أيلول الأسود

مجزرة ميونيخ (AFP)
مجزرة ميونيخ (AFP)

جدل في إسرائيل حول الشهادات القاسية حول مجزرة ميونخ

للمرة الأولى يُكشف عن الأعمال المُروّعة التي نُفذت بحق الرياضيين الإسرائيليين المقتولين. تشهد إحدى الأرامل قائلة: "كان الهدف من ذلك هو اجتثاث الإرهاب العالمي"

نُشرت أمس شهادات جديدة وقاسية تتعلق بالمجزرة التي ارتكبها تنظيم “أيلول الأسود” الفلسطيني بحق 11 عضوًا من أعضاء البعثة الرياضية الإسرائيلية إلى أولمبياد ميونخ عام 1972. إذ يُظهر فيلم جديد حول الموضوع والذي تم عرضه، أن بعض الرياضيين قد تعرض إلى التعذيب الشديد قبل أن يتم قتلهم.

تتحدث اثنتان من أرامل الرياضيين الذين تم قتلهم، في فيلم توثيقي بعنوان “ميونح 1972 وأكثر من ذلك”، عن صور رأتاها عام 1992، بعد 20 عامًا من تلك العملية، والتي تُظهر عمليات التعذيب القاسية التي تعرض لها زوجهما. وكان المحامي قد نصحهما بعدم رؤية الصور، ولكنهما رفضتا ذلك. وفق ما نُشر، تم بتر العضو التناسلي لرافع الأثقال، يوسف رومانو، أمام رفاقه المُكبلين.

وكان رومانو أول من حاول مُقامة الخاطفين، الذين أطلقوا عليه النار وتركوه ينزف لساعات طويلة حتى مات متأثرا بجراحه.

إن كشف تلك التفاصيل الجديدة يترك الإسرائيليين مصدومين. فقد صرّحت وزيرة الرياضة الإسرائيلية، ميري ريغيف قائلة: “القصص المُروّعة التي كُشف عنها، والتي تتعلق بقتل الرياضين الإسرائيليين في ميونيخ مُروعة ومؤلمة للغاية. وقد هاتفتُ اليوم إيلانا رومانو، أرملة يوسف، وواسيتها وكذلك واسيت العائلات الإحدى عشرة الأخرى، من خلالها، على هذه الجروح التي انفتحت من جديد وعن شجاعتها على الكشف عن هذه الأمور كجزء من مُحاربة الإرهاب”.

وعبّرت جهات أُخرى، في وسائل الإعلام الإسرائيلية، عن عدم ارتياحها لنشر تلك الشهادات الجديدة، التي تخدم غايات ومصالح سياسية مخفية.

لقد كتب الصحفي الإسرائيلي المُخضرم، يوسي عاين دور، على حسابه في الفيس بوك: “ما هي الفائدة من النشر المفصّل لتلك الأعمال المُروعة؟ من سيستفيد من ذلك وهل سيُغير ذلك شيئًا بنظرة العالم تجاه العملية التي قام بها الإرهابيون، في ذلك الحين، وأودت بحياة الأحد عشر رياضيًّا؟” وأضاف: “وسائل الإعلام، وتحديدًا التلفزيونية منها، تعلمت مع الوقت عدم النشر المُبالغ به لصور بشعة من مواقع حدوث العمليات، لأنه أيضًا بالتصوير البعيد؛ ودون وجود تفاصيل دقيقة، يُمكن أن نُدرك ونشعر مرارة الحدث”.

كما وكتب الصحفي آساف غولان، المُحرر في موقع NRG الإسرائيلي: “أنا ضد نشر التفاصيل المُتعلقة بقتل رياضيي ميونخ، ليست هناك أية فائدة بذلك ولا أية قيمة إخبارية”.

بينما قالت إيلانا رومانو اليوم أن الكشف عن هذه التفاصيل الجديدة، التي تدل على ارتكاب “عنف غير طبيعي”، جاء من أجل السعي إلى اجتثاث الإرهاب العالمي الذي بدأ بمجزرة الرياضيين في دورة الألعاب الأولمبية.

اقرأوا المزيد: 345 كلمة
عرض أقل
البعثة الفلسطينية في الامم المتحدة برئاسة عباس (AFP/Stan HONDA)
البعثة الفلسطينية في الامم المتحدة برئاسة عباس (AFP/Stan HONDA)

عباس، شبح في الأمم المتحدة

مُجددا، تحاول بعض الدول في أوروبا الغربية إقرار الاعتراف بـ "الدولة الفلسطينية" غير الموجودة. ولكن هناك مشكلة واحدة يصرّون على تجاهلها، وهي أنّ لدى الفلسطينيين فعلا دولة خاصة بهم - الأردن

مُجددا، تحاول بعض الدول في أوروبا الغربية إقرار الاعتراف بـ “الدولة الفلسطينية” غير الموجودة، بل ورسم حدودها. في المقابل، ينشغل محمود عباس بالمناورات، التي تهدف إلى الحصول على مقعد في بعض مؤسسات الأمم المتحدة لتلك الدولة الافتراضية، وجعل مجلس الأمن يحدد موعدا نهائيا لإقامتها، فضلا عن نتائج المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ليست هناك سابقة لهذه الجهود في تاريخ الدول أو في تاريخ الأمم المتحدة. إنها تُذكّر بدعوة ديغول المتغطرسة “فلتحيا كيبك الحرة”، في زيارة أجراها لمونتريال في تموز عام 1967، والتي لم تغيّر أي شيء في حالة مقاطعة كيبك. لا تقوم الدول هكذا، ولا شك أنّ هذا واضح للسياسيين وأعضاء البرلمان المنشغلين بتلك المناورات. إنْ كان الأمر كذلك، فلماذا يقومون بذلك؟

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحدث من على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة  (AFP)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحدث من على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة (AFP)

يمكن الافتراض أن السبب هو أنهم يؤمنون بصدق بحقّ تقرير المصير، وكانوا يريدون أن يدفعوا بالقوة دولة فلسطينية إلى حلق إسرائيل. لقد فتنهم الشعار الجذاب: “دولتَين لشعبَين”. وحقا، كيف يمكن معارضة شعار كهذا؟

ليس الأوروبيون والأمريكيون فحسب أُعجبوا به، وإنما أيضًا الكثير من الإسرائيليين. ولكن هناك مشكلة واحدة يصرّون على تجاهلها، وهي أنّ لدى الفلسطينيين فعلا دولة خاصة بهم – الأردن، والتي يشكّل الفلسطينيون 70% من سكانها.

إذا لم تكن الأردن تعبيرا عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، فماذا تكون؟ في أحداث “أيلول الأسود” عام 1970، حاول زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، السيطرة عليها، بحجة أنها أراض فلسطينية فعلا. لماذا، إنْ كان الأمر كذلك،  الأردن ليس مستعدًا لتمثيل الفلسطينيين ولا يطلب ضمّ الضفة الغربية وقطاع غزة إليه؟

لا ترغب الأردن بالمزيد من الفلسطينيين على أراضيها. إنْ كان الأمر كذلك، فالمطالبة الحقيقية هي إقامة دولة فلسطينية أخرى

يعرف أنصار إقامة دولة فلسطينية وأولئك المنادون بـ “دولَتين لشعبَين” الإجابة على هذا السؤال جيّدا. لا ترغب الأردن بالمزيد من الفلسطينيين على أراضيها. إنْ كان الأمر كذلك، فالمطالبة الحقيقية هي إقامة دولة فلسطينية أخرى. يريدون من إسرائيل أن تتنازل عن سيطرتها على الضفة الغربية وأن تضع حدّا لما يسمّونه “احتلال” هذه الأراضي. هذا هو الهدف الحقيقي لكل الحيَل الدبلوماسية الأخيرة: يريدون إقامة دولة فلسطينية ثانية بكل الوسائل، المشروعة وغير المشروعة.

كان ردّ اليسار الإسرائيلي على ذلك هو: لمَ لا؟ هيّا نتحرّر من عبء “الاحتلال”، ومن يهمّه آثار تلك الخطوة. في الواقع، بعد خروج الجيش الإسرائيلي، فمن الممكن أن تُسيطر حماس أو داعش على المنطقة، وقد تسوء حالة السكان الفلسطينيين كثيرا، وقد تعاني المراكز السكانية الإسرائيلية من إطلاق الصواريخ، وقد يتمّ تقويض الاستقرار في الأردن، ولكن من يهمّه ذلك؟ كما يبدو، فإنّ تلك النتائج أفضل في أعينهم من الوضع الراهن الحالي.

لا يُمثّل عباس جميع الفلسطينيين. مكانته في الضفة الغربية مهزوزة، وهي تعتمد على وجود الجيش الإسرائيلي

وهناك مشكلة أخرى يتجاهلونها وهي أنّه ليست هناك اليوم طريقة للمرور من نقطة “أ” إلى نقطة “ب” – أي: من الوضع الراهن للاتفاق على إقامة دولة فلسطينية ثانية. لا يُمثّل عباس جميع الفلسطينيين. مكانته في الضفة الغربية مهزوزة، وهي تعتمد على وجود الجيش الإسرائيلي. وهو لا يريد التوقيع على اتفاق مع إسرائيل، وهو أيضا ليس قادرا على تطبيق اتفاق كهذا إذا وقّع عليه، وهو يدرك ذلك. إنّه يفضّل أن يكون شبحا في الأمم المتحدة.

أولئك الذين يطلقون تلك الدعوة الجوفاء بـ “دولتَين لشعبَين” منقطعون تماما عن الواقع. ربما لا يرون ذلك، ولكن من المرجح أنّهم لا يريدون رؤية ذلك. يعادي الكثير منهم دولة إسرائيل، أيا كانت حدودها. إنهم لا يحبّون حقيقة أنّ إسرائيل قد أصبحت دولة قوية، بمقدورها الدفاع عن نفسها ضدّ العدوان والإرهاب. في كلّ ما يتعلّق بالشرق الأوسط، فقدوا بوصلتهم الأخلاقية.

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في صحيفة هآرتس

اقرأوا المزيد: 534 كلمة
عرض أقل
اعضاء الوفد الإسرائيلي يغادرون ميونيخ بعد المجزرة (AFP)
اعضاء الوفد الإسرائيلي يغادرون ميونيخ بعد المجزرة (AFP)

قتل الرياضيّين – عملية الإرهاب الكُبرى للقَرن

في مثل هذا الأسبوع قبل 42 سنة وقعت المجزرة التي قُتل فيها أحدَ عشرَ عضوا من الوفد الإسرائيلي في ألعاب ميونخ الأولمبيّة، وهي إحدى أشهر صور الإرهاب في القرن العشرين

بمفاهيم متعدّدة، اُعتبر عام 1972 عامَ ذروة الإرهاب الفلسطينيّ. حيث قامت منظمة “أيلول الأسود”، التي تأسّست على خلفية الصراعات الدامية بين منظمة التحرير الفلسطينيّة والمملكة الأردنيّة الهاشميّة، بمهاجمة أهداف إسرائيليّة وغربيةّ مرارًا كلّما سنحت الفرص بذلك.

في أيار عام 1972 قام أعضاء من منظّمة “أيلول الأسود” بخطف طائرة تابعة لشركة سابينا خرجت من بلجيكا نحو إسرائيل، وطالبوا بتحرير 315 أسيرا فلسطينيّا تواجدوا في السجون الإسرائيليّة. أما إسرائيل فرفضت المناقشة مع الخاطفين، وأرسلت نخبةً من وحدة هيئة الأركان العامة من أجل تحرير الرهائن. وقوة بقيادة إيهود براك وبمشاركة بنيامين نتنياهو، قامت بتحرير المخطوفين عبر مطار الطيران الإسرائيليّ.

