في الصيف العنيف لعام 2014، الذي شهد حملة “الجرف الصامد” في غزة، شعر عدد من الطلاب الجامعيين المقدسيين أنهم لا يعرفون إلى حد كاف ما الذي يمر به جيرانهم الفلسطينيون في القدس الشرقية في هذه الأيام الصعبة، وما هو الحوار الذي يديرونه. عندما بدأت الطالبة الجامعية الشابة، ميخال شيلور، بالبحث عن الموضوع في الإنترنت، أدركت أن المواطنين في القدس الشرقية يستخدمون اللغة العربية في حياتهم اليومية، لهذا لا يعرف الإسرائيليون الذين يعيشون في القدس الغربية عن حياة الفلسطينيين اليومية والسيناريو الخاص بهم.
لهذا قررت ميخال تسهيل الوصول إلى المعلومات حول القدس الشرقية للمواطنين في القدس الغربية، وبالعمل مع عدد من المتطوعين الآخرين أقامت صفحة الفيس بوك “0202 – نظرة من القدس الشرقية”. بمساعدة مركز الحوار متعدد الثقافات في القدس وعدد من الخبراء بشؤون القدس، بدأت صفحة الفيس بوك المميزة بترجمة نشرات من الصحافة الفلسطينية إلى العبرية، إضافة إلى ترجمة منشورات مختلفة من الشبكات الاجتماعية، كانت تهدف إلى توفير لمحة عن الواقع في القدس، من وجهة نظر الفلسطينيين.

منذ ذلك الحين، توسعت المبادرة، وأصبحت تتضمن في يومنا هذا ثلاث صفحات فيس بوك، تعرض ثلاث وجهات نظر عن القدس: وجهة النظر الفلسطينية من القدس الشرقية، وجهة نظر حاريديية، ووجهة نظر إسرائيلية من القدس الغربية. إضافة إلى ذلك، يشغّل أعضاء جمعية “0202” القائمة منذ عام، صفحة فيس بوك بالإنجليزية تعرض وجهات النظر الثلاث هذه.

“بدأت مبادرة 0202 كمبادرة صغيرة لطلاب جامعيين مُتطوِّعين”، قالت لنا هذا الأسبوع شير، ابنة 26 عاما، تدرس للقب الثاني وتعمل مركزة محتويات الجمعية. وفق أقوالها، “ما يميز هذه المبادرة أن المتطوعين يترجمون نشرات دون إجراء تعديلات عليها ولا يكتبون مقالا صحفيا يتضمن تحليلات أو آراء أعضاء المجموعة. فهذا يوفر منصة للسيناريو الحقيقي”. كما وأوضحت أن في صفحة الفيس بوك تظهر ترجمات من العربية إلى العبرية من الصحف الفلسطينية، ومصادر عربية تُعنى بشؤون القدس، ولكن يصل معظم المحتويات من الشبكات الاجتماعية، التي تتضمن ترجمة وفق الأصل. “نترجم كتابات مثل صفحات الفيس بوك في أحياء القدس الشرقية، منشورات لمؤسسات تربية ومدارس، جمعيات ومنظمات محلية ذات تأثير سياسي”.
“مثلا، هناك الآن كتلة مرشحة لمجلس المدينة”، قالت شير. “لا يهتم موقع ynet ولا القنوات الإخبارية الإسرائيلية بهذه العناوين”. إضافة إلى ذلك، أوضحت شير أن المتطوعين يحاولون ترجمة التعلقيات على المنشورات أيضا، تعبيرا عن الحوار المختلف السائد في المجتمَع العربي في القدس الشرقية. “نحاول عرض الأشخاص والآراء المختلفة”، المشاكل اليومية التي يواجهها مواطنو القدس الشرقية، مثل المشاكل في البنى التحتية أو الموطنة”.
من القدس الشرقية إلى القدس الحاريدية
في ظل نجاح صفحة الفيس البوك الأولى، أقام أعضاء الجمعية صحفة “نظرة من القدس الحاريدية”، تُعنى بالمجتمع اليهودي الحاريدي في القدس. “عرفنا أن هناك بعض الفئات السكانية المميزة التي لا تحظى بفرصة إلقاء نظرة إليها وجسِر الفجوات الثقافية”، قالت شير. وفق أقوالها، هناك قضايا كثيرة تشغل بال الحاريديين، لكنها لا تُطرح في الحوار المركزي، وقد يكون هذا هو السبب وراء النجاح الأكبر لصفحة الفيس البوك “0202” الخاصة بالحاريديين من حيث عدد القراء.
يعمل معتصم، ابن 26 عاما، وهو معلم لغة عربية من كفر عقب في القدس الشرقية، مديرا لصفحة الفيس بوك “0202” الجديدة التي تدعى “نظرة من القدس الغربية”. تهتم هذه الصفحة، التي أقيمت قبل بضعة أشهر فقط، بترجمة الأخبار، الأحداث، والنشرات من القدس الغربية إلى العربية، للقراء العرب في القدس الشرقية. “بدأت بقرأة صفحة الفيس بوك التابعة للحاريديين”، قال معتصم معربا أن القراءة ساعدته على تحسين لغته العبريّة. “أدركت الفوارق بين الحاريديين والعلمانيين، مثلا، ما هي أهمية غطاء رأس المرأة”. وفق أقواله، هناك أهمية لأن يعرف مواطني القدس الغربية الحياة المعقدة في القدس الشرقية والمشاكل التي يواجهها المواطنون.

قال معتصم تطرقا إلى صفحة القدس الغربية التي يديرها: “أشعر بسعادة لأني أجعل الصفحة متاحة أمام أبناء مجتمعي، وأعتقد أننا نحتاج إليها. لم أعرف يهودا حتى سن 18 عاما، وتعرفت إليهم عندما درست في الجامعة ولم أكن أعرف العبريّة حينها”. وأضاف: “إذا عرف الشبان معلومات عن جيرانهم، فهذا يساعدهم جدا في العمل والتعليم، ويتفاجأون أقل عندما ينهون دراستهم الثانوية”.
تطرق معتصم وشير إلى التحديات الصعبة في إتاحة الثقافة أمام جهة تختلف ثقافتها كليا، وتتجسد هذه التحديات في الترجمات المختلفة. “نحاول ألا نترجم حرفيا، ولكن هناك حالات توضح فيها الترجمة الحرفية الحوار السائد. مثلا، أثناء الترجمة نستخدم مصطلح ‘مسيرة الفخر’ وليس ‘مسيرة المثليين’ لأن هذه هي الترجمة التي تعكس الترجمة الدقيقة للحوار الإسرائيلي حول الموضوع”، أوضحت شير. “المثال الأفضل هو كلمة ‘القدس’ أو ‘أورشليم’ فهناك تساؤلات أي مصطلح نستخدم”، قال معتصم.
هناك عدد كبير من المتطوعين في يومنا هذا في الجمعية، من كل أطياف المجتمع الإسرائيلي: فلسطينيين، يهود علمانيين ومتدينين، متدينين حاليا أو في الماضي، رجال ونساء، يشكلون طبقة سياسية واسعة. وفق أقوال شير، “مشاركة متطوعين من مجتمعات إسرائيلية مختلفة تؤثر في النشرات في صفحات الفيس بوك المختلفة. في كل وردية، يختار المتطوع المواضيع التي تثير اهتمامه، وليست هناك توجيهات إرشادية، ما يتيح لأعضاء الجمعية العمل بحرية”.

“أكثر ما يهمنا هو عودة الاهتمام بالنزعة الإنسانية لكل طبقات المجتمع في القدس”، قالت شير. “نحاول أن نوضح أن الحوار في القدس الشرقية لا يتطرق إلى العنف والعمليات، بل إلