وتتألف حكومة روحاني المقترَحة بمعظمها من وزراء تكنوقراط ذوي ثقافة جامعية واسعة (أكثر من نصف الوزراء يحملون شهادة دكتوراه، بعضهم من جامعات غربيّة). معظم الوزراء المرتقَبين قريبون سياسيًّا من التيار المركزي في معسكر المحافظين. وقد سبق لعددٍ منهم شغل مناصب وزارية في حكومات الرئيسَين السابقَين علي أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي. ولا تشمل الحكومة المقترَحة أية امرأة، كما لا تضمّ أي تمثيل للأقليات العرقية – اللغوية السنية (الكرد، البلوش، والعرب).
حكومة وسطية بأفضليّة إصلاحات اقتصادية لا إصلاحات سياسيّة
تعكس تشكيلة حكومة حسن روحاني المقترَحة طموحه إلى الموازنة بين القوى السياسية المتناقضة. فمن جهة، روحاني ملتزِم تجاه حلفائه في التيار المعتدل للمعسكر الإصلاحي، الذين دعموه خلال معركة الانتخابات. ومن جهة أخرى، تجنّب تعيين وزراء إصلاحيين مثيرين للخلاف، يمكن أن يُثيروا اعتراضًا من المؤسسة الدينية المحافظة برئاسة المرشد الأعلى، وحتّى أن يرفض مجلس الشورى تعيينهم.
ولمنع معارَضة اليمين المحافِظ، امتنع روحاني عَن ترشيح وزراء محسوبين على التيار الإصلاحيّ في وزارات “حساسة” في نظر المؤسسة الدينية – المُحافِظة، وعلى رأسها وزارات الداخلية، الاستخبارات، الإرشاد الإسلامي، والعدل. حتى إنه وضع في وزارتَي الداخلية والعدل مرشحَين محسوبَين بشكل جليّ على اليمين المحافظ. وتتجلى محاولة روحاني الامتناع عن الاحتكاك مع المؤسسة المحافِظة في امتناعه عن دعوة الرئيس الأسبق، محمد خاتمي، إلى مراسم أدائه اليمين الدستورية.
وامتنع روحاني أيضًا عن الاستجابة لاقتراحات اليسار الإصلاحي بضمّ سياسيين إصلاحيين بارزين إلى حكومته، مثل: محمد رضا عارف ، الذي كان نائبًا للرئيس خاتمي، وانسحب لصالح روحاني قبل أيام معدودة من الانتخابات الأخيرة؛ أحمد مسجد جامعي، الذي كان وزير الإرشاد الإسلامي في حكومة خاتمي؛ وصفدر حسيني، الذي شغل منصبَي وزير العمل والشؤون الاجتماعية ووزير الاقتصاد في حكومة خاتمي.
بالمقابل، ضمّن تشكيلتَه وزراء يُعتبَرون إصلاحيّين مُعتدِلين في وزارات أقل حساسية في نظر اليمين المحافظ، مثل: وزارات الخارجية، التربية، الصحة، النفط، العمل والرفاه، الاتصالات، والزراعة. وقد عيّن أيضًا عددًا من السياسيين، الذين اقترحهم التيار الإصلاحي، نوّابًا للرئيس، إذ لا يتطلب تعيينهم موافقة مجلس الشورى. مثلًا، عيّن الرئيسُ المنتخَب علي يونسي، الذي شغل منصب وزير الاستخبارات في حكومة خاتمي نائبًا للرئيس للشؤون السياسية والأمنية، وكذلك مرتضى بانك ، الذي عمل مستشارًا له في مركز الأبحاث الاستراتيجية التابع لمجلس تشخيص مصلحة النظام، نائبًا للرئيس للشؤون التنفيذية.
ويعكس امتناع روحاني عن ترشيح وزراء محسوبين على اليسار الإصلاحي في وزارات أساسية مسؤولة عن بلورة السياسات في شؤون الداخلية وفرض القانون تفضيلَه إجراء إصلاحات اقتصادية على إصلاحات سياسيّة – مدنيّة. وكانت قدرة الرئيس المنتخَب على إجراء إصلاحات سياسيّة – مدنيّة ذات أهمية، مثل: إطلاق سراح سجناء سياسيّين، دعم مؤسسات المجتمع المدنيّ، رفع القيود في مجال فرض الشريعة الإسلامية والرقابة على وسائل الإعلام، محدودة جدًّا منذ البداية بفعل معارضة المؤسسة الدينية – المحافِظة لهذه الإصلاحات التي تُعدَ تهديدًا لقيَم الثورة والنظام. ويمكن أن يَحُدّ تعيين وزراء ذوي ميول يمينية – مُحافِظة في وزارات الداخلية، العدل، والإرشاد الإسلامي أكثر من قدرة الرئيس على أن يبرّ بالوعود التي قطعها إبّان معركة الانتخابات بخصوص إجراء إصلاحات مدنيّة، والتقليل من الجوّ الأمني في المجتمَع.
ويعزّز ضمّ وزراء تكنوقراط ذوي ثقافة أكاديمية غربية، شغل بعضهم مناصب بارزة في الحكومة في عهدَي رفسنجاني وخاتمي، ليشغلوا مناصب اقتصادية هامّة، التقديرات المتعلّقة بنيته إجراء إصلاحات اقتصادية نيو ليبرالية. كذلك يُحتَمل أن يشير تعيين محمد نهاونديان ، الذي شغل حتى الآن منصب رئيس غرفة التجارة والصناعة، رئيسًا لمكتب الرئيس، على نية الرئيس التركيز على السياسة الاقتصادية ودفع إصلاحات تعزّز القطاع الخاصّ.