وبعد ثلاثة أسابيع من ذلك قام أعضاء من منظّمة “الجيش الياباني الأحمر”، المؤيِّدة لمنظمة الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، بالهجوم على مطار إسرائيل وقتل 24 مسافرا إسرائيليًّا. وكان تتابع الهجمات على إسرائيل مجرّد مسألة وقت، ولكنّ أحدًا لم يتوقّع حدوث ذلك على أكبر المسارح في العالم.

 

إطلاق سراح الرهائن من طائرة " سابينا" عام 1972 (IDF)
إطلاق سراح الرهائن من طائرة ” سابينا” عام 1972 (IDF)

كان من المفترض أن تُمثّل ألعاب ميونخ الأولمبية عام 1972 السلامَ العالمي والمؤاخاة. بحيث كانت أكبر ألعاب أولمبية آنذاك، باشتراك 7170 رياضيًّا جاءوا من 121 دولة وتنافسوا بـ 195 حدَثًا رياضيًّا بثلاث وعشرين فرعا من الرياضات المختلفة.

وكانت حكومة ألمانيا الغربية تتوق إلى محو ذكريات ألعاب برلين الأولمبية الحزينة التي جرت عام 1936، والتي كانت دعاية نازيّة بكل تفاصيلها واُعتبرت حدثا لإثبات سمو وتفوّق العِرق الألماني.

حفل تأبين قتلى عملية ميونخ (AFP)
حفل تأبين قتلى عملية ميونخ (AFP)

فكرة استغلال الألعاب الأولمبية لتنفيذ أعمال إرهابيّة لم تكن حتى في نطاق الإدراك حينها

في سنة 1972، لم يرغب الألمانيّون بأن يرى ضيوف الألعاب الأولمبية أيّ شرطيّا أو جنديّا يعيدون لهم ذكرياتٍ سيّئة، ولذلك أُجبر الشرطيّون على ارتداء ملابس غير زيّهم الموحّد، وتمّ تجريدهم من الأسلحة. وقد كانت غاية منظمة “أيلول الأسود” بالترهيب والتخريب خلال الألعاب واضحةً أمام الاستخبارات الألمانية، ولكن لم يتمّ القيام بأيّ خطوات ملموسة لمنع ذلك. إذ أنّ فكرة استغلال الألعاب الأولمبية لتنفيذ أعمال إرهابيّة لم تكن حتى في نطاق الإدراك حينها.

تم إمساك عشرة لاعبين، مدرّبين وحُكّام إسرائيليّين – جميعهم من المشتركين بالحدث الرياضي الأكبر- كرهائن بين أيدي المخرّبين

وقد شملت المجموعة الفلسطينيّة التي تسلّلت إلى سَكَن اللاعبين في الخامس من أيلول 1972 ثمانية مُخرّبين، جميعهم يتكلّمون اللغة الألمانيّة. حتى أنّ قسما منهم عمل في قرية الألعاب الأولمبية. حيث قاموا بالتجمّع في إحدى المطاعم الواقعة في محطة القطار في ميونخ مساء الرابع من أيلول قُبيل منتصف الليل. ودخلوا إلى غرف تخزين الأمتعة ثم قاموا بإخراج حقائب مخصصة للرياضة خُبّأت فيها الأسلحة والذخائر، بما في ذلك بندقيات من نوع كلاشينكوف، مسدّسات وقنابل يدويّة من تصنيع الاتحاد السوفيتي. حينها، لبسوا ملابس رياضية لخداع اللاعبين وبذلك وجدوا طريقهم نحو قرية الألعاب الأولمبيّة.

منزل الرياضيين (AFP)
منزل الرياضيين (AFP)

بعد ذلك دخل أعضاء هذه المجموعة إلى المبنى الذي يسكن فيه أشخاص من الوفد الإسرائيليّ، وقتلوا مدرّب المصارعة موشيه فينبرغ الذي حاول إيقافهم وقام بضرب إحدى المخرّبين حتى أفقده وعيه. وتخلّصوا من جثّته عن طريق إحدى النوافذ. وقد استطاع أحد اللاعبين الإسرائيليين الهرب، ولكن تم إمساك عشرة لاعبين، مدرّبين وحُكّام إسرائيليّين – جميعهم من المشتركين بالحدث الرياضي الأكبر- كرهائن بين أيدي المخرّبين.

قد ترك المخرّبون رومانو دون تقديم أي علاج طبّي مُلقًى على أرض الغرفة وهو ينزف حتى الموت، وبعد ذلك تركوا جثّته مع باقي الرهائن كإشارة تحذير

وبعد زمن قصير من هذا الاستيلاء، هاجم يوسف رومانو، لاعب رفع الأثقال، المخرّبَ عفيف أحمد حميد بسكين معدّة لتقشير الفاكهة وأصابه في وجهه بالإضافة إلى أخذ بندقيّته. ولكن سرعان ما أُصيب رومانو على يد إحدى المخربين الآخرين. وقد تركه هؤلاء المخرّبون دون تقديم أي علاج طبّي مُلقًى على أرض الغرفة وهو ينزف حتى الموت، وبعد ذلك تركوا جثّته مع باقي الرهائن كإشارة تحذير.

