قبل 70 عاما، في شهر تموز 1946، غير معرض أزياء في باريس عالم الأزياء إلى الأبد. في المرة الأولى التي عُرض فيها، فوجئ الحاضرون، برؤية ملابس سباحة صغيرة جدا مؤلفة من قطعتين مختلفتين – تغطي إحداهما الجزء العلوي لعارضة الأزياء، وأما الثانية فتغطي الجزء السفلي.
بشكل مفاجئ، فقد صمم مصمّمان فرنسيان ملابس السباحة المصنوعة من جزءين. كان جاك هايم، مالك أحد متاجر الملابس في مدينة كان الفرنسية، أول من اخترع ملابس السباحة من هذا النوع، وسماها “الذرة”، الجزيء الأصغر على الإطلاق، من أجل التأكيد على صِغَر حجمها.
في العام ذاته، أوجد لوي ريئر، مهندس ميكانيكيا عمل في شركة ملابس داخلية خاصة بوالدته في باريس، ملابس سباحة شبيهة. كان تصميم ريئر صغيرا ومكشوفا أكثر من تصميم هايم، وقد نجح في تسجيل براءة اختراع، حيث إنّه يعتبر بشكل رسمي مخترع البكيني. وقد منح اسم “البكيني” لهذا المنتج على اسم جزيرة صغيرة في المحيط الهادئ والتي أجريتْ فيها تجارب نووية في تلك الفترة، لأنّه توقع أن تكون ردود الفعل على ملابس السباحة هذه مثل تأثير القنبلة النووية، وكان محقّا.
وقد عرض ريئر اختراعه في نفس معرض الأزياء المذكور. ولكن لم ينجح في العثور على عارضة أزياء مستعدة لارتداء ملابس السباحة هذه علنًا ضدّ بما يتعارض مع جميع القواعد الاجتماعية المعمول بها، ولكن في نهاية المطاف توجه إلى ميشلين برنرديني، وهي راقصة عريّ في نادي “كازينو دي باريس”.
فقط في بدايات الخمسينات نجح الاختراع الجديد في أن يُصبح شعبيًّا. عام 1951 أجريت مسابقة ملكة جمال العالم الأولى، والتي تُوّجت فيها كيكي هكنسون من السويد الفائزة وهي ترتدي البكيني. أثار هذا الحدث ضجّة وأصداء إعلامية عالمية. وقد أدان البابا بيوس الثاني عشر هذا التتويج معلنا أنّ البكيني “خطيئة”، ولذلك تمت مقاطعة ملابس السباحة المبتكرة هذه في الدول ذات الغالبية الكاثوليكية.
بعد مرور نحو عامين من ذلك حدثت ثورة في شعبية ملابس السباحة هذه، عندما صُورت بريجيت باردو في شواطئ مدينة كان الفرنسية خلال مهرجان الأفلام في المدينة وهي ترتدي بكينيا صغيرا، وجعلت الريفييرا الفرنسية “عاصمة البكيني” العالمية. وعندما صُوّرت نجمات أخريات مثل ريتا هيوارث وهي ترتدي البكيني، وظهرت أخريات فيه بأفلام هوليوود، أصبحت ملابس السباحة هذه أكثر شعبية في العالم كله.
منذ ذلك الحين مرّ زمن طويل، واليوم، لا يوجد تقريبًا في الغرب شاطئ بحر من دون نساء يرتدين البكيني. تزيّن عارضات الأزياء بالبكيني أغلفة المجلات، وبشكل عام، يعتبر مظهر امرأة بالبكيني مشروعا جدا ومقبولا في العالم الغربي.
هناك من يعتبر ذلك انتصارا نسويا وتمكينا للمرأة – لقد أتاح البكيني للنساء سيطرتهن على جسدهن، وقدرتهن على أن يخترن بأنفسهن ملابسهن، ومظهرهن. في الماضي قد عشنا في مجتمع حدد فيه المجتمع بذاته ما هو لائق وما ليس لائق أن ترتديه النساء في المجال العام، أما الآن فأصبحنا نعيش في مجتمع يمكن للمرأة فيه اليوم أن تقرر بنفسها أية ملابس مريحة لها لارتدائها في المجال العام، وكيف تتعامل مع جسدها.
ولكن هل هذا هو الحال فعلا؟ في حين أن بعض النساء تعتبر البكيني “محرّرا”، تدّعي أخريات أنّ البكيني هو أداة أخرى جعلت جسد المرأة أداة و “شيئا” يهدف إلى إرضاء الرجال ورغباتهم. وحتى أظهرت عدة أبحاث أنّ الرجال الذين يرون نساء يرتدين البكيني يتعاملون معهنّ بمثابة أشياء وبنسبة أقل كآدميات.
فضلا عن ذلك، بسبب نموذج الجمال الذي يعززه المجتمع، يشعر الكثير من النساء بعدم الراحة عندما يرتدين البكيني، ويشعرن أنّهنّ خاضعات لعملية إصدار أحكام مستمرة. ويقيّد هذا الأمر أيضًا الوضعيات التي يمكن للنساء أن يجلسن فيها وأن يشعرن بالراحة.
في الحقيقة، هناك أكثر من إجابة واحدة عن السؤال “هل يرمز البكيني إلى تحرير المرأة أم المسّ بها من خلال جعلها شيئًا في نظر الرجال”. لكن في نهاية المطاف، فإنّ حقيقة وجوده بشكل أساسيّ يعبر عن حرية الاختيار. إذا كانت المرأة تشعر بالراحة عند ارتداء البكيني، فمن الجيد والجميل أن تفعل ذلك، أما إذا كانت تشعر عكس ذلك، فيمكنها أن تختار ألا ترتديه. طالما أن المرأة تتخذ قرار الاختيار، يبدو أنّ تأثيره إيجابي أكثر من كونه سلبيّا.