على الرغم من العداء المزمن والمستحكم بين العرب وإسرائيل، لم تعد فكرة مناقشة تعاون استراتيجي بين الدول العربية وإسرائيل ضربا من الخيال. فالتمدّد الإيراني في الشرق الأوسط، ولّد تدريجيًا قناعات لدى بعض السياسيين الإسرائيليين والعرب السنّة بإمكانية بلوغ مثل هكذا تعاون في المستقبل من أجل مواجهة خطر مشترك.
ان تردد الادارة الامريكية في الاستجابة الحاسمة للتحديات التي تواجه الانظمة والدول العربية السنية الموالية لها هو ايضا عامل آخر يؤثر بقوة في بلورة الرؤية الجديدة للتعاون الاستراتيجي العربي- الإسرائيلي. فمنذ تراجع ادارة الرئيس باراك أوباما عن توجيه ضربة عسكرية لنظام بشار الأسد، وقيامها بعقد اتفاق نووي أولي مع ايران، أدركت الدول العربية السنية، وبالتحديد الخليجية، أن الولايات المتحدة لم تعد مستعدة لضمان الأمن العربي.
ومع أن ادارة الرئيس باراك أوباما تبدو مقتنعة إلى حد ما بإمكانية تحييد ايران نوويا في ظل الزعامة الدينية المعتدلة لروحاني، إلا أن حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في الشرق الاوسط، إسرائيل ودول الخليج وتركيا والاردن، يبدون مقتنعين بأن إيران، سواء حكمت من قبل زعيم محافظ راديكالي كأحمدي نجاد او آخر معتدل كروحاني، لن تتخل عن تطلعاتها لامتلاك قدرات نووية عسكرية تعزز سياساتها التوسعية. ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، انبرت الدول العربية السنية تفتش عن شركاء استراتيجيين جدد لتعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية، وقد تكون اسرائيل من بينهم.
ان الإسرائيليين وكذلك العرب السنة، على يقين بأن إيران هي عدو مشترك لهما. ولهذا فانهما بأمس الحاجة الى خطاب سياسي يؤكد على القدرات الذاتية لمواجهة التحديات الوجودية لهما. ان نمطا نموذجيا من هذا الخطاب قدمه وعلى نحو ناجح رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو اثناء كلمته التي القاها امام جلسة مشتركة للكونغرس الامريكي يوم 3 مارس 2015. لقد اوضح نتانياهو التزامه بأمن جيرانه الشرق اوسطيين حين طالب المجتمع الدولي في كلمته بان لا يتم رفع العقوبات الاقتصادية عن ايران مالم تفعل ثلاثة اشياء، وفي مقدمتها “ان توقف اعتدائها ضد جيرانها في الشرق الاوسط.” وفي الكلمة ذاتها، بيّن نتانياهو أن اسرائيل لن تترك المنطقة، وانه اذا توجب على اسرائيل ان تقف لوحدها، فإنها ستفعل ذلك. ان هكذا نمط لخطاب سياسي اسرائيلي متحدي بقوة ترك انطباعا مؤثرا لدى بعض الاوساط السياسية والثقافية في الاقطار العربية السنية التي باتت تخشى كثيرا على مصيرها من الصعود الاقليمي الهائل لإيران خلال العقد الماضي.
ولعل حلا مقبولا من قبل طرفي النزاع للقضية الفلسطينية، لاسيما حل الدولتين، سيدعم كثيرا فكرة تعاون وتحالف استراتيجي بين العرب واسرائيل مستقبلا. ان هذا الحل سيجرد ايران من الوسائل التي توظفها لتشكيل تنظيمات ميليشياوية وكيلة.
لكن على الرغم من ان مقتربات التجسير لتعاون استراتيجي بين العرب واسرائيل متنوعة، إلا أن تعاونا استراتيجيا معلنا في هذا الوقت قد تكون كلفته باهظة على أمن الدول العربية. فمثلاً، قد تستغل طهران ذلك التعاون لإثارة المزيد من الفوضى والاضطراب.
بناء على ما تم ذكره سابقاً، من الأفضل الحفاظ على علاقات غير معلنة بين إسرائيل وبعض العرب السنة، الأمر الذي قد يساعد في ايجاد مقتربات للحوار والتعاون المستقبلي اللذين سيمهدان الطريق نحو الأمن والاستقرار في المنطقة. وبالتأكيد ان هذه الدرجة المتدنية من العلاقات أفضل من انعدامها.
نشر هذا المقال لأول مرة على موقع منتدى فكرة