شهدت بداية هذا الأسبوع أزمة دبلوماسيّة بين إسرائيل والأردن، بعد أن طعن شاب أردنيّ حارس أمن إسرائيلي مُستخدما مفكا أدى إلى إصابته، لهذا أطلق الحارس النيران التي أسفرت عن مقتل المعتدي عليه ومواطن أردنيّ آخر.
طالب الأردن التحقيق مع الحارس، لهذا حُظرت عليه مغادرة الدولة، إلا أن إسرائيل رفضت التحقيق معه، لأنه يتمتع بحصانة دبلوماسيّة. وتظاهر مواطنون أردنيون غاضبون أمام السفارة الإسرائيلية التي كان محاصرا فيها الدبلوماسيون الإسرائيليون، ووصل التوتر إلى الذروة، لا سيما على خلفية الأوضاع المُستعرة في المسجد الأقصى.
وقد نجح المسؤولون في حل الأزمة، وذلك بعد أن تحدث بنيامين نتنياهو هاتفيا مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، وبعد أن سافر رجال أمن إسرائيليون رفيعو المستوى إلى الأردن لجسر الهوة في الأمور الشائكة. بعد استجواب قصير أجرته الشرطة الأردنيّة مع الحارس، عاد الحارس، السفيرة، والدبلوماسيون الإسرائيليون الآخرون إلى إسرائيل بسلام، وتوصل البلدين إلى تفاهمات.
إلا أن هذه الحادثة الدبلوماسية لم تكن الأولى من نوعها التي تتعرض فيها إسرائيل إلى مشاكل مع جاراتها في الشرق الأوسط. فقبل ذلك، شهدت إسرائيل أزمات دبلوماسيّة شكلت خطرا على علاقاتها مع جاراتها، وحتى أن جزءا منها زعزع وضعها الأمني في المنطقة بأسرها.
1985 – مقتل الإسرائليين في مصر
تعرضت اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل لعدم استقرار بعد اغتيال الرئيس المصري، أنور السادات، عام 1981، وبعد اندلاع حرب لبنان عام 1982، فأعادت مصر سفيرها من إسرائيل في أعقابها. ولكن لحقت الضربة القاضية بإسرائيل بين عامي 1985-1986، عندما شهدت محاولات اغتيال مواطنيها في مصر. حدثت الواقعة الأولى عند اغتيال الدبلوماسي الإسرائيلي، ألبرت أتراكشي، الذي قُتِل في القاهرة في آب 1985. بعد مرور شهر على قتله، في تشرين الأول عام 1985، قُتِل 7 إسرائيليّين، ومن بينهم 4 أطفال في عملية في شاطئ رأس برقة. في بداية عام 1986، قُتِلت دبلوماسيّة إسرائيلية أخرى، وهي اتي طال أور، وجُرح ثلاثة آخرون، أثناء عملية ضد الإسرائيليين في القاهرة.
وأدت سلسلة الاغتيالات هذه إلى احتجاج في إسرائيل، ودعوات لإلغاء معاهدة السلام مع مصر، ولكن توصل البلدين إلى حل الأزمة بوساطة أمريكية، تضمنت جسر الهوة فيما يتعلق بإعادة السيطرة الإسرائيلية على طابا إلى مصر، وفي النهاية، عاد السفير المصري إلى تل أبيب وعادت العلاقات إلى طبيعتها.
1997 – مجزرة الفتيات في الباقورة
في آذار عام 1997، قتل مواطن أردنيّ، يدعى أحمد دقامسة 7 فتيات في عمر 14 عاما كن في نزهة مدرسية في “متنزه السلام” في الباقورة: وهو موقع أردني كان رمزا للسلام بين البلدين، وخاضعا للأردن إلا أنه كان في وسع الإسرائيليين أن يزوروه بحرية.
وأثارت عملية القتل غضبا عارما في إسرائيل، وشكلت خطرا على اتفاقية السلام بين إسرائيل والأردن، التي مرت سنوات قليلة على توقيعها. ولكن نجح الملك الحسين في “إنقاذ الوضع” بعد أن قطع زيارته في إسبانيا ووصل إلى إسرائيل بشكل خاص، وزار عائلات الفتيات القتيلات، وركع على ركبتيه، وتقدم بتعازيه للعائلات، وطلب المغفرة بشكل شخصيّ، بينما كان يرافقه رئيس الحكومة، نتنياهو، حينذاك.