لم يكن للشرطة الألمانية وحدة قناصة ولا أي وحدة أخرى لتدبّر أمر المخرّبين

بما أنّ القانون الألماني في تلك الفترة قد منع أيّ تدخُّل للجيش في الأمور المدنيّة، قامت الشرطة بمعالجة هذا الحدث. ولم يكن للشرطة وحدة قناصة ولا أي وحدة أخرى لتدبّر أمر المخرّبين. وقد تمّ إلقاء ورقة، قام المخرّبون بطباعتها، من إحدى نوافذ مباني سكنيّة تابعة للوفد الإسرائيليّ، وفيها طلب مُفصّل يقضي بتحرير 232 مخرّبا قُبض عليهم في إسرائيل إضافةً إلى مخرّبَين آخرَيْن أُسروا في ألمانيا. كما هدّدوا بتنفيذ عملّيات قتل إذا لم يتمّ تلبية مطالبهم حتى الثانية عشرة ظهرا. لذلك قامت ألمانيا بتحرير المخرّبَيْن كردّ فوري لمطالبهم.

وقد وافق الألمان على نقل الخاطفين والرهائن في مروحيّات إلى مطار قريب، هناك أرادوا اغتيال الخاطفين وبالتالي إطلاق سراح الإسرائيليّين الذي بقوا على قيد الحياة.

محاولة تصفية المخربين باءت بالفشل، وذلك لأنّ القنّاصة الألمانيّين قد أخطئوا الهدف

ولكن بعد أنْ هبطت المروحيات في المطار، تبيّن للقوات الألمانية أنّه ليس باستطاعتهم تحرير الرهائن وأنّ عدد الخاطفين كبير على عكس ما اعتقدوا سابقا. محاولة تصفية المخربين باءت بالفشل، وذلك لأنّ القنّاصة الألمانيّين قد أخطئوا الهدف. حيث استغلّ المخرّبون هذا الخطأ وقاموا بقتل الرهائن التسع المتبقّين. وألقت الشرطة القبض على ثلاثة من الخاطفين.

الخاطفون الذين تم إعتقالهم (AFP)
الخاطفون الذين تم إعتقالهم (AFP)

 

على طول السنين منذ ذلك الوقت، عارض أعضاء اللجنة الأولمبية ذِكر هذا الحدث الفظيع في نطاق الألعاب، لادعائهم أنهم لا يريدون دمج الرياضة مع السياسة

ولكِبر خيبة الأمل الإسرائيليّة، عادت الألعاب إلى نطاق التنفيذ لتستمر كما حُضّر لها بعد إيقاف بات 24 ساعة، بينما عاد الوفد الإسرائيلي إلى أرضه يحمل حزنا ثقيلا. وكذلك على طول السنين منذ ذلك الوقت، عارض أعضاء اللجنة الأولمبية ذِكر هذا الحدث الفظيع في نطاق الألعاب، لادعائهم أنهم لا يريدون دمج الرياضة مع السياسة. أمّا الوفود الإسرائيليّة فتُقيم إحياءً لذكراهم في كل موسم للألعاب الأولمبية، ولكن خارج قرية الألعاب الأولمبية، بسبب معارضة اللجنة الأولمبية على إقامة ذلك داخل القرية، بحيث يُقام إحياء الذكرى بشكل عام في مقرّ السفير الإسرائيلي في الدولة المستضيفة.

نصب تذكاري لضحايا العملية في إسرائيل (Avishag Shaar Yashuv/ Flash90)
نصب تذكاري لضحايا العملية في إسرائيل (Avishag Shaar Yashuv/ Flash90)

ادّعى محمد عودة أبو داوود، أحد المخططين والمموّلين لهذه العمليّة، أنّ مصدر التمويل لهذه العمليّة الإرهابيّة هو محمود عبّاس

ادّعى محمد عودة أبو داوود، أحد المخططين والمموّلين لهذه العمليّة، أنّ مصدر التمويل لهذه العمليّة الإرهابيّة هو محمود عبّاس أبو مازن، الذي، آنذاك، عمل سويًّا مع صالح خلف أبو إياد، على تمويل أعمال ومخطّطات “أيلول الأسود”. أمّا عباس نفسه فقد تحفّظ على هذه الاتهامات، وادّعى أنّه لا يعرف وُجهة هذه الأموال.

ومع وفاة أبو داوود في مخيم اليرموك للاجئين، عزّى عباس عائلة الفقيد ونعى عليه  في كلمات وصفته “بالأخ وصديق العمر والمُقاتل العتيد والصعب”.

مرّت 42 سنة على هذا الحدث الرهيب. والقضيّة الفلسطينيّة، التي حتى هذا العام لم تتصدّر جدول الأعمال العالمي، باتت أهمّ القضايا التي تهتمّ بها وسائل الإعلام العالميّة.  بينما الرياضيّون الأحد عشر، المدرّبون والحكّام الذي سافروا إلى ميونخ بهدف المشاركة في مهرجان مُؤيّد للسلام، هم مَن دفع ثمن القضيّة الفلسطينيّة التي لم تصل إلى حلّ حتّى اللحظة، وهناك شكّ بحلّها حتى في السنوات القريبة.

اقرأوا المزيد: 984 كلمة
عرض أقل
  • بنيامين نتنياهو يستقبل جلعاد شاليط بعد اطلاق صراحه (IDF)
    بنيامين نتنياهو يستقبل جلعاد شاليط بعد اطلاق صراحه (IDF)
  • ‫مظاهرة ضخمة ضد غلاء المعيشة وحكومة نتنياهو في تل أبيب عام 2011  (Dimai Vazinovich / Flash90)
    ‫مظاهرة ضخمة ضد غلاء المعيشة وحكومة نتنياهو في تل أبيب عام 2011 (Dimai Vazinovich / Flash90)
  • مُقاتِلين من لواء "المظلّيّين" في حائط المبكى في القدس (AFP)
    مُقاتِلين من لواء "المظلّيّين" في حائط المبكى في القدس (AFP)
  • فتاة من مستوطنة كفار داروم قبل إخلاء المستوطنة (AFP PHOTO/Menahem Kahana)
    فتاة من مستوطنة كفار داروم قبل إخلاء المستوطنة (AFP PHOTO/Menahem Kahana)
  • الملك حسين ملك الأردن الراحل ورئيس الوزراء الراحل اسحاق رابين (ويكيبيديا)
    الملك حسين ملك الأردن الراحل ورئيس الوزراء الراحل اسحاق رابين (ويكيبيديا)

