بعد مرور سنة منذ بدايتها، بدأت تُظهر الانتفاضة الثالثة علامات اضمحلال، رغم أنّها غيرت شكلها أكثر من مرة: من موجة طعن، إلى عمليات دهس، وصولا إلى عمليات إطلاق نار، وحدث مؤخرا أيضًا إشعال متعمد تطور إلى حرائق في مساحات شاسعة.
كان الدافع الاقتصادي والاجتماعي عاملا أساسيا في سلسلة الأحداث في السنة الماضية وتشير مصادر في إسرائيل إلى أن القرار الذي اتُخِذ، رغم ضغط مسؤولين في حكومة اليمين الذين طالبوا بتنفيذ عمليات أكثر مؤلمة ضدّ السكان الفلسطينيين، هو العمل بحنكة وذكاء ضدّ المنفّذين المحتملين لتنفيذ عمليات من هذا النوع وضدّ بيئتهم القريبة، وفي الوقت ذاته، السماح لسائر الفلسطينيين العيش حياة عادية تماما.
النقطة التي ينتبه إليها قليلون هي أنّ الشاب الفلسطيني، منذ لحظة تنفيذه عملية ضدّ إسرائيليين، سواء قتل أو سُجن، يؤمّن في الواقع أجرا شهريا أعلى من متوسّط الأجور في السوق الفلسطينية لأسرته، ومعاشا تقاعديا أيضا.
إذ تصل الأموال من المنظمات الفلسطينية التي تحرص، بغضّ النظر عن موقفها السياسي، على مكافأة منفّذي العمليات وهكذا أصبح تنفيذ عملية ضدّ الإسرائيليين قطاع عمل مربح جدا.
لقد مضى على المنظومة الأمنية الإسرائيلية وقت طويل لفهم الدوافع وراء موجة العُنف في السنة الأخيرة وهناك تفسير سائد الآن وهو أنّها عمليات بدافع “الإلهام”. لا تتحمل تنظيمات مسؤولية هذه العمليات، على الأقل ليس بشكل مباشر، ولكن هناك آلية دعاية تدفع الشباب إلى القيام صباحا وتنفيذ عملية كهذه.
هذا هو أيضًا التحدّي الأكبر الذي وقف، ولا يزال، أمام أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية: كيف نعتقل شابا قام صباحا وقرر، تلقائيا، تنفيذ عملية، حيث ليس هناك أي تنظيم معروف يدعمه ولا أي هدف يوجّهه.
منذ بداية الانتفاضة الحالية (الأول من تشرين الأول 2015) نُفذت 265 عملية مختلفة. في أوقات الذروة نُفِذت عدة عمليات يوميا. أدركت إسرائيل أنّها تقف أمام تحدّ مركّب: كيفية كسر حماس الشباب لتنفيذ العمليات وفي المقابل، السماح لبقية السكان، غير المشاركين في الأحداث، أن يعيشوا حياة عادية وتجنب انضمام المزيد من الأشخاص إلى دائرة العنف. وهكذا، على سبيل المثال، أصرّ الجيش الإسرائيلي، رغم ضغوط السياسيين اليمينيين، السماح بحرية الحركة للفلسطينيين وعدم فرض عقوبات جماعية على السكان.
فما هي، إذا كان الأمر كذلك، الخطوات التي تتخذها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لمحاولة إيقاف الانتفاضة:
• مُصادرة الأموال – كما ذُكر، كل منفّذ عملية، سواء قُتل أو دخل السجن، يؤمّن لأسرته راتبا ثابتا تمنحه المنظمات الفلسطينية. لذلك عملت إسرائيل على أخذ هذه الأموال، أو ما يعادلها من الأسرة. وهي تعمل أيضًا على إيقاف السُعاة الذين يمررون الأموال من غزة إلى الضفة.
• تصاريح العمل في إسرائيل – سلب تصاريح العمل من أبناء أسرة مُنفذ عملية.
• السيارات – مُصادرة السيارة المُستخدمة أثناء تنفيذ عملية فورا. حتى الآن تمت مصادرة نحو 100 سيارة.
• الأسلحة – حملة لحظر صناعة الأسلحة وحيازتها في الضفة بشكل ملحوظ. مثلا، ارتفع سعر البندقية الآلية المُصنعة محليا مؤخرا من 1500 شاقل إلى 7000 شاقل. وارتفع سعر بندقية M16 من 50 إلى 80 ألف شاقل. تغلق الأجهزة الأمنية المصانع والمخارط التي تُصنّع فيها الأسلحة وتعتقل تجار السلاح.
• الإضرار بوسائل الإعلام وصفحات الفيس بوك التي تشجع على العنف – أغلق الجيش الإسرائيلي محطات إذاعة تُشجع على تنفيذ العمليات، مطابع تطبع مُلصقات تحمل صور شهداء وما شابه، وتُنقل معلومات لشركة فيس بوك حول الصفحات التي تحرّض على الإرهاب أيضًا.
هناك مشكلة صعبة تقف أمام قوات الأمن الإسرائيلية تتعلق بالعمليات التي تُنفذها النساء. وفقا لمسؤول إسرائيلي، غالبا يواجهن النساء مشاكل أسرية – مثلا، قصص خيانة، نساء معنفات، وحالات شخصية تبدو لا مخرج منها، فتقرر الفتاة أو المرأة تنفيذ عملية كخطوة من “الكفارة” أو مخرج من ضائقة صعبة تعيشها.
في الختام، نوضح أن التقديرات في إسرائيل تشير إلى أنّ موجة العُنف لن تنتهي قريبا، وإنما سترتدي أشكالا أخرى، كما رأينا في السنة الأخيرة (الانتقال من عمليات الطعن، إلى عمليات الدهس، إلى إطلاق النار ومؤخرا إشعال الحرائق أيضًا) وأنّ الغضب في أوساط الشباب مرتبط أيضًا بظروف تتعلق بإسرائيل، ولكن بالأوضاع الداخلية الفلسطينية أيضًا.