قبل 14 عامًا تمامًا، في صباح 25.5 عام 2000، استيقظ سكّان شمال إسرائيل على صباح جديد. 18 سنة من الحرب في لبنان، سيطر خلالها الجيش الإسرائيلي على جميع منطقة الجنوب اللبناني، انتهت في ليلة واحدة بالانسحاب السريع. وعد رئيس الحكومة حينذاك، إيهود باراك، مع انتخابه عام 1999 بأنّه سيعمل على تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من المنطقة التي سمّيت “الشريط الأمني”، والتي خُصّصتْ لحماية سلام سكّان شمال إسرائيل من إطلاق صواريخ الكاتيوشا.
“كان ذلك بمثابة وعد الانتخابات الوحيد الذي قام إيهود باراك بتحقيقه كرئيس للحكومة ووزير للدفاع خلال تولّيه لمنصبه لفترة قصيرة”، هذا ما قاله اليوم المحامي ألدد يانيف، الذي كان مستشار باراك القريب. أراد باراك في البداية أن ينسحب من لبنان في إطار اتفاق شامل مع نظام حافظ الأسد الذي كان يسيّطر على لبنان، ولكن حين خاب أمله من ذلك الأمر وحين فهم الجيش الإسرائيلي أنّ قوات الميليشيا التابعة لأنطوان لحد (التي كانت تتعاون مع إسرائيل) قد انهارت تمامًا تقريبًا، أمر رئيس الحكومة بالانسحاب الفوري حتى خطّ الحدود.
أيّدتْ غالبية الشعب الإسرائيلي ذلك القرار وقام بدعمه. رغم ذلك، لم تحظ حكومة باراك بشعبية كبيرة، وبعد أقلّ من عام انهارت وتم تغيير باراك بأريئيل شارون. وقد تمّ استبدال الانتقادات الجارحة بالدعم العلني الذي أعطي لباراك. كان أحد أكبر منتقدي الانسحاب رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، حيث قال عام 2007: “كان هذا الانسحاب المتسرّع من جنوب لبنان هروبًا غير مسؤول”، وقد أدى إلى اندلاع حرب لبنان الثانية عام 2006.
وقد اختار أريئيل شارون أيضًا المضيّ في مسار الانسحاب من طرف واحد، وذلك حين قاد عام 2005 برنامج فكّ الارتباط والذي انسحبت خلاله جميع القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وتم خلاله أيضًا إخلاء 8,600 مستوطن من منازلهم. وقد جلب تفاقم الإرهاب وإطلاق القذائف من قطاع غزة في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي الانتقادات الحادّة لإسرائيل، بشكل أساسيّ من فم نتنياهو (رغم أنّه صوّت لصالح البرنامج). بعد أن انتُخب نتنياهو مجدّدًا لرئاسة الحكومة عاد وصرّح قائلا “لن نعود إلى خطأ فكّ الارتباط”.
ويعتقد البعض الآن أنّ نتنياهو نفسه يدرس إمكانية العودة للمسار من طرف واحد يقدّر محلّلون إسرائيليون أنّ نتنياهو معنيّ بدراسة فكرة الانسحاب من طرف واحد في الضفة الغربية، حيث يترك الأراضي الفلسطينية خارج مجال إسرائيل. -وفي المقابلة التي أجراها مع وكالة “بلومبرغ” قال نتنياهو هذا الأسبوع: “إنّ فكرة الخطوات من طرف واحد تكتسب زخمًا في إسرائيل، بدءًا بمعسكر مركز اليسار وانتهاءً بمركز اليمين”. طرح نتنياهو الفكرة كطريقة لمواجهة فقدان الرغبة بدولة ثنائية القومية.
ومع ذلك، عاد نتنياهو وذكّر أنّ إسرائيل ليست معنيّة بالعودة إلى الأخطاء التي نُفّذتْ لدى فكّ الارتباط. وقد أسرعت وزارة الخارجية الأمريكية في الردّ والتعبير عن معارضتها لفكرة أنّ يحدّد أحد الطرفين في المفاوضات حقائق على أرض الواقع من جهة واحدة، ولم يُسجّل في إسرائيل أيضًا تحمّس كبير لتلميحات نتنياهو.
وقال الوزير عوزي لنداو، الذي يعارض بشدّة كلّ خطوة للتنازل أمام الفلسطينيين، إنّ كلام نتنياهو لا لزوم له ومن شأنه أن يجلب ضغوطات كبيرة على إسرائيل لاستمرار فكرة الانسحاب. ” إنّ الحديث عن خطوات من طرف واحد سيُفهم بأنّه استعداد إسرائيلي للتنازل من طرف واحد”، هذا ما قاله لنداو.
بعد 14 عامًا من خروج آخر جندي من لبنان، ما زالت فكرة الانسحاب من طرف واحد حيّة في إسرائيل، رغم جميع الانتقادات التي وُجّهتْ إليها. وستخبرنا الأيام إنْ كان نتنياهو، وهو المنتقد الأشد للانسحاب من طرف واحد والذي نفّذته إسرائيل في جنوب لبنان وقطاع غزة، هو تحديدًا من سيعيد الحياة للفكرة ويقود انسحابًا آخر.