في شهر أيار قبل 21 عاما، سمعت عائلتي طرقات غريبة على باب المنزل، في الساعة 3 فجرا، وعندها تلقت خبرا مريرا. وقف عند مدخل الباب ابن خالتي، كان منحنيا، شاحب الوجه، وقال جملة ما زالت خالدة في ذاكرتنا “قُتِلت والدتي”. لن أنسى هذه الكلمات ولا وجه والدتي الشاحب أبدا. ما زالت الوصمة والحزن يرافقان والدتي ويرافقان عائلتنا حتى اليوم.
في المجتمَع العربي في إسرائيل، تتعرض النساء للعنف والقتل برعاية “شرف العائلة”، برعاية الصمت المنتشر، لا سيما برعاية الجهل وكذلك برعاية الدولة، التي لاتتخذ الخطوات لاجتثاث الظاهرة والتخلص منها، التي لم تعد منذ زمن ظاهرة مجتمَع فحسب.
أصبح القتل على خلفية “شرف العائلة” ظاهرة مؤسسية، حيث ينجح في إبعاد جهات قانون وجهات إنفاذ القانون في الدولة عن تحمل مسؤوليته ويعيد المسؤولية إلى المجتمَع، الذي لا يخاف من المس بالنساء، لأنهن مُستضعفات، ولا يُسمع رأيهن لا سيما لأن العقاب سخيف. إن الادعاء أن القتل جاء على خلفية شرف العائلة هو ادعاء مريح، يسمح بقتل النساء بسهولة، حتى وإن لم يكن الحديث في حالات كثيرة عن نزاع حول عشاق محظور. يمنح القتل على خلفية شرف العائلة شهادة صلاحية وإعفاء يكون مفعولها ساريا قانونيا. يحظر علينا أن نخطئ، فمن ابتكر هذا المصطلح ويتمسك به جيدا، هو نحن، أبناء المجتمع العربي.
لا أتهم السلطات، فهذا مفهوم ضمنا. أتهم بشكل أساسيّ المجتمع العربي الذي يسمح بقتل النساء، وكأنهن يصعدن على مذبح “شرف العائلة”، وأتهم التسامح المُخجل الذي لا حدود له تجاه من يرغب في الإضرار والمس بهن، وضربهن، استغلالهن، تشييئهن، إذلالهن، وقتلهن أيضا.
“كن واثقا أنها خانت شريكها”، “هي ليست امرأة محترمة بالتأكيد”، “من المعروف عنها أنها تفعل كل ما ترغب فيه”، “أدت إلى مصائب في عائلتها دائمًا”، كل هذه أمثلة على جزء صغير من الحجج لتبرير أعمال العنف ضد النساء في المجتمَع العربي ذات النظام الأبوي الذي يلحق ضررا ببناته، يؤذيهن، ويقتلهن.
أشعر أن المجتمَع العربي يتساهل مع ظاهرة قتل النساء ويتقبلها. ممارسة العنف ضد النساء هي عملية سهلة، لا تطلب الكثير لتنفيذها. فهناك الكثير من الأسلحة في المدن والقرى العربية. الواقع المحزن اليوم هو أنه بات من الأسهل في يومنا هذا الحصول على سلاح للقضاء على النساء، من الحصول على قرض سكني.
ثمة تذكير مؤلم من صباح اليوم: سهام زبارغة، ناشطة من أجل حقوق النساء في إسرائيل، قد قُتلت في بداية الأسبوع في منزلها في اللد أمام أعين أخيها ابن الـ 20 عاما. فهي كانت تجلس مع أخيها، عندما دخل ملثم وهو يحمل سلاحا مزودا بكاتم للصوت وأطلق النار عليها. بدأ أخيها بالصراخ، فوجه القاتل السلاح باتجاهه مهددا بقتله في حال لم يسكت ويغادر المكان. اليوم (الأربعاء)، فارقت الحياة وفارق الكفاح لاجتثاث ظاهرة العنف ضد النساء العربيات أنفاسه الأخيرة أيضا.
قُتلت 100 امراة في إسرائيل منذ عام 2011، وهناك 54 (54%) من بينهن نساء عربيات. منذ بداية العام، وصل إجمالي النساء العربيات اللواتي قُتِلن إلى 10 نساء، أكثر من ضعفين ونصف من نسبة العرب في المجتمع. تركت هؤلاء النساء وراءهن عائلات محطمة وأيتاما متضررين، مهملين، سيتخلى المجتمَع عنهم وسيلحق بهم وصمة الخزي والعار. إن المجتمَع الذي يسمح بقتل بناته، اللواتي يشكلن نصفه، لن يدوم طويلا.
آن الأوان لهز أركان المجتمع، وهز الضمير الذي لا يتحرك. أتمنى أن يتحدث الأئمة في صلوات يوم الجمعة ضد هذه الظاهرة المخيفة. وأن يكرس الكهنة في الكنائس في صلوات أيام الأحد اهتماما لمحاربة الآراء المسبقة. يسرني أن تخصص المدارس دروسا تربوية حول أهمية المرأة في المجتمَع العربي.
لمنع الالتباس، فإذا كنا نطمح إلى العيش والتقدم يحظر علينا تجاهل المرأة، وعلينا أن نعرف ماذا يحدث من حولنا في الدول العربيّة. أعتقد أن جزءا هاما من الثورات التي طرأت في تلك البلدان بسبب إهمال النساء وظلمهن. المجتمَع الذي يتجاهل أهم ثرواته البشرية، مصيره الفشل بالتأكيد.
لذكرى هدى أبو سراري، هويدة شوا، آمنة ياسين، رنين رحّال، آمنة دار نافع العبيد، سهام زبارغة، ولذكرى الكثير من الفتيات الأخريات ولذكرى خالتي التي لم ولن أنساها إلى الأبد آن الأوان أن نُسمع صرخة النضال من أجلنا ومن أجل مستقبلنا.