ها قد أصبح ذلك قريبًا وعلى الحدود، التنظيم الجهادي الذي وصلت أصداؤه إلى العراق، سوريا، وبدأت بوادر قوته وتقدمه الأولى تظهر في لبنان، الأردن وغزة.

عنف وعمليات تفجير سيارات مفخخة في تكريت (AFP)
عنف وعمليات تفجير سيارات مفخخة في تكريت (AFP)

الأخبار السارة هي أن الجيش اللبناني يشن منذ عدة أيام عملية عسكرية لم يشهد لها لبنان مثيلاً خلال السنوات الأخيرة بمحاولة من الجيش لصد التيار الجهادي الجديد، الذي يدق على أبواب الدول القومية الجديدة في أرجاء الشرق الأوسط، على أمل إقامة أنظمة حكم إسلامية بديلة.

يُستدل من فحص عميق أن التنظيم هو عبارة عن رمز جديد – قديم للجهاد، والذي يحاول أن يفرض من جديد الشروط السياسية، العسكرية والاستراتيجية في الشرق الأوسط بعد حرب أفغانستان، العراق، ثورات الربيع العربي وسقوط الأنظمة الإسلامية لاحقًا.

عندما نتوجه الى مصادر إعلامية ما ونطلب أن نعرف أكثر عن التنظيم الذي بات يهدد الهلال الخصيب نحصل على انطباع خاطئ بأننا نتحدث عن جهة قوية جديدة نسبيًا، شقيق صغير لتنظيم “القاعدة”، الذي نمى في الخواء السلطوي الذي تكوّن في تخوم الشرق.

عجّل البروز السريع للتنظيم من تفكك الدول القديمة مثل سوريا والعراق، وترك دول أخرى، مثل الأردن، إيران والسعودية في وضع انتظار. إلا أن نظرة فاحصة على مصادر التنظيم القديمة وطريقة نشاطه تكشف لنا صورة مختلفة قليلاً.

يمكن تمييز براعم التنظيم في العمليات السابقة لقائد التنظيم الأول – أبو مصعب الزرقاوي. جمع الزرقاوي، الذي ترعرع في الأردن وانتسب إلى التيار السلفي السني، خبرة كبيرة بما يخص مجال الإرهاب وحرب العصابات من خلال التنظيمات الجهادية العالمية، بداية من أيامه في أفغانستان تحت الاحتلال السوفيتي، وصولاً إلى محاولاته في أواخر القرن الماضي لإضعاف المملكة الأردنية الهامشية.

أبو مصعب الزرقاوي (Wikipedia)
أبو مصعب الزرقاوي (Wikipedia)

أنشأ لهذه الغاية في العام 2000 تنظيم “جماعة التوحيد والجهاد” بالتعاون مع نشطاء سلفيين أردنيين آخرين. بعد عام من ذلك، وبالتوازي مع بدء الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، نقل الزرقاوي مركز ثقل عملياته إلى العراق، حيث بدأ هناك بنسج شبكة من العلاقات مع جهات في السلطة وفي أذرع أجهزة المخابرات العراقية ومع ميليشيات متطرفة في الشمال – شرق الدولة، أمثال “أنصار الإسلام”. كانت علاقة التنظيم الرسمية بنظام الحكم، بالمقابل، مختلفة في ماهيتها، وقبل الاجتياح العراقي دارت بين نظام حكم صدام والزرقاوي لعبة أشبه بلعبة القط والفأر.

أسقطت الولايات المتحدة في العام 2003 حكم صدام حسين تمامًا وبما في ذلك النظام المخابراتي – العسكري الذي قاد بواسطته البلاد خلال فترة حكمه. أدى تفكك مؤسسات السلطة والفراغ الذي حدث جراء ذلك لنشوء بيئة مناسبة للزرقاوي وتنظيمه للقيام بعمليات جهادية. استقطب تنظيم الزرقاوي آلاف الناشطين من كل أنحاء العالم الإسلامي، وحتى أنه ضم بعض “التنظيمات الصغيرة” إليه.

بدأ التنظيم في النصف الثاني من العقد الماضي في السعي نحو تحقيق ثلاثة أهداف وضعها أمامه. الهدف الأول، طبعًا، كان القتال ضدّ تحالف الاحتلال الغربي والعراقيين المتواطئين مع ذلك الاحتلال. الهدف الثاني كان إحداث شرخ بين الطائفة السنية والشيعية (اللتان تشكلان غالبية نسبة السكان في البلاد”. أما آخر هدف فكان (في تلك السنوات) يسعى إلى إقامة دولة خلافة في العراق.

محاولات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري،  بإقناع رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي بتوسيع حكومته وضم جهات أخرى إليها لا تنجح حاليًا (AFP)
محاولات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بإقناع رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي بتوسيع حكومته وضم جهات أخرى إليها لا تنجح حاليًا (AFP)

“منحت” الطرق التي استخدمها التنظيم في عملياته سمعة التنظيم الأخطر والأكثر وحشية. وهذا بسبب استخدام التنظيم لعبوات ناسفة مبتكرة في داخل الأحياء السكنية. مهاجمة أشخاص لا دخل لهم ونشطاء إنسانيين وأيضًا عُرف عن التنظيم قيامه بقطع رؤوس أعدائه. جاءت عمليات الزرقاوي منذ البداية لكي تترك أصداءً مجلجلة وشحن طائفي.

كان الصراع الذي خاضه الزرقاوي سلاحًا ذا حدين وجذب إليه الكثير من النار وفي عام 2006 شنت الولايات المتحدة ثانية حربًا ضدّ قيادة الفصيل التابع لتنظيم “القاعدة” في العراق ونتج عن تلك الحرب وفاة الزرقاوي ونائبه ومعلمه الروحي.

تسلم قيادة التنظيم، بعد اغتيال الزرقاوي، أبو أيوب المصري، الذي كان يُعتبر اليد اليمنى للزرقاوي والذي أنشأ خلايا جهادية كثيرة في جنوب العراق وفي بغداد. مر الحزب في ذلك العام بالكثير من التحولات، وفي نهاية الأمر ارتدى بذلة جديدة: “دولة العراق الإسلامية” والتي كان هدفها الأساسي صراع سني أصولي وصولاً إلى إقامة دولة الخلافة.

ظهر جليًا في ذلك العام تراجع قوة التنظيم على إثر تراجع الدعم له من قبل سكان الطائفة السنية الذين ضاقوا ذرعًا بالأساليب المتوحشة التي انتهجها التنظيم في مناطق نفوذه وبالطرق العنيفة التي كان ينتهجها. نجحت، بفضل ذلك، قوات من الجيش الأمريكي عام 2008؛ بالتعاون مع الحكومة العراقية، بتجنيد العائلات السنية لمواجهة واستهداف الحركات الأصولية التي تتبع “القاعدة” من مناطق محافظة ديالى والأنبار ومن العاصمة بغداد، الموصل وشمال الدولة.

جيش الدولة الإسلامية في العراق والشام (AFP)
جيش الدولة الإسلامية في العراق والشام (AFP)

حلّ العام 2009 وجاء معه تحوّل جديد. بدأت القوات الأمريكية، على إثر تراجع قوة القاعدة، بالانسحاب من المدن المركزية وبتسليم الحكم للحلفاء المحليين، أي للجيش العراقي الذي دعمته ولحكومة المالكي الشيعي. استغل المقاتلون السنة انسحاب القوات الأمريكية ومن خلال التعاون مع قيادات سابقة في حزب البعث، الذي تم حله، وقاموا بشن موجة عمليات عنيفة جدًا والتي اعتبرت أشرس هجمة يتعرض إليها نظام الحكم الجديد منذ تأسيسه.

بقي، رغم ذلك، النظام ثابتًا نوعًا ما حتى نهاية عام 2012. قُتل في نيسان من العام 2010 المصري، قائد التنظيم، وقادة آخرين على إثر هجوم جوي أمريكي على منطقة تكريت الأمر الذي فسح المجال أمام تربع القائد الجديد للتنظيم، أبو بكر البغدادي، على رأس الهرم.

أبو بكر البغدادي (AFP)
أبو بكر البغدادي (AFP)

جاءت إنجازات داعش الأخيرة نتيجة امتعاض الأقلية السنية في العراق نتيجة الظلم والقمع والتمييز ضدّهم من قبل حكومة المالكي. يدعي السنة أنه يتم التعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية وبشكل غير عادل، وأنهم دائمًا على مرمى هدف قوات الأمن العراقية.

إن البغدادي، الذي تحوّل؛ منذ زمن إلى شخص ملاحق وإلى عدو همجي وهو الذي لا يتوانى أبدًا عن استخدام أساليب عنيفة جدًا ووحشية من أجل تنفيذ مخططاته بالسيطرة من جديد على العراق ومن ثم بقية دول الهلال الخصيب، قد أعطت تلك الشخصيةـ ولأول مرة الوجه الحقيقي لأخطر تنظيم في المنطقة اليوم، تمامًا كما كان بن لادن وجه القاعدة طوال سنوات التسعين وما بعد ذلك لحين اغتياله في عام 2011.

اقرأوا المزيد: 858 كلمة
عرض أقل