عززت عمليات الحادي عشر من أيلول تصرفات المتطرفين دينيا، المسيحيين، والمسلمين، ولكن وللمفارقة عززت أيضا تصرفات الملحدين في أرجاء العالم، بما في ذلك في أوساط المسلمين. جعل الإرهاب عموم المسلمين يتطرّقون إلى مسائل الأخلاق والشريعة، وكان هناك من وجد إجابة على أسئلته في القرآن والحديث بشكلٍ مُستقلّ، وهناك من حصل على الإجابات من مختلف الفقهاء، وبينما ظل آخرون يشعرون بخيبة أمل كبيرة وتوجّهوا للإلحاد. من الصعب أن نعثر على بيانات حول عدد المسلمين الذين أصبحوا ملحدين خلال العقدين الأخيرين. أظهرت مصادر غربية أنّه في العام 2015 عاش في البلدان العربية نحو ألفي ملحد من بين 300 مليون شخص. إذا أخذنا بالحسبان البلدان الآسيوية، ولا سيما، الجمهوريات الإسلامية من الاتحاد السوفياتي سابقا، فالعدد أكبر.
في الكويت، قطر، السعودية، وفي الإمارات حُدّدت في القانون عقوبة الإعدام للذين يرتدّون عن الدين. في السنوات الأخيرة نُشرت في السعودية لوائح تعرّف الملحدين على أنهم إرهابيين ومهددين قوميا. تراقبهم السلطات في البلاد رقابة وثيقة، يُعتقلون أحيانا من دون أي سبب واضح (تكفي الوشاية من أحد أفراد العائلة أو الجيران)، ويُسجنون حتى يُحكم عليهم بالإعدام. في الغرب أيضا هناك “محاكمة داخلية” في المجال الشخصي، ومخفية عن أنظار الحكومة، وفي نهاية المطاف يتم الإلقاء بالملحدين خارج الإطار الأسري، المجتمعي الإسلامي، ويجدون أنفسهم معزولين تماما. كمهاجرين، فإنّ احتمالات بقائهم على قيد الحياة في دولة أجنبية من دون دعم الأسرة الصغيرة ضئيلة.
تتغذّى أوامر الدولة ولوائحها، المضايقات و “المحاكمة الداخلية” كلها على النقاش الفقهي والمعاصر. يعتبر المحافظون الإلحاد تهديدا على الدين وعلى أمة الإسلام، بشكل مشابه للتهديد الشيوعي الذي حلّق فوق العالم الإسلامي في فترة الحرب الباردة. دعت كلا الأيديولوجيّتين اللتين “تم استيرادهما من الغرب”، إلى شن ثورة في العالم الإسلامي كانت نتيجتها الدمار والفوضى. في الأحكام التي ناقشت مسائل الخطيئة الأشد خطرا – الإلحاد أم الشرك – اعتمد فقهاء الشريعة المحافظين على كتابات ابن تيمية وادعوا أنّ الإنسان الذي لا يؤمن بأي إله يكون أشدّ كفرا من الذي يؤمن بتعدّد الآلهة. كذلك لم يُستثنَ الملحد الصالح والذي يقوم بأعمال الخير لأنه إذا لم يعترف بوجود الله كخالق له فلا معنى أو قيمة لأعماله الصالحة. يُبطل الفقهاء المحافظون صلاحية الزواج من ملحد/ة، ويقررون أن النساء الملحدات يجلبن العار على أسرهنّ لأنّهنّ يهملنَ القيم الأخلاقية والدينية.
تبنّى الخطاب الإسلامي المعتدل أيضا هذا الخطّ المتشدّد ضدّ المرتدّين عن الدين، وخصوصا ضدّ الملحدين. أفتى يوسف القرضاوي أنّ الإلحاد والعلمانية يتنافيان مع الإسلام والشريعة وأعرب عن تأييده لإنزال عقوبة قاسية ضدّ المرتدين، اعتمادا على حديث يقول إنّ الخليفة علي أمر بحرق شخص ظهر بأنّه ملحد. ولكن هناك فقهاء معتدلون يفرّقون بين الصالحين والشريرين في مجموعة الملحدين، ويعتقدون أنّ الملحدين الصالحين والذين يقومون بأعمال الخير يستحقّون ضمان سلامتهم وأمنهم في هذا العالم، حتى لو لن تكون لهم حصة في العالم الآخر. وذكر آخرون أنّه لم تُذكر في القرآن أن عقوبة الردّة عن الدين هي الإعدام.
دفع التوتر بين المسلمين وبين أبناء دينهم الذين تحوّلوا إلى ملحدين الفقهاء المعتدلين إلى محاولة التأثير أولا وقبل كل شيء على خفض مستوى العنف، ولكن أيضًا تقديم الاستجابة للمسلمين الذي ضلّوا في طريقهم الروحي. بروح الدعابة يدعون إلى تهنئة الملحد المبتدئ لتمسّكه بالجزء الأول من الشهادة، “لا إله”، بحيث يبقى هكذا فقط إقناعه بالجزء الثاني، “إلا الله”.
ومن جهتهم، لا يجرؤ الملحدون على “الخروج من الخزانة”، لأنّ الدين هو جزء لا يتجزأ من الجوانب الأخرى في حياتهم مثل الحياة الزوجية، الأسرية، المجتمعية، والثقافية. إنهم يقترحون على المنضمين الجدد أن يتوخوا الحذر وألا يعلنوا على الملأ إلحادهم، وإنما أن يعرضوا أنفسهم كـ “تقدّميين” أو “إصلاحيين”. معظم نشاطهم هو بواسطة الإنترنت، والذي يسمح بالسرية وعدم الكشف عن الهوية. يعمل في أوروبا، كندا، وفي الولايات المتحدة بعض بذور المسلمين الذين أصبحوا ملحدين، ولكن ليست هناك معلومات عن وجود مثل هذه المنظمات في البلدان ذات الغالبية المسلمة.
يفضّل المسلمون الذين أصبحوا ملحدين العمل بسرية والمساهمة في التغيير الاجتماعي والتربوي، أكثر من الانكشاف والدخول في نقاش عام حول مصداقية الحقائق الدينية التي هي بالنسبة لهم عبثية.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي