بدأ تومر يوسف طريقه كممثّل كوميديّ. شارك في برنامج هزلي ناجح، قدّم عروضًا مسرحيّة في أرجاء إسرائيل، شارك في أفلام سينمائية، ودبلج أفلام كرتون. قبل عقد، في الثامنة والعشرين من عمره، منح نفسه الفرصة أمام الميكروفون. وبعد أن أصدر ألبومه الأول وأجرى جولة من الحفلات المحليّة، قابل عازف الساكسفون، أوري كبلان، وعازف الكمان الكهربائي ومقدِّم التسجيلات الموسيقية (DJ)، تمير موسكت. أثمر هذا اللقاء – الذي جرى وراء المحيط الأطلسي، في نيويورك – في نهاية المطاف الـ “بالكان بيت بوكس”، فرقة “موسيقى عالمية” ناجحة جدًّا.
هكذا يبدو صوت تومر يوسف في مسيرته الفردية – “آل تطوسي رحوك ميداي” (لا تطيري بعيدًا جدَّا)
تدمج فرقة “بالكان بيت بوكس” (الملقّبة على الإنترنت BBB) عناصر موسيقى غجريّة وبلقانيّة مع “البانك”، “الهيب هوب”، و”الداب ستيب”، وتُكثر من استخدام آلات تميّز الموسيقى العربيّة. صدر ألبومهم الأول، الذي دُعي على اسم الفرقة، عام 2005 وأثار أصداءً كبيرة في عالَم الموسيقى، لا في الساحل الشرقي للولايات المتحدة فحسب. وقد لعب الأسلوب الجارف، تعدًّد اللغات، والتعاوُنات المميَّزة دورَها. فأغانٍ مثل “Shushan” و “Hassan’s Mimuna”، بمشاركة موسيقيين من المغرب، تلقي ضوءًا على مسارات موسيقيّة ليست مألوفة بشكل كافٍ في العالَم الغربي.
حسن بن جعفر و BBB يقدّمون أداءً مُثيرًا مع موسيقى تحرِّك المشاعر (وفي الخلفية، هرئيل شاحال يعزف على الزرنة (أو الصرناية – آلة موسيقية هوائية استثنائية تعمل بالنفخ)
يتميَّز ألبوم الـ BBB الثاني، Nu Med، بأسلوب مختلف بعض الشيء، إذ دخلت الخليطَ تأثيراتٌ الموسيقى اللاتينية. وينتج دمج الأساليب والإضافات الإلكترونية الكثير من “الحلوى” المفاجئة. ويشكِّل “Digital Monkey” و “Joro Boro” مثالًا على كيف يمكن احترام التقاليد الموسيقية القديمة داخل أطر جديدة. وكان نقّاد موسيقيّون قد عرَّفوا الإصغاء إلى الألبوم بصفته “اكتشاف عوالِم جديدة وغير معروفة”، ويصعب عدم الاتّفاق معهم. يقدِّم تومر يوسف كلّ هذا المزيج برشاقة وجاذبيّة ساحرة، ودون الاختباء خلف أقنعة.
أهمّ أغنية ضاربة لفرقة BBB، “Hermetico”- تُقيم كثيرًا من الاحترام للموسيقى الغجريّة
واصلت الفرقةُ عملها، وأصدرت في السنوات الأخيرة عدّة ألبومات، بعضها مُكوَّن من نُسَخ مخلوطة (Re-Mix) لأغانٍ قديمة لها، وبعضها يضمّ موادّ جديدة فقط. في الألبوم الأخير، “Give”، أضافت الفرقة إلى قِدرها المشتعلة والمليئة بالفقاعات بذرةً من النّقد. الأسهم موجّهة نحو النظام السياسي والاقتصادي الحاليّ، وتعرض توجّهًا غير عنيف، ولكنه هجوميّ. في أغنية “Political Fuck”، يدعو تومر يوسف إلى التحرُّر من الاستعباد في المعرفة وإلى إقرار تفكير حرّ، لكنه يشدِّد: “هذا ليس هُجومًا، فما نفعله هو مجرّد استعادة هذا، ما كان لنا في الأصل”.
من اللحظة الأولى، سعت الفِرقة إلى التوجّه إلى الجمهور الأوسع، دون تمييز في الدين، العِرق، أو الجنس. في هذا الألبوم، قرّروا إزالة القفازات. فإلى جانب العولمة والتعددية الحضارية، يتلقى السامعون جرعةً مفعمةً بالسخط على الرأسمالية، مغلفةً بإيقاعات سريعة، ومرافَقةً بنغماتٍ مشهورة لا تُنسى. لا تخجل BBB من إعلان كُفرِها بالافتراضات الأساسيّة للسوق الحُرّ – الربح الماديّ يحرِّك العالم وهو جيّد للجنس البشري – وهي توضح في أغنية “Money” (المال): “المال يؤدي إلى المزيد من المال، الذي يؤدي بدوره إلى المزيد من المال”. صحيح أنّ أقوالًا كهذه يمكن أن تُبعد عنهم رعاةً محتمَلين، لكنها تُقابَل بالتماثل والاهتمام من قِبل جُمهور المناصِرين.
شاهدوا فيلم فيديو مُثيرًا لأغنية “Political Fuck” – دعوة مواطني العالم إلى الاستيقاظ
رغم أنّ مُنشئيها الثلاثة وكثيرًا من العازفين في الحفلات يتحدّرون من إسرائيل، ورغم كون عددٍ من الأغاني يضمّ مقاطع طويلةً بالعبريّة، يصرّ أعضاء الفرقة على أنها ليست فرقة إسرائيليّة. ففي مقابلة تلفزيونية أجريت مع تومر يوسف في إسرائيل، كرّر الجملة التي قيلت – بصيَغ مختلفة – مرّاتٍ عديدة في الماضي. “لموسيقانا لا قوميّة”، أصرّ الموسيقيّ الموهوب، ووعدَ بالاستمرار في هذا المنحى في الألبوم القادم للفرقة أيضًا، وهو الذي سيُبصر النور في شباط القادم (2014).
الحقّ هو أنّ الموسيقى تختلف فعلًا عن أيّ أمرٍ آخر يجري في إسرائيل، وربّما بشكل عامّ. فهي تحوي مقدارًا كبيرًا من الأساليب المختلفة التي تندمج معًا لتكوّن أحجيةً فريدةً من نوعها، أحجيةً لا تكفّ عن استكشاف آخر التحديثات والمفاجآت. والأمر الآخر، وربّما كان أهمّ ما تفعله موسيقى BBB، هو أنها تجعل كل مستمِع، في كلّ مكانٍ في العالم، يقف على قدمَيه ويرقُص.
وهكذا يبدون في عرضٍ حيّ في نيويورك مع أغنية “Pachima” – أنتم مدعوّون إلى أن تقوموا وتسافِروا داخلَ النغم…