يمكن للأشخاص المنطقيين ألا يوافقوا على الحكمة وراء قرار المملكة العربية السعودية للتدخل في اليمن. بيد أن هذا التدخل أثبت أنه يمكن للرياض، وعندما تتعرض للتهديد، أن توظف سلطتها العسكرية والسياسية والدينية والمالية لحث حلفائها من الدول العربية والإسلامية على خوض نزاع مسلح.
الخطوة التي اتخذتها المملكة تبعث برسالة قوية مفادها أن المملكة لا تقف مكتوفة الأيدي عندما يتعلق الأمر بالأمن. ولكن هل الملك سلمان بن عبد العزيز ملتزم أيضًا بالسلام الإقليمي على نطاق أوسع؟ وهل السعوديون مستعدون لقيادة مثل هذا الجهد؟
بالنسبة إلى حملتها العسكرية في اليمن، حشدت السعودية ستة دول من أعضاء مجلس التعاون الخليجي الأعضاء باستثناء عُمان، إلى جانب الأردن ومصر والمغرب. فالموقف السعودي واضح: الحوثيون هم عملاء إيران ويعملون على تعزيز مصالح طهران وطموحاتها في مجال النفوذ السعودي. وقد أودت الحملة الجوية بحياة 1,000 يمني على الأقل، مع عدد أكبر من اليمنيين الجرحى والنازحين، فيما دمر جزءٌ كبير من البنية التحتية للبلاد. وقد بررت المملكة عملها هذا كردٍ لازمٍ على السلوك الخبيث الذي تعتمده إيران وعملاؤها في اليمن.
يُذكر أن التحول الأساسي الجاري في المنطقة يطرح العديد من التحديات، مثل الانقسامات الطائفية والعرقية والإثنية وانتشار الإرهاب وانهيار الدول. ردًا على ذلك، أنفقت المملكة العربية السعودية 80 مليار دولار على الأقل على الأسلحة في العام 2014، ومن المرجح أنه تنفق أكثر من ذلك في العام 2015. إلا أن المملكة ودول عربية أخرى قد تكون مخطئة إذا كانت تعتقد أن الحل العسكري هو الحل الوحيد للحد من الاضطرابات.
اعتبر العديد من المراقبين أن الدول العربية السنيّة ترى إيران وحزب الله، وليس إسرائيل، على أنهما العدو. بالتالي يجب ألا يبقى التعاون مع إسرائيل لكبح النفوذ الإيراني في المنطقة أمرًا يشوبه الغموض ويحرم التطرق إليه. فإنه ليس بالسر في واشنطن أن المملكة العربية السعودية وإسرائيل تشعران بالقلق بشكل مماثل بشأن اتفاق محتمل بين الولايات المتحدة وإيران لا يعالج مطامع ايران الإقليمية. فقرار إسرائيل حضور مؤتمر معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، الذي بدأ في 27 نيسان/إبريل في مقر الأمم المتحدة في نيويورك بعد غياب دام عشرين عامًا، هو مؤشر واضح على أن إسرائيل تريد حوارًا أكثر انفتاحًا مع الدول العربية الرئيسية.
بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فإن قمة كامب ديفيد مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما توفر فرصة ممتازة لإظهار اهتمام حقيقي في الدبلوماسية الإستراتيجية. لذا ينبغي أن تحضر هذه الدول المؤتمر وفي جعبتها أفكار بنّاءة ومتماسكة حول إستراتيجية تشمل إسرائيل كشريك في احتواء إيران. وفي حال أضفى العرب الطابع المؤسساتي إلى ما يفعلونه بالفعل مع تل أبيب سرًا ستكون تلك خطوة سليمة وشجاعة. تتوقع دول الخليج من الولايات المتحدة تزويدها بالاطمئنان الأمني الحقيقي، ومن المرجح أن التكنولوجيا وأنظمة الأسلحة المتقدمة هي من بين الأشياء التي تطمح للحصول عليها من واشنطن. ولكن بغض النظر عن الطلب، لن تسمح له الولايات المتحدة بأن يقوض التفوق العسكري النوعي الذي تتمتع به إسرائيل. لذا ينبغي أن يكون هذا الشرط حافزًا قويًا للمملكة العربية السعودية للمشاركة في عملية تطبيع حقيقية مع إسرائيل، تعود بالفائدة على تل أبيب والرياض على حد سواء.
كيف يمكن للمملكة العربية السعودية وإسرائيل مواصلة التعاون المفتوح؟ مع الأخذ بعين الاعتبار الجهود التي تبذلها المملكة لبناء تحالف في اليمن، يمكنها دعم حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال عزمها تنشيط مبادرة السلام العربية التي أطلقتها في العام 2002. ومن شأن التوقيع على المبادرة أن يسمح للمملكة وللدول العربية الأخرى بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وبالتالي حرمان الإيرانيين من مصدر رئيسي للنفوذ بين العرب السنّة وتمهيد الطريق للتعاون الإقليمي الفعّال لمواجهة إيران. بالطبع، سيحتاج السعوديون إلى التأكد من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مستعد لتقديم ما يستحق اتخاذ هذه الخطوة.
تطرح الفوضى الحالية في الشرق الأوسط مخاطر كبرى، ولكنها أيضًا تشكل فرصة غير مسبوقة لإعادة التراصف الجيوسياسي، علمًا أن المملكة العربية السعودية مستعدة لقيادة مثل هذا التراصف. هنا تبرز العديد من الأسباب التي تدعو للشك، ولكن من يدري؟ لقد ظهر قائد سعودي جديد على الساحة، هو وزير الدفاع محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ويبدو أنه على استعداد لتحمل المخاطر.
نشر هذا المقال لأول مرة على موقع منتدى فكرة