مرارًا، يتم تصوّر “الحياة الجيّدة” في بيت خاصّ كبير، ساحة وعشب يركض فيها الأطفال سويّة مع الكلب ويتمتّعون من المساحات التي لا توفّرها المدن والحياة اليومية المرهقة. ولكن يتّضح الآن أنّ حياة المدن بالذات أفضل من حياة الضواحي، تلك الأحياء الخضراء الفسيحة والمحيطة بالمدن الكبرى.
كتاب جديد للصحفي الكندي الحائز على عدّة جوائز، تشارلز مونتغمري، يجمع دراسات تشير إلى أنّ البيت الصغير في مركز المدينة بالذات، والذهاب سيرًا على الأقدام أو بواسطة الدراجة الهوائية إلى العمل، بدلا من السيارة، والقرب من جميع الأماكن الرئيسية، هي وصفة جيّدة وأفضل بكثير لحياة طيبة وسعيدة.
“سكن ليس مزدحمًا، بعيد عن كلّ شيء، هو أقلّ صحة للأطفال، أقلّ آمنًا بكثير، بسبب هيّمنة السيارات، وأقل جودة بكثير لحياتنا الاجتماعية، لأنّ الأشياء الجيّدة في الحقيقة تحدث حين يلتقي الناس”، هذا ما قاله مونتغمري للمجلة الاقتصادية الإسرائيلية، “كالكاليست”.
يعيش اليوم أكثر من نصف سكّان العالم في المدن، ويُتوقّع أن ينتقل الكثيرون إلى المدن في السنوات القريبة. “تصمم مدننا الطريقة التي نحسّ بها، نشعر ونتصرّف”، يقول مونتغمري.
وتشير الإحصاءات الجافة أيضًا إلى أنّه من الأفضل العيش في المدينة. على سبيل المثال، تشير الدراسات بأنّ سكّان الضواحي يزنون في المتوسّط 4.5 كيلوغرام أكثر من سكّان المدن. إنّها تشير إلى رضا أقلّ في الحياة، هم أقلّ رضا عن حياتهم بشكل عامّ، ويميل أطفالهم للإصابة بالأمراض بشكل أكبر، ولتطوير العلاقات المجتمعية بشكل أقلّ.
حتّى ركوب السيارة المستمر إلى العمل كلّ صباح يخلق لدى سكّان الضواحي المزيد من الضغوط والتوتر أكثر مقارنة بسكّان المدن، وخصوصًا في ساعات الذروة والاختناقات المرورية التي قد تشكّل إحباطًا كبيرًا لدى السائقين. يختار الكثير من الناس الابتعاد عن مركز المدينة ليحصلوا على منزل أكبر، ولكنّهم سيُجبرون حينئذٍ على إضاعة الكثير من الوقت في السفر، وأيضًا في تنظيف المنزل وصيانته. هؤلاء الناس، وفقًا للدراسات، ذكروا أنّهم أقلّ ارتياحًا من أولئك الذين يعيشون في شقّة صغيرة في المدينة.
ولكنّ العنصر الأكثر تأثيرًا على السعادة، بحسب مونتغمري، ليس هو حجم الشقّة أو مسافة السفر، ولكنّه حضور الأشخاص الآخرين والحياة الاجتماعية التي توفّرها المدينة، بالقياس إلى الحياة الهادئة والمملّة في الضواحي. ليس عبثًا أن تكون المقاهي وسط المدن أكثر ازدحامًا، والناس يقضون فترة أطول من ساعات فراغهم مع الأصدقاء، أو مشغولين في تكوين صداقات جديدة.
كلّ العوامل المذكورة أعلاه، تؤدّي، وفقًا لمونتغمري، إلى تفضيل مراكز المدن المزدحمة على الضواحي التي تبدو ظاهريّا فسيحة ومريحة. لذلك فإنْ كنتم متردّدين أين تشترون شقّتكم القادمة، تأكّدوا من أنّها قريبة بمسافة سير على الأقدام من المقهى ومن أصدقائكم المفضّلين، واضمنوا لأنفسكم مستقبلاً أكثر سعادة.