الصورة الأكثر فقرا لوجود الضمير أو التورّع بالإساءة للأطفال هي ربما الظاهرة التي يتمّ علاجها أقلّ ما يمكن من قِبل مُنظمات رعاية حقوق الإنسان: تجنيد وغسيل دماغ للأولاد على يد مُتطرّفين جهاديّين يقومون بتحويلهم إلى مُخرّبين إرهابيّين و”أبناءٍ للجنود”. تستمر هذه الظاهرة بالتواجد في مناطق مُختلفة من العالم الإسلامي حتّى يومنا هذا.
تصدّر مُؤخرا هذا الموضوع العناوينَ مرّة أخرى عقبَ إيراد تقارير من قِبل صحيفة ديلي ميل وقناة CNN على أنّ تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) قد قام في سوريا بخطف 140 ولدًا وقام بتأدية عمليّات غسيل دماغ لهم من أجل أن يُصبحوا مُخرّبين انتحاريّين. أكرهَ الإرهابيّون الأولادَ على الاطّلاع على علم اللاهوت للمنظمة، كما وأجبروهم على مُشاهدة مقاطع مُصوّرة لقطع رؤوس. زعمَت منظمة رعاية حقوق الإنسان الدوليّة أنّ الدولة الإسلاميّة ليست الوحيدة باستغلال الأولاد كمُخرّبين انتحاريّين، إنّما تقوم أيضا منظمات إرهابيّة أخرى بذلك، كجبهة النصرة في سوريا، التابعة لتنظيم القاعدة.
هناك تاريخ طويل لاستغلال الأطفال والإساءة لهم من قِبل مُنظمات إسلاميّة مُتطرّفة كثيرة بهدف تحقيق مطامعها. إذ قام مُؤخرا تنظيم “بوكو حرام” الإرهابيّ بخطف العديد من الفتيات من مدارسهنّ شمالَ نيجيريا. تحدث عمليّات مُشابهة لخطف اليافعين يوميّا في دول معيّنة كباكستان.
يقوم بعض المُعلّقين في العالم الإسلاميّ بتقديم تبريرات لاهوتيّة (توحيديّة) لاستخدام الأطفال كانتحاريّين. وصفَ مُجنِّدُ أطفالٍ باكستانيّ، يقوم بدفعهم على تنفيذ عمليات انتحاريّة، هؤلاء الأطفال على أنّهم “أداة زوّدها الله”، وهذا وفقا لما نُشِرَ من أقواله في صحيفة ال ـ”Independent”. قال مُتطرّف إسلاميّ آخر من باكستان بما يخص هذا الموضوع: “وجود عدد غير محدود من حديثي السنّ الذين يُريدون التضحية بأرواحهم من أجل تلقين الأمريكيّين درسًا هو هبة من الله عزّ وجلّ”. هكذا نُشِرَ في بحث أُجريَ حول قضية العمليّات الانتحاريّة في باكستان.
ووفقا لكلام لورانس فرانكلين من مركز جيتسون للسياسة الدوليّة، فإنّ السهولة النسبيّة في عمليّة تجنيد الأولاد لمهمّات عسكريّة تنبع، من بين أمور أخرى، من التعليم والتربية اللذين يتلقّاهما الأولاد في المدارس. إذ يتمّ وصف اليهود والمسيحيّين في قسم من الكتب التدريسية، في السعودية وباكستان على سبيل المثال، على أنّهم كُفّار. يسمع الأولاد أيضا الخطبَ أيام الجمعة في المساجد، والتي يتمّ فيها مِرارًا استخدامُ كلمات تدلّ على الكراهية ضدّ ذات “الكفّار”. يتمّ تربية وتلقين الأطفال المُسلمين على الشعور بأنّهم ضحايا للغرب، وعلى أنّ الإسلام هو الدين الذي يستحق الحماية حتّى مُقابلَ أثمن الأسعار. تكمُن هذه النظرة الدينيّة بأيدي المُجنِّدين المُتلاعبين.
سير عمليّة التجنيد
إنّ نهج عمليّة تجنيد الأولاد المُرشّحين لتنفيذ المهمّات الانتحاريّة مُعقّد للغاية. في البداية، يقوم أحد ناشطي التنظيم الإرهابيّ باختيار الشاب من داخل مجموعة بهدف التحقيق الأوليّ. يتعقّب ويُراقب ناشط آخر طريقة حياة الولد اليوميّة. يتمّ فحص عائلة الولد أيضا، وذلك من أجل تحديد ماهية ردة الفعل المتوقّعة من احتمال تجنيد الولد.
إذا تمّ فعلا اختيار الولد، سيضطر أن يمرّ بعدة اختبارات للمصداقية والوفاء. على سبيل المثال، يحصل على مهمّة نقل تقرير عن أنشطة أحد السياسيّين أو عن شخص مُتديّن مُعادٍ. كذلك، يُطلب من الفتى زيارة المساجد بتردّد أكثر، خاصّة في أوقات الصلاة. وفي النهاية، يتمّ مُرافقة الولد إلى مجال النشاط العمليّ للتنظيم الإرهابيّ ثمّ يُضمّ إلى ناشِط أكبر وأكثر تمرّسًا. حيث يبدأ حينها المعزل عن الوالِدين، الأخوة والأصدقاء.
يُتوقّع من الشاب المُجنَّد أن يُصلّيَ خمسَ صلواتٍ في اليوم، كما هو مُتّبَع في الجماعات الإسلاميّة. ويتعلّم مع مرور الوقت كل ما يتعلّق بالأسلحة واستعمالها، أساليبَ أساسيّة في المُلاحقة وتشغيل سيارات ومراكب آليّة مُختلفة. وفي أوقات الفراغ يُمنَع الأولاد من مُشاهدة المُسلسلات التي أُنتجت في الغرب على التلفاز أو اللعب بألعاب الحاسوب. حيثُ يُشاهدون أشرطة فيديو ((DVD للأعمال الجهاديّة التي نُفّذت على يد “نُظرائهم”. تُمرّر للأولاد رسائل بطوليّة وافتدائيّة ورسائلَ عن المُكافآت الروحيّة، ويتمّ التأكيد لهم على أنّ عائلاتِهم ستُحبّهم أكثر حتّى بعد موتهم.
نُشِرَت هذه المقالة أوّلا في موقع ميدل نيوز