام الشام (سوريا) كقاعدة انطلاق لهجمات غربية او اوروبية لكي لا نشوش على المعركة الموجودة”.
وردا على سؤال لمقدم برنامج “بلا حدود” احمد منصور حول رد فعل الجبهة في حال استمر التحالف الدولي في استهدافها قصفا، قال “الخيارات مفتوحة، ومن حق كل انسان ان يدافع عن نفسه. (…) اذا استمر الحال على وضعه، اعتقد ان هناك افرازات لن تكون في صالح الغرب ولا اميركا”.
واستهدف التحالف الدولي بقيادة اميركية منذ بدء الحملة الجوية ضد التنظيمات الجهادية في سوريا والعراق، على راسها تنظيم الدولة الاسلامية، الصيف الماضي مرات عدة مواقع لجبهة النصرة في سوريا، ما تسبب بتدمير مقار ومقتل عشرات من عناصرها.
واعتبر الجولاني ان “اميركا تساند النظام” السوري، مشيرا الى ان من ابرز اشكال هذه المساندة قصف مقار النصرة.
وتدرج وزارة الخارجية الاميركية جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، على لائحتها للمنظمات الارهابية.
وتمكنت جبهة النصرة وحلفاؤها خلال الاسابيع الاخيرة من احراز سلسلة نجاحات على الارض في مواجهة قوات النظام لا سيما في شمال غرب البلاد وفي الجنوب، وقد استولوا على مدن كبيرة وقاعدة عسكرية ومعابر حدودية.
واوضح الجولاني ان اهمية الانجازات الاخيرة تكمن في انها نقلت المعركة من مناطق ذات غالبية سنية الى محيط مناطق وجود الطائفة العلوية التي ينتمي اليها الرئيس بشار الاسد.
الا ان الجولاني بدا حريصا على تأكيد عدم التعرض لهذه الاقليات.
وقال “في هذه المرحلة لا نقتل الا من يقاتلنا”، مشيرا الى ان هناك قرى درزية ومسيحية يعيش اهلها بأمان في ظل سيطرة النصرة.
واشار الى ان كل “جندي علوي رفع السلاح في وجهنا وتبرأ من النظام سيكون اخا لنا”. اما بالنسبة الى المسيحيين، ففي حال “وصلنا الى حكم اسلامي ونريد اقامة حكم الشريعة، سيخضع النصارى للحكم الاسلامي ويكون دفع الجزية للمقتدرين”.
وكان الجولاني ومنصور يجلسان على كرسيين مزخرفين باللونين الازرق والذهبي امام طاولة صغيرة وضع عليها علم جبهة النصرة الاسود.
وخصص الجزء الاخير من المقابلة التي ستكون لها تتمة، بحسب ما اعلن، لحزب الله اللبناني الذي يقاتل الى جانب قوات النظام السوري.
أمين عام حزب الله، حسن نصرالله (AFP)
وقال الجولاني ان حزب الله يحاول من خلال معركته في منطقة القلمون الواقعة شمال دمشق والحدودية مع لبنان “ان يخيف اللبنانيين من ان الخطر قادم على لبنان، والحقيقة ان الخطر قادم على حزب الله لا على لبنان”.
واضاف ان ما يجري في القلمون “حرب عصابات”، مضيفا ان المعركة قد تطول “لكننا سنبقى نركز على معركة دمشق. واؤكد ان اسقاط بشار ليس بالوقت الطويل”.
وتابع “لا اريد ان ابث شيئا كبيرا من التفاؤل لكن المعركة بوادرها جيدة جدا”.
ورأى ان “حزب الله سيكون امره مجرد وقت” في حال سقط النظام، و”زوال بشار الاسد يعني زوال حزب الله”.
ورفض كل المحاولات الجارية للتوصل الى تسوية سياسية للنزاع في سوريا الذي اودى بأكثر من 220 الف شخص منذ 2011.
وقال الجولاني الذي غطى رأسه بكوفية سوداء اسدلها على خديه، بينما ارتدى قميصا مع سروال واسع لون اخضر عسكري وسترة من اللون نفسه من دون اكمام، “لن نقبل بالحلول السياسية”، مضيفا ان الناس في سوريا “حسموا امرهم”، وهم يعرفون ان “المجاهدين بقوة السلاح هم من سيغيرون الوضع، لا مؤتمرات جنيف ولا جلسات في واشنطن، الامم المتحدة ولا غيرها”.
ولم تدع جبهة النصرة ولا اي من التنظيمات الجهادية المقاتلة في سوريا للمشاركة في اجتماعات دعيت اليها فصائل من المعارضة المسلحة في جنيف وغيرها في محاولة للتوصل الى حل سلمي للازمة السورية.
وشدد الجولاني على ان مجموعته لا تتقاضى دعما ماليا من اي دولة، انما تؤمن “اكتفاء ذاتيا” من اعمال تجارية في المناطق حيث هي موجودة ومن “تبرعات المسلمين” الذين يتعاطفون مع تنظيم القاعدة.
كان عُقبة بنُ نافع أحدَ القادة العسكريين البارزين في مستهلّ الحقبة الإسلامية، إذ قاد جيش الإسلام حين غزا شمال إفريقيا في سبعينات وثمانينات القرن السابع. اشتُهر عُقبة بشجاعته، فضلًا عن مهارته في استخدام السيف، وكان قدوةً تُحتذى لجنوده وضبّاطه في تقنيّة فصل رؤوس مُقاتِلي الشعوب المغزوّة عن أكتافهم. منحته بطولته هذه مكانة شرف في قائمة أبطال الإسلام.
منذ نحو عامَين، تنشط مجموعة جهاديّين في المناطق الحدودية بين تونس وليبيا، إذ تستهدف بين الفينة والأخرى آليّات تستخدمها القوى الأمنية التونسيّة. وقد وقع ضحايا تونسيّون كُثر في هذه المعركة المستمرّة. تدعو المجموعة نفسها “كتيبة عُقبة بن نافع”. جدول الأعمال الجهاديّ للمجموعة معروف منذ بدأ عملُها، شأنه شأن قدرتها على تجنيد المُقاتلين، التزوّد بأسلحة متنوّعة، وفرض الرعب على مناطق شاسعة. من الشائع نسب الكتيبة إلى مجموعة جهاديّة كبيرة ومعروفة، “القاعدة في المغرب الإسلامي” – فرع القاعدة في شمال إفريقيا.
لكنّ سؤالًا طُرح مؤخرا يتعلق بولاء الكتيبة، إذ انتشرت أنباء أنّ قيادتها تميل إلى مبايعة الخليفة أبي بكر البغدادي، زعيم “الدولة الإسلامية” (داعش). وتكتسي هذه المسألة أهمية خاصّة إثر الانقسام المتواصل بين القاعدة وزعيمها أيمن الظواهري من جهة، وبين “الدولة الإسلامية” وزعيمها البغدادي من جهة أخرى.
زعيم القاعدة أيمن الظواهري (SITE INTELLIGENCE GROUP / AFP)
تجدُّد التحالُف الكردي – الإيرانيّ
يطرح الهجوم الغربي على “الدولة الإسلامية” بقوّة كبيرة مسألة الانقسام منذ إنشاء “داعش” عام 2004 كفرع للقاعدة في العراق. فالآن، في ظلّ الهجوم الغربي، تعلو أصوات تدعو التنظيمَين الجهاديَّين السنيَّين إلى الاتّحاد في وجه هجوم الكفّار.
من الجدير ذكرُه أنّ إحدى القوى التي تحارِب “الدولة الإسلامية” هي قوّات البشمركة الكرديّة. مُني هذه القوّات ببعض الهزائم في حربها ضدّ “الجيش الإسلامي” التابع لداعش في الأشهر الأخيرة، لكنّ محاربيها حقّقوا انتصاراتٍ ميدانيّة في الأيام الأخيرة، بفضل سلاح جديد وفتّاك – لا سيّما الصواريخ المضادّة للدبّابات، التي وصلت من إيران.
يُثير هذا الواقع الاهتمام إذ إنّ إيران دولة شيعيّة، فيما البشمركة جيش سنيّ، لكنّ الجانبَين كلَيهما ينظران حاليًّا إلى الخطر المشترك، ويتعاونان في هذه المرحلة. من المحتمَل جدًّا، أن يكون أحد في الغرب، وربما في واشنطن أيضًا، قد “شجّع” إيران على تزويد الأكراد بسلاح متقدّم، على أساس أنّه حين يأتي وقت النقاش في الملفّ النووي الإيراني، ستُذكَر المشاركة في الحرب على “الدولة الإسلامية” (داعش) لصالح الإيرانيين.
مقاتل من قوات البشمركة الكرديّة (AFP)
توغُّل متوقَّع من الحُدود إلى مراكز المُدن
كما ذُكر آنفًا، افتُتحت الآن جبهة على الحُدود التونسيّة. فقد اكتشف وزير الداخلية، لُطفي بن جدّو، أنّ القاعدة أوعزت إلى رجالها في شمال إفريقيا بالقضاء على كلّ من تخوّل له نفسه جلب فكرة “الدولة الإسلامية” إلى تلك المنطقة، التي كانت حتّى الآن ضمن منطقة نفوذ القاعدة دون أيّ مُنافس. يذكَر هذا الاكتشاف السامعين بالصراع الدموي الدائر على الأراضي السورية بين “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، صراع ضحاياه هم أيضًا المواطنون البسطاء الذين يسعى كلّ طرف – بوسائله العنيفة – أن يجتذبهم إلى جانبه. وتخشى الحكومة التونسية، وكذلك داعمو الحركات الجهاديّة، حدوث صراع مشابه على الأراضي التونسية يؤدي إلى مجازر جماعيّة كما يجري في سورية، وليس فقط في المناطق الحدودية – شرقًا على حدود ليبيا وغربًا على حدود الجزائر، بل أيضًا في الأحياء الفقيرة في ضواحي المُدن، وهي أحياء يُعتبَر سكّانها متديّنين جدًّا.
من أبرز أسماء داعمي القاعدة في تلك المنطقة اسما الجزائري عبد المالك درودكال، والتونسي لقمان أبو صخر. ويسرهّما حاليًّا أنّ تنظيم “الدولة الإسلامية” لم يُعلَن عنه بشكل رسميّ في تونس بعد، لكنّ ثمة مؤشّرات على تعاظُم وجود أشخاص يميلون إلى ذلك التنظيم. ويظهر الأمر في مواقع التواصُل الاجتماعيّ، على شكل مديح وفخر بأعمال “الدولة الإسلامية” في سورية والعراق، وتضامُن معها، مع أهدافها، ومع الوسائل التي تستخدمها.
لكنّ الخطر الملموس أكثر في تونس يتجلّى في مئات التونسيين الذي عادوا من حقل الجهاد في سورية والعراق، بعد أن اكتسبوا خبرة كبيرة في وسائل الإرهاب والذبح، وبعد أن اجتازوا تدريبات مكثّفة في المخيّمات الجهادية في ليبيا. فإذا انضمّ هؤلاء إلى “كتيبة عُقبة بن نافع”، يُمسون الفرع التونسي لتنظيم “الدولة الإسلامية”. وقد يكون ذلك حدث فعلًا، إذ شاعت أنباء أنّ الكتيبة باعت الخليفة أبا بكر البغدادي، ودعته إلى “التقدُّم، اجتياز الحدود، وتحطيم عروش الطغاة الكافرين في كلّ مكان”.
جيش الدولة الإسلامية (AFP)
ألفا إرهابي، ربعهم قادمون مِن سوريّة
تُطارِد الدولة في تونس الكتيبةَ منذ بدأت العمل في المناطق الجبلية على الحُدود التونسية – الجزائرية، لا سيّما في جبل الشعانبي، بعد أن نجحت الكتيبة في قَتل عشرات الجنود والشرطيين. وتكتسب ملاحقة التنظيم أهمية مضاعَفة إثر تخطيط الحكومة إجراء انتخابات برلمانيّة ورئاسية خلال شهرَي تشرين الأول وتشرين الثاني هذا العام.
تُعتبَر حرب تونس على الجهاديّين صراع حياة أو موت، خصوصًا في ظلّ ما يجري في سورية والعراق. العام الماضي، جرى اعتقال أكثر من ألفَي إرهابي، وفق ادّعاء وزير الداخلية التونسيّ، نحو ربعهم عائدون من الجهاد في سورية والعراق. حسب ادعائه، ثمّة حضور مكثّف للأجهزة الأمنية التونسية بين السكّان، وقد اكتشف رجالُها محاولات تنفيذ عمليات إرهابية في البلاد خلال عيد الأضحى، الذي يُحتفَل به حاليًّا. فقد نفّذت القوى الأمنية اعتقالات جماعيّة بين المشتبَه فيهم في أحياء الفقر في المُدن، التي تشكّل خلايا إرهابية نائمة.
لكنّ المشكلة الأساسية في تونس هي كون حدودها مع ليبيا والجزائر موجودة على الخريطة فقط، وهي مناطق جبليّة لا أفضلية فيها للآليّات العسكرية على الحمير، البغال، أو الأشخاص المحُمّلين بالسلاح والذخيرة، الذين يسيرون آمِنين في سُبل ضيّقة، ملتوية، وشديدة الانحدار، “بين الجبال وبين الصُّخور”. وهناك مثال سيناء، حيث يعجز الجيش المصري عن السيطرة على الجهاديّين.
ليس النظام في تونس دكتاتوريًّا، بل يجري خوض اللعبة السياسية الديمقراطية إلى حدّ بعيد، إذ تشارك الأحزاب، التي بعضها ذات طابع علماني ليبراليّ، وبعضها الآخَر دينيّ إسلاميّ. كما أنّ كثيرين من السياسيين فاسِدون. لذلك، تُعتبَر المنظومة هشّة، ولم تفارق الأزمات السياسية البلاد منذ الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في كانون الثاني 2011.
الاقتصاد التونسيّ غير مستقرّ، وثمة قطاعات عديدة تشعر أنّ الديموقراطية لم تحسّن وضعها الشخصيّ والاقتصاديّ. لا يزال الجمهور العلماني يؤيّد الدولة إلى حدّ بعيد، فيما الشرائح التي تميل إلى الإسلام أقرب إلى قبول الحلّ الإسلاميّ لمشاكل المجتمَع والدولة. تأخذ الفجوة بين الحلّ الإسلامي وبين جدول أعمال القاعدة والدولة الإسلامية في التقلُّص كلّما تواصلت الأزمات السياسية التي تعاني منها تونس دون التوصُّل إلى حلول.
صورة زين العابدين بن علي, الرئيس السابق لتونس, في القمامة (Wikipedia)
حُقوق مقاتِل داعش
لا يُعلَم في هذه المرحلة إن كان في وسع الغرب أن يُساعد النظام التونسي، بما يتعدّى الدعم الاستخباريّ السريّ حول التجمّعات والمجموعات الجهاديّة، إذ إنّ أيّ دعم غربي علَنيّ من شأنه هزّ الشرعية المحدودة للنظام في نظر الأولياء للإسلام. لكن من الجليّ أنّه إذا أخفق النظام التونسيّ في الصراع ضدّ الجهاديين، سيُدفَع الغرب إلى الفوضى الإرهابية، كما غرق في المستنقع في العراق وسورية.
الخطر المنظور من تونس على أوروبا أقرب بكثير من الناحية الجغرافيّة، إذ يمكن لسفينة إرهابيين مُسلَّحين اجتياز المسافة بين تونس وإيطاليا بحرًا خلال ليلة واحدة. سيحدث التدخُّل الأوروبي في تونس في مرحلةٍ أبكر بكثير من التدخُّل في سورية والعراق، ولذا يمكن أن يكون الميدان التونسي أكثر قابلية للاشتعال حتّى من سورية والعراق.
ثمّة آثار للانتشار المتوقَّع للحرب على “الدولة الإسلامية” من الناحية القانونية. فقد آن الأوان لإعادة صياغة قواعد الحرب والمعاهدات الدولية التي يستند إليها القضاء الدولي المتعلّق بإدارة النزاعات. وُضعت هذه القواعد حين كان الحديث عن جيوش ودُول، ولكنها لا تنطبق على الحرب الحاليّة، التي تجد فيها الدولة العصرية نفسها تحارب ميليشيات تعمل بمنهجيّات مستوحاة من القرن السابع.
ليست مفاهيم مثل “إبعاد الحرب عن المدنيين”، “حقوق الإنسان للمحاربين”، و”التعامُل مع الأسرى”، جرى التوصل إليها في أوروبا بعد الحربَين العالميّتَين، ذات معنى اليوم. فمعظم الحروب التي خيضت في السنوات العشرين الأخيرة كانت ضدّ تنظيمات لا يعني لها القضاء الدوليّ شيئًا. وتقتصر مهامّ هذه الميليشيات على شلّ قوى الجيوش النظاميّة التي تُضطرّ إلى محاربة مقاتلين يرتدون ملابس مدنيّة يختبئون في مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة بهدف استخدام السكّان دُروعًا بشرية ضدّ الهيئات العسكريّة الحديثة.
في تونس، قد تكون المفاهيم الغربيّة المتعلّقة بإدارة الحرب بين أوائل ضحايا المعركة.
في حين تقوم دول الحلفاء، بزعامة الولايات المتحدة، بقيادة حرب مستمرة ضد التنظيم الإرهابيّ الإسلاميّ المتطرّف “الدولة الإسلاميّة” (داعش)، من المهمّ القيام بترتيب مُعيّن للمعلومات الكثيرة المتدفّقة حول هذا التنظيم.
يدور الحديث حتى الآن حول بضع آلاف المُحاربين، الذين قد تضاعف عددهم ثلاث مرات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وفقا لما أشارت له منظمات استخباراتيّة عالميّة، والذين يُسيطرون على أراضي واسعة في العراق وسوريا، ويُشكّلون خطرًا على حدود الدول العربية الأخرى كلبنان، مصر وليبيا.
يُفلِحُ هذا التنظيم الإرهابيّ الذي يقوم بشراء رفاقٍ له، مُجنّدين وحلفاءَ من دول عديدة في العالم، بما في ذلك من دول أوروبيّة (بريطانيا)، بفرض نفسِه كقوّة قادرة على الإخلال بالنظام العالميّ الحاليّ عن طريق نشر تعاليمه ومفاهيمه المتطرّفة، ونشر أشرطة تُبدي الترهيبَ، الدعاية، قتلَ الأقلّيّات، قطعَ الرؤوس والتمسّك بقوانين الشريعة.
نجح هذا التنظيم السنّيّ في القيام بشيء بارزٍ واحد، وهو استعمال الوسائل الغربيّة كشبكات التواصل الاجتماعي وموقع يوتيوب لزرع الذعر والعصيان داخلَ مواطني العالم الحرّ ولنزع النوم من عيون الكثير من القادة الذين أعلنوا في الأسابيعَ الأخيرة فقط الحربَ الشاملة ضد التنظيم.
من أجل ترتيب المعلومات، قمنا بعرض عدة معطيات مثيرة للاهتمام أمامكم حولَ التنظيم الذي تصدّر العناوين خلال منتصف العام الأخير:
أبو بكر البغدادي (AFP)
يُلقّب قائد التنظيم بأبي بكر البغدادي. الاسم الحقيقيّ لهذا الشخص، الذي يرتدي عادة عباءة سوداء ويُربّي لحية كثيفة، هو إبراهيم عوض إبراهيم علي البدري، والذي وُلد عام 1971 في مدينة سامراء، الواقعة في منطقة المثلث السنّي في العراق، ما يُقارب 130 كيلومترا شمالَ غرب بغداد. وُلِد البغدادي لعائلة تقليديّة سُنّيّة مُتديّنة وتربّى في أحضان نهجٍ راديكالي للإسلام. أنهى دراسته للشريعة وحتى أنّه حصل على شهادة الدكتوراه في مجال العلوم الإسلاميّة من الجامعة الإسلاميّة في بغداد.
https://www.youtube.com/watch?v=LP7Wgr3bSLc
تصدّر اسم البغدادي رادارات وكالات الاستخبارات الأمريكيّة منذ عام 2003 مع بداية الاجتياح الأمريكي للعراق بهدف الإطاحة بصدّام حسين. تمّ اعتقاله بين عامَيْ 2004 وَ 2005 بسبب أنشطته العسكريّة ضد القوى الأمريكيّة، وأُطلِقَ سراحُهُ عام 2009. ومُنذ عام 2010 أعلنَ وضعَ اللبنة الأولى لما سيُسمّى لاحقا بتنظيم الدولة الإسلاميّة. وعلى رأسه عُرِضَت مذ ذاك الوقت جائزة بمبلغ 10 مليون دولار.
عمليات إرهابية في العراق (AFP)
صبّ تنظيمُ الدولة الإسلاميّة الذي جنّد إلى صفوفه، في البداية، مُحاربينَ سُنّيّين سئموا من السيطرة الشيعيّة ومُضايقات النظام المركزيّ في بغداد ومن التدخّل العسكري الأمريكيّ في العراق، جامَ غضبه ضد السكان الشيعة في العراق وكان المسئولَ عن بعض الهجمات الكبيرة ضد الحشود السكانيّة والمساجد الشيعيّة في الدولة. قام المُحاربون الأوائل فيما بعد بتوفير الدعم والتأييد العسكري والاقتصادي لمنظّمات المعارَضة السوريّة في كفاحها ضد بشّار الأسد وتنظيم حزب الله الشيعيّ في سوريا. وانضم المزيد من مئات المُقاتلين إلى التنظيم إذ أُشبِعوا من التدريبات في صفوف البغداديّ. والخطوة الإضافيّة التي أظهرها البغدادي هي الانفصال عن التنظيم الأصلي، القاعدة، إلى جانب إنشاء وترسيخ عقيدة ونهج مُختلفين عن ذانك اللذين للقاعدة.
من أجل إقامة الخلافة الإسلاميّة، تعاونَ البغدادي مع نائبَيْن: أبي مسلم التركماني، المسؤول عن إدارة أعمال الإرهاب والسيطرة على أراضي تحت حكم التنظيم في العراق. وأبي علي العنبري، المسؤول عن أعمال المنظمة وأنشطتها في سوريا. وفقا لمصادر غربيّة فإنّ كلا النائبَيْن هما أفراد جيش سابقا، واللذين عمِلا في جيش صدام حسين.
جماعات الدولة الإسلامية (داعش) في العرق تستعد للمعارك (AFP)
وظيفة هذين النائبَيْن هي: مُلائمة أعمال عسكريّة مع قادة القوى المُسلّحة، العمل في الأمن والشرطة، تنسيق مقابلات مدنيّة مع زعماء المناطق والمدن الواقعة تحت سيطرة الدولة الإسلاميّة، إدارة الحياة اليوميّة والبيروقراطيّة المدنيّة. كلا النائبين يقبعان في المرتبة الثانية بسُلّم الرُتب، بعد البغدادي، ومن الممكن أن يستبدلاه في حال توفّي أو قُتِل.
إلى جانب هؤلاء النائبَيْن هُناك هيئات إداريّة ثانويّة تقوم بإدارة الدولة الإسلاميّة. أحد هذه الهيئات الإداريّة الاستشاريّة المهمّة هو مجلس الوزراء الإداري المكوّن من أعضاء عسكريّين وأشخاص مُقرّبين للبغداديّ (بينهم اثنان من النوّاب). هناك هيئة أخرى مُلقّبة بمجلس الشورى للتنظيم: علماء ورجال الدين، الذين يتمّ استشارتهم في قضايا الدين والشريعة، ويقومون في الأساس بتدبّر مسائل حكم الشريعة وملائمة القوانين بما يتّفق مع تشكيل الخلافة الإسلاميّة.
قيادة الدولة الإسلامية (داعش)
يُسيطر التنظيم على أراضي تمتد لـ 13000 كم مترٍ مربّع – أراضي تمتدّ من العراق إلى سوريا. هناك تقييمات أخرى تُشير إلى مساحات تصل إلى 56 ألف كم. يتواجد عشرة مليون مواطن في أراضي تابعة لحكم التنظيم – حوالي ثلث أراضي العراق، وثلث أراضي سوريا. وفيما عدا سوريا والعراق، تتواجد القوى الإسلاميّة هذه في تركيا ولبنان. حسب التخمينات، فإنّ للتنظيم ممتلكات وعقارات تبلغ قيمتها نحو مليارَي دولار.
في كلّ يوم تكسِب “الدولة الإسلاميّة” حوالي 300 مليون دولار من بيع النفط والغاز الذي سيطروا عليه بالإكراه. وكذلك، إنّ مُعظم وسائل المواصلات المُستخدَمة هي من صُنع أمريكيّ أُخذت من جيش العراق. مؤخّرا، بدأ اللبنانيّون بالشعور بالقلق نحو الغزو الإسلاميّ، وذلك بعد قتال عنيف بين تابعي “الدولة الإسلاميّة” والقوى العسكريّة في منطقة المدينة الشرقيّة عرسال. حذّر قائد الجيش اللبنانيّ، الجنرال جان قهوجي، من محاولة التنظيم “قلْبَ لبنان إلى عراق آخر”.
نازحون يزيديون يفرون من القتل (AFP)
لم يتبقَّ في مدينة الموصل، الواقعة في العراق، أيّ مسيحيّ بعد وصول التنظيم إلى هناك وارتكاب مجازر من دون رحمة. يتواجد نصف مليون شخص من دون كهرباء وماء بسبب استحواذ المنظمة على السدود والسيطرة عليها. وإذا قام التنظيم بتنفيذ تهديده بتفجير السدود، فسيصل ارتفاع الماء إلى 65 قدمًا – ما سيُسبّب غرق مدينة الموصل كلّها تحت الماء.
