في كانون الثاني 2013، كان يائير لبيد بمثابة مفاجأة الانتخابات، عندما حصل حزبه “هناك مستقبل”، الذي أقامه قبل فترة قصيرة من ذلك وترشّح للمرة الأولى، على 19 مقعدا من بين 120، وكان أيضا الحزب الثاني في حجمه في إسرائيل، متغلّبا على الأحزاب العريقة والشعبية.
تُوّج لبيد مباشرة بصفته سياسيا “واعدا” في السياسة الإسرائيلية، وهناك عدد غير قليل من الأشخاص الذين أشاروا إليه باعتباره إحدى الشخصيات الرائدة في الوصول إلى السلطة بدلا من نتنياهو الذي كان رئيس الحكومة منذ سنوات طويلة. ولكن رغم قوته الكبيرة، فقد حثّه نتنياهو على أن يشغل منصب وزير المالية، والذي لا شكّ أنه أضر بشعبيته، عندما اضطر مرارا وتكرارا إلى التنازل عن الوعود الانتخابية التي وعد ناخبيه بها.
في الانتخابات التي أقيمت بعد عامين فقط من ذلك، انخفضت قوة حزبه بما يُعادل النصف تقريبا، عندما فاز بـ 11 مقعدا فقط وانخفض إلى المركز الرابع. وعندها وجد لبيد نفسه وكذلك حزبه في المعارضة، ولذلك بدآ ببناء قوتهما الجديدة، من خلال تغيير الرسائل والتوجه إلى جمهور جديد في المجتمع الإسرائيلي.
أظهر استطلاع أجريَ مؤخرا أنّه وللمرة الأولى اجتاز حزب هناك مستقبل حزب “الليكود”، وحصل على 24 مقعدا، في حين أن الحزب الحاكم قد حصل على 22 مقعدا فقط. أي أنه إذا أجريّت الانتخابات اليوم، سيُنتخب لبيد رئيسا للحكومة الإسرائيلية. ولكن هل لديه فعلا احتمال لتحقيق ذلك؟
من هو يائير لبيد؟
ولد لبيد عام 1963، وهو متزوج وأب لثلاثة أولاد. تلقى تعليمه في تل أبيب ولندن، حيث زاول مهنة الإعلام، وقد كتب في الصحف المشهورة في إسرائيل مثل: معريف ويديعوت أحرونوت. وعمل في التلفزيون الرسمي والتجاري. وألّف لبيد 10 روايات، معظمها من النوع الدرامتيكي، حيث تعتمد على عنصر التشويق، وحظيت هذه الروايات على إعجاب الكثيرين في إسرائيل.
إضافة لذلك، مارس لبيد في شبابه رياضة الملاكمة، وهو ما زال يحافظ على لياقة بدنية جيدة، ويُظهر انه ضليع وقوي. وقرص بعض النواب من الكتل اليمينية النجم السياسي الجديد زاعمين انهم لا يراهنون على قدرة بقاء لبيد في حلبة المصارعة السياسية، لكن لبيد أثبت أنه يملك مهارات سياسية تفوق مهارات كثيرين في إسرائيل.
ويذكر ان اسم لبيد اتصل ب “قانون لبيد”، وهو مشروع قانون ينص على منع الإعلامين من استغلال منصبهم في تمهيد الطريق للسياسة. وإن خرج هذا المشروع الى حيز الوجود فسيُجبر الإعلاميين والصحافيين بالتقاعد لفترة لا تقل عن سنة، قبل خوض أي عمل سياسي.
على غرار والده يوسي “تومي” لبيد
تنطبق مقولة “فرخ البط عوام” على يائير لبيد، فهو ابن السياسي المعروف يويسي “تومي” لبيد، والذي عمل أيضا في مجال الصحافة والإعلام وقاد بعدها حركة “شينوي” تعني “تغيير”. وحصلت الحركة عام 2003 على 15 مقعد في الكنيست ال16 وشغل خلالها “تومي” لبيد منصب وزير العدل ونائب رئيس الوزراء.
وعُرف لبيد “الأب” بأفكاره ومواقفه العلمانية. واعتبر ممثلو الأحزاب الدينية في البرلمان الإسرائيلي، طموحات لبيد “الابن” السياسية، انها ستكون نسخة طبق الأصل لأبيه، أي خصما لدودا لمواقفهم الدينية المتحفظة، وبالفعل كان لبيد وحزبه “يش عتيد” من المؤيدين لقانون تجنيد الشبان المتدينين للجيش الإسرائيلي.
