تستدعي عملية “إعادة الإخوة” لإعادة الشبان المختطفين الثلاثة والتي بدأت قبل نحو ثلاثة أسابيع، وهي العملية التي توسعت وفي هذه الأثناء بدأت تتقلص، فرصة نادرة، لنلقي نظرة على الوحدات الاستخباراتية الخاصة بالجيش الإسرائيلي: الشاباك ووحدة 504، المعروفة جدّا في الحياة العامّة الإسرائيلية.
تحدّث الإعلام الإسرائيلي والفلسطيني في الأيام الأخيرة عن عشرات بل مئات المعتقلين، من أعضاء حركة حماس وآخرين، بعضهم مشتبه به بالاشتراك والبعض الآخر بسبب كونه من رجال حماس. ليس واضحًا كيف سينتهي التفتيش وراء المختطفين أو الخاطفين، ولكن بالنسبة للمحقّقين فهي لعبة “شحذ الأدمغة” ضدّ مئات المعتقلين والذين من المرجّح أن يستمرّ عددهم بالارتفاع.
كيف تبدو تلك اللعبة وماذا يحدث في غرف التحقيقات؟ طلب الإعلام الإسرائيلي التوضيح حول كيفية تنفيذ النشاط السرّي للتحقيق مع المشتبهين. يقدّم موقع Mako شهادة (أ)، وهو محقّق شاباك سابق يعمل اليوم في مجال الإرشاد، و (ع)، ضابط احتياط يعمل محقّق في الوحدة 504، وهما يتحدّثان – من خلال تجاربهما بطبيعة الحال – عمّا يفعل الآن المحقّقون، وماذا يخطر في بال المحقّقين الذين “يعرفون أنّ مصير الرهائن ملقى على مسؤوليتهم”.
ميدانيًّا، من اللحظة الأولى حتى الاعتقال
كانت اللحظة التي علم فيها الجيش الإسرائيلي عن حادثة اختطاف الشبان هي ذات اللحظة التي خرج فيها المحقّقان من المنزل، وودعا زوجاتهما وأطفالهما “الذين لا يعلمون متى سيعودان”، كما يقول (ع) في المقابلة مع الموقع الإخباري Mako. ويشير المحقّقان المخضرَمان إلى أنّ المحقّق لا يحتاج لانتظار الدعوة الرسمية، رغم أنّها تأتي غالبًا قبل النشر في وسائل الإعلام. “أنت تصل إلى حيث ينبغي، تتلقّى المعلومات الصحيحة حتى تلك اللحظة وتبدأ بإعداد نفسك للعمل أيضًا من الناحية النفسية. كمحقّق عليك أن تعلم ماذا يوجد في جعبتك، من ناحية المعلومات، وبالطبع في هذه المرحلة لا يوجد الكثير ولكن يكفي أنّ لديك طرف خيط صغير كي تعرف إلى أين تتوجّه وأمام من تعمل. ويشمل ذلك كما في هذه الحالة، عدد المختطفين ممّا يعطيك بعض المؤشرات عن الخلية. من أين اختطفوا، متى وماذا حصل هناك. كلّ معلومة حتى لو كانت صغيرة فهي مهمّة ويمكن أن تساعد في التحقيق”.
يشير المحقّقان إلى أنّ أحداث الماضي، وأيضًا العملية التي تجري في هذه الأيام، تدلّ على أنّ المشتبه بهم سيأتون سريعًا جدّا. “يأتي ذلك من سائر المصادر الاستخباراتية وأنت كمحقّق تخرج إلى الميدان مع الوحدة التي ستنفّذ الاعتقال”، كما يشرح (أ). “ليس ذلك كما في الأفلام بحيث ترى كيف يُحضر رجل المباحث المشتبه به للمحقّق ويديران اللعبة في غرفة التحقيق. في الواقع فإنّ المحقّق يريد الإمساك بالمشتبه به في اللحظة الأولى من الاعتقال حين يكون لا يزال مصدومًا من الوضع”.
تجري المحادثة بين المحقّق والمعتقل أكثر من مرة أيضًا خلال سفره لمبنى التحقيق، حيث “أحاول تشخيص من يقف أمامي”، كما يشرح (أ). “إن هدفي هو التعرّف إلى شخصيّته وبأي طريقة أحتاج أن أتعامل معه. حين نصل إلى المكان الذي سيجري فيه التحقيق أعطيه بعض الحلويات، سيجارة أو أقول لجندي لمَ هكذا؟ انزع عنه الأصفاد، أو أتصرّف معه بصلابة وربما بشكل مقرف كي أزيد من صدمته. أحيانًا يمكن لهذا التصرّف من التحقيق في الميدان أن ينهي لك القصّة”.
