أحد أعظم الشعراء في الشعر العبري، حاييم غوري، توفي هذا الأسبوع عن عمر يناهز 94 عاما. يعرف كل إسرائيلي تقريبا اسمه، ويمكنه أن يقرأ أبياتا من قصائده المكتوبة بعد أن مات العديد من رفاقه الذين شاركوا في حرب 1948، وأشهرها: لكنْ، الكُلُّ يَبْقَى في البَالْ / من وسيمٍ ذي جمال وبهاء. / لأنّ هذا الودادَ لَنْ / يَدَعَ القَلْبَ ينسى أبدًا. / سيرجعُ يومًا ويزهو من جديد، / ذلك الهَوَى الّذي قَدّسَتْهُ الدّماء. (أنشودة الرّفاق لحاييم غوري، ترجمة: بروفيسور سلمان مصالحة).
غوري هو شاعر موقر حائز على جوائز بسبب كتاباته، فلديه أكثر من 12 كتابا شعريا و 10 كتب نثر، وعمل صحفيا ومترجما حتى أيامه الأخيرة، ولكن هذا ليس السبب الوحيد للمكانة المركزية التي يحظى بها في الثقافة الإسرائيلية. كان يعتبر شاعرا محاربا، خدم جنديا وقائدا في حرب الاستقلال، حرب الأيام الستة، وحرب الغفران، لهذا كان رمزا إسرائيليا.
لم يتردد الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، في نعته أثناء تأبينه معربا أنه “الشاعر الوطني لهذا العصر” وأنه كان رمزا، شاعرا للاستقلال، الصداقة، مقاتلا، فيلسوفا، معلما، ومرشدا. كان من أبناء جيل المؤسسين الذين ألفوا القصائد والأعمال الشعرية، ومن خلالهم عزز قيم وجودنا هنا كشعب. لم يكن المديح الذي أعرب عنه الرئيس ريفلين للراحل غوري استثنائيا. تشهد إسرائيل اليوم الكثير من أقوال المدح والردود الإيجابية الكثيرة حول وفاة الشاعر الوقور.
وعلى الرغم من الإجماع الإيجابي حول شخصية غوري، إلا أنه لم يتردد على مر السنين في التعبير عن آرائه السياسية حتى عندما كانت أقل شعبية، وعمل بطرق مختلفة للتأثير على الواقع الإسرائيلي في القضايا الاجتماعية والسياسية. كان في شبابه مقاتلا، ومشاركا في تأسيس “الحركة من أجل أرض إسرائيل الكبرى” في عام 1967. ومع ذلك، تغيّرت وجهات نظره على مر السنين، مدعيا أنه من المستحيل السيطرة على شعب آخر، معربا عن قلقه بشأن استمرار حرب إسرائيل مع جيرانها.
منذ عام تقريبا، اعترض غوري، الذي شارك في المعارك عند مدخل القدس في عام 1948، وعاش فيها حتى وفاته، على نصب تذكاري أرادت الحكومة الإسرائيلية أن تضعه في ساحة المعركة، لهذا التقى غوري وأصدقاؤه الذين قاتلوا من أجل مدينة القدس مع نتنياهو توضيحا لموقفهم. هذا الأسبوع، تحدث نتنياهو عن ذلك اللقاء قائلا: “عاش غوري تلك الأيام الصعبة التي قُتل فيها أصدقاؤه من اليمين واليسار. تكلم من صميم قلبه، وعندما انتهى من الحديث كان هناك صمت، وقلت له: “انتهت الجلسة، لقد اتخذت قرارا – فإن تخليذ الذكرى سيكون وفق ما تراه مناسبا”.
ولكن لم يوافق غوري على كل بادرات حسن النية تعبيرا عن احترامه. فقبل عامين تقريبا، علم أنه الفائز بجائزة “وزيرة الثقافة للإبداع فيما يتعلق بالصهيونية لعام 2015″، وبسبب كتابه “على الرغم من أنني أردت أكثر من ذلك بقليل”، ولكنه رفض قبول الجائزة. أوضح غوري أن كتابه لا يتناول الصهيونية أبدا، متسائلا ما هي المعايير الغامضة لتعريف العمل كعمل صهيوني. ولفت إلى أنه من الأنسب، وفق اعتقاده، أن يفوز بالجائزة شاعر أو شاعر شاب في بداية حياتهما المهنية. وقد رثت وزيرة الثقافة، ميري ريغيف، التي قبلت رد فعل غوري المهينة عند تقديم الجائزة التي اختارت أن تقدم له، وكتبت “كان غوري وسيظل إلى الأبد أحد “زهور النار” وراء وطنيتنا في دولة إسرائيل”.
في مقابلة معه في السنوات الماضية، تطرق غوري إلى الشيخوخة والوفاة قائلا لمجرية المقابلة: “أحيانا يتساءل الإنسان ماذا سيترك بعده. انظري إلى هذه الرفوف التي تحمل كتبي. كتبت “اعرِف لن يقتلكَ الوقت والأعداء، الروح والمياه. سيظل اسمك خالدا. وهذا هام جدا. ستظل ذكراك إلى الأبد”. تخلّد الكتب ذكرى الإنسان”.
أحد أناشيده المعروفة هي “أنشودة الرفاق” التي كانت معروفة كمفضلة لدى رئيس الحكومة، يتسحاق رابين. كتب غور النشيد أثناء حرب الاستقلال التي كان فيها مقاتلا، وذلك لذكرى 22 مقاتلا قُتلوا في قرية النبي يوشع بتاريخ 20 نيسان 1948. يظهر لاحقا النشيد مترجما إلى العربية بقلم البروفيسور سلمان مصالحة:
أنشودة الرّفاق
على النّقَب حَطَّ ليلُ الخريف
يُشعلُ النّجومَ في هَدْأةٍ و..
ها هي الرّيحُ تَمُرُّ في الأبواب
وعلى الدّرْب تخطو الغُيوم.
مَرَّ عامٌ، وَلَمْ نَكَدْ نشعر
كيفَ مَرّ الزّمانُ في الحقول.
مَرّ عامٌ، وظَلّ منّا القليل
ما أكثرَ مَنْ غابَ عنّا وَزَالْ.
لكنْ، الكُلُّ يَبْقَى في البَالْ
من وسيمٍ ذي جمال وبهاء.
لأنّ هذا الودادَ لَنْ
يَدَعَ القَلْبَ ينسى أبدًا.
سيرجعُ يومًا ويزهو من جديد،
ذلك الهَوَى الّذي قَدّسَتْهُ الدّماء.
أيّهذا الوداد الّذي حملناه بدون كلام
أيّهذا الرّماديّ الصَّمُوت العَنيد.
من ليالي الرُّعْب، تِلْكَ الطّوال،
بَقِيتَ أَنْتَ زاهِيَ الاشْتِعالْ.
أيّهذا الوداد الّذي، كما الفتيان جميعًا،
بِاسْمِكَ نمشي، ونمضي بابتسام.
الرّفاقُ الّذين قَضَوْا في ساحة الوغى
أَبْقَوْا لنا حَياتَكَ ذكرى.
(ترجمة: سلمان مصالحة)
للمزيد من الأناشيد لحاييم غوري باللغة العربية ادخلوا إلى الرابط التالي.