في هذا اليوم تحديدًا، قبل 36 عامًا، حدث تطوّر كبير في تاريخ الشرق الأوسط المليء بالأحداث، وذلك حين وقّعت القوّتان العظميان في الشرق الأوسط، إسرائيل ومصر، في كامب ديفيد الأمريكية على الاتفاق الإطاري للسلام بين الدولتين.
خلال 36 عامًا مرّت من ذلك الحين، كان السلام بين إسرائيل ومصر بين صعود وهبوط، ولكن المصلحة القوية لكلا البلدين في الحفاظ على الاستقرار حافظ على السلام، وفي الأيام التي شهد فيها الشرق الأوسط الكثير من الاضطرابات، فإنّ أحد الأمور الأكثر استقرارًا في المنطقة هو السلام الإسرائيلي – المصري.
السادات يزور إسرائيل
حتى موعد توقيع الاتفاقية، كانت إسرائيل ومصر عدوّتين مريرتين وقاسيتين. منذ إعلان استقلال دولة إسرائيل عام 1948، نشأت بين إسرائيل ومصر معارك وحروب قاسية ومريرة، وعلى رأسها حروب 1948، 1967 و 1973. كان التوتّر على الحُدود الإسرائيلية – المصرية كبيرًا، دفع الجنود بل والمدنيّون حياتهم خلال الحروب وبينها، واضطرّت الدولتان إلى استثمار موارد كبيرة للحفاظ على الحُدود غير المستقرّة، من أجل حماية أراضيهما.
جاء التحوّل الدراماتيكي في العلاقات بين البلدين مع تصريحات علنية في تشرين الثاني عام 1977 لزعيميّ كلا الدولتين، أنور السادات ومناحم بيجن، حول نيّة السادات بزيارة إسرائيل. بعد عدة أيام من ذلك، هبط السادات في إسرائيل وتلقّى ترحيبًا حارّا من بيجن، وبدأ الاثنان فورًا بالتفاوض للتوصّل إلى اتفاق دائم.
صاحبت المفاوضات صعوبات كثيرة، وفي النهاية، في 17 أيلول عام 1978، وقّع كلا الطرفين على اتفاقية كامب ديفيد، التي كانت الاتفاق الإطاري للسلام. بعد عشرة أيام من ذلك وافق الكنيست الإسرائيلي على الاتفاقية، وبعد نحو نصف عام من ذلك، في آذار 1979، وقّع كلا الزعيمين على اتفاقية السلام التاريخية.
تداعيات الاتفاقية
كسب كلا الطرفين كثيرًا من الاتفاقية. تتلقّى مصر، منذ توقيع الاتفاقية وحتى اليوم، معونة اقتصادية وعسكرية على نطاق هائل من الولايات المتحدة، والتي لا يتوقّف تدفّقها للحظة وتشكّل بالنسبة للبلد أنبوب أكسجين مهمّا جدّا.
كل من إسرائيل ومصر، خصّصت – تدريجيّا – موارد أقلّ من أجل الحفاظ على الحدود المتوترة. خلال 30 عامًا من استقلال إسرائيل خاض الطرفان كما ذكرنا ثلاثة حروب صعبة بالإضافة إلى القتال الذي لا يتوقف، ممّا أدى إلى زيادة التوتّر وعدم الاستقرار على الحدود وتطلّب من الدولتين تخصيص موارد كبيرة للحفاظ عليها، والتي تشمل من بين أمور أخرى دماء أبنائهم.
وبالطبع، قبل كلّ شيء، كانت شبه جزيرة سيناء. 61,000 كيلومتر مربع (تقريبًا 3 أضعاف مساحة إسرائيل)، والتي قامت إسرائيل باحتلالها خلال حرب 1967، تمّت إعادتها إلى مصر. ومن أجل ذلك اضطرّت إسرائيل إلى إخلاء عدد من البلدات الإسرائيلية، التي أقيمت على أراضي سيناء.
فتحت اتفاقية السلام أيضًا السياحة الإسرائيلية إلى مصر. سافر العديد من الإسرائيليين للسياحة في المواقع التاريخية في مصر بالإضافة إلى القاهرة، واعتاد العديد من الإسرائيليين كذلك على قضاء عطلة في سيناء الهادئة. ولكن في عام 2004 جرت سلسلة من الهجمات الإرهابية ضدّ إسرائيليين في سيناء، وقلّصت تدريجيّا من عدد السياح الإسرائيليين في سيناء، وصولا إلى درجة صفرية كما هو الحال اليوم.
