خلافا للسنوات السابقة، تحظى الذكرى الأربعين لزيارة السادات لإسرائيل بتغطية إعلامية بارزة في مصر. تمثل الكتابة أحيانا الحنين، لا سيما من قبل أبناء جيل السادات. في المقابل، يعبّر جيل الشباب، “خريجي” ثورات عامي 2011 و 2013، عن آرائهم بشكل مختلف. ومع ذلك، يواجه الجميع السؤال “ما الذي لم يتقدم كما ينبغي”.
في مقاله ”زلزال السادات” تذكر المفكّر الليبرالي، وحيد عبد المجيد الاستعدادات لخطاب السادات في الكنيست، مؤكدا على أن السادات فضّل الأسلوب الشعري للكاتب والصحفي موسى صبري بدلا من الأسلوب القانوني الجاف الخاص ببطرس غالي، لتصل أقواله إلى أعماق الإسرائيليين. قال عبد المجيد إن زيارة السادات لم تترك أي تأثير لدى الإسرائيليين، الذين يبتعدون عن عملية السلام.
ومن بين المقربين القليلين من السادات الذين شاركوه فكرته، يمكن الإشارة غالبا إلى نائب رئيس الوزراء والمبعوث الخاص بالسادات لشؤون الاستخبارات، حسن التهامي، الذي التقى سرا مع موشيه ديان في المغرب. في السنوات الأخيرة فقط كشفت وسائل الإعلام المصرية عن اسم محمد عبد الجواد المعروف بـ “كبار الصحفيين” (ابن 94 عاما) الذي عمل أيضا مستشارا إعلاميا لدى السادات.
في مقابلة معه للأهرام قبل الذكرى السنوية لزيارة السادات وصف عبد الجواد مزاج الغضب لدى السادات الذي تذمر من رفض الاتحاد السوفيتي تقديم السلاح لمصر، ومن الفقر في مصر، والإدانة التي وُجهت له في الخليج، عند وصفه بـ “المتسول”. دفعت كل هذه الأمور الرئيس إلى الشروع في مبادرة دراماتيكية.
وقال عبد الجواد إن معظم الحكام العرب عرفوا بنوايا السادات لزيارة إسرائيل وجزء منهم – ملك السعودية وحتى شاه إيران – قد هنأوه بهدوء. وقد صيغت خطة دبلوماسية مشتركة مع حافظ الأسد لزيادة الضغط على إسرائيل، ولكن في وقت لاحق تراجع الحاكم السوري ناعتا السادات بـ “الخائن”. ويعزو عبد الجواد فشل السادات في تحرير جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حزيران عام 1967 إلى نقص دعم الدول العربية.
ذكّر نائب تحرير صحيفة الأهرام القراء بزيارة السادات الأولى إلى القدس في عام 1955، التي جاءت نيابة عن عبد الناصر، من أجل التصدي لجماعة الإخوان المسلمين. وذكر إبراهيم سنجاب أن المعلومات تستند إلى منشور نُشر في مدوّنة البروفيسور مارتن كرامر، ويبدو أن مقالته كانت تهدف إلى منح الشرعية الناصرية لمبادرة السادات.
على النقيض من أبناء جيل السادات الذين ما زالوا يتوقون إلى الشرعية المصرية والعربية، يبرز استعداد الشباب لمعرفة أسباب “السلام البارد” بين إسرائيل ومصر وغياب العلاقات الطبيعية بين الشعبين. ممثل بارز لهذا الجيل هو مؤمن سلام، مؤسس ومدير مدوّنة “مصر المدنية”، الذي نشر مع الدكتور أوفير فينتر من معهد أبحاث الأمن القومي، دراسة عن “السلام البارد” من الجانب الإسرائيلي والمصري على حد سواء.
يشكل النشر المشترك بالعربية أيضًا خطوة غير مسبوقة. حتى قبل بضع سنوات، كان من الممكن أن تؤدي خطوة كهذه إلى هجوم حاد وشن حملة لمقاطعة “الصحفي التطبيعي” وإبعاده من جمعية الصحفيين، كما حدث في الماضي مع علي سالم طيب الذكر. وفي هذه المرة لم يلفت النشر المشترك اهتماما خاصا، وحتى أن هناك صحف مؤساتية وجهت الانتباه إلى ذلك النشر. لا شك أن النضال ضد تطبيع العلاقات قد فقد أهميته، ولم تعد الاتحادات المهنية كما كانت في الماضي، لا سيما في نظر الجيل الشاب.
رغم أن مصير مؤمن سلام لم يكن شبيها بمصير علي سالم، ترفض جهات الأمن المصرية السماح له بزيارة إسرائيل. كتب سلام أكثر من مرة في مدونته، وعرض القضية باعتبارها بقايا نظام مبارك ومثالا على العقبات التي وضعتها المؤسسة المصرية أمام كل من يريد تعزيز العلاقات مع إسرائيل. ولكن يعتقد سلام أنه قد طرأت تغييرات على المجتمَع المصري منذ الثورات وبدأت تظهر اليوم براعم مواقف جديدة فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل واليهود. يأتي هذا التغيير في ظل زيادة الانتقادات ضد جيل كبار السن واستعداد الشباب المتزايد للتشكيك في المسلّمات، بما في ذلك العلاقات مع إسرائيل.
أشار سلام في منشور له في صفحته على الفيس بوك في العام الماضي، إلى الفارق بين جيل الشباب من الليبراليين العلمانيين، الذين بدأوا يعربون في السنوات الأخيرة عن ميلهم إلى تهشيم الآراء المقولبة السياسية والدينية وفي المقابل بلورة مواقف مستقلة تستند إلى القيم المستنيرة، وبين الجيل السابق من الليبراليين، الذي لا يختلف عن الناصريين أو الإسلاميين فيما يتعلق بإسرائيل. يعزو سلام المحافظة الخاصة بهذا الجيل، من بين أمور أخرى، إلى قمع النظام الاستبدادي المصري، الذي أجبر الليبراليين على التعاون مع عناصر المعارضة الأخرى واعتماد مواقفها. وهو يوصي دعاة السلام في إسرائيل بأن يهتموا بالتأثيرات الاجتماعية في مصر باعتبارها إمكانية لإحداث تغييرات إيجابية في مصر فيما يتعلق بإسرائيل واليهود.
المقالة مترجمة من موقع منتدى التفكير الإقليمي حيث ظهرت لأول مرة