مواجهة في غرفة التحقيق
نقوم بالاستعداد للتحقيق في مباني التحقيق التابعة للشاباك أو للوحدة 504. من المهم أن نقول إنّه بخلاف ما نرى في الأفلام فإنّ التحقيق لا يجري من قبل محقّق واحد وإنما من فريق كامل. “قبل التحقيق، يجلس المحقّقون حول طاولة مع ملف المشتبه به والذي يحوي جميع البيانات ذات الصلة بخصوص عمله، شخصيته وما الذي جعله يكون زبونًا لي”، كما يحكي (ع). “هناك توزيع مرتّب للمحقّقين وفقًا للدور”.
بالإضافة إلى ذلك فهناك من يحرص على التنسيق بين المحقّقين، في حالة كثرة المشتبه بهم ومن يحرص على مدّهم بالمعلومات التي تتدفّق دائمًا من الميدان، حتى خلال التحقيق. قد يمتدّ التحقيق إلى ساعات، أيام أو أسابيع، وفي هذا الوقت فهم يتلقّون معلومات من الميدان تمكّن من التحقّق من ادّعاءات المشتبه به أو العكس. من المهم أن نقول إنّه، بالمقابل، فإنّ المحقّقين يخرجون أيضًا من غرفة التحقيق، ينضمّون إلى نشاطات الجيش الإسرائيلي ذات الصلة بالنسبة لهم أو يخرجون مع المشتبه به إلى عمليات تحقيق، كالإشارة إلى نقطة ما.
يمكن تشبيه غرفة التحقيق بالمسرح. ينبغي على المحقّق أنّ يعرف كيفية تغيير الوجوه والمزاجات وفقًا لسير عملية التحقيق؛ فأحيانًا يصرخ على المشتبه به، وأحيانًا تُعطى له فرصة تجاوزه وشعوره بأنّه ينتصر، وأحيانًا تكون هناك لفتات صغيرة من المحقّق التي يمكنها شراء المشتبه به.
ضغط مركّز من جميع الاتجاهات
هناك تحقيقات تمتدّ أسابيع، ولكن هناك تحقيقات، كالأخيرة بخصوص المختطفين، والتي تكون فيها كلّ لحظة هي لحظة حاسمة. يشعر المحقّقون بهذه التحقيقات بشكل كبير. لأن كبار المسؤولين يُمارسون عليهم ضغطًا كبيرًا وليس هم فحسب، بل جميع المواطنين في البلاد.
إذن فما الذي يفكّرون به؟ يقول الاثنان إنّهما خلال التحقيق يركّزان على الهدف، ولكن في لحظات قليلة تخترق الأفكار والمشاعر جدار المهنية.
لا يمكن التهرّب من السؤال: هل الضغط يجعلهم يُمارسون تحقيقا عنيفًا، بما في ذلك التعذيب كما تمّ اتهامهم أكثر من مرّة. أصر الاثنان فورًا وادعيا بعزم أنّه ليست هناك تعذيب أثناء التحقيقات ولن تكون. “أيضًا، ليس الآن عندما يكون مصير الشبان الثلاثة على المحكّ”. إنّهما يوضحان أنّ أعمال العنف لا تساعد في التحقيق بل إنّها تضرّ به. “لا يوجد هنا حبّ للإنسانية والأخلاق”، كما يشرح (أ). أيضًا يؤكّد (ع) أنّ العنف يضرّ بالتحقيق أكثر ممّا يساعد. كما ويؤكّد أنّ قدرة المحقّق على إنشاء علاقة شخصية مع المشتبه به هي التي ستجلب المعلومات “في النهاية تفهم أنّ التفاعل الذي تنمّيه مع المشتبه به هو الذي سيجلب لك ما تحتاجه. يزعجني كلّ ما يُنشر عن التعذيب لأنّه ليس لدى الناس أدنى فكرة عمّا يجري في الداخل وهذا بعيد عن ذلك كل البُعد”. يتدخّل (أ) ويضيف: “التحقيق هو “شحذ عقول”، مجال للذكاء، وليس مجالا للأيدي”.