عهد جديد
حدّدت اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر عهدًا جديدًا في الشرق الأوسط. لن يقاتِل الجيشيْن الأكبر في المنطقة بعضهما البعض بعد ذلك. لقد تمّ توقيع الاتفاقية بين زعيمين قويّين، وبدأت بالتعرّض للتجارب الحقيقية بعد أن أخلى هؤلاء الساحة الدولية.
المرة الأولى التي تمّ فيها تجريب الاتفاقية هي في فترة الحرب بين إسرائيل ولبنان عام 1982. تمّ تفعيل ضغوط كبيرة جدّا على الرئيس المصري، حسني مبارك، مع اندلاع الحرب، والذي حلّ مكان السادات الذي اغتيل، من أجل إلغاء اتفاقية السلام. لقد وضعت اضطرابات أخرى في المنطقة أيضًا، مثل الانتفاضة الفلسطينية، الاتفاقية قيد الاختبار.
ومع ذلك، فإنّ اتفاقية السلام كانت “اتفاقية حديدية” بالنسبة لكلتا الدولتين. حتى في الفترة التي سيطر فيها الإخوان المسلمون في مصر، احترم محمد مرسي الاتفاقية وأدار اتصالات غير مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية.
وقد أثبتت الوساطة المصرية بشكل أساسي خلال عملية “الجرف الصامد”، والتي تمّت في الصيف الأخير، بشكل قاطع أنّ الرئيس الحالي لمصر، عبد الفتّاح السيسي، يرى في إسرائيل أكثر من مجرد صديق إقليمي. علاوة على ذلك، فخلال المحادثات بين الجانبَين الإسرائيلي والفلسطيني سُمع الكثير من الشكاوى من قبل الفلسطينيين بأنّ السيسي في الواقع “منحاز” لصالح الإسرائيليين.
اليوم
اليوم، بعد 36 عامًا من توقيع اتفاقية كامب ديفيد، من الواقع دون شكّ أنّ اتفاقية السلام تخدم كلا الطرفين، ولديهما مصلحة واضحة في الحفاظ عليها. إنّ الوضع الاقتصادي في مصر صعب جدّا اليوم، وهي لا يمكن أن تسمح لنفسها بتخصيص موارد لحروب لا داعي لها. بالإضافة إلى ذلك، في الأيام التي ليبيا فيها محطّمة، والسودان مقسّمة وقطاع غزة هو مكان يتعرّض للضرب وميؤوس منه، فإنّ مصر في أمسّ الحاجة إلى الاستقرار وإلى الأصدقاء الأقوياء بجانبها، مثل إسرائيل.
وهناك جوانب سلبية للاتفاقية أيضًا. يعتبر السلام سلامًا “باردًا”، لأنّه لا يشمل بداخله تعاونًا ثقافيًّا ومبادرات اقتصادية مشتركة. لا يزال الكثير من المثقّفين المصريين يقاطعون إسرائيل. ليس هناك سيّاح مصريّون في إسرائيل وتغطّي وسائل الإعلام المصرية إسرائيل في غالب الأحيان بشكل عدائيّ وليس موضوعيّا.
بالإضافة إلى ذلك، هناك نظريّات تقول إنّه وفقًا للإسلام، فليس هذا سلامًا دائمًا وإنما هدنة طويلة الأمد. ولكن، كلّما مرّت السنين وتم الحفاظ على الاستقرار، ازدادت بذلك قوة الاتفاقية وتراجعت احتمالات إلغائها.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الاتفاقية نجاحًا كبيرًا جدًا. أدّت الاتفاقية – التي أنهت تمامًا حالة الحرب بين البلدين – بالدرجة الأولى إلى إنقاذ حياة الآلاف، إنْ لم يكن عشرات الآلاف من الناس، من الجانبين معًا. باستثناء حوادث قليلة لانتهاكات محليّة في إطلاق النار، والتي نشأت عن مبادرات فردية مع قضايا شخصية ما، فإنّ كلا الطرفين يلتزم بالحفاظ على الهدوء والأمن المتبادل.
يسير الكثير من الناس اليوم في شوارع القاهرة وتل أبيب، دون أن يعرفوا بأنّهم يمارسون حياتهم اليومية، وأنهم على قيد الحياة، بفضل اتفاقية السلام. ولكن كما ذكرنا، فإنّه سلام “بارد”، على الرغم من أنه في الأيام التي يمرّ فيها الشرق الأوسط باضطرابات كثيرة، يمكن تعريف الحفاظ على الهدوء والسلام بين إسرائيل ومصر باعتباره أحد الأمور الأكثر استقرارًا في الشرق الأوسط.