أمس الأول، قُبِض على أحد عشر أميرا، وأربعة وزراء حكومة حاليين، وعشرات الوزراء السابقين في السعودية، في إطار التحقيق في “قضايا فساد” كشفتها لجنة مكافحة الفساد التي أقامها محمد بن سلمان، ولي العهد والرجل الأقوى في المملكة قبل أيام فقط. ومن بين المعتقلين الأمير متعب بن عبد الله، قائد الحرس الوطني وحليف محمد بن نايف، الوريث المخلوع وخصوم ولي العهد الحالي.
ومن المتوقع أن تستمر هذه الإجراءات لعدة أشهر: فهي تشكل جزءا من عملية التتويج القريبة للأمير سلمان. وكذلك، من المتوقع أن تستمر الإصلاحات في الاقتصاد ومكانة المرأة، والحد من سلطات الشرطة الأخلاقية، والأضرار التي لحقت بمركز النخب المخضرمة، بما في ذلك الأسرة المالكة نفسها. يعلم بن سلمان أن وضعه وربما حياته يعتمدان على قدرته على التصرف بحزم ضد أي مركز قوة محتمل قد يُعرّض طموحه أن يكون الملك القادم للخطر.
إن التداعيات المحتملة لهذه الخطوات وتلك التي ستتبعها ليست متوقعة. ومن أجل فهم الهزة التي باتت تضرب أصداؤها في المملكة العربية السعودية مؤخرا، يمكن النظر في الاتفاقات التي تعتمد عليها “الدولة السعودية الثالثة”.
دُمّرت “الدولة السعودية الثانية” في نهاية القرن التاسع عشر لثلاثة أسباب رئيسية وهي: مواجهة علنية ومستمرة مع القوة الإقليمية في ذلك العصر – الإمبراطورية العثمانية، الحرب الطويلة وغير المحسومة ضد التحالف القبلي الذي تقوده قبيلة شمر، وحرب الخلافة داخل الأسرة السعودية.
استوعب مؤسس الدولة السعودية الثالثة، ابن سعود، الدروس الثلاثة عندما أعاد تأسيس المملكة. وكان حذرا جدا من المواجهة مع القوة العظمى البريطانية التي كانت مهيّمنة في الخليج في النصف الأول من القرن العشرين، وكان مستعدا لكبح جماح طموحاته الإقليمية من أجل كسب تعاطف البريطانيين. خلال توسيع حكمه في شبه الجزيرة، فضّل التحالفات مع القبائل، لا سيّما عن طريق الزواج من بنات رؤساء القبائل الرئيسية التي وعد من خلالها “حصة” في الأسرة الحاكمة. وأخيرا، قام بتحديث ترتيبات الخلافة: يرث أبنائه، حتى ابنه الأخير المؤهل، السلطة لمنع الحروب الداخلية بسبب الخلافة. وقد عملت هذه الترتيبات بشكل جيد منذ وفاة ابن سعود (1953)، بعد بضع سنوات فقط أصبحت فيها الولايات المتحدة راعيا بدلا من بريطانيا.
اعتقد الملك سلمان، أو أن هناك من اعتقد، أن هذه الترتيبات قد أكل عليها الدهر وشرب. على الرغم من أنه لا يزال هناك العديد من الإخوة على قيد الحياة (حتى لو كانت حالتهم الصحية سيئة)، فقد قرر أنه قد حان الوقت للانتقال إلى جيل الأحفاد. لهذا أقال، أخيه غير الشقيق مقرن بن عبدالعزيز آل سعود، من منصب وريث العرش، لصالح ابن أخيه محمد بن نايف. وقد قبلت النخب، قوى الأمن، القبائل، والمؤسسة الدينية الاختيار بسبب سن بن نايف (56 عاما)، ونجاحه في قمع المنظمات الإرهابية وطبيعته المحافظة. مع ذلك، سرعان ما أصبح واضحا أن نائب ولي العهد، بن سلمان، تحديدًا كان السبب في التغيير في ترتيبات السلطة. وقد أسنِدَت إليه صلاحيات متزايدة، كما أنه طغى تدريجيا على وريث العرش، حتى إقالته المتوقعة.
إن اعتقال الأمراء والوزراء وفصل قائد الحرس الوطني يكشفان عن أن هناك معارضة كبيرة لبن سلمان وتغييرات أدخلها في المجتمع والاقتصاد السعودي. بالنسبة للمعارضة، لم يتعلم بن سلمان دروس التاريخ السعودي أبدا، ولا الدروس المستفادة من الهزة الإقليمية الحالية في الشرق الأوسط. فُسّرَت رغبته في تأسيس حكمه في دولة المؤسّسات الحديثة، والتنويع في تركيبة النخب التقليدية في السلطة، وإبعاد أفراد أسرته والمؤسسات القبلية والدينية عن مواقع التأثير كوصفة مؤكدة لتدمير المملكة السعودية وتطوير ديكتاتورية شخصية بدلا من عائلية.
ومن المرجح أن يفضي انقسام الأسرة الحاكمة إلى دعم علني من جانب فصائلها المختلفة للمرشحين الآخرين لإرث الملك سلمان. قد تؤدي إطاحة الأمير متعب بن عبد الله، القائد الشعبي للحرس الوطني، إلى معارضة القبائل، ومن بينها عشرات الآلاف من المقاتلين الذين يشكلون هذه القوة العسكرية المدربة والخبيرة. ومن المثير للاهتمام أن متعب هو آخر أبناء قبيلة شمر في مراكز السلطة، وهي القبيلة التي دمرت “المملكة السعودية الثانية”. وإذا نجحت المعارضة في تجنيد المؤسسة الدينية، فسوف يتطور صراع شامل بين النظام القديم والنظام الجديد في المملكة، الذي يعتمد على الجيل الشاب والجهاز البيروقراطي.
ويبدو أن السعودية تدخل حقبة طويلة من عدم الاستقرار الداخلي. في حين أن التاريخ يعلم فقط، ولا يعود، يبدو أن مجموعة من الصدمات الداخلية والتهديدات الخارجية المتزايدة، وخاصة من إيران وحلفائها، هي وصفة مشكوك فيها لبقاء الدولة القبلية التي تمر بعملية التحوّل إلى دولة المؤسسات، والأكثر من ذلك عندما يقودها الأمير الشاب، يفتقد الخبرة ولكنه يتمتع بالجرأة والطموح الكبيرين.
المقالة مترجمة من موقع منتدى التفكير الإقليمي حيث ظهرت لأول مرة