قبل مئة سنة، كانت هذه هي العادة. وقبل خمسين سنة ما لبث ذلك يتقلقل، واليوم، من الصعب إيجاد مجتمعات غربية لا يقيم فيها الزوجان علاقات قبل الزواج. وفي المجتمعات المحافظة أو الدينية، لا يُسأل عن ذلك، والفتاة الشابة تحفظ نفسها بكل الحفظ، حتى تصل إلى يوم الزواج وهي عذراء. يشكل ذلك لدى الرجال أمرًا تصعب مراقبته، لكن، ما زال رجالمتدينون كثيرون يحافظون على ذلك.
حتى في الغرب، في مجتمعات مسيحية كاثوليكية ما زالوا لا ينظرون لإقامة علاقة جنسية قبل الزواج نظرة مستحسنة، لكن عدد الفتية الذين يختارون الانتظار قلة قليلة. في بعض الدول، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، قد اعتبر هذا “غريبًا” وبالطبع قديمًا، ويقع كثير من الفتيان تحت الضغط الاجتماعي لإقامة علاقات جنسية منذ عمر فتيّ، في الإعدادية أو الثانوية.
لكن، مؤخرًا قرر عدد من الفتية أن ينتفضوا على الأعراف الجديدة، ويعلنوا بفخر أنهم لا ينوون فقدان عفتهم الجنسية بلا معنى ولا حب، بل ينتظرون الحب الحقيقي، وفقط بعدما يعرفون أن هذه هي شريكة حياتهم، سيتقاسمون معها هذه اللحظة الخاصة.
“نموذج رومنسي من الطراز القديم“
نشرت في “الغارديان” مؤخرًا مقالةٌ عن فتى ابن 18 واسمه فين ليمان، الذي لم يخجل أبدًا من أنه عفيف، بل واختار أن يكتب عن ذلك مقالا لصحيفة مدرسته. ليمان، شاب جميل الطلعة، يقول إنه يفعل ذلك من منطلق اختياره التامّ. ويقول للغارديان إنه قد سنحت له فرصٌ سابقًا، لكنه ردّ عروضًا من عدة فتيات.
“حين تقيمون علاقة جنسية مع أي كان، تنشأ بينكم روابط شعورية وجسدية”،كتب ذلك في المقال الذي نشره في صحيفة مدرسته. وإذا قطعت هذه الروابط، تنشأ الندوب في المكان الذي كان معافى. لذا فلن ينفع “الجنس العرَضي” يومًا على المدى البعيد- ببساطة، هذا لا يجدي”.
مُذْ نُشر المقال، انتشر في مئات من المواقع العالمية، وتلقى فين ردودًا وتوجهات من فتية، شابات وشبّان، يحسون مثله، ويرفضون الخضوع للضغط الاجتماعي في إقامة علاقة جنسية في عمر فتيّ. رغم ما في الأمر من صعوبات، اجتماعية وجسدية، كتب فين:
أتصور أن قسطا منكم يجفل من فكرة الامتناع عن الجنس في عمر 18، وهذا صحيح، أنا أعترف، يمكن أن يكون هذا صعبًا جدًا. لقد كانت لحظات شككت فيها في قراري، حالات أردت فيها دخول الغرفة مع فتاة من الحفلة، لماذا لم أفعل ذلك؟ وبهذا، فالإجابة البسيطة على هذا أنني أريد أن أقيم علاقة جنسية مع امرأة واحدة فقط. المرأة التي أحبها وأريد قضاء سائر عمري معها. ينبغي علي الاعتراف بأنني طراز رومنسي من الدقة القديمة، وينبع قسط من هذا على ما يبدو من إيماني المسيحي. لكن هذا هو اختياري الشخصي”.
إذا، هل يفضّل الانتظار؟
يبدو، طبعًا، أن اختياره الشخصي ليس فريدًا من نوعه، كما كان يبدو في البداية. فصار الامتناع عن الجنس حتى الزواج “تيارًا” حقًا في السنوات الأخيرة، ويعترض فتية كثر، على الأقل أولئك ذوو الثقة بأنفسهم، على ما بات “مقبولا” في ثانويتهم. تعرض منتديات لا حصر لها، صفحات في الفيس بوك وغرف المحادثة، حسناتِ الأمر، وتمنح التأييد للفتية والفتيات الذين اختاروا الامتناع عن الجنس.
لا يمتنع أن يكون من وراء قسم منهم جهات دينية أو جمعيات محافظة، لكن هذا لا يغيّر من الواقع شيئا بأن الحديث عن ظاهرة.
تشابه الادعاءات التي تؤيد الامتناع عن الجنس تلك التي عرضها فين- الأهمية الشعورية العميقة التي تحويها العلاقة، جمال التوقع، الانفعال الحاصل، والحفاظ على الجسم كشيء ذي قيمة، لا “كغرض” أو “لعبة”. كذلك تنضم للمهمة، ادعاءات تعارض الحمل في جيل صغير، وطبعًا ضدّ الإجهاض.
مقابل ذلك، فهناك عدد ليس قليل من المنتديات “المنفتحة” أكثر، والتي ما زال أغلب الفتيان الذين يسألون فيها هل يجدر الانتظار، ويحصلون على توصيات بألا يفعلوا ذلك. من بين الادعاءات العكسية يقف الخوف من عدم التلاؤم بين الزوجين في السرير، ماذا يحدث لو اكتشفا بعد الزواج أنهما لا يستطيعان أن يتمتعا بعلاقة جنسية معًا؟
وادعاء آخر يخصّ المرة الأولى، بأنها مملوءة بالتوتر، الارتباك، وعلى الأغلب غير ناجحة، ولذا من المفضل “إنهاء الأمر” في عمر مبكر، ومع السنوات تعلمُ كيف يُستمتعُ بالجنس، حيث لا يُضاف بعد الزواج الخوفُ فوق كل التوترات القائمة أصلا. في النهاية، من الادعاءات الأخرى أن هذا ببساطة “متعة”، إذًا لم تمنع نفسك مما يمكن أن يضفي عليك اللذة؟ هذا ادعاء سطحي، نعم، لكنه لم يفقد دلالته.
طبعًا، ليست هناك إجابة قاطعة على ذلك في الحقيقة، وكلٌّ يمكنه أن يختار ما يلائمه. كما ذُكر، الشبكة مملوءة بالمنتديات التي يمكن أن يَستشير بها الفتية، وأن يحصلوا على إجابات على أسئلتهم. أيّا يكنْ، من المفضل أن تراجعوا أنفسكم فيما يلائمكم أكثر، قبل اتخاذ أي قرار وإن بدا هامشيًّا، إذ يمكن له أن يؤثر كثيرًا في حياتكم.