لقد دار حديث كثير عن فضيحة الجنس جنوبي البلاد: امرأة في الأربعينات، يبدو أنها مضطربة نفسيًّا، أقامت علاقات جنسية مع عدد كبير من الفتيان القاصرين، في عمر 13حتى 14. كانت الحالة معروفة لسلطات الرفاه الاجتماعية وعلى ما يبدو للشرطة في المدينة أيضًا، لكن ساكنا لم يُحرّك لمدة طويلة. والآن المرأة معتقلة بتهمة استغلال فتيان ومضاجعتهن.
فور نشر الفضيحة، تعالت الأصوات ضد- النسويّة التي نادت المنظماتِ النسوية لاستنكار ما جرى وإدانة تصرف المرأة، لقد ادعوا أن “ها هُنّ، النساء أيضًا يستغللن جنسيًّا”، وهاجموا نفاق الإعلام الذي لم ينظر إلى تلك المرأة سوى نظرة أنها أول وآخر من مارس الاغتصاب.
ولكن في الحقيقة، ليس الأمر كذلك أبدًا. إن اتهام المرأة “بالاغتصاب” هو إشكالية لها أسبابها الكثيرة، وليس لأن الحديث هذه المرة عن امرأة مضطربة نفسيًّا. فلا تستطيع المرأة، من الناحية الجسدية مجامعة رجل لا يرغب في ذلك (والحديث ليس عن “وسائل مساعدة كيميائية” تساعد الرجل. لا شك هنا في أن الفتيان كانوا “يرغبون” بذلك رغبة طبيعية).
وهنالك من يدعي أنهم قاصرون، وذكور، و “تنقصهم القدرة” للحكم على الأمور. لكن، في الحقيقة، لا يجري الحديث عن امرأة قد أغرت أولئك الفتيان. فلم تلاحقهم، أو تشترِ لهم هدايا ولم تعرض عليهم اقتراحات قد استجابوا لها. لقد عرف الفتيةُ أنهم إن توجهوا لتلك المرأة فستلبى رغبتهم الجنسية، مثل الذهاب إلى زانية، ولكن مجانًا. وهذا قبل التطرق إلى الفجوة في القوة بين النساء والرجال، الذين سيغلبون في أي صراع جسدي.
وليس هذا فقط، لقد اختار الفتية أن يصوروا المرأة بهواتفهم النقالة، ونشروا الصور وهم يفتخرون بأفعالهم، عدا عن إهانة المرأة. نعم، نعم، فقرأتم العبارات جيدًا. المرأة هي التي أهينت وليس الفتية. إنها لم تفتخر بالأمر، لم تذكر أسماء الفتية، ولم تفرض نفسها عليهم. هم الذين استغلوها واستغلوا حاجاتها ومشكلاتها.
ينتشر في الشبكة في الأيام الأخيرة منشور مثير للاهتمام يهدف إلى أن يبين لماذا لا يعتبر استغلال الرجل للفتيات كاستغلال المرأة للفتيان، مثل ما جرى في هذه الحادثة. فيفصّل المنشور بندا إثر بندٍ، تفصيلا مريحًا وواضحًا. و يجدر الذكر أنه يقارن ما حدث بالتحديد في فضيحة إيال جولان، المغني المشهور الذي اتهم بإقامة علاقات جنسية مع قاصرات (كما فعل أبوه)، وهو حدث مشهور انتقدت فيه وسائل الإعلام المغني بحدة وكما ادعى مقربوه ومعجبوه “رقصت على دمائه”. مع ذلك فإن المقارنة صحيحة تقريبًا لكل الحالات التي يَستغلُ بها الرجل استغلالا جنسيًّا.
وهذه بعض الادعاءات (المنصفة) في المنشور:
هل خدعت أو أغرت الفتيان ليأتوا إليها؟ اشترت لهم هدايا؟ لا. ولكن في الحالة العكسية، يفعل الرجل ذلك.
هل صورت الفتيات ما حدث لهن ونشروه للمشاهدة في الواتس آب كأمر جيد جرى لهن؟ لا. في الحالة العكسية، تم ذلك.
هل شعر الفتيان بالعار مما حدث لهم؟ لا. هل شعرت الفتيات بالعار مما حدث لهن؟ نعم.
هل ضرب الفتيان المرأة، أهانوها وشتموها؟ نعم. هل ضربت الفتيات الرجل؟ أهانوه وشتموه؟ لا.
هل اتهموا الفتيات أنهن أردن ذلك؟ أُغريِنَ؟ لسن بهذه السذاجة؟ يحاولن ابتزازه وتلطيخ اسمه مجانًا؟ يكذبن؟ نعم. هل اتهموا الفتيان بكل هذا؟ لا.
هل الرجل مشهور؟ قوي في المجتمع؟ له مركزه؟ نعم. هل المرأة كذلك؟ لا.
هل عرضت وسائل الإعلام أيضًا روايته للأحداث؟ منحو الفرصة له ولمحاميَه للشرح؟ نعم. في الحالة العكسية، لم يتم ذلك.
هل كان الرجل معروفًا لسلطات الرفاه الاجتماعية كمَن لديه مشكلة نفسية؟ ضعيف اجتماعيًّا ويحتاج إلى مساعدة؟ لا. في الحالة العكسية، نعم أنتم صادقون، بالطبع نعم.
إن الأمور واضحة، فنحن نعيش في مجتمع تسلطي ذكري، يتحكم الرجال ويسيّطرون فيه منذ مئات وآلاف السنوات. وهم يتحكمون بالمجتمع، بالنساء، بالمعلومات والحديث، بمؤسسات الحكم والقانون. ويعود ذلك إلى تفوّق الرجال جسديًّا على النساء، وقدرتهم على مر التاريخ في تهديد النساء وجعلهن مطيعات. في أية لحظة، يمكن للرجل أن يهدد المرأة بالاغتصاب، أما الوضع العكسي، ليس قائمًا، تقريبًا.
في نصف القرن الأخير، بدأت الأمور تتغير. أخذت النساء تفهم وتذوّت أنهن لسن ملكًا للرجال، لأنه لا ينبغي عليهن أن يشعرن بالتهديد بسبب قوتهم، ويبدأ القانون بالتغير ليحمي النساء من كل هؤلاء.
إذًا، لكل من يطالب “بالمساواة” أمام هذا القانون تحديدًا، ويحكم على المرأة كما يحكم على أي رجل مستغِل جنسيًّا، عليه أن يفهم أولا كم من العدل في هذا القانون، وكم يمنح العالم الذي نعيش فيه النساء حقوقهن. وبعد ذلك، فليحاول أن يفكر، من الضحية فيما حدث؟ وفي أي حال كان يريد أن يجد نفسه؟ فتاة مستغلة، أم فتى “مستغَلا” تصرف فور ذلك الاستغلال وكأنه حقق للتوّ حلمًا؟