عشرُ لحظاتٍ لا تُنسى في تاريخ دولة إسرائيل

دولة إسرائيل تحيي اليوم الذكرى السادسة والستّين لتأسيسها. إليكم عشر لحظاتٍ سعيدة، حزينة، مؤثّرة، وتاريخية مطبوعة في ذاكرة كلّ إسرائيلي

06 مايو 2014 | 10:04

تحيي دولة إسرائيل اليوم الذكرى السادسة والستّين لاستقلالها. منذ 1948 حتّى اليوم، مرّت هذه الدولة الصغيرة في قلب الشرق الأوسط بالكثير من اللحظات التي لا ينساها أحد. بينها لحظات تاريخيّة مثّلت تغييرات هائلة، لحظات انكسار، ولحظات تحوّل، فضلًا عن لحظاتٍ صغيرة تكاد لا تُحَسّ من الألم والفرح. إليكم عشر لحظاتٍ لا تُنسى في السنوات الستّ والستّين من تاريخ دولة إسرائيل.

1.       “نُعلن”

التاريخ هو 14 أيار 1948، يوم الجمعة ظُهرًا، في مدينة تل أبيب. دافيد بن غوريون، رئيس النقابة الصهيونية، يقف على المنبر، ويقرأ من وثيقة الاستقلال، الإعلان الذي غيّر تاريخ الشعب اليهودي والعالم كلّه: “وعليه فقد اجتمعنا نحن أعضاء مجلس الشعب، ممثلي المجتمع اليهودي في البلاد والحركة الصهيونية، في يوم انتهاء الانتداب البريطاني على أرض إسرائيل، وبحُكم حقنا الطبيعي والتاريخي بموجب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة، نعلن عن إقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل هي (دولة إسرائيل)”.

إعلان الاستقلال الإسرائيلي، 14.5.1948
إعلان الاستقلال الإسرائيلي، 14.5.1948

2.       دُموع مُقاتِلين

عام 1948، اضطُرّ الإسرائيليون إلى التنازل عن قسمٍ من المدينة الأهمّ بالنسبة للشعب اليهوديّ، القُدس. بعد ذلك بتسع عشرة سنة فقط، في حرب 1967 التي فرضها جمال عبد الناصر على دولة إسرائيل باسم جميع الدول العربية، وصل جنود الجيش الإسرائيلي إلى حائط المبكى في القدس، الأثر الوحيد المتبقي من منطقة الهيكل اليهوديّ. تأثرت الأمّة كلّها بمشهد المظليّين الإسرائيليين في حائط المبكى. التُقطت الصورة بتاريخ 6 تموز 1967.

دُموع المُقاتِلين في حائط المبكى في القدس (AFP)
دُموع المُقاتِلين في حائط المبكى في القدس (AFP)

3.       إرهاب في الألعاب الأولمبية

كان يُفترَض أن تكون الألعاب الأولمبيّة في ميونيخ 1972 احتفالًا رياضيًّا. فمنذ فجر التاريخ، كانت الألعاب الأولمبية وقتًا تتوقف فيه جميع الأطراف المقاتِلة من أجل المنافسة، وبدل الحرب وسفك الدماء، كانت تبذل جهودها للتنافس على الملاعب الرياضية. لكنّ الأمورَ جرت بطريقة أخرى. فقد خطف التنظيم الفلسطيني “أيلول الأسود” أحد عشر مِن أعضاء الوفد الإسرائيلي، وتحصّن معهم في القرية الأولمبية. طالب الخاطِفون بتحرير أسراهم مقابل تحرير الرياضيين. فشلت محاولة إنقاذ القوّات الألمانية، فيما عادت إسرائيل من ميونيخ مع أحد عشر تابوتًا وحزنٍ كبيرٍ مستمرّ حتّى اليوم.

حفل تأبين قتلى عملية ميونخ (AFP)
حفل تأبين قتلى عملية ميونخ (AFP)

4.        ما أجمل عودتكم!

في 4 تموز 1976، وقف العالم كلّه مذهولًا حين حرّرت وحدة نخبة من الجيش الإسرائيلي 105 ركّاب إسرائيليين ويهود اختُطفوا من رحلة “إير فرانس” إلى إنتيبي من قِبل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. جسّدت العملية التي جرت على بُعد نحو 3800 كيلومتر عن إسرائيل لكثيرين في العالم أنّ إسرائيل ستفعل كلّ ما في وسعها من أجل مواطنيها ولن تخضعَ للإرهاب. قُتل أربعة من الرهائن في عمليّة الإنقاذ، إضافةً إلى قائد قوّة الإنقاذ يوناتان نتنياهو – شقيق رئيس الحكومة الحاليّ.

عودة المخطوفين من إنتيبي، 1976 (AFP)
عودة المخطوفين من إنتيبي، 1976 (AFP)

5.       “لا حربَ بعد، لا سفكَ دماء بعد”

كُتب الكثير عن تلك اللحظة التاريخية، التي اعترفت فيها دولة عربية أولى بإسرائيل، وقرّرت إنجاز سلام كامل معها. لولا الشجاعة الاستثنائيّة لأنور السادات، مناحيم بيجن، وجيمي كارتر، ما كانت لتحدث تلك اللحظة التاريخية في 26 آذار 1978.

حفل توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلة المصرية (AFP)
حفل توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلة المصرية (AFP)

6.       حميميّة زعيمَين

لا يمكن تلفيق هذه الصورة، التي التُقطت عام 1994، أو إخراجها سينمائيًّا. فهي تعكس القُرب المتبادل بين القائدَين الشجاعَين الراحلَين، الملك الحسين وإسحاق رابين. إنها لحظة راحة وصداقة تلقائية بين القبطانَين الشجاعَين اللذَين غيّرا وجه المنطقة كلّها.

الملك حسين ملك الأردن الراحل ورئيس الوزراء الراحل اسحاق رابين (ويكيبيديا)
الملك حسين ملك الأردن الراحل ورئيس الوزراء الراحل اسحاق رابين (ويكيبيديا)

7.       إغتيال الزعيم

كانت طريق إسحاق رابين في سنواته الأخيرة مثار جدَل. فقد اختلف كثيرون حول خطوات المصالحة التي قام بها مع الفلسطينيين، ولا سيّما حول الاتّفاقات التي وقّعها مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات. لم ينحرف رابين، الذي تميّز بالتصميم، عن مساره، ودفع ثمنًا باهظًا في المقابل. ففي نهاية تظاهرة الدعم له ولحكومته بعنوان “نعم للسلام – لا للعُنف” التي جرت في 4 تشرين الثاني 1995، أطلق إرهابي ثلاث رصاصات على رئيس الحكومة، وأرداه قتيلًا. لبست الدولة كلها لباس الحُزن، ولا يمكننا اليوم سوى تخمين ما كان سيحدث لو لم تودِ رصاصات القتل برئيس الحكومة.

إغتيال  إسحاق رابين في تل أبيب، 4.11.1995
إغتيال إسحاق رابين في تل أبيب، 4.11.1995

8.       الألم والشجاعة

“بتصميم وتأثّر” – هذا هو الشعار الذي أُعطي لخطّة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، التي أُخلي خلالها 8600 شخص من بيوتهم. كان رئيس الحكومة حينذاك، أريئيل شارون، معروفًا بصفته الداعم والمؤسس الأكبر للاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة. أثارت الخطّة التي قادها لإخلاء يهود كثيرين آمالًا كبيرة في إسرائيل والعالَم، لكنها تسبّبت بألمٍ كبير.

فتاة من مستوطنة كفار داروم قبل إخلاء المستوطنة (AFP PHOTO/Menahem Kahana)
فتاة من مستوطنة كفار داروم قبل إخلاء المستوطنة (AFP PHOTO/Menahem Kahana)

9.       الشعب يُريد عدالة اجتماعيّة

في إسرائيل، التي عرفت الكثير من الحروب والتفجيرات، طالما كان الشأن الأمني والسياسي على رأس جدول الأعمال. لكن في صيف 2011، بدا أنّ جدول الأعمال الإسرائيلي تغيّر كلّيًّا، ولوقتٍ طويل. أخرجت أسعار الشقق المتصاعدة، غياب فرص العمل الجيّدة للشبّان، أسعار الطعام، وغلاء المعيشة العامّ، الجماهيرَ إلى الشوارع. فقد تظاهر عشرات آلاف الأشخاص أسبوعيًّا صارخين صرخةً بسيطة: “الشعب يُريد عدالة اجتماعيّة”. امتلأ وسط تل أبيب بمئات خيام الشبّان الذين افترشوا الشوارع، داعين إلى التغيير.

‫مظاهرة ضخمة ضد غلاء المعيشة وحكومة نتنياهو في تل أبيب عام 2011  (Dimai Vazinovich / Flash90)
‫مظاهرة ضخمة ضد غلاء المعيشة وحكومة نتنياهو في تل أبيب عام 2011 (Dimai Vazinovich / Flash90)

10.   ابن الجميع يعود

لا أحد في الشرق الأوسط لم يسمع باسم جلعاد شاليط. فسرعان ما تحوّل الجندي الذي خُطف في قطاع غزة عام 2006 “ابنًا للجميع”. وأصبح تحرير شاليط، الجنديّ في سلاح المدرَّعات الإسرائيلي، الأمنية المعلَنة لإسرائيليين كثيرين كانوا مستعدّين لدفع ثمن باهظ مقابل ذلك. فبعد سنواتٍ من الانتظار المُرهق للأعصاب، في 18 تشرين الأول 2011، عاد شاليط إلى ذراعَي أبيه وأمه، اللذَين انتظراه طويلًا جدًّا، وإلى ذراعَي دولة إسرائيل بأسرها. أدّى الثمن الباهظ، تحرير 1027 أسيرًا فلسطينيًّا، بكثيرين آخرين إلى معارضة الصفقة، لكنّ الدولة كلّها تأثّرت بمشهد “الطفل” الذي عاد إلى موطنه.

بنيامين نتنياهو يستقبل جلعاد شاليط بعد اطلاق صراحه (IDF)
بنيامين نتنياهو يستقبل جلعاد شاليط بعد اطلاق صراحه (IDF)
اقرأوا المزيد: 773 كلمة
عرض أقل
صورة توضيحية
صورة توضيحية

الذراع الطويلة: العمليات الخمس الأكثر جنونًا للموساد

بدءًا بالاغتيالات الشهيرة في بيروت، مرورًا بخطف المجرم النازي ووصولا إلى تجربة الاغتيال الفاشلة في عمان، تلك هي الذراع الطويلة للموساد

الأمير الأحمر

يحكى أنّ ياسر عرفات كان يرى دائمًا علي حسن سلامة كابنه. وقد قُتل أبو سلامة الحقيقي، حسن سلامة، والذي كان أحد قادة النضال الفلسطيني المسلّح، عام 1948. وأصبح ابنه علي بمثابة الابن لدى المفتي، وعضوًا بارزًا في فتح. وقد ارتقى بسرعة إلى قمّة منظمة “أيلول الأسود”، التي نفّذت مذبحة الرياضيين الإسرائيليين في أولمبياد ميونيخ عام 1972. حيث قُتل أحد عشر عضوًا من الوفد الإسرائيلي على يد رجال سلامة.