لبيد يجسد الإسرائيلي الجديد
يعتمد يائير لبيد منذ أن انتقل إلى السياسة على وسائل التواصل الاجتماعي حيث يحرص على التواصل مع أتباعه على صفحة “فيسبوك” الخاصة به، حتى أصبح محط انتقاد السياسيين الإسرائيليين أنه يدير وزارة المالية من خلال “فيس بوك” ولا يحضر الجلسات المهمة في البرلمان، خاصة تلك التي تطالب المعارضة الإسرائيلية بإقامتها لاستجوابه على أدائه.
ومما جاء في صفحة “فيسبوك” الخاصة بلبيد عن رؤيته الاجتماعية، متأثرا بالاحتجاجات الشعبية التي ظهرت في إسرائيل عام 2011، “السنوات الأخيرة أوضحت لنا (الإسرائيليين) انه يتعين علينا أن ننشأ بنية جديدة للتعايش المشترك، لا تستند فقط إلى ضرورة الصمود في وجه أعدائنا… يجب علينا بناء نظام مدنيّ جديد”.
يائير لبيد وزير المالية
في آذار 2013 عُيّن لبيد وزيرا للمالية. منذ بداية توليه منصبه، من أجل مواجهة العجز في الميزانية، رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة، وذلك بخلاف وعده قبل الانتخابات لعدم رفع الضرائب. وقد رفع أيضًا الضريبة على السجائر والكحول، مما أثار غضبا عارما ضدّه بشكل أكبر في أوساط شرائح سكانية واسعة. وقد أثار تخفيض مُخصّصات الأطفال ضدّه غضب الحاريديين والمتديّنين على حد سواء.
منذ بدء طريقه السياسي صرّح لبيد أنّ الطبقة الوسطى لم يعد بإمكانها أن تتحمّل عبء الجمهور الحاريدي، وأنّه سيعمل على دمج أفرادها في الجيش، في الخدمة المدنية، وفي سوق العمل، وعندما أصبح وزيرا اتخذ عدة خطوات في هذا الشأن. خُفِضت ميزانيات المؤسسات التعليمية الحاريدية، من بين أمور أخرى، وتمت الموافقة على “قانون التجنيد” الذي ينفذ عقوبات جنائية على كل من لا يتجنّد للجيش أيضا، بما في ذلك الحاريديين. في أعقاب ذلك أصبح لبيد مكروها في أوساط المجتمع المتديّن، وقد اتهم الإعلام الحاريدي بالتحريض ضده.
في كانون الأول 2014، وفي أعقاب “أزمة ثقة”، أقال رئيس الحكومة، نتنياهو، لبيد من منصبه. لاحقا، اتضح أنّ هذا المنصب قد أضر كثيرا بشعبية لبيد، وكان من بين عوامل سقوط حزبه من 19 مقعدا في انتخابات عام 2013 إلى 11 مقعدا فقط في عام 2015.
لبيد في المعارضة: يُعزز قوته
منذ عام 2015 يجلس حزب لبيد في المعارضة. ولكن، بخلاف المتوقع، فهو لا يركّز بشكل أساسيّ على مهاجمة رئيس الحكومة والحزب الحاكم، وإنما، رويدا رويدا، يتخذ خطوات لتوسيع قاعدة لكسب تأييده وتأييد حزبه، ويعدّ الأرضية قُبيل منافسة محتملة على رئاسة الحكومة.
وفي حين أن لبيد قد وضع على سُلّم برنامجه الانتخابي في الانتخابات الأولى القضايا الاجتماعية، مُركّزا على “المساواة في العبء” وانتقاد المجتمع الحاريدي، يبدو أّنّه بعد الخسارة في الانتخابات الثانية، أدرك أنّ القضايا السياسية هي التي ستعمل لصالح ترجيح الكفة في دولة إسرائيل.
وأدرك أيضًا أنّ معظم الناخبين الإسرائيليين هم في الوسط واليمين، ولذلك بدأ بشكل معتدل، ولكن ملحوظ، بتعديل آرائه، وتجنّب التصريحات الشديدة ضدّ بعض شرائح المجتمع الإسرائيلي أو التعبير عن آرائه لصالح الفلسطينيين. إنه يشارك في المزيد من المظاهرات “لصالح إسرائيل”، يتوجه إلى المشاعر القومية، وبشكل أساسي يعرض “تقرّبه من اليهودية”، محاولا تجنيد الجمهور التقليدي لصالحه وربما أيضًا الجمهور الإسرائيلي المتديّن، والسماح لنفسه بتشكيل ائتلاف عبر دمج الأحزاب الحاريدية.
