كان لدينا بالفعل عدد غير قليل من الرؤساء في الدولة. تحدّث معظمهم عن أهمية السلام مع الدول العربية والفلسطينيين. ونادرا ما ألقوا بنظرهم إلى ما يحدث داخل البلاد، إلى المواطنين العرب في إسرائيل. مؤخرا حدث تغيير. حظي الجمهور العربي برئيس يحترم قيَمه وتراثه، يعترف برواية الآخر، حتى لو لم يقبل أيديولوجيّته. رئيس يشير إلى أنّهم مواطنون يريدون المساواة المدنية الكاملة، ويعترف بهويّتهم.
تحديدا في الأيام التي يكسر فيها التوتّر بين اليهود والعرب الأرقام القياسية، يدعو وزراء وأعضاء كنيست إلى إخراج أعضاء الكنيست العرب خارج القانون، ويدعو المعقّبون الخبثاء والشيطانيّون إلى مقاطعة وطرد 20% من سكان البلاد، ويصرح المثقّفون العرب أنّهم قد أصيبوا بالضجر من العيش في هذه البلاد ويفكّرون بتركها؛ وفي هذه الأيام تبرز الشخصية الجيدة لرئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، بكامل تألّقها.
يُظهر الرئيس الجديد وجهة نظر ليبرالية يبدو أنّها اختفت من البلاد. يتبنّى اليمين في السنوات الأخيرة لغة عنصرية تجاه العرب، يدعو إلى إبعادهم عن دائرة العمل، وينظر إلى منتخبيهن باعتبارهم شخصيات غير شرعية، ويستجيب الشارع اليهودي وفقا لذلك بالعنف، بالكراهية، بدعوات “الموت للعرب” و “اذهب إلى غزة”.
اليسار أيضًا ليس خاليا من المسؤولية. لقد تعامل خلال السنين مع العرب بمثابة العشيقة التي لا تظهر على الملأ. في أيام الانتخابات يستندون إلى أصواتهم. حتى الممثّل العربي الذي يناوب في أحزاب اليسار الصهيوني كما يُقال يصوّر على أنّه ورقة توت، حيث إنّ تأثيره على آلية صنع القرار طفيف. في أيام عملية “الجرف الصامد” الصعبة، حين عانى العرب من وابل من الإهانات والشتائم، سُمعت أصوات أعضاء الكنيست من اليسار وهي واهنة وضعيفة، كما لو كانوا يخشون من الإضرار بالإجماع الوطني، في حين أنّ ريفلين خرج ضدّ المستعرين من اليمين والضعفاء من اليسار.
قرّر الرئيس ريفلين، والذي يعتبر يمينيّا في الشأن السياسي، بخلاف سابقيه ألا يكتفي بالتصريحات الفارغة في الاحتفالات والمناسبات، وإنما أن يفعل شيئًا. لقد ذهب إلى كفر قاسم ليس فقط ليعبّر عن تضامنه مع ضحايا المجزرة، وإنما كي يطلب المغفرة باسم الدولة على ما حدث في القرية قبل أكثر من خمسين عاما، وأساسا قرّر بشكل لا لبس فيه أنّه: “ستكون دولة إسرائيل هي وطن ومنزل شريحة السكان العرب الواسعة للأبد… إن السكان العرب في دولة إسرائيل ليسوا مجموعة هامشية في المجتمع الإسرائيلي. هؤلاء السكان هم من دم ولحم هذه البلاد، سكان متماسكون مع هوية وطنية وثقافية مشتركة سيكونون دائمًا عنصرًا أساسيّا في المجتمع الإسرائيلي”.
وبصرف النظر عن هذا التصريح المهم، فقد خرج منذ توليه للمنصب ضدّ عنف اليهود تجاه العرب، والذي أصبح مع الأسف أمرًا مألوفًا، ودعا الأذرع القانونية إلى تطبيق الحدّ الأقصى ضدّ من يؤذي ويهدّد، وذلك من منظور وطني وشعور بالمسؤولية، وعلى هذا ينبغي الثناء عليه.
لقد قام بذلك رغم حقيقة أنّ العديد ممّن أرادوا أن يكون رئيسًا لن يوافقوا على أفعاله، ولذلك فهو يستحقّ تقديرًا كبيرًا. يحرص ريفلين على التأكيد أنّه يعكس بتصرّفاته رؤية زئيف جابوتنسكي، الذي كان يؤمن بفكرة أرض إسرائيل الكبرى التي “سيكون مشبعًا فيها بالوفرة والثروة، ابن العرب وابن الناصرة وابني”، دون نزع ملكية أو طرد أي شخص، اليهودي والعربي على حد سواء.
يؤمن ريفلين أيضًا مثل جابوتنسكي بالدولة ثنائية القومية التي يعيش فيها الجميع سويّة مع مساواة مطلقة في الحقوق. في هذا الموضوع أنا أختلف وسأظلّ أختلف معه. مثل الكثير من الآخرين الجيّدين أؤمن أنّ الصيغة الأفضل هي مبادرة السلام العربية، التي ستضمن إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. ولكن إذا كان مقدّرا لنا أن نعيش يومًا واحدًا في دولة ثنائية القومية أريد أن أؤمن بأنْ يكون ذلك وفق رؤية ريفلين وليس وفق رؤية فيجلين.
الكاتب هو مالك محطّة الإذاعة “راديو الشمس” ومديرها التنفيذي.
نُشرت هذه المقالة أساسًا في موقع هآرتس