علي حسن سلامة (Wikipedia)
علي حسن سلامة (Wikipedia)

وفي أعقاب ذلك، أطلقت إسرائيل عملية “غضب الله”، لملاحقة مخطّطي العملية وقتلهم. وقد كان علي حسن سلامة الأكثر ذكاءً ومراوغة من بين الأهداف المزعوم اغتيالها. وقد استطاع الموساد أن يغتال قادة التنظيم واحدًا تلوَ الآخر، بوسائل مختلفة كتفجير هاتف، تفجير سريري في فندق أو إطلاق نار من مسافة قريبة، ولكن سلامة نجح مرة تلوَ الأخرى في التملّص من رجال الموساد. في تموز عام 1973 قتَل الموساد أحمد بوشيكي عن طريق الخطأ، وهو مواطن نرويجي من أصول مغربية اشتبه عن طريق الخطأ بأنه سلامة، في المدينة النرويجية ليلهامر. وقد قدّمت إسرائيل تعويضًا بمئات آلاف الشواقل لزوجة بوشيكي.

وفقط في عام 1979 وصلت ملاحقة “الأمير الأحمر” إلى نهاية الطريق. فقد انفجرت سيارة ملغومة بالقرب من سيارة سلامة في بيروت، حين كان في طريقه إلى مناسبة عائلية. وفقًا للشائعات، فقد تمّ تجنيد مواطنة بريطانية تدعى أريكا تشايمبرس من قبل الموساد واستأجرت منزلا مقابلا لمنزل سلامة، وهي التي قامت بتفجير القنبلة بواسطة جهاز التحكم عن بُعد.

ربيع الشباب

ربما تكون عملية “ربيع الشباب” عام 1973 هي العملية الأكثر إثارة من بين عمليات الموساد، والتي نُفّذت بالاشتراك مع وحدة الأركان العامة والسريّة 13. وصلت القوات الإسرائيلية إلى شواطئ بيروت بواسطة قوارب، وهناك انتظرهم رجال الموساد الذين أقلّوهم بسيارات مستأجرة في يوم سابق.

إيهود باراك وأمنون شاحاك, 1973 (GPO)
إيهود باراك وأمنون شاحاك, 1973 (GPO)

والذي جعل هذه العملية مشهورة في إسرائيل هو حقيقة أنّ نحو نصف المقاتلين كانوا متنكّرين بزيّ نساء، ومشوا معانقين بأذرع سائر المقاتلين، كمجموعة من الأزواج العشاق. وقد قال إيهود باراك، الذي كان رئيس سرية هيئة الأركان العامة في تلك الفترة، إنّه كان متنكّرًا بزيّ امرأة سمراء. كما اشترك في العملية يوناتان نتنياهو، أخو رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو. وقد قتل يوناتان بعد مرور ثلاث سنوات في عملية تهريب الرهائن الإسرائيليين في عنتيبي. أحد المشاركين الآخرين كان أمنون ليبكين شاحاك، الذي أصبح فيما بعد رئيس أركان الجيش.

وقد جرت العملية في عدّة مواقع مختلفة من المدينة. وقد اغتيل فيها نحو مئة رجل من رجال حركة فتح والجبهة الشعبية، إضافة إلى ثلاثة من كبار مسؤولي فتح وهم: يوسف النجار، كمال ناصر وكمال عدوان، قُتلوا جميعًا بمداهمة جريئة. قال رافي إيال، وهو أحد المقاتلين في العملية، موضحًا كيف تم الانسحاب من هدف الهجمة: “دخلنا إلى السيارة. سألتُ أمنون (ليفكين شاحاك): ماذا بالنسبة للمبنى؟ نظر بكلّ برودة المعتاد إلى الساعة، وقال: “لم تحن اللحظة بعد”. مرّت نحو عشر ثوانٍ، وسمعنا انفجارًا ضخمًا، وعندها انقسم المبنى إلى قسمين”.

العقل المدبّر لحزب الله

لم تعترف إسرائيل إطلاقًا بأنها هي التي كانت تقف وراء اغتيال عماد مغنية. مغنية، الذي بدأ طريقه كناشط في حركة فتح، بدأ بالتعاون مع حزب الله بعد أن تركت حركة فتح لبنان، وصعد ببطء إلى قمّة التنظيم. كان مغنية مسؤولا عن العلاقة مع إيران، عن ترسيخ التنظيم في جنوب لبنان وعن خطف الجنود الإسرائيليين.

ومن بين العديد من الأعمال المنسوبة إليه، يمكننا أن نجد الهجوم الإرهابي على السفارة الأمريكية ومقر المارينز في بيروت والذي قُتل فيه أكثر من 300 أمريكي، وكذلك تفجيرات السفارة الإسرائيلية ومبنى الجالية اليهودية في بوينس آيرس والتي قُتل فيها أكثر من 100 شخص (وفي أعقابها أصبح مغنية مطلوبًا في الأرجنتين)، خطف الجنود في الجيش الإسرائيلي على الحدود الإسرائيلية اللبنانية والتخطيط لاغتيال رفيق الحريري.

خالد مشعل يلقي خطابا في احياء الذكرى لعماد مغنية (ِِAFP)
خالد مشعل يلقي خطابا في احياء الذكرى لعماد مغنية (ِِAFP)

وقد اغتيل أخو مغنية في تفجير سيارته في بيروت عام 1994. وبعد مرور 14 عامًا، واجه مغنية نفس المصير حين دخل إلى سيارته لدى مغادرته مدرسة إيرانيّة في حيّ كفر سوسة في مدينة دمشق. ووفقا لصحيفة “ساندي تايمز”، فقد تم تثبيت دعامة فيها مواد متفجّرة في سيارته. ولم تعلن إسرائيل أبدًا عن مسؤوليتها عن وفاة مغنية.

