محاكمة حساسة تجري في هذه الأيام في محكمة الشؤون المستعجلة في الإسكندرية بمصر. قدّم المحامي طارق محمود دعوى مطالبا بها الدولة الإعلان عن حماس أنها تنظيم إرهابي. ما هو المنطق، يتساءل محمود، في كون مصر قد عرّفت حركة الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي ولكنها تمتنع عن القيام بذلك مع الحركة الشقيقة حماس، التي ساعدت بزعم الحكومة كبار مسؤولي الإخوان المسلمين في الفرار من السجن في بداية عام 2011، وتساعد عناصر داعش في حربهم ضدّ الجيش المصري في سيناء، بل ووقفت خلف اغتيال المدعي العام هشام بركات في حزيران العام الماضي.
الضغط الذي تتعرض إليه حماس اليوم من قبل نظام عبد الفتّاح السيسي هو ضغط غير مسبوق: يخرّب الجيش المصري بشكل منهجي أنفاق التهريب من سيناء، يحافظ على معبر رفح مغلقا معظم الوقت، ويطلق يوميا اتهامات خطيرة ضدّ الحركة الفلسطينية.
https://www.youtube.com/watch?v=2oWG2T0cywA
ومع ذلك، يبدو أن مصر تدرك أهمية الحفاظ على علاقات معقولة مع حماس. أوشكت مفاوضات شبه سرية بين الجانبَين على الانتهاء في هذه الأيام، مع وصول وفد رفيع المستوى من حماس إلى القاهرة. وذكرت الصحيفة الموالية للسعودية “الشرق الأوسط” والتي تصدر في لندن أنّ حماس قد وافقت على عموم المطالب المصرية: الانفصال عن حركة الإخوان المسلمين، منع انتقال العناصر السلفية من تحت الحدود، منع تهريب السلاح، والتوقف عن التدخل في “شؤون مصر الداخلية”. ومن جهتها، تطالب حماس مصر بفتح معبر رفح، إعادة أربعة من أعضاء الحركة الذين “اختفوا” في سيناء في السنة الماضية، إيقاف الهجمات الإعلامية ضدّ حماس، وإيقاف ضخّ مياه البحر إلى داخل الأنفاق بهدف تدميرها. وفقا للتقرير، ترغب حماس أيضًا أن تعود مصر إلى دور الوسيط الدائم بينها وبين إسرائيل وبينها وبين حركة فتح.
وقد أغفلت الصيغة الحماسية للمطالب المصرية، والتي تم نشرها في الصحيفة الناطقة باسم الحركة “الرسالة” على لسان مسؤول الحركة زياد الظاظا، الطلب المصري بالانفصال الرسمي والفعلي عن الإخوان المسلمين في مصر، وذلك لسبب وجيه: وهو أنّ هذا هو أحد أكثر المطالب التي وجدت حماس صعوبة في قبولها. وتنشغل المواقع الإخبارية العربية في مسألة إذا ما كانت حماس قادرة على تنفيذ هذا المطلب. “هل باعت حماس الإخوان المسلمين؟” كما اتّهم أحد المواقع. “إكراه أم طلاق تامّ؟” تساءل عنوان المقال في الموقع الإخباري الفلسطيني دنيا الوطن، والذي نُقل فيه عن محللين يشكّكون في حقيقة هذا الطلب المصري، أو يركّزون على تصريح حماس بأنّها لا تقيم علاقات تنظيمية (بخلاف التقارب الأيديولوجي مع الإخوان المسلمين).
والمطلب الثاني الذي ستجد حماس صعوبة في قبوله هو المطالبة المصرية بتغيير قواتها بقوات الحرس الرئاسي التابعة للسلطة الفلسطينية في معبر رفح الحدودي. وفقا للمقال المنشور في “الشرق الأوسط”، فقد أصرّت مصر على رأيها بإجبار حماس على التخلي عن سيطرتها ليس فقط على المعابر وإنما على قطاع غزة كله، وهو مطلب لن تستطيع حماس قبوله. وأعلمت حماس مصر أنّها لدى موافقتها على حكومة التكنوقراط برئاسة شخص مقرّب من أبو مازن، رامي الحمد الله، فقد خطت في الواقع خطوة كبيرة باتجاه حركة فتح، التي تستمر في مضايقة قطاع غزة وحركة حماس في الضفة.
وفي هذه الأثناء تدفع حماس دفعة أولية لمصر ممثّلة بموجة من الاعتقالات لعناصر سلفية متطرفة في قطاع غزة. في الأسبوع الماضي اعتقل جهاز الأمن الداخلي التابع لوزارة الداخلية (التي لا تزال تحت سيطرة حماس) عددا غير معروف من النشطاء في تنظيم سلفيّ باسم “لواء التوحيد” ومن بينهم أحد منظّري المجموعة، وهو وائل حسنين. واتهم ناشط سلفي آخر، يلقب بأبي بصير المقدسي، حماس بالخضوع لـ “الأجندة المصرية”.
تصل حماس، التي فقدت ظهيرها السياسي متمثلا بإيران وتركيا، إلى مفاوضات مع مصر في موقف ضعيف بشكل واضح. والسؤال، إن كان الأمر كذلك، هو ليس إذا كانت حماس ستوافق على الشروط المصرية، وإنما إذا ما كانت مصر السيسي تتفاوض بحسن نية أم إن مطالبها من حماس ليست سوى خطوة أخرى لإذلال خصم أيديولوجي لدود.
نشر هذا المقال لأول مرة في منتدى التفكير الإقليمي