أكثر من خمسمائة من اليزيديّين تمّ ذبحهم على يد الدولة الإسلاميّة، بما في ذلك، رجال، نساء وأطفال. وتمّ قتل 1922 شخصًا في العراق في حزيران السابق، ما أدّى إلى تسميته (شهرَ حزيران) الشهرَ الأكثر دمويّة في العراق منذ عام 2007. يوجد للتنظيم ما بين 30 إلى 50 ألفَ مُقاتلٍ.
تزايدت في الأسابيع الأخيرة العمليات الإرهابية لتنظيم "أنصار بين المقدس" في سيناء. يمكن التقدير، بأنّ زيادة نطاق عمليات التنظيم، التي تمتدّ إلى المدن المصرية، متأثّرة بتوثيق علاقاته مع تنظيمات إرهابية ليست مصرية وعلى رأسها داعش
تزايدت في الأسابيع الأخيرة العمليات الإرهابية لتنظيم “أنصار بين المقدس” في سيناء. يمكن التقدير، أنّ زيادة نطاق عمليات التنظيم، التي تمتدّ إلى المدن المصرية، متأثّرة بتوثيق علاقاته مع تنظيمات إرهابية ليست مصرية وعلى رأسها داعش بالإضافة إلى شركاء جهاديين سلفيين من غزة، وهو يشكّل تحديًا خطيرًا أمام الشعور بالأمن والاستقرار لدى نظام الرئيس السيسي. على هذه الخلفية نفهم أيضًا زيادة عمليات الجيش المصري في الآونة الأخيرة ضدّ الإرهاب في سيناء. وقد حدث من أجل ذلك تقارب متجدد بين الولايات المتحدة ومصر، ووفّرت الولايات المتحدة لجيش الرئيس السيسي مروحيّات هجومية من نوع أباتشي، كتعبير عن التعاون بين كلتا الدولتين في المعركة ضدّ الإرهاب.
تتركز العمليات الإرهابية المكثّفة التي يقوم بها تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء بشكل أساسي في شمال ووسط شبه الجزيرة، ومؤخرًا أيضًا على الحدود مع ليبيا، وتركّز على مهاجمة الجنود، الكمائن، زرع القنابل على جوانب الطرق ومهاجمة خطّ أنابيب الغاز. أصبحت هجمات التنظيم أكثر جرأة وفتكا، وتم تنفيذ بعضها بخصائص تذكّرنا بأسلوب داعش الوحشي، والذي يشمل الإعدام بدم بارد لمجموعة من الجنود المصريين وقطع رؤوس من يتم القبض عليهم كخونة ومرتدين.
ينبغي التأكيد على أنّ داعش تكشف في الآونة الأخيرة عن اهتمام كبير بما يحدث في ليبيا وتسعى لاستغلال الفوضى السائدة في تلك الدولة المقسّمة لتلقّي دعم من التنظيمات الجهادية، التي تعمل فيها واستخدامها كنقطة انطلاق لدول مجاورة لها وفي مقدّمتها مصر
وتبرز في هذا السياق العلاقات الوثيقة بين أنصار بيت المقدس وبين داعش في السنة الأخيرة. نقل التنظيم المصري، الذي عبّر في إعلان تأسيسه في أواخر العام 2011 علنًا عن ولائه للقاعدة وزعيمها الجديد الظواهري، كما يبدو ولاءه مؤخرًا لأبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، الذي نصب نفسه خليفة. وبذلك فهو يتحدى قيادة الظواهري، في استجابة لطلب رجال داعش. ظهر مؤخرًا بوضوح طبيعة ونطاق العلاقات بين التنظيمين في أعقاب الكشف عن مواد تحقيق نادرة أطلقتها السلطات المصرية، بعد اعتقال أحد كبار العناصر في التنظيم المصري. كان العنصر، عادل حبارة، في السابق قائدًا كبيرًا في تنظيم الجهاد الإسلامي المصري، من أتباع الظواهري، وكان من أعطى في آب 2013 أوامر مهاجمة وقتل نحو خمسة وعشرين جنديًّا مصريًّا، والذين تم إنزالهم من حافلة كانت تقلّهم وتمّ إطلاق النار عليهم بدم بارد من قبل مهاجميهم. ظهر في تفريغ المحادثات التي جرت بين مسؤولي كلا التنظيمين، أنّ عناصر أنصار بيت المقدس أخبروا زملاءهم من داعش عن المذبحة التي قاموا بتنفيذها وطلبوا منهم تمويلا مقابل الدعم اللوجستي، بما في ذلك الحصول على وثائق ليبية من أجلهم وتقديم يمين الولاء.
وينبغي التأكيد على أنّ داعش تكشف في الآونة الأخيرة عن اهتمام كبير بما يحدث في ليبيا وتسعى لاستغلال الفوضى السائدة في تلك الدولة المقسّمة لتلقّي دعم من التنظيمات الجهادية، التي تعمل فيها واستخدامها كنقطة انطلاق لدول مجاورة لها وفي مقدّمتها مصر. وهكذا، أمسك المصريون مؤخرًا بخلية من عناصر داعش، والتي حاولت التسلل من ليبيا إلى مصر. ويُذكر أنّ تنظيم أنصار بيت المقدس أيضًا يعمل في تلك المنطقة وفي هذا الإطار قام عناصره بتنفيذ هجوم على موقع عسكري مصري على الحدود الليبية راح ضحيّته 22 جنديًّا مصريًّا.
تساهم غزة أيضًا في التعاون بين تلك التنظيمات الجهادية في سيناء. رغم أنّ العلاقة بين أنصار بيت المقدس والتنظيمات الجهادية السلفية ليست جديدة، فقد تلقّى في الآونة الأخيرة دفعة هائلة حول عملية “الجرف الصامد”. عبّر تنظيم أنصار بين المقدس خلال العملية عن دعمه علنًا لنضال أهل غزة بل وأطلق صواريخ باتجاه البلدات: بني نتساريم، كتسيعوت وإيلات. وتم الإمساك بسيارة أخرى مليئة بصواريخ عناصر التنظيم من قبل قوات الأمن المصرية قبل أن يستطيعوا إطلاقها باتجاه إسرائيل. وقد أطلق التنظيم المصري أيضًا إرهابيًّا انتحاريًّا إلى معبر كرم أبو سالم ولكن تم اغتياله من قبل عناصر حرس الحدود المصريين قبل تنفيذ خطّته. وفي هذا السياق من الجدير أن نذكر، بأنّه تم مؤخرًا الإعلان في غزة عن تنظيم جهادي سلفي جديد باسم “أنصار الدولة الإسلامية في غزة”. وثق عناصر هذا التنظيم أنفسهم وهم يطلقون الصواريخ باتجاه أهداف مختلفة في إسرائيل خلال عملية “الجرف الصامد” في الوقت الذي ينقلون فيه أقوال أبي مصعب الزرقاوي، سلف تنظيم داعش، ويعبّرون عن تأييدهم لتنظيم الدولة الإسلامية.
https://www.youtube.com/watch?v=5RgWYCIwIWA
استُخدمت غزة أيضًا كمكان للاختباء وكممرّ لعناصر داعش الذين كانوا في طريقهم منها إلى سيناء. بهذه الطريقة على سبيل المثال قام المصريّون بالقبض على شبكة من عناصر داعش، بلغ تعدادها 15 عضوًا، من بينهم سوريّون، عراقيّون، مصريّون، والذين قاتلوا في صفوفها قبل أن يتمكّنوا من الانضمام إلى عناصر أنصار بيت المقدس في سيناء بهدف تنفيذ عمليات إرهابية مشتركة ضدّ قوات الأمن المصرية.
يعمل أعضاء أنصار بيت المقدس (إلى جانب تنظيمات محلّية أصغر مثل الفرقان، أجناد مصر وجيش الإسلام) في مصر أيضًا. وتشمل عملياتهم إطلاق نار باتجاه الشرطة والحواجز، اغتيال مسؤولين مصريّين ورجال الشرطة الذين ينتمون إلى قوات الأمن. ركّز التنظيم مؤخرًا على عمليات في مناطق مجاورة للقصر الرئاسي في القاهرة وفي مباني الوزارات الحكومية.
رغم أن تنظيم داعش حتى الآن لم يعمل على أرض مصر، ولكن في أعقاب تصريح الرئيس المصري بأنّ بلاده ستساهم في التحالف الدولي ضدّ داعش؛ دعا الناطق باسم التنظيم، العدناني، شركاءه في سيناء إلى زيادة حدة الهجمات ضدّ قوات الأمن المصرية – والذين وصفهم باليهود، وجنود فرعون مصر الجديد – ودعاهم إلى مهاجمة قواعدهم، السيطرة على منازلهم وقطع رؤوسهم.
تم مؤخرًا الإعلان في غزة عن تنظيم جهادي سلفي جديد باسم “أنصار الدولة الإسلامية في غزة”
على ضوء ذلك كله، شن الجيش المصري هجومًا كثيفًا على التنظيمات الإرهابية في سيناء. إنّه يقوم باعتقالات ضدّ نشطاء كثر، يقصف من الجوّ مواقع لهم ومواقع إطلاق الصواريخ تحت الأرض، ويدير معارك صعبة مع مطلوبين وقادة كبار في التنظيم.
استمرت الحرب ضد أنفاق التهريب من قطاع غزة دون هوادة، ورغم نجاح الجيش المصري في تدمير مئات الأنفاق منذ أن بدأت العملية لكشفها، يبدو أنّها ما زالت تشكّل تهديدًا حقيقيًّا على سلامة المصريين في سيناء. ولذلك يبدو أنّه في الأسابيع الأخيرة ستتكثّف الحرب التي يديرها الجيش المصري وقواها الأمنية ضدّ الإرهاب المتنامي في سيناء، والذي يضر أيضًا داخل مصر. إنّ حقيقة أنّ مصر مضطرة الآن إلى مواجهة التهديد الإرهابي الحادّ واليومي في مناطق مختلفة؛ داخلها، في سيناء، في الحدود الليبية والحدود مع غزة، كلّ ذلك يُلزمها بجهود مركّزة وتعاون مع حلفائها الإقليميين والدوليين. تعتبر إسرائيل دون شك حليفًا وشريكًا مخلصًا ضدّ الإرهاب الجهادي السلفي، وخصوصًا لكونها هدفًا لهجمات تلك التنظيمات.
جندي مصري على معبر رفح (AFP)
أعرب ضباط كبار في إسرائيل مؤخرًا عن أنّهم يرون في داعش في هذه المرحلة عدوّا بعيدًا لا تبدو إسرائيل في نظره هدفًا أوليًّا وبالتأكيد ليس في المدى القصير. ومع ذلك، من الجدير الانتباه للتحالف الذي يتوثق بين داعش وأنصار بيت المقدس وتنظيمات جهادية سلفية في غزة. يجعل هذا التوجه من داعش هدفًا استخباراتيًّا فوريًا، للتتبع والوقاية مع التعاون الوثيق مع شركاء عرب وغربيين على حدّ سواء.
ورغم أنّه من المفضل لإسرائيل أيضًا عدم الوقوف في جبهة الحملة العالمية ضدّ داعش، فهذا أمر واضح لأنّ عليها تقديم قدراتها المثبتة في مجال الاستخبارات والعمليات لصالح الحملة العالمية من أجل منع توسع الإرهاب الجهادي السلفي، الذي يقف على حدودها في الجنوب، الشمال وفي المستقبل كما يبدو في الشرق أيضًا.
إن كان اسم “داعش” قبل بضعة أشهر فقط كان اسمًا غير مألوف بالنسبة لغالبية سكان العالم فاليوم نرى أن الواقع قد صار مختلفًا تمامًا. أوجد هذا التنظيم المتطرف، الذي غيّر اسمه حاليًّا ليصبح “تنظيم الدولة الإسلامية”، مكانة عالمية وإعلامية تجعلانه يبدو تنظيمًا قويًّا.
تعمل عمليات الاحتلال الواسعة التي تترافق بتنفيذ إعدامات جماعية وتُنشر ليشاهدها العالم وعمليات قطع رؤوس يشاهدها الرئيس باراك أوباما من غرفته في البيت الأبيض، على تثبيت تلك المكانة الجديدة للتنظيم الإسلامي وعلى أنه رأس حربة الإسلام المتطرف. حيث فرض، وخلال أشهر معدودة وبشكل لا مفر منه، تنظيم الدولة الإسلامية؛ المنبثق عن القاعدة، سيطرته، كممثل أساسي ووحيد للإسلام المتطرف، على مناطق واسعة آخذًا في الواقع مكان القاعدة.
يتساءل الكثيرون في العالم عن الفرق بين التنظيمَين المتطرفَيْن. هنالك الكثير من الفروقات وفي هذه المقالة حاولنا عرض أبرز خمسه منها.
داعش يعدم الصحافي الأمريكي ستيفن سوتلوف (لقطة شاشة YouTube)
مصدر التنظيمَين
أولاً، كما سبق وأشرنا، تنظيم الدولة الإسلامية كان سابقًا التنظيم الممثل للقاعدة في العراق. بدأت داعش، بعد فترة قصيرة من بدئها بالعمل تحت حماية القاعدة، بالقيام بتنفيذ عمليات عنيفة كثيرة، مثل عمليات الانتحار، الاختطاف والاعدام في العراق، هذا دون تنسيق مع “القيادة”، الأمر الذي أدى إلى خلافات أدت لاحقًا لانفصال التنظيمَين.
ترافق ذلك الانفصال مع إطلاق تصريحات حادة من قبل الطرفَين: لقد ادعت داعش أن القاعدة باتت تنحرف عن مسارها النزيه ولم تعد قاعدة الجهاد العالمي. بالمقابل، صرحت القاعدة أنه ليست هناك علاقة لتنظيم “داعش” بها وطلبت بعدم التعاون أبدًا معه.
أسامة بن لادن (AFP)
الخليفة
اسمان من أسماء قادة القاعدة الثلاثة على مدى تاريخها هما اسمان معروفان جدًا: أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. الاثنان معروفان بتشددهما الديني وبوحشيتهما وبحكمتهما أيضًا. إلا أنهما لم يدعيا يومًا أنهما قائدَين للعالم.
هذه ليست حال تنظيم الدولة الإسلامية. فقد أعلن، منذ مدة ليست بالبعيدة، قائد التنظيم؛ أبو بكر البغدادي، نفسه خليفة. يتوق التنظيم لاستعادة الأمجاد السابقة وإقامة الخلافة التاريخية من خلال احتلال كل العالم. يجعل تصريح البغدادي هذا، الذي يبشر العالم بأن من سيتابع طريق الرسول محمد موجود الآن في العالم، كل من لا يذعن له يُعتبر كافرًا. أفراد القاعدة أيضًا تشملهم قائمة “الكفرة”.
أبو بكر البغدادي (AFP)
طريقة العمل
لا يملك تنظيم القاعدة جيشًا نظاميًا. يختبئ قادة التنظيم ويعمل التنظيم على شكل خلايا وفروع. أشهر فروع القاعدة حاليًّا هي جبهة النصرة التي تشارك، مشاركة فعالة، في القتال ضدّ جيش الأسد في الحرب الأهلية السورية.
توجد لدى القاعدة، بالإضافة إلى هذا، مئات إن لم يكن آلاف الفروع الأخرى، ومنها “الشباب”، وهي الحركة التي تنشط في الصومال، الجماعة الإسلامية، التي تنشط في اندونيسيا (واحدة من العمليات التي نفذتها هي تفجر الملهى الليلي في بالي عام 2002 الذي راح ضحيته 202 أشخاص)، كما أن أيمن الظواهري أعلن مؤخرًا عن إقامة فرع للقاعدة في الهند. هنالك خلاف اليوم بين الدول الغربية بخصوص علاقة القاعدة مع “بوكو حرام” من نيجيريا و”أنصار الدين” الحركة التي سيطرت على مناطق كبيرة من شمال مالي. تشير التقديرات إلى أن تلك التنظيمات تعمل منفردة وهناك تعاون بينها.
بالمقابل، يطمح تنظيم الدولة الإسلامية، فيما يتلاءم مع اسمه،إلى إقامة كينونة سياسية مستقلة، التي هي دولة بحد ذاتها. يفرض أفراد التنظيم نظام شريعة متشدد جدًا في كل مدينة يحتلونها، وعلى رأس تلك المدن الرقة، التي هي عاصمتهم فعليًّا.
الأعداء
تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية أيضًا يدعيان محاربتهما “الكفرة”. يمكن أن نجد تحت هذا التعريف كل الذين لا يعيشون حياة مسلمة سنية متشددة (يصلي خمس مرات، لا يشرب الكحول، إلخ). هذا يتعلق بكل من هم ليسوا يهودًا أو مسيحيين، وهؤلاء أيضًا عليهم دفع الجزية.
