على مر آلاف السنين ومنذ تطور الحضارة البشرية، كان الخبز طعام الإنسان، وهو الأكل الأساسي والأكثر شيوعًا في أنحاء العالم بأشكاله الكثيرة والمتنوعة، نظرًا لعميلة تحضيره المعقّدة. بدءًا من الحبوب، ومرورًا بالطحن وحتى التخمير والخبز، تحوّل الخبز إلى رمز الحضارة البشرية.
وربما بسبب ذلك، فهو يحظى بأهمية حضارية هامة. تصبح الوجبة في الديانة اليهودية احتفالية لمجرد تناوُلها مع الخبز. إذ يُذكر في طقوس المباركة القول “المخرج خبزًا من الأرض”. يضرب المثل العربي عن أطراف تم الاتفاق بينها أنه “صار خبز وملح بينهم”، ويرمز الخبز المقدس في الديانة المسيحية إلى جسد المسيح، وفي حضارات أخرى يرمز إلى مصدر الرزق.
ولكن الخبز تحوّل في السنوات الأخيرة، على الأقل في إسرائيل، من منتج أساسي وبسيط إلى “نجم” حوانيت المأكولات والمخابز، ويُخبز بوفرة من الأشكال، الوصفات والتجديدات: ففي حين كنا نجد سابقًا، حتى قبل عشر سنوات أو خمس عشرة سنة في الحانوت نوعين من الخبز فقط (الأبيض والأسود)، وربما الخبز العربي، فاليوم نجد تشكيلة لا نهائية من أنواع وكميات الخبز المختلفة، وعدد لا نهائي من المخابز التي يشبه افتتاحها في البلاد ظهور الفطر بعد المطر. تغيّر السعر أيضًا، والمنتج الذي كان منتجًا أساسيًا سابقًا: “خبز الفقراء”، ازدادت تكلفته بأضعاف، وتحوّل في جزء من الأماكن إلى منتج “بوتيك”.
ثمة أنواع مختلفة من الخبز الشعبي، بدءًا بالأنواع البسيطة مثل الخبز العربي، الذي بقي سعره رخيصًا وهو متوفر في كل مكان، وحشوته الأكثر شهرة هي الفلافل، ويحظى بتشكيلة من النكهات والصلصات، (هنالك مطعم مشهور وعصري خاص بأحد الطهاة المشهورين في إسرائيل كان قد حوّل الخبز العربي إلى صرعة، ويقدم خبزًا عربيًا فقط بتشكيلة من الحشوات). كذلك الخبز الدرزي والعربي، الذي يتم خبزه على الصاج، هو شعبي جدًا في إسرائيل، ويحبذ تناوله بشكل خاصّ مع اللبنة، زيت الزيتون والزعتر.
نوع آخر من الخبز المحبوب لدي بشكل خاصّ هو اللحم المغربي، الذي أتذكره منذ طفولتي عندما كانت جدتي تخبزه على الطابون. صحيح أنه خبز أقل معرفة وشعبية في إسرائيل، لكنه يثير بي الحنين إلى الماضي، وأشعر أنه لا يوجد ألذ من ذلك.
أحب أيضًا الباجيت الفرنسي والخبز المحلى قليلا “اللحمنيوت” على أنواعه، والبيغلة الأمريكية، المتوفرة في كل مخبز تقريبًا. يتم في السنوات الأخيرة أيضًا في إسرائيل، صنع خبز فوكاسيا الإيطالي، ويتيح الكثير من التنويع بالإضافات التي تُضع عليه، (بدءًا بزيت الزيتون والملح، وانتهاء بالباذنجان، الفلفل الحار والبندورة مع التوابل على أنواعها).
ولكنّ التجديدات والتنويعات الأساسية تظهران تحديدًا في المُنتج الأساسي والأكثر “اعتيادا عليه”، وهو الخبز. ثمة تشكيلة كبيرة من الخبز في المخابز في إسرائيل في السنوات الأخيرة، الغنية بأنواع مختلفة من الحبوب، الخميرة الطبيعية بدلا من الخميرة المصنّعة، وبتعبئة وتغطية من بذور وحبوب مختلفة، سمسم وقزحة، ونكهات مختلفة مثل الزيتون، الجوز، البصل المقلي أو البندورة المجففة. أضف إلى ذلك الصرعة الصحية التي غزت المخابز، وقللت من صنع الخبز الأبيض الذي يعتبر صحيًا، ودمجت أنواع مختلفة من الطحين الكامل، طحين الشوفان وتشكيلة من الحبوب المختلفة الأكثر صحية للجسم.
في الحقيقة، إن تحضير خبز خاص من هذا النوع هو سهل للغاية، وأنا شخصيًا أحب تحضير الخبز على أنواعه في البيت. إن أكثر خبز محبوب لدي هو خبز الجوز، وهو صحي وطعمه غني، مناسب للأطعمة ولذيذ للأكل مع الزبدة.
نضع ونخلط في وعاء، 700 غرام من الطحين الكامل، مع 300 غرام من الطحين العادي، ثم نضيف ملعقة كبيرة مليئة من الخميرة الجافة. نضيف 300 غرام من الجوز، معلقة كبيرة ونصف من الملح، ونحو ثلاثة ونصف حتى أربعة كؤوس من الماء. نخلط جيدًا بواسطة اليدين، حتى تندمج كافة المواد جيدًا. نضع العجين في وعاء نظيف قد تم دهنه بزيت الزيتون، نغطيه بالنايلون، وننتظر نحو ساعة حتى يتخمر العجين ويضاعف حجمه.
نخرج فقاعات الهواء من العجين ونقسّمه إلى طابتين، نغطيهما بفوطة نظيفة، ونخمّره نحو ساعة إضافية. بعد ذلك، نغطيه بالدقيق الكامل، نصنع شقوقًا في كل رغيف بواسطة السكين، ونخبزه في الفرن بعد تسخينه مسبقًا على درجة حرارة 230 مئوية لمدة نصف ساعة. بعد ذلك نخفض درجة الحرارة إلى 180-200 درجة مئوية لمدة 20 دقيقة إضافية. يُستحسن أكله ساخنًا! صحتين!