دخلتُ إلى المجمّع التجاري عزريئيلي في تل أبيب، وهو أحد المُجمّعات التجارية الثلاثة الأكثر ازدحاما في إسرائيل، وصادف ذلك قبل خمسة أيام من حلول عيد الأضحى. وشاهدتُ فيه مزيجا من الزبائن إذ يمكن أن نرى سُيّاحا، يهودا متديّنين، مسلمين، وجنودا. كان يبدو ذلك اليوم مجرد يوم عادي آخر في المُجمّع التجاري. كان يتنقل جميع زبائن المُجمّع المزوّد بالمكيّفات في متاجر الملابس، الأحذية، المجوهرات والتجميل، أكشاك الهواتف المحمولة، وأكشاك الطعام. للوهلة الأولى، يبدو أنّ المشترك بين جميع الزوّار هو محاولة الفرار من الحر والرطوبة في آخر الصيف الإسرائيلي.
لقد رأيت أم وابنتها، وهما ترتديان حجابا، وتدخلان إلى متجر لإحدى ماركات الأحذية الفاخرة. كانتا تبدوان مركّزتين على هدفهما، ولا تضيّعان وقتهما. الحذاء الأول من بين الأحذية الذي وقع اختيار الفتاة للإمساك به كان الحذاء الذي تم شراؤه لاحقا. لقد أحضرت البائعة الحذاء ذي المقاس الصحيح للفتاة، فقررت شراءه، لذلك دفعت الأم للبائعة ثمنه مُعبّرة لها عن شكرها على الخدمة التي حظيت بها، ومن ثم خرجت الأم وابنتها وهما تحملان كيس من المشتريات وتتجهان نحو الممر الواسع والمزدحم، وتسارعان لدخول المتجر القادم.
كنتُ متفاجئة من كفاءتهما، ويبدو أن البائعة أيضا. من ثم دخلت حانوت الأحذية زبونات عاديات، من نوع الزبونات اللواتي يُدققن في كل نوع من الأحذية الذي يشارك في الحملة، يترددن، يخترنَ، يُفكّرن وهكذا دواليك. ويبدو أن البائعة كانت معتادة أكثر على هذا النوع من الزبونات.
أما المتجر التالي الذي دخلتُ إليه كان متجر ملابس لماركة أمريكية معروفة. ولاحظت أن مجموعات من الفتيات يتجمعن حول تشكيلة من الملابس المعروضة للبيع. ينظرنَ، إليها، يتحسسنها، ويقارنّ الأسعار ومن ثم يتابعن نحو التشكيلة التالية من الملابس في الحانوت. تدرك الزبونات جيدا أسعار الحملة التي تظهر على اللافتات. وقد كنّ يتحدثنَ بصوت عالٍ وبالعبرية.
وعند الانتظار للدخول إلى غرف القياس يتضح أين اختفينَ الزبونات الناطقات بالعربية. هنا يمكن أن نسمع العربية مجددا، وبشكل خاص كلمات “مقياس” و “يلا بسرعة”. لقد بدا واضحا أن الزبونات المسلمات لم يأتين بمجموعات من الفتيات، بل بأزواج مؤلفة من أم وابنتها. لاحظتُ أن بعض الأمهات ينتظرن بصبر خارج غرفة القياس، وبعضهنّ يسرّعنَ بناتهن، قائلات إن هناك متاجر يجب عليهنّ زيارتها في ذلك اليوم. لقد مرت أمامي أم وابنتها وهما ترتديان الحجاب وفي طريقهما إلى صندوق الدفع، للدفع مقابل فساتين احتفالية. ولاحظت أيضا فتيات يدخلن إلى غرف القياس الفارغة وهن يضحكن ويحملن حزمة من بناطيل الجينز والبلوزات الملونة.
يبدو أنه قبيل العيد ينقسم المجمّع التجاري إلى عالمين منفصلين، يتواجدان بالتوازي. من جهة، إذا نظرتم فقط إلى المسلمين في المجمّع التجاري، سترون أنّ أساس النشاط الاستهلاكي يجري في متاجر الملابس والأحذية، من خلال قياس الفساتين، أحذية الكعب، البدلات، وربّطات العنق. ونلاحظ أن الزبائن يُركّزون جدا على هدفهم ولا يتأخرون في متاجر الطعام. إذا تسنى لكم أن تنصتوا إلى المحادثات بالعربية، ستسمعون نبرة من السرعة في حديث المارة غير المتواصل.
من جهة أخرى، نلاحظ أنّ الناطقين بالعبرية، يهتمون بحملات نهاية موسم الصيف، ويشترون سراويل قصيرة، قمصانا وصنادل تُباع في المتاجر بنصف السعر. فهم لا يتحدثون عن العيد، حيث إنّه بقيت عدة أسابيع حتى حلول الأعياد اليهودية القريبة. ونلاحظ أنهم يتحدثون عن الحرّ، عن المواضيع اليومية، يتجوّلون بهدوء في أرجاء المجمّع التجاري، ويحملون كأسا من المشروب الساخن أو قطعة من المخبوزات الساخنة. أي أنهم يقضون وقتا عاديا في نهاية الصيف.
وعندما خرجت من المُجمّع التجاري لاحظت أن الأم وابنتها اللتان رأيتهما في متجر الأحذية في بداية زيارتي تخرجان أيضا من المُجمّع. وقد تسيران بخطوات سريعة مثلما مشيتا عندما خرجتا من المتجر بعد أن اشتريتا الأحذية، ولكن الآن أصبحت أيديهما مليئة بالأكياس الأخرى: مثل أكياس لماركات ملابس احتفالية، وماركة مجوهرات فاخرة. يمكن التخمين أنهما قد أنهيتا من مشتريات العيد الاحتفالية لكل واحدة منهما.
إذا كان الأمر كذلك، فإلى أين تسارعان الآن؟ أتساءل. سمعتُ عبارة “كعك العيد” في حديثهما. لن أعرف أبدا إذا كانتا تسارعان إلى المنزل لإعداد الكعك، أو تعتزمان تناول الكعك الجاهز، لأنني في تلك اللحظة تذكرت أنّني فوّتُ وجبة الغداء فعدّتُ مسرعة إلى أكشاك الطعام في المجمّع التجاري المُكيّف.