هجمات 11 سبتمبر (Wikipedia)
إلا أنه رغم هذا نجد هناك فارق في أهداف كل من التنظيمَين. بينما تعمل القاعدة في كل العالم ضدّ أهداف الكفرة وتركّز جهودها على القيام بعمليات نوعية كبيرة ضدّ أهداف غربية (مثل تفجيرات 11/9، التفجيرات التي طالت القطار الأرضي في أسبانيا وغيرها)، نجد أن تنظيم الدولة الإسلامية يحارب أعداء ضعفاء. إن إنجازات تنظيم الدولة الإسلامية التوسعية هي فقط في المناطق الخالية من سيطرة دولة العراق ما بعد صدام حسين وفي سوريا المتفككة. في مناطق الحكم المركزي هذه ليس هناك مكان للحكم المركزي للدولة وبرأي الكثيرين ليست هناك سيطرة عليه.
الزي
واحدة من الطرق الهامة التي يتم انتهاجها لتحقيق النجاح في القرن الـ 21 هو التسويق نحو كسب الشعبية. يبدو أن الدولة الإسلامية في هذا المجال تجاوزت القاعدة منذ زمن. إن كان الناس حول العالم قد جذبتهم شخصية بن لادن القوية، أو بدلاً من ذلك تعجبوا من مهاجمة “رمز العالم الغربي والحر” على شكل “تفجيرات 11/9، فإن الوضع اليوم تغير.
الدولة الإسلامية “أنيقة” وتجذب المسلين المتطرفين أكثر. تبدو الفيديوهات العنيفة التي ينشرها تنظيم الدولة الإسلامية للغربيين فيديوهات مروّعة إلا أنه من خلال تلك الفيديوهات تستطيع الدولة الإسلامية دخول قلوب الكثير من المسلمين الذين يشعرون أن “الفريضة” هي النهوض وترك حياتهم المريحة والمشاركة في القتال.
إعلان شخص ما عن انضمامه أو دعمه للدولة الإسلامية هو موضة، الأمر الذي يترك انطباعًا عند الآخرين، تمامًا مثل شراء سيارة بي. ام. دبليو” جديدة. يمكننا فقط الآن أن نتساءل إلى متى ستبقى تلك “الموضة” دارجة، متى ستنتهي، ما الذي سيحل محلها وماذا سيفعل مؤيدو الدولة الإسلامية المتحمسين عندما لا يعود ذلك التنظيم “ضمن الموضة”.
بينما كانت الحروب تُدار بين الجيوش ذات مرة، فإن المعضلة الأكبر اليوم أنه يمكن لأشخاص معدودين وبجهد قليل جدًا أن ينفذوا عمليات قتل جماعي، يسيطروا على مدن كبرى، على أساس عسكري وخطف كل من يمكن خطفه، حتى الأطفال.
في الأسبوعين الأخيرين، استيقظ العالم على واقع مخيف، يهدد فيه تنظيم داعش، الذي يعمل في العراق والذي فيه المئات من الناشطين، بالقضاء على حكومة مركزية لدولة بأكملها وتهديد جاراتها. في حين تحاول أن تجد دول المنطقة، الولايات المتحدة وإيران على رأسها، طريقة لاحتواء ومعالجة الكارثة المتفاقمة، التي فجعت حياة مئات السكان الأبرياء، تستمر داعش في فرض حقائق على أرض الواقع: موطئ قدم مجددٍ للسُنة في العراق، الذي كان حتى فترة قصيرة بيد الحكام السنيين، على أمل إرساء خلافة إسلامية في كل دول الهلال الخصيب.
كما هو معلوم، وراء كل تنظيم كبير كهذا، يقف قائد جهادي كبير كان قد تربى على حروب الجهاد الكبرى التي اندلعت في العالم منذ سنوات الـ 80، في كل من أفغانستان ضدّ السوفييت، الشيشان ضدّ الروس، وفي العصر الحديث ضدّ “الكفار من دار الإسلام”، “حكومات الدمة” الإسلامية (هكذا يسمي الجهاديون السلالة الحاكمة في المملكة السعودية وباقي حكام الدول العربية) الذين يسيطرون اليوم على الدول العربية.
في المقالة التالية، قررنا أن نحضر لكم مسحًا خاصًا عن الجهاديين الذين تبحث عنهم دول كبرى مثل الولايات المتحدة، السعودية وإيران (وغيرها) منذ سنوات في مطاردة عابرة للقارات.
أبو بكر البغدادي- منافس القاعدة
أبو بكر البغدادي (AFP)
أبو بكر البغدادي هو الرجل الذي حوّل القاعدة في العراق إلى تنظيم داعش- التنظيم المستقل الذي يًسيطر في الأسابيع الأخيرة على كل أجزاء الدولة ويهدد بالسيطرة على مساحات أوسع أخرى في الشرق.
وُلد البغدادي في 1971 في سامراء في العراق حتى نهاية اللقب الأول بالجامعة، عاش حياة عادية جدًا. انجذب سريعًا إلى التيار المتطرف الإسلامي وفيما بعد انضم لفرع القاعدة في العراق. لقد أثبت نفسه سريعًا كقاتل وحظي بثمن يقدر بـ 10 ملايين دولار برعاية قائمة المطلوبين الأمريكية. “هذه الجائزة ثانوية بالنسبة للجائزة المرصودة لرئيس القاعدة أيمن الظواهري ويمثل التزامنا المستمر لمساعدة شركائنا في المنطقة على إبعاد هذا التهديد من بلادهم”، هكذا صرحت المتحدثة بلسان الحكومة الأمريكية، جين ساكي، بعد أن تولى البغدادي مكانه كقائد للتنظيم.
https://www.youtube.com/watch?v=PmMpuBal2Zg
لم يُلق القبض عليه منذ تصريح البيت الأبيض فحسب، بل وازداد وحشية وخطرًا. تحت قيادته، ازداد عدد التفجيرات في العراق، كذلك انضم هو ومقاتلوه إلى الحرب في سوريا ونفذوا عددًا ليس قليلا من الجرائم، مما أدى في نهاية الأمر إلى الانشقاق عن تنظيم القاعدة العالمي في بداية سنة 2014 وإقامة تنظيم داعش.
منذ ذلك الوقت وهم يدمرون العراق فعليًّا ويدمرون الجيش الذي كانت تموّله وتدرّبه القوات الأمريكية. في سوريا، ينفذون أحكام إعدام على الملأ، وفي العراق يذبحون جماعيًّا أسرى من الجيش العراقي، وأغلبية ذلك موثقة ومنتشرة في الشبكة.
من الغريب أن البغدادي كان في يد الأمريكيين، لكن أطلق سراحه سنة 2009 لأسباب قضائية. حسب أقوال الكولونيل كنث كينج، الذي كان مسؤولا في تلك الفترة عن معسكر الاعتقال بوكا في العراق، عندما خرج البغدادي من بوابات السجن قال له: “نلتقي في نيويورك”.
شاكر وهيب- رعب حقيقي
شاكر وهيب (AFP)
يعد وهيب المسمى “أسد الصحراء” أمين سر البغدادي. لقد ظهر نجمه بعد أن قرر كشف وجهه، وهو عمل نادر في منظمات كهذه وتجاوز إجرائي سافر.
حسب المخابرات الأمريكية، انضم وهيب للقاعدة سنة 2003، فورًا بعد سقوط صدام حسين في حرب العراق الثانية. لقد انكشف للعالم الأكبر في مقطع فيديو رُفع على موقع الإنترنت التابع للجهاديين في الصيف الأخير، ويمكن رؤيته وهو يقتل ثلاثة سوريين مروا من منطقة تحت سيطرة داعش.
https://www.youtube.com/watch?v=eu6MVdGApW0
كذلك فإنه يدير للبغدادي قسطًا من المعارك والتفجيرات في العراق وعلى ما يبدو إنه اشترك في إعدام 1,700 جندي أسير من الجيش العراقي. في أحد المقاطع يمكن رؤية شخص يحقق مع ثلاثة محتجزين في غرفة صغيرة وبعد فترة يطلق النار عليهم في رأسهم، وعلى الأرجح أن يكون وهيب هو من نفّذ ذلك.
عزت إبراهيم الدوري- عاد من بين الموتى
عزت إبراهيم الدوري (AFP)
فقط في منتصف حزيران (2014) تبين أنه حيّ بعد أن ظن الجميع أنه قُتل أو مات من مرض السرطان قبل سنوات عدة. عاد الدوري من بين الموتى، واليوم يقف على رأس تنظيم “النقشبندي”. يعمل التنظيم اليوم بالتعاون مع داعش وبمساعدته سقطت مدينة الموصل، ثانية كبرى المدن في العراق، بين يدي التنظيم.