ويمكن أن يشهد تعيين الدبلوماسي العريق، محمد جواد ظريف، وزيرًا للخارجية على طموح روحاني بتخفيف التوتّر مع المجتمع الدولي وتحسين علاقات إيران مع جيرانها. يُذكَر أيضًا أنّ بلورة استراتيجية السياسة الخارجية الإيرانية متعلقة إلى حدّ كبير بالمرشد الأعلى. إضافةً إلى ذلك، فإنّ صلاحيّات وزارة الخارجية محدودة بشكل عامّ، وهي مجرّد واحدة من الهيئات الفاعلة في مجال السياسة الخارجية، التي تشمل: المجلس الأعلى للأمن القومي، قسم الشؤون الدولية في مكتب المرشد، والمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية.
“خائبو الأمل” من حكومة روحاني المقترَحة
ثمة ثلاث مجموعات مركزية يمكن أن تنتقد تشكيلة حكومة روحاني المقترَحة: النواة الأيديولوجية للمعسكر الإصلاحي، النساء، والأقليات العرقية – اللغوية السنّية. وقد أثار تعيين سياسيَّين مُحافظَين: عبد الرضا رحماني فضلي ، المقرَّب من رئيس مجلس الشورى، علي لاريجاني، وزيرًا للداخلية، ومصطفى بور محمدي وزيرًا للعدل، انتقادات في مواقع التواصل الاجتماعي. ويثير تعيين بور محمدي نقدًا لاذعًا لا سيّما على اتّهام منظمات حقوق إنسان، له بالتورط في قضية قتل سجناء سياسيين في سجون في إيران عام 1988، وفي قضية “عمليات القتل المتسلسلة” لمثقفين إيرانيين في التسعينات.
ويثير قرار روحاني بعدم تعيين نساء في حكومته نقدًا من جانب منظمات حقوق إنسان، وفي مواقع التواصل الاجتماعي منذ عدة أيّام. فقد انتقدت ناشطة حقوق المرأة فاطمة راكعي)، الأسبوع الماضي غياب المرأة عن الحكومة المقترَحة. وكانت عضو مجلس الشورى الإصلاحية سابقًا قد صرّحت في مقابلة مع وكالة أنباء الطلبة الإيرانية أنّ على الرئيس أن يعيّن ثلاث نساء على الأقل في الحكومة. وذكرت أنّ ضمّ نساء إلى الحكومة لم يعُد أمرًا محرَّمًا إذ سبق أن عيّن الرئيسان خاتمي وأحمدي نجاد نساءً وزيراتٍ في حكوماتهما. لذلك، ليس بوسع أحد التذرّع بأنّ رجال الدين يعارضون تعيين النساء في مناصب وزاريّة. وقالت إنّ لدى النساء في إيران قدرةً على إدارة الكثير من الوزارات، مثل وزارات العمل والرفاه، التربية، الإرشاد الإسلامي، الرياضة، الشباب، والاقتصاد. وقد ذكرت أنّه لم يُتَح لناشطات حقوق المرأة في الأسابيع الماضية اللقاء بالرئيس المنتخَب، لكنّ مطالبهنّ نُقلت إليه بوسائل مختلفة (http://www.kaleme.com/1392/05/09/klm-153422/).
كما وُجّه النقد لعدم ضمّ التشكيلة الحكومية نساءً خلال مؤتمر عالج ضمّ النّساء في حكومة روحاني، عقدته صحفيات إيرانيات الأسبوع الماضي. وقالت زهرة بهرم نجاد، عضو نقابة الصحفيين، في المؤتمر إنّ المشاركة الفاعلة للنساء في الحكومة يمكن أن تسهم في تحسين مكانة المرأة في إيران. وذكرت أنّ ثمة جدرانًا مرتفعة في إيران تعيق دخول النساء المجالَ السياسي، وأنّ الحضور القليل للنساء يمنعهنّ من لعب دور بنيوي في اتخاذ القرارات. وادّعت أن تشكيلة الحكومة المقترَحة تناقض تصريحات روحاني قبل الانتخابات بشأن ضرورة إشراك النساء في القرارات السياسية في البلاد، ولا تدلّ على مساواة بين النساء والرِّجال (http://www.mehrnews.com/detail/News/2107668).
كما يُتوقّع أن يثير انتقاداتٍ أيضًا عدمُ تعيين ممثّلين عن الأقليات العرقية – اللغوية السنية (العرب، الكرد، والبلوش)، لا سيّما في ظلّ نسب الدعم المرتفعة التي حظي بها روحاني في المحافظات التي يقطنها الكرد، البلوش، والتركمان في الانتخابات الأخيرة. ومنذ الانتخابات، توقّع ممثّلو الأقليات أن يحقق روحاني وعوده عشيّة الانتخابات بخصوص الاهتمام بحقوق الأقليات، وإلغاء التمييز الممارَس بحقها، وضمّ ممثِّليها إلى حكومته.
على الرغم من ذلك، من الجدير بالذكر أنّ تشكيلة الحكومة بحدّ ذاتها ليست كافية لخلق أزمة توقعات بين مناصري روحاني، وأنّ الدعم الجماهيري للرئيس المنتخَب متعلق إلى حدّ كبير بسياساته على أرض الواقع، إنجازات حكومته في الشهور القادمة، ونجاحه في تحقيق وعوده فعليًّا.