في تشرين الأول 2013، نشرت شابّة إيرانيّة عمرها 26 عامًا رسالةً على صفحة الفيس بوك الخاصّة بوزير الخارجية الإيراني، محمّد جواد ظريف، فصّلت فيها المشاكل الاقتصادية الخطيرة التي تمرّ بها. وتوجهت إلى ظريف طالبة بانفعالٍ من أجل العمل على إزالة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران بسرعة قبل أن يفوت الأوان بالنسبة للشباب في بلادها.
وعبّرت الرسالة عن ضائقة شبّان إيرانيين كثيرين على خلفيّة الأزمة الاقتصادية والشعور باليأس من المستقبَل، ونجحت في إثارة ردود أفعال حسّاسة من جانب متصفحين إيرانيين في مواقع التواصل الاجتماعي. إن تخفيف الضائقة الاجتماعية والاقتصادية والحصول على الحرية السياسية كان من الأهداف الهامة للثورة الإسلامية، لكن بعد 34 عامًا على مرور الثورة، لم يستطع قادة إيران تحقيقها.
بعد 100 يوم من انتخابه رئيسًا، يسجل حسن روحاني نجاحًا محدودًا جِدًا في الطريق إلى الوفاء بالوعود التي تعهد بها في المعركة الانتخابية بهدف تحسين وضع المادي للمواطنين الإيرانيين وتخفيف الوضع الأمني في المجتمَع. رغم الخطوات المحدودة التي قام بتنفيذها، ورغم تغيير ما الذي طرأ على الجو الشعبي، لم تتم ملاحظة تغيير فعلي في هذه الأثناء في مجالات الحريات السياسية وحقوق الإنسان. لقد عمل روحاني على تقديم تحرير الأسرى السياسيين، لكن معظم الأسرى قد بقوا في السجن، ومن ضمنهم قائدا المعارضة الإصلاحية، مير حسين موسوي ومهدي كروبي. كما أن عدد الاغتيالات لم يقل حتى ولو شخص واحد في الآونة الأخيرة. لقد أمر بنقل الصلاحية في تنفيذ شريعة اللباس الإسلامي من بين أيدي قوات الأمن الداخلية إلى وزارة الداخلية التي تحت سيطرته المباشرة ويبلّغ المواطنون الإيرانيون فعلا عن تسهيلات معينة في التنفيذ الإسلامي في الشهور الأخيرة. على الرغم من ذلك، لم تتوقف قوات الأمن الداخلية والسلطة القضائية عن عملها على تطبيق الأوامر في شوارع المدن. لقد وضح روحاني وبعض من وزرائه الحاجة إلى تقوية حرية الصحافة وإزالة العوائق فيما يتعلق بتصفح الإنترنت والشبكات الاجتماعية، لكن معظم العوائق بقيت كما هي، وفي الآونة الأخيرة تم إغلاق الصحيفة اليومية الإصلاحية “بهار” بعد أن نشرت مقالا تم تفسيره على أنه مس بشرف الإسلام الشيعي. هذا لا يعني أن الرئيس ليس ملزمًا بالوفاء بوعده في تقديم الإصلاحات المدنية المحدودة. على الرغم من ذلك، تشهد خطواته الصغيرة والمقلصة، على الأفضلية الواضحة التي يوليها لحل الأزمة الاقتصادية على حساب ترقية الإصلاحات المدنية والاضطرارات التي تقف أمامه من جانب مصادر القوة في المؤسسة الدينية-المحافظة في جهوده لتقديم تغييرات اجتماعية بعيدة المدى.
لا شك في أن قسمًا من الجمهور الإيراني، وتحديدًا الشباب المثقفون والمدنيون الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى، يولون تقديم الإصلاحات الاجتماعية اهتمامًا كبيرًا والتي ستؤدي إلى انفتاح زائد في المجتمع. مع ذلك، يبدو أن المواطنين الإيرانيين يولون أهمية عليا في حل الأزمة الاقتصادية التي تلحق بلادهم في السنوات الأخيرة. إن تعابير الأزمة الاقتصادية، ومن ضمنها نسب التضخم والبطالة المرتفعة، هبوط قيمة العملة المحلية وأزمة السكن المتفاقمة، معروفة جيدًا لدى عامة الشعب وتأثيراتها تبرز بشكل خاص في وسط الشباب الذين يشكّلون 70% من سكان إيران. في نهاية تشرين الأول من عام 2013، قام وزير العمل، علي ربيعي، بالتبليغ حول أن نسبة البطالة في وسط الشبان من خريجي الجامعات قد وصلت السنة الماضية إلى أكثر من 40%. ويفهم مواطنو إيران أيضًا، أن حل الأزمة الاقتصادية يكمن غالبًا، في تسوية سياسية حول الشأن النووي التي ستؤدي إلى إزالة العقوبات.
في التاسع عشر من تشرين الثاني من العام الجاري، عشية استئناف المحادثات النووية بين إيران والغرب في جنيف، أنشأ آلاف الطلاب سلسلة بشرية حول المنشأة النووية في فوردو، من أجل التعبير عن دعمهم حق إيران في البرنامج النووي. تشير استطلاعات الرأي العام، التي أجريت في السنوات الأخيرة في إيران، إلى دعم شعبي واسع حول حقها في البرنامج النووي. يشير استطلاع أجراه معهد غالوف، في أوائل عام 2013 على أن 63% من مواطني إيران يؤيدون البرنامج النووي.
على الرغم من ذلك، أثبتت نتائج الانتخابات الأخيرة لرئاسة إيران، أن هذا التأييد لا يفسّر كمعارضة على تسوية مع الغرب. اختار 51% من مواطني إيران المرشح، الذي أدلى خلال المعركة الانتخابية نقدًا أكثر حدة ضد سياسة المفاوضات النووية للحكومة الخارجية، مدعين أنه رغم أهمية استمرار دوران نابذات الطرد من المركز، مهم أيضًا أن يتمكن مواطنو إيران من الاستمرار في إدارة حياتهم.
منذ شهر المفاوضات بين إيران والغرب بقيادة الحكومة الجديدة في طهران، يعبّر معظم الشعب الإيراني عن دعمه للمحادثات ولطاقم المفاوضات وعن تفاؤل حذر في التطلع إلى إزالة العقوبات وتحسين الوضع الاقتصادي. لا يعني الأمر أن جميع الإيرانيين يؤيدون العمليات السياسية للحكومة. ليس المجتمع الإيراني مصنوعًا من فئة متجانسة، والمظاهرات الكبيرة المناهضة لأمريكا، التي أجريت بمناسبة الذكرى السنوية للسيطرة على السفارة الأمريكية في طهران في الرابع من تشرين الثاني من العام الجاري، تشهد على أنه توجد جهات محافظة متطرفة أيضًا في وسط الشعب الإيراني التي تعارض بقدر ما جاهزية مدراء المفاوضات الإيرانية للموافقة على التسويات.
دعم مواطني إيران للرئيس وحكومته مؤقّت ومشروط بقدرة روحاني على الاستجابة على متطلباتهم بخصوص الوضع الاقتصادي وزيادة الحريات المدنية على حد سواء. لقد سبق وأثبت الشعب الإيراني سابقًا أنه يمكنه تغيير موقفه تجاه حكومته في حال لم تتقيد الأخيرة بوعودها. من دون ترتيبات سياسية، تتيح التخفيف من العقوبات وتحسين الوضع الاقتصادي، ودون التقدم في تحقيق إصلاحات مدنية معينة تخفف من الشعور بالضغط الذي يشعر به الكثيرون من مواطني إيران، يمكن أن تتطور أزمة توقعات حقيقية، التي ستضعضع مكانة الرئيس السياسية ويمكن لها يومًا ما أن تؤدي إلى تحديث الاحتجاج السياسي ضد النظام.