فعلى سبيل المثال، زار لبيد حائط المبكى، والذي باستثناء الهيكل نفسه يُعتبر اليوم المكان الأكثر قداسة بالنسبة لليهود، وحرص هناك على التقاط الصور وهو يعتمر قلنسوة ويرتدي شالًا خاصا بالصلاة اليهودية. ونظّمت زوجته، ليهيا لبيد، وهي إعلامية وشهيرة أيضا، احتفالا للعمل على وصية “هفشرات حالاه” (وهي وصية في الديانة اليهودية تُوصي بأخذ قطعة صغيرة من العجين أثناء تحضيره، وتأدية الصلاة، وشكر الرب على النعمة التي أعطاها لأبناء الطائفة اليهودية)، وهو احتفال معروف في المجتمع المتديّن والذي يشمل تجمّع النساء، الصلوات، والمباركات. كلّ ذلك، كما ذُكر آنفًا، بخلاف موقفه قبل سنوات قليلة، حين حرص على انتقاد المجتمع الحاريدي مجددا وعلى فرض الإكراه الديني في إسرائيل.
يعمل لبيد أيضا في المجال القومي ويحرص على التقاط الصور مع الشبّان الذين يرفعون علم الدولة، وينشر منشورات مؤثرة تؤيد جنود الجيش الإسرائيلي. كما وينجح مرارا وتكرارا في التوجه إلى فئات أوسع وأكثر اعتدالا، وينجح أيضا بفضل موهبته وقدرته على الكتابة، في إثارة إعجاب الكثير من المتصفّحين في إسرائيل. ويُذكر بشكل خاص منشور مؤثر شاركه في الفيس بوك، ظهر فيه مع ابنته، التي تعاني من التوحّد الشديد، وهي ترتدي زيّ الجيش الإسرائيلي. إلى جانب الصورة تحدّث لبيد عن مشروع خاص مكّن ابنته من التبرّع للعمل لصالح الجيش الإسرائيلي “ومن الشعور مثل الآخرين”.
يكثر لبيد من التجوّل في العالم، وقد حظي غير مرة باللقب الساخر “وزير خارجية نفسه”، في أعقاب الأنشطة الإعلامية التي يعمل عليها لصالح إسرائيل. زار السويد في شهر آب الماضي، حيث جمع هناك عددا من مؤيدي إسرائيل للمشاركة في مظاهرة دعم، إذ رفع المتظاهرون لافتات وهتفوا خلفه بصوت واحد: “نحن نحبّ إسرائيل”.
مكروه اليسار
في أوساط الدوائر اليسارية في إسرائيل حظي لبيد في أكثر من مرة بردود فعل مُهينة ومُتعجرفة. لقد لُوحظ في أكثر من مرة وهو يصرّح تصريحات متناقضة، وكذلك كثيرا ما اتضح أن بعض الحقائق التي عرضها كانت خاطئة أو كاذبة. قيل أيضًا في الانتقادات الموجهة ضده أنّه يتجنّب اتخاذ خطوة حقيقية في المواضيع المهمّة مثل قضية الدولة الفلسطينية ويتجنّب التصريحات الشديدة التي من شأنها أن تجعله متضامنا مع جمهور معيّن ومثيرا للعداوة بينه وبين جمهور آخر.
ومع ذلك، تشير تقديرات المحللين إلى أنّه إذا تنافس مع بنيامين نتنياهو على رئاسة الحكومة، فمن المرجح أن يفوز في عدد غير قليل من أصوات اليسار الإسرائيلي، الذي يطمح على مدى سنوات بإسقاط نتنياهو من رئاسة الحكومة، ولكن من دون نجاح. إذا كان الأمر ذلك، يبدو أنه يعمل بشكل سليم عندما يتوجه إلى جمهور ناخبين أكثر يمينية وتقليدية من الماضي. يثبت الاستطلاع الأخير، الذي يضعه كرئيس الحزب الأكبر في إسرائيل، ذلك. ومع ذلك، ربما يبدو أنّ الاستطلاع يعكس ضعفا مؤقتا فقط لنتنياهو، وفي اللحظة الحقيقية، سينجح مجددا، كما ينجح دائما، في التغلّب على لبيد والحفاظ على مكانته باعتباره الرجل الأقوى في إسرائيل.