في مثل هذا اليوم قبل 34 سنة، قام الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، بإطلاق حملة عسكرية ضمت القوات النظامية والقوات الخاصة، لقمع معارضة الإخوان المسلمين في مدنية حماة – الواقعة على بعد نحو 200 كلم شمال العاصمة دمشق- مؤديا إلى دمار شامل في المدينة بقصف مدفعي عنيف، وإلى وقوع آلاف القتلى من سكان المدينة. وكم تُذكر تلك المجزرة التي قام النظام السوري بالتعتيم عليها بما يجري اليوم في سوريا. اقرأوا 5 وقائع منسية عن المجزرة الأكثر دموية في سوريا قبل اندلاع ثورة 2011.
استمرت الحملة العسكرية التي قادها شقيق حافظ الأسد، رفعت الأسد، وانطلقت يوم 3 فبراير الساعة الثانية صباحا، لمدة 27 يوما، تم خلالها تطويق المدينة، وتجويع سكانها، وقصف البلدة القديمة فيها، وتدمير معالمها حتى المساجد والكنائس. ماذا بعد؟
2. نشأت معارضة الإخوان المسلمين لحزب البعث وقائده في سوريا، حافظ الأسد، منذ أن استولى الحزب على مقاليد الحكم في سوريا. وأدى تضارب الأيديولوجيات التي يحملها الطرفين – الحزب البعثي رفع شعار العلمانية والوطنية بينما الإخوان المسلمين تمسكوا بالدين ورفضوا الفكر الوطني- إلى اشتباكات سبقت أحداث حماة 1982. وكان أول اشتباك بين الطرفين عام 1964 في أعقاب ثورة رمضان (1963) التي أتت بحزب البعث في العراق، فقد شهدت حماة اشتباكات بين الإخوان ونظام الأسد.
3. سبقت مجزرة حماة عام 1982، محاولة خطيرة لاغتيال الرئيس حافظ الأسد، كانت يوم 26 يونيو/ حزيران 1980، خلال مراسم استقبال رئيس دولة مالي. وكادت هذه المحاولة تنجح لولا أخطأ منفذ العملية الهدف. ومن المعلومات المتداولة حول هذه المحاولة أن الرئيس الأسد استطاع أن يركل قنبلة يدوية بعيدا عنه، وحارسه المقرب تمكن من إنقاذ الرئيس من انفجار قنبلة أخرى. وجاء رد الرئيس الأسد على هذه المحاولة سريعا، ودون رحمة، حيث قام بإعدام ما يقارب 1200 عنصر إسلامي (وفق تقارير أجنبية) كانوا يقبعون في سجن تدمر.
4. ما زال عدد ضحايا الحملة العسكرية التي شنها الجيش السوري بقيادة رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد، محط خلاف، إذ تتراوح التقديرات بين 7 آلاف إلى 40 ألفا قتيلا. ويتعلق الأمر بالجهة التي تستند إليها. وتحدث الإعلامي البريطاني الشهير، روبرت فيسك، الذي وصل إلى المدينة بعد وقت قصير من وقوع المجزرة، عن 20 ألف قتيل. ونقل الإعلامي الأمريكي الشهير، توماس فريدمان، عن رفعت الأسد بأنه تباهى بقتل 38 ألفا. وعدا عن أعداد القتلى، كتب الإعلامي السوري صبحي الحديدي، بعد 20 عاما على المجزرة، أن عدد المفقودين وصل إلى 15 ألفا، وعدد النازحين بلغ 100 ألف.
5. شكلت مجزرة حماة محطة حاسمة في تاريخ سوريا، فقد استطاع الأسد كسر حركة الإخوان المسلمين ورموزها في سوريا، وقوّت لديه العقلية القمعية، إذ أصبح الأسد يعتمد على القوة العنيفة في حكمه بدل اللجوء إلى المراوغات السياسية. ومن ناحية المعارضة الإسلامية في سوريا، أصبح الإخوان المسلمون ينشطون خارج سوريا، بعدما فشلوا في استقطاب باقي المناطق السورية للانضمام إلى الثورة ضد الأسد. وأدت المجزرة إلى انقسام وتشرذم في صفوف المعارضة. وقد فرض نظام الأسد رقابة قوية على التقارير الإعلامية حول مجزرة حماة، إذ كان إعلام النظام يتحدث عن المجزرة بأنها “أحداث”. ومن نتائج هذا التعتيم أن أجيالا كثيرة من الشباب العربي نشأت دون العلم بوقوع المجزرة.
لا يمكن ذكر مجزرة حماة 1982 دون النظر إلى الحالة السورية الراهنة، والثورة التي انطلقت عام 2011 في سياق الثورات العربية في المنطقة، أو ما يطلق عليه “الربيع العربي”، ومن ثم انفصالها عن مسار الثورة وتحوّلها إلى حرب أهلية. فوجوه التشابه بين الحالتين كثيرة، وأبرزها أن نظام الأسد الابن، لجأ إلى وسائل أبيه، وقمع الثوار السوريين في بداية انطلاقاتها، حتى دخول العناصر الإسلامية المسلحة إلى الصورة، وتحول الثورة إلى حرب أهلية. واليوم يمكن القول إن حافظ الأسد لم يكسر الفكر المعارض لحزب “البعث” وحكمه الشمولي، وإن مجزرة حماة فقط دفنت المعارضة لوقت طويل لا أكثر.