فورًا بعد انتهاء احتلال العراق، نشر الأمريكيون لائحة المطلوبين على ظهر أوراق لعب إذ حظي ثقال الوزن بالطبع بالظهور على ورقة الملك، الملكة، الأمير وأحد الأصات. حظي الدوري، الذي كان المسؤول الرئيسي عن التصفية في حزب البعث لصدام، بأن يكون المطلوب رقم 35.
لقد أدى وجود الدوري على رأس إحدى القوات، إلى تحطم قوات الجيش العراقي أمام رجال داعش والهروب من قواعدها. كذلك هرب السكان فورًا بعد سماعهم عن ذلك لأنهم تذكروا كيف كان مسؤولا عن تعذيب مئات آلاف الناس وقتل مئات آلاف آخرين. في عمر 71 سنة، يعود الدوري كدعامة مركزية قوية، والذي عاد لإعادة المجد لسالف عهده وإعادة مركز السنة كحاكمين على العراق.
أبو بكر شيكاو- سفاح إفريقيا
أبو بكر شيكاو (AFP)
أبو بكر شيكاو، قائد بوكو حرام، يعرفه العالم من التسجيلات على نمط ابن لادن التي يحب نشرها في وسائل الإعلام. يُعتبر في بعض التسجيلات مهلوسًا ويظهر فيها ضاحكا دون سبب ويُقدّر الكثيرون أنه يبدو في قسم من التسجيلات على الأقل مخدرًا أو سكرانًا. وحتى الآن، ما زال الرجل يقف على رأس أحد التنظيمات الأكثر وحشية في إفريقيا. هو من خطف الـ 200 فتاة، وكان مسؤولا عن 10,000 حالة قتل.
وُلد في نيجيريا بين السنوات 1969 و 1975 وانضم لبوكو حرام منذ سنة 2002. سرعان ما برز كناشط متطرف وفي سنة 2009، بعد أن قُتل قائد التنظيم في الاعتقال البوليسي، حلّ محلّه. ما إن تولى القيادة حتى صعّد التنظيم من أعمال القتل بواسطة السيارات المتفجرة وإطلاق النيران. في أحد الأعمال الإرهابية الصعبة التي قادها، استولوا على مدرسة محليّة وقتلوا هنالك 40 تلميذًا بدم بارد.
https://www.youtube.com/watch?v=XkVaXHoYWkg
كذلك، ساهم شيكاو مع تنظيمه في محاربة الجيش الفرنسي في مالي، واتهم أيضًا بجرائم حرب مثل العمليات الإرهابية والإعدامات لأسرى الجيش الملاويّ.
لقد ادعي أكثر من مرة أنه قُتل، لكنه كان دائمًا ما يطل من جديد مع تسجيل جديد يطلقه بعد عملية إرهابية وحشية أخرى. في 14 نيسان، خطف تنظيم شيكاو 200 فتاة من مدرسة وفي الشريط الذي ظهر فيه، أخبر أنهن أسلمن وسيتزوجن من رجال بوكو حرام. لقد صدم العالم من هذا الفعل وأكبر الظن أنهن سيصبحن مسترقات جنس.
ناصر الوحيشي- قائد القاعدة في اليمن
احتجاجات ضد الإرهاب في اليمن (AFP)
يعد الوحيشي ممّن حولوا القاعدة في اليمن إلى إحدى الأذرع الأخطر في التنظيم، كما عرّف ذلك رجال CIA. لقد وصل إلى أفغانستان خلال سنوات التسعين وقد حارب حتى إلى جانب ابن لادن في جبال تورا بورا (أفغانستان). من هنالك نجح في الهروب إلى إيران، ولقد سلمه الإيرانيون إلى اليمن، إذ كان مطلوبًا هناك بسبب عدة تفجيرات وحالات قتل، لكن بعد خمس سنوات، في 2006، نجح في الهرب من السجن مع 30 ناشطا آخرين.
لقد أعلن عن نفسه بأنه قائد قاعدة اليمن، بعد أن تمت تصفية القوّاد الذين سبقوه من قبل القوات الأمريكية، ومنذ ذلك الحين عاد ليكون صداع الرأس البارز للغرب. عدا عن الهجمات في اليمن وحدها، أرسل رجاله للتفجيرات في خارجها. لقد فشلت أغلبية هذه التفجيرات، مثل حادثة ديترويت منذ سنة 2009.
تُعد التفجيرات التي يقودها خطرة جدًا ومخططا لها جيدًا، وهي تشمل مهاجمين انتحاريين ويلي ذلك هجوم كاسح من المفجرين. هذا ما حدث في 2013، عندما هاجم رجاله قاعدة عسكرية. لقد بدأت عملية الاعتداء عندما فجّر انتحاري نفسه في مدخل القاعدة وبدأ فورًا بعد ذلك عدد من المسلحين بزي الجيش اليمني بإطلاق النيران وقتلوا عشرة من الجنود.
رغم محاولات التخلص منه فقد أبهر العالم، وخاصة الاستخبارات الأمريكية، عندما اشترك في مؤتمر للناشطين في التنظيم، وهو ما وُثّق تسجيليًّا ونُشر في العالم. لقد عرف عن أمر المؤتمر للجهات الاستخبارية فقد بعد انتهائه، وهكذا ضاعت فرصة القضاء عليه مع كثيرين من أتباعه.
بعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان (تشرين الأول 2001) انقسمت حركة الجهاد العالمي، عندما هربت القيادة (بزعامة بن لادن، نائبه الظواهري وآخرين) إلى الحدود الباكستانية – الأفغانية. انتقل آخرون إلى إيران ومن هناك في نهاية المطاف إلى العراق. ومن بين هؤلاء، كان الأردني المسمّى أبو مصعب الزرقاوي، الذي بدأ يعمل في البلاد بعد الغزو الأمريكي للعراق عام (2003) على رأس تنظيم “التوحيد والجهاد”.
أبو بكر البغدادي (AFP)
كان هذا التنظيم وراء المئات، إنْ لم يكن الآلاف، من العمليات الإرهابية القاتلة ضدّ السكان الشيعة في العراق، وضدّ القوات الحكومية وقوات حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة. يعتبر الزرقاوي نفسه مسؤولا عن عدد كبير من عمليات الإعدام للمخطوفين والرهائن الذين تمّ توثيق عمليات قتلهم ونُشرت في الإنترنت. وقد بلغ تعداد أفراد التنظيم، وفقًا للتقديرات، المئات من العناصر، ولكن رغم أنّه لم يكن كبيرًا من الناحية الكمّية، فكان لا يزال يعتبر إحدى الجهات الأكثر خطورة في العراق.
https://www.youtube.com/watch?v=v5GEYvvG-yI
في عام 2004 بايع الزرقاوي زعيم القاعدة حينذاك أسامة بن لادن، واعتمد اسم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”. بعد عامين من ذلك، في حزيران 2006، تم اغتياله من قبل الأمريكيين، وانقسم تنظيمه إلى قسمين: قسم استمرّ تحت الاسم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” وقسم آخر تحت اسم “مجلس شورى المجاهدين”. نشأ من التنظيم الثاني في النهاية تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق”، والذي اعتمد – بعد دخوله إلى الحرب في سوريا – اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. وتضمّ داعش في تجسّدها الحالي جيشًا من آلاف المقاتلين (تشير التقديرات أنّ عدد عناصر التنظيم هو 7,000 مقاتل) وعدد كبير من المؤيّدين، الداعمين والمساندين في جميع أنحاء العالم.
“هذا هو الوقت لنسيان الظواهري”، هكذا كتب محلّلون ومؤرّخون خبراء في دراسات الشرق الأوسط في الإعلام العالمي: “من اليوم فصاعدًا فإنّ زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، هو الذي يمثّل أكبر مصدر إلهام بالنسبة للجهاد العالمي”. وتدعم مجلة “تايم” المرموقة هذه الادّعاءات، وقد اختارت البغدادي ليتألّق في قائمة أكثر 100 شخصية مؤثّرة في العالم للعام 2013. وقد عرّفت صحيفة “واشنطن بوست” زعيم داعش باعتباره “الزعيم الجهادي الأقوى”، ويصفه آخرون بأنّه “أسامة بن لادن الجديد”، على ضوء حجم التأييد والشعبية التي يحظى بها لدى الجهاديين في جميع أنحاء العالم.
