ستكون الانتخابات القريبة للكنيست (17 آذار 2015) الـ 20 استفتاء شعبي على استمرار حكم بنيامين نتنياهو. سيكون هناك سؤال مركزي واحد: هل يريد الجمهور الإسرائيلي انتخابه لفترة ولاية رابعة، أو يُفضل أن يودعه ويرسله إلى بيته في قيساريا، بعد عقدين كان فيهما الشخصية المهيمنة في السياسة الإسرائيلية. هذه هي القصة: هل سيُحافظ نتنياهو على كونه السياسي الوحيد الذي يمكنه تركيب ائتلاف، كما فعل خلال دورتي الانتخابات السابقتين – أو سينجح خصومه هذه المرة بالتوحد ضده وإبقائه خارجًا.
افتتح نتنياهو البارحة (الثلاثاء) حملة الانتخابات بعرض كان عنوانه “ادعاءات واهية”. تحدث بإسهاب أمام عدسات الكاميرات، في مكتبه، عن الصعوبات التي واجهها كقائد يتزعم حكومة لم تعرف أبدًا كيف تقوم بعملها، مع وزراء متغطرسين، حسب ادعائه، أساءوا إليه، تحدثوا ضده وتآمروا على إسقاطه واستبداله.
بدأت الحملة الانتخابية بأفضلية تكتيكية لنتنياهو. هو من وجَّهَ، هاجم أولاً وأقال وزيرين من حكومته، وزير المالية يائير لبيد ووزيرة العدل تسيبي ليفني. ولكن، ظهرت البارحة بعض الدلالات التي لا تُبشر بالخير له: استطلاعات رأي سريعة أجرتها القناة الثانية والعاشرة الإسرائيلتين أن نسبة كبيرة جدًا من الجمهور الإسرائيلي ترى أنه هو المسؤول عن تفكيك الحكومة، غالبية الجمهور على قناعة أيضًا أن تقديم موعد الانتخابات هي خطوة لا طائل منها. لا يفهم الناس لماذا دولة إسرائيل، بوجود كل تلك المشاكل، عليها أن تمضي نحو دورة انتخابات بعد عامين فقط من الانتخابات الأخيرة.
لا تُظهر أيضًا استطلاعات الرأي السريعة، التي نُشرت هذا الصباح وأول الأخبار الصباحية في إسرائيل اليوم، أي تغيير بحكم حزب الليكود الحاكم في إسرائيل، إلا أنها أظهرت تعزيز قوة اليمين برئاسة نفتالي بينيت. تقلص الحزب اليساري، العمل، الذي يتزعمه بوجي هرتسوغ، قليلاً، الأحزاب العربية التي يُفترض أن تشارك بالانتخابات بقائمة واحدة الأمر الذي من شأنه تعزيز قوتها ونجم الانتخابات السابقة، يائير لبيد، تقلص عدد مقاعد حزبه إلى 11 مقعدًا (تراجع بـ 8 مقاعد عما كان في الانتخابات السابقة). وهنالك نجم جديد – قديم احتل العناوين وهو عضو الليكود السابق ووزير الاتصالات في حكومة نتنياهو الذي استقال من منصبه وغاب عن السياسة طوال عامين، موشيه كحلون. يعرفه الجمهور الإسرائيلي على أنه الشخصية التي أدت إلى ثورة في عالم الاتصالات، وهو الذي تجرأ على الوقوف أمام أباطرة شركات الاتصالات وعمل على تخفيض أسعار سوق الهواتف المحمولة بشكل كبير. يُتوقع، في حال قام بتشكيل حزب، أن يحصل على 10 مقاعد على حساب حزب الحركة برئاسة تسيبي ليفني والعمل، برئاسة هرتسوغ.
ولماذا كل هذه الحسابات هامة؟
حساب المقاعد هام لأنها هي التي ستُشكل احتمالات الحكم في إسرائيل. يقدَّرَ محللون، هذا الصباح، أن هناك احتمالين منطقيين بخصوص تشكيل الحكومة القادمة في إسرائيل. المرشّح، كما ذكرنا آنفًا، لرئاسة الحكومة هو نتنياهو.
الاحتمال الأول، الذي يبدو الآن منطقيًا أكثر، هو حكومة يمين _ حاريديين مع تعزيز قوة حزب وسط واحد أو اثنين (حزب موشيه كحلون، وربما يائير لبيد قد ينضم). ستلتزم هذه الحكومة بسلم الأولويات التقليدي لليمين: زيادة ميزانية الأمن وتعزيز قوة المستوطنين الحاريديين. كما ستستغل ضعف حكومة أوباما في الولايات المتحدة، بالطريق لإنهاء ولايته، من أجل تفادي أي مخاطر سياسية وتعميق ضمّ الأراضي المحتلة، مع زيادة القمع ضد الوسط العربي داخل الخط الأخضر.
البديل الثاني هو حكومة يسار – وسط برئاسة يتسحاك هرتسوغ، مع دعم من أحزاب حاريدية وحزب يميني واحد أو اثنين (ليبرمان أو الليكود). حكومة كهذه لا يمكنها التوصل إلى حل سياسي مع الفلسطينيين، الأمر الذي ينطوي على انسحاب من الأراضي المحتلة وإخلاء المستوطنات، بسبب تعلقها بدعم نواب كنيست من اليمين. يمكنها أن تُبدي اعتدالاً سياسيًا وأن تحسّن علاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة وأوروبا، وأن توجه اهتمامات أكبر وموارد للداخل والعمل على تهدئة الصراع الداخلي بين اليهود والعرب، مع دفن مشاريع قوانين عنصرية على شاكلة “قانون القومية”.
سئم الجمهور الإسرائيلي، على أي حال، من قياداته السياسية، التي تقوده إلى انتخابات كل عامين تقريبًا، ومن الحكومات التي لا تستطيع أن تطرح خطوط واضحة لإيجاد حل سياسي، ضائقة السكن، غلاء المعيشة وإنقاذ صورة إسرائيل في العالم. يبدو أن الناخب الإسرائيلي سيضطر، مُرغمًا، أن يكتفي بنتنياهو كرئيس قادم للحكومة.