1997 – محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان
بتاريخ 25 أيلول عام 1997، بعد مرور ثلاثة أشهر فقط من المجزرة في الباقورة، نفذ الموساد الإسرائيلي حملة لاغتيال القيادي الحمساوي، خالد مشعل، في عمان، خلافا لاتفاقية السلام، ودون معرفة السلطات الأردنية. وفق المخطط، كان من المفترض أن يقترب عنصرين من الموساد من مشعل في الشارع، وبينما يفتح أحدهما علبة مشروب غازية بعد هزها جيدا، ينثر الآخر مادة سامة على جسم مشعل. إلا أنه في صباح اليوم المخطط لتنفيذ العمليّة لم ينجح المُخطط لأن أولاد مشعل كانوا معه، ونادته ابنته فأدار رأسه تماما في اللحظة التي نُثرت مادة سامة باتجاهه. فركض مشعل للاختباء في السيارة، وبدأت عناصر حماس التي كانت قريبة من مشعل بالركض وراء عناصر الموساد. بعد مطاردة، وتدخل الشرطة الأردنيّة، اعتُقِل كلا عنصرَي الموساد (ونجح أربعة آخرون شاركوا في العملية في الهرب ولجأوا إلى السفارة الإسرائيلية).
وفي التحقيق مع منفذي العملية في الشرطة الأردنيّة ادعى اثنان أنهما سائحان من كندا وأنهما اعتُقلا دون سبب، ولكن القنصل الكندي الذي أجرى تحقيقا معهما أشار إلى أنهما ليسا كنديين أبدا. في ظل عدم وجود خيار آخر، وبأمر من رئيس الحكومة نتنياهو، أُرسِل رئيس الموساد إلى الأردن للالتقاء بالملك الحسين شخصيا والكشف أمامه عن القصة الكاملة. أوضح الملك أنه إذا مات مشعل، فعليه أن يقضي بعقوبة الموت على كلا عنصري الموساد. في أعقاب هذا القرار نقلت إسرائيل إلى الأردن المادة المضادة للسم التي أنقذت حياة مشعل، وعندها أطلق سراح الإسرائيليَين وعادا إلى إسرائيل.
2010 – اغتيال محمود المبحوح في دبي
بتاريخ 19 كانون الثاني عام 2010، قُتِل محمود المبحوح، أحد قيادي كتائب عز الدين القسّام، التابعة للجناح العسكري لحركة حماس، في غرفة فندق في دبي. فنشرت الحكومة المحلية صورا لـ 26 مشتبها. وفق التقارير، كان من بين المشتبه بهم ستة مواطنين بريطانيين تقريبا، وخمسة آخرون يحملون جوازات سفر أوروبية أخرى. ولكن اتضح بعد الفحص، أن كل الجوازات كانت مُزيّفة، وجزء منها لمواطنين إسرائيليّين لديهم جنسية أوروبية أخرى تابعة لأشخاص ماتوا قبل الحادثة بوقت كثير.
ورغم أن دولة إسرائيل لم تعلق على الموضوع حتى وقتنا هذا، أشارت كل التقديرات في وسائل الإعلام والحكومات الأجنبية إلى أن الموساد الإسرائيلي مسؤول عن عملية الاغتيال. جرّاء القضية لم تحدث أزمة في العلاقات بين إسرائيل ودبي، وبين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، التي بدأت تشهد دفئا غير رسمي في تلك الفترة فحسب، بل حدثت أزمة دبلوماسيّة مع بريطانيا أيضًا، لأنه استُخدِمت جوازات سفر لمواطنيها على يد منفذي العملية.
2010 – السيطرة على أسطول مرمرة
في أيار عام 2010، كان أسطول مرمرة في طريقه من تركيا نحو شواطئ غزة لكسر الحصار في القطاع. وبتاريخ 31 أيار، وصل الأسطول إلى الحدود المائية الإقليمية مع إسرائيل، وسيطرت قوات الكوماندوز الإسرائيلية على سفينة “ماوي مرمرة” التي كانت ضمن سفن الأسطول. أثناء السيطرة على السفينة، هاجم المسافرون الجنود الإسرائيليين. فقُتل أثناء المواجهات تسعة مسافرين، وكان ثمانية منهم مواطنون أتراك. ومات مُصاب آخر متأثرًا بجراحه بعد مرور ثلاث سنوات من الحادثة.
وفي ظل قتل المواطنين الأتراك أثناء السيطر على السفينة، طرأت أزمة دبلوماسيّة هي الأخطر منذ إقامة العلاقات بين إسرائيل وتركيا إذ أعادت الأخيرة سفيرها إلى أنقرة.
وفي عام 2013، في ظل الضغط الأمريكي، نشرت إسرائيل اعتذارا رسميا عن الحادثة، وفي عام 2016 وُقّع اتفاق تسوية بين البلدين، التزمت إسرائيل في إطاره بدفع تعويضات بما معدله 20 مليون دولار للمسافرين الأتراك وعائلات القتلى الذين كانوا على متن السفينة. في أعقاب الاتّفاق، تُوقّفت الإجراءات القانونية ضد الضباط الإسرائيليين، وعُين سفراء جدد في كل من الدولتين.