“إن الانتقام على اغتياله لن يكون باغتيال مواطنين بسطاء أو دبلوماسيين ليسوا مهمّين”، قال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ردًا على الاغتيال. “سننتقم على اغتيال مغنية في اللحظة والتوقيت المناسبين. سيكون ذلك هو الانتقام الذي يليق بمقامه”.

ليس اغتيال فقط: خطف المجرم النازي

بعد الحرب العالمية الثانية وجد عشرات المجرمين النازيين ملاذهم في أمريكا الجنوبية. وفي مقدمتهم كان أدولف إيخمان، الذي كان مسؤولا عن الإبادة المنظمة بالغاز ليهود أوروبا. هرب إيخمان، الذي تم القبض عليه عام 1945 من قبل الجيش الأمريكي، واختبأ في ألمانيا، ثم في نهاية المطاف، تم تهريبه إلى الأرجنتين بمساعدة رجال دين.

ولدى وصوله إلى بوينس آيرس غيّر إيخمان اسمه إلى ريكاردو كليمنت. جاءت معلومة استخباراتية إلى إسرائيل وساعدتها على أن تفهم بأن كليمنت هو في الواقع المسؤول النازي. في عام 1960 تم إرسال متجوّلين ومراقبين إسرائيليين إلى بوينس آيرس، حيث تمكّنوا من التأكد من أن الحديث يجري عن أدولف إيخمان. وحينئذ بدأ تشكيل خطة لعملية القبض عليه.

بعد أن تتبّعوا مسار عودة إيخمان اليومي من العمل، قرّروا نصب كمين له على الطريق بين محطة الحافلات قريبًا من منزله. ولكن في ذلك اليوم الذي تم فيه التخطيط للخطف، لم ينزل إيخمان من الحافلة في الوقت المحدّد. وخلال دقائق طويلة، انتظر رجال فرقة الخطف، وحينها ظهرت فجأة الشخصية المشبوه بها في منعطف الطريق.

أدولف إيخمان (Wikipedia)
أدولف إيخمان (Wikipedia)

انتظرته سيّارتان. وقفت إحداهما قبالته، وسلطت الضور على عينيه. واقتربت الثانية من الجهة الأخرى، وقفز من داخلها ثلاثة رجال موساد أوقعوه أرضًا وألقوا به داخل السيارة. تم ربط إيخمان وألقيَ على أرضية السيارة التي كانت مغطاه ببطانية. التفت إليه أحد الخاطفين قائلا بالألمانية: “إذا لم تجلس بهدوء، فسنقتلك”! وفي هذه المرحلة، لم يكن واضحًا بعد إنْ كان هذا هو إيخمان حقًا، أو أنه قد حدث خطأ في التشخيص. بعد ذلك تمتم الرجل بالألمانية: “لا بدّ لي من مواجهة مصيري”. فهم الخاطفون أنهم أمسكوا بالرجل المطلوب.

تم نقل إيخمان إلى إسرائيل، سُجن وتمت إدانته. وقد أدين بموجب قانون النازيين والمتعاونين لصالحهم، وحكم عليه بالإعدام. بعد سنتين من خطفه، تم تنفيذ الإعدام من قبل دولة اليهود، دولة الشعب الذي سعى لإبادته.

الفشل في عمّان

إلى جانب النجاحات الكثيرة، ربما كان ذلك الفشل الأكبر للموساد. في 30 تموز عام 1997، فجّر انتحاريّان نفسيهما في سوق محانية يهودا في القدس. وقد قُتل في العملية 16 إسرائيليًّا وجرح المئات. وقد تمّ التعرّف على الإرهابيين باعتبارهم نشطاء في الجناح العسكري لحركة حماس. قرّر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بأنّه يجب الإضرار بقادة حماس. ورغم اتفاق السلام بين إسرائيل والأردن، كان هدف التصفية المختار هو خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والذي كان يسكن في عمّان.

وكانت الخطّة تهدف إلى رشّ غاز سامّ من نوع فنتانيل على مشعل، والذي كان من المفترض أن يقتله في غضون ساعات. كان على العميلَيْن الاقتراب منه، ورشّه بالغاز من مسافة قريبة جدًّا، والهروب دون أن يلاحظهم أحد. ولكن العملية التي أجريت في 25 أيلول عام 1997 تورطت، فقد تم القبض على القاتلَيْن بواسطة الشرطة الأردنية، وغضب الملك حسين من نتنياهو الذي وافق على إجراء العملية في أراضي المملكة الأردنية الهاشمية. بدأ مشعل المصاب يشعر بالقشعريرة، وأدخل إلى المستشفى في حالة حرجة. بقيت لديه ساعات معدودة للبقاء حيّا.

للمزيد من السخرية، قرّر نتنياهو من كثرة الضغط أنّه من أجل تهدئة الملك، يجب “التنازل عن كلّ شيء” لإنقاذ نفس الرجل الذي حاول اغتياله للتوّ. هدّد الملك بأنّه لو مات مشعل، فلن يكون لديه خيار إلا بإعدام العملاء الذين تم القبض عليهم. تم نقل المادّة المضادّة التي أنقذت حياة مشعل سريعًا إلى المستشفى الذي كان يمكث فيه. وأخيرًا، من أجل تحرير العملاء، قرّرت إسرائيل أن تطلق سراح زعيم حماس، الشيخ أحمد ياسين. هكذا أدّى التورّط على الأرض إلى حادثة دبلوماسيّة خطرة، وإلى دفع ثمن سياسي باهظ. تحمل نتنياهو مسؤولية الفشل، ولكنه لم يستقل.

اقرأوا المزيد: 1180 كلمة
عرض أقل