أبو بكر البغدادي- منافس القاعدة
أبو بكر البغدادي هو الرجل الذي حوّل القاعدة في العراق إلى تنظيم داعش- التنظيم المستقل الذي يًسيطر في الأسابيع الأخيرة على كل أجزاء الدولة ويهدد بالسيطرة على مساحات أوسع أخرى في الشرق.
https://www.youtube.com/watch?v=7V-jXpuO-AA
وُلد البغدادي في 1971 في سامراء في العراق حتى نهاية اللقب الأول بالجامعة، عاش حياة عادية جدًا. انجذب سريعًا إلى التيار المتطرف الإسلامي وفيما بعد انضم لفرع القاعدة في العراق. لقد أثبت نفسه سريعًا كقاتل وحظي بثمن يقدر بـ 10 ملايين دولار برعاية قائمة المطلوبين الأمريكية. “هذه الجائزة ثانوية بالنسبة للجائزة المرصودة لرئيس القاعدة أيمن الظواهري ويمثل التزامنا المستمر لمساعدة شركائنا في المنطقة على إبعاد هذا التهديد من بلادهم”، هكذا صرحت المتحدثة بلسان الحكومة الأمريكية، جين ساكي، بعد أن تولى البغدادي مكانه كقائد للتنظيم.
لم يُلق القبض عليه منذ تصريح البيت الأبيض فحسب، بل وازداد وحشية وخطرًا. تحت قيادته، ازداد عدد التفجيرات في العراق، كذلك انضم هو ومقاتلوه إلى الحرب في سوريا ونفذوا عددًا ليس قليلا من الجرائم، مما أدى في نهاية الأمر إلى الانشقاق عن تنظيم القاعدة العالمي في بداية سنة 2014 وإقامة تنظيم داعش.
منذ ذلك الوقت وهم يدمرون العراق فعليًّا ويدمرون الجيش الذي كانت تموّله وتدرّبه القوات الأمريكية. في سوريا، ينفذون أحكام إعدام على الملأ، وفي العراق يذبحون جماعيًّا أسرى من الجيش العراقي، وأغلبية ذلك موثقة ومنتشرة في الشبكة.
https://www.youtube.com/watch?v=PmMpuBal2Zg
من الغريب أن البغدادي كان في يد الأمريكيين، لكن أطلق سراحه سنة 2009 لأسباب قضائية. حسب أقوال الكولونيل كنث كينج، الذي كان مسؤولا في تلك الفترة عن معسكر الاعتقال بوكا في العراق، عندما خرج البغدادي من بوابات السجن قال له: “نلتقي في نيويورك”.
على ضوء وجود القاعدة وأتباعها على حدود إسرائيل في جنوب سوريا وسيناء، من الجدير معرفة نقاط قوّتها وضعفها. منذ أن بدأ الغرب باغتيال قادة القاعدة، فإنّ الإسلاميين المتطرّفين ينجحون على المستوى التكتيكي ولكنّهم يفشلون على المستوى الاستراتيجي
يثير اختراق عناصر مرتبطة بالقاعدة إلى جنوب سوريا وسيناء التساؤلات حول قدرات هذه الحركة اليوم. ما هي نقاط قوّتها وضعفها؟ الإجابة بإيجاز، وهي أنّ الآلية المركزية للقاعدة ضعُفتْ ولكن فروع الحركة المنتشرة في مناطق مختلفة في آسيا وأفريقيا تزداد قوّة. ظهر الضعف في الآلية المركزية بسبب الجهود التي لا هوادة فيها من السلطات الأمنية في العالم كلّه، والتي تتعاون مع بعضها البعض في مطاردة الحركة واغتيال زعمائها. الحادث الأكثر شهرة، بطبيعة الحال، هو اغتيال أسامة بن لادن نفسه. لا تدعُ القوات الأمنية الغربية زعماء التنظيم وشأنهم، وتقوم بالإضرار بهم قدر الإمكان.
بل قد اضطرّت القيادة المركزية للقاعدة إلى مواجهة الصعوبات المتعلّقة بنقل التعليمات للقادة الميدانيين وعدم امتثال هؤلاء القادة. ويمكننا أن نرى نموذجًا لذلك في محاولة الزعيم الحالي للقاعدة، أيمن الظواهري، لجَسْر الهوّة بين تنظيمي القاعدة المقاتلين في سوريا، “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) و “النصرة”. فشلت المحاولة، وفي الواقع أثبتت أنّ قادة المقاتلين في الميدان هم من يقرّر سياسات التنظيمات المختلفة.
بل فشل الظواهري في محاولته بأن يملي على التنظيمات المحليّة نوعية الهجمات التي ينبغي عليهم تنفيذها. منذ زمن طويل يحاول زعيم تنظيم القاعدة منع العمليات التي تشمل مهاجمة الأبرياء؛ فقد فهم أنّ هذه العمليات المبتذلة تهدم في نهاية المطاف اسم التنظيم وتبعد عنه المؤيّدين المحتملين. ولكن هنا أيضًا لم يتعاون القادة الميدانيين معه وتصرّفوا بخلاف تعليماته.
عناصر من القاعدة في اليمن (AFP)
إنّ فشل القيادة المركزية للقاعدة يُبرز النجاح النسبي للعناصر المحليّة المرتبطة بالتنظيم والتي تحاول اختراق مناطق تعاني من غياب الإدارة. فعلى سبيل المثال، في جنوب سوريا وسيناء استغلت التنظيمات الإسلامية المتطرّفة الفراغ في السلطة ونجحت في السيطرة على مساحات بأكملها، وفي اليمن والصحراء الكبرى تنفّذ تنظيمات مرتبطة بالقاعدة بعض العمليات الإرهابية كلّ أسبوع. يقوم قادة هذه التنظيمات المحليّة بفعل ما يريدون، حتى وإن كان معنى ذلك عصيان أوامر الزعيم، الظواهري.
لا تخشى التنظيمات المحلّية من تحدّي أوامر القيادة المركزية بسبب استقلاليّتها الاقتصاديّة. وقد طوّرت فروع القاعدة في شمال أفريقيا واليمن سلسلة من الوسائل يمكنهم من خلالها تجنيد الأموال: عمليّات الخطف مقابل الفدية، الجريمة، سرقة بطاقات الائتمان. في سوريا، تحظى عناصر القاعدة التي تقاتل ضدّ الأسد والعلويّين من جهة وضدّ حزب الله والشيعة من جهة أخرى بتبرّعات خاصّة من الإمارات في الخليج، وفي سيناء، فإنّ مصدر الدخل الرئيسي هو التهريب. على ضوء قدرتهم على تجنيد مصادر تمويل خاصة بهم، فإنّ قادة التنظيمات التابعة للقاعدة ليسوا مستعدّين لتلقّي التعليمات من المؤسَّسات المركزية للحركة.
الأخبار السيّئة، هي أنّ التنظيمات التابعة للقاعدة والتي تنتمي إلى أيديولوجيّتها القتالية تستطيع بسهولة نسبيّا أن تخترق مناطق مسلمة تعاني من ضعف الإدارة والتأسس بها. إنّ ظهور هذه القوات على الحدود الشمالية والجنوبية لدولة إسرائيل يشكّل خطرًا محتملا، والذي قد يصبح تهديدًا فعليًّا خلال مدّة قصيرة.
نشطاء القاعدة في الصومال (AFP)
بالإضافة إلى ذلك فمن المهمّ أن ننتبه إلى أن التنظيمات المحلّية تجد صعوبة في تأسيس هرمية قيادية وأن تتعاون فيما بينها. يضع الانقسام إلى منظّمات متعدّدة وعدم القدرة على التنسيق فيما بينها، كما يمكن أن نرى في سوريا، أمام زعماء القاعدة تحدّيًا قياديّا صعبًا. ويبدو أنّ القاعدة تجد صعوبة في بناء تنظيم مركزي وقوي يستطيع بقوى مشتركة أن يحقّق إنجازات استراتيجية. فضلًا عن ذلك، وجدت القاعدة صعوبة حتى الآن في تنفيذ هجمات تضع الأنظمة في تلك الدول في خطر، ويبدو أيضًا أنّها لا تستطيع أبدًا أن تصل إلى الغرب للإضرار به.
ستبقى القاعدة في السنوات القادمة في الشرق الأوسط وأفريقيا، رغم أنّه يتّضح مرّة بعد مرّة أنّها غير قادرة على إقامة وحدات سياسية في هذه المناطق. وللخلاصة، فإنّ القاعدة تتمتّع بإنجازات تكتيكية محلّية، لكنّها لا تستطيع أن تترجمها إلى عمليّات استراتيجية على المدى البعيد.