مزيج من الظروف الفيزيائيّة من قلّة الغيوم إلى جانب الزيادة الطبيعيّة المرتفعة لعدد السكان، التي تزيد من استخدامِ وتلويث مصادر المياه الحاليّة، حوّل الشرق الأوسط إلى أحد المناطق الأكثر قحلا في العالم، والذي يُعاني من أزمة مياه شبه مُستديمة. لعبت المياه منذ الأزل دورا مركزيّا أيضا في النزاعات بين دول المنطقة، جرى ذلك نظرا لاستنزاف معظم دول المنطقة مواردَ الماء خاصّتها في الكامل، وبالتالي حاجتها لكلّ قطرة ماء إضافيّة متوفّرة.
في إسرائيل أيضا، من المتوقّع أن يكون الشتاء القادم جافّا جدّا. بعد ثلاثِ سنوات من القحط في شمال إسرائيل، وإثرَ تواجد بحيرة طبريا قريبا جدّا من الخطوط الحمراء، فإنّ توقّعات هطول الأمطار في النصف الأوّل من الشتاء لا تبدو مشجّعة على الإطلاق.
وفقا للتوقّعات التي تمّت دراستها في سلطة المياه الإسرائيليّة، فإنّ النصف الأول من الشتاء سيشهد شحّا بكميّة الأمطار التي ستكون أقلّ من معدّل هطولها في السنوات الماضية.
يُمكن أن يؤدي نقص في كمية مياه الأمطار إلى أسوء حالة ركود شهدها مستوى مياه بحيرة طبريا في العقد الأخير، إذ بمقدوره خفضَ مستوى مياه البحيرة ومستوى المياه الجوفيّة أيضا إلى نحو متر حتى متر ونصف تحت الحدود الحمراء.
أدّت في الواقع محطات تحلية المياه التي أقيمت إلى عدم تعلّق إسرائيل تقريبا بمياه الأمطار كمصدر لتوفير مياه الشرب، لكن هناك عدّة سلبيات لهذه المياه المُحلّاة: يكون سعرها أغلى، تتطلّب عمليّة تحلية المياه مصروفَ طاقة هائل، وتفتقر هذه المياه لقسم من المعادن الضرورية لصحة الإنسان. تستدعي قلّة الأمطار أيضا حاجة مُلِحّة لزيادة عمليات الريّ.
المياه: سلاح في الشرق الأوسط
تُشغل الأزمة الدامية في سوريا، القضية الفلسطينيّة التي لا تنتهي، عدم الاستقرار الأمني، موجة الإرهاب في الشرق الأوسط والمزيد من القضايا على شتّى أنواعها، فِكرَ الدول العربية وسائر دول الشرق الأوسط. وفي الحقيقة فإن النقص الحادّ في موارد الماء يزيد من خطر الوضع القائم، بل وأكثر من ذلك. تمّ في مؤتمر القمّة السنويّ للجامعة العربية (عام 2014) إقرار خطّة استراتيجيّة لتجنّب أزمات مياه يُحتملٌ ظهورها في المستقبل ومنعها، لكن من الواضح أنّ الأزمات متواجدة أصلا في وقتنا هذا، والأيام هي فقط مَن بمقدورها الكشفَ ما إذا ستقوم الجامعة العربيّة، التي تتخذ قرارات أكثر مما تُنفّذها على أرض الواقع، بجَلبِ الخلاص للمنطقة.
يواجه عدد من الدول العربية، صعوبات في مُعالجة أزمة نقص الماء وإيجاد حلول لها. إذ نشرت منظمة الـ UNDP، التابعة للأمم المتّحدة والتي تتابع الموضوع عن كثب، في أحد تقاريرها الأخيرة أنّ المنطقة العربيّة في حاجة إلى استثمار 200 مليار دولار في غضون عشرِ سنوات كيْ تقدر أن تتعامل معَ أزمة المياه هذه وأن تحلّها، خاصّة أنّه وفقا للتكهّنات فإنّه في عام 2050 سيصل عدد سكان الشرق الأوسط إلى 634 مليون نسمة – ارتفاع بنحو 360 مليون نسمة.
إحدى المشاكل المتواجدة في هذا السياق هو أنّ الدول العربيّة تُشاطِر مصادر مياهها السطحيّة، كنهر الفرات ونهر النيل، مع دول مجاورة ليست عربيّة، الأمر الذي بمقدوره أن يَشكّل خطرا على إمدادات المياه وتوفيرها. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تغيّر مُستقبليّ في المناخ المحليّ للمنطقة جدير بإحداث تصحّر وإضرار بتوفير موارد الطعام في المنطقة، ما قد يؤدي إلى زعزعة ثبات الأنظمة غيرَ المستقرّة أصلا، حتى وبإمكانه أن يؤدّي إلى هجرة السكان المحليّين وخَلقِ أرضٍ خصبة لصراعات نحن في غنى عنها.