تُعتبر الانتخابات البرلمانية في تونس، التي أُجريت البارحة والانتخابات الرئاسية التي من المزمع أن تبدأ بعد شهر، أهم نقطة تحول في الدولة التي هي مهد الربيع العربي. يبدو أن الثورة التونسية، بعد التقدم الكبير الذي حققه حزب النهضة في الانتخابات السابقة؛ عام 2011 والذي أشار في حينه إلى صعود موجة إسلامية بعد الربيع العربي، تشهد الآن انعطافة حادة أُخرى في طريقها المتعرجة.
كانت نسبة المشاركة الكبيرة بالانتخابات التي وصلت إلى 55% من المعطيات الاستثنائية التي لفتت الانتباه. لا شك أن تحول حزب “نداء تونس” إلى أكبر حزب في البرلمان، متجاوزًا بذلك حزب النهضة، يشير دون شك إلى وجود إحباط متنامِ من طريقة حزب النهضة بإدارة البلاد في السنوات الماضية. تتركز الاتهامات الرئيسية التي توُجه لحزب النهضة في كون أعضاء الحزب عديمي التجربة، وبالضرر الذي تسببت به إدارتهم للاقتصاد التونسي.
حركة نداء تونس هي مجموعة، غريبة بعض الشيء، من الأشخاص. يضم هذا الحزب بين أعضائه سياسيين لديهم أجندات مختلفة ومتناقضة، والقاسم المشترك بينهم هو فقط علمانيتهم
حركة نداء تونس هي مجموعة، غريبة بعض الشيء، من الأشخاص. يضم هذا الحزب بين أعضائه سياسيين لديهم أجندات مختلفة ومتناقضة، والقاسم المشترك بينهم هو فقط علمانيتهم. يمكن أن نجد بينهم من كانوا يومًا الأتباع المخلصين للديكتاتور السابق زين العابدين بن علي، ويمكن أن نرى أشخاصًا ممكن يحملون أجندات اشتراكية ليبرالية – الذين وقفوا معًا ضد أسلمة تونس وحالفهم الفوز هذا الأسبوع. يبدو، على الرغم من ذلك، أنه ليس لديهم الأغلبية وأن عليهم أن يتعاونوا في إطار حكومة ائتلاف.
ربما أن الانتقادات القائلة بعدم وجود خبرة لدى قادة حزب النهضة هو ما يُفسر ذلك الدعم الكبير بقيادة الباجي قائد السبسي، الذي ما يميزه هي خبرته. لا يكفي أن الحديث هو عن قائد عمره 87 عامًا، بل لديه خبرة كرئيس سابق للحكومة الانتقالية عام 2011 وكوزير في حكومة الحبيب بورقيبة. يبدو أن الشعب التونسي يتذكر بشكل إيجابي فترة ولايته كرئيس مؤقت للحكومة خلال عام 2011 لحين وصول حزب النهضة للحكم.
تمتد خبرة الباجي قائد السبسي على طول سنوات عديدة خلال القرن الماضي. بدأ السبسي حياته المهنية كطالب محاماة في باريس في بداية خمسينيات القرن العشرين. ووجد نفسه، عندما عاد إلى تونس، يعمل في أوساط الحزب الحر الدستوري الجديد، وبعد نيل تونس استقلالها عام 1956 أصبح أحد مستشاري الرئيس بورقيبة.
المناصب التي شغلها السبسي لدى النظام التونسي كثيرة ومتنوعة: حتى سنوات الـ 70 شغل منصب مسؤول الحكم المحلي، رئيس إدارة الأمن الوطني، وزير الداخلية، وزير الأمن وسفير تونس في فرنسا.
لم يكن طموحه بتحقيق الديمقراطية في تونس أمرًا خافيًا على أحد. فقد دعا بشكل علني، في عام 1971، بإحداث إصلاحات ديمقراطية في تونس وبعد ذلك استقال من منصبه كسفير في فرنسا عندما لم تتم الاستجابة لنداءاته
إلا أنه على الرغم من ذلك لم يكن طموحه بتحقيق الديمقراطية في تونس أمرًا خافيًا على أحد. فقد دعا بشكل علني، في عام 1971، بإحداث إصلاحات ديمقراطية في تونس وبعد ذلك استقال من منصبه كسفير في فرنسا عندما لم تتم الاستجابة لنداءاته. عاد عام 1981 إلى الحكومة وتم تعيينه وزيرًا للخارجية، ومن ثم سفيرًا في ألمانيا.
الآن، وبعد النتيجة الجيدة في الانتخابات البرلمانية، يبدو الباجي قائد السبسي في نقطة انطلاق جيدة فيما يخص الانتخابات الرئاسية التي ستُقام في نهاية تشرين الثاني. وهذا على الرغم من أن الدستور التونسي الجديد لم يترك الكثير من الصلاحيات لرئيس الدولة والتأثير الكبير سيكون من نصيب رئيس الحكومة.
واجه السبسي خلال الشهر الأخير خلافات مع جهات في حزبه والتي اتهمها بمحاولة إفشال ترشحه للرئاسة ومن المثير أن نرى كيف سيكون تأثير نتائج الانتخابات البرلمانية على الانتخابات الرئاسية. أيًّا كان، يبدو أن هناك في تونس معسكر كبير يُفضل استقرار الحكم السابق على التخبطات الكبيرة التي تحدث خلال السنوات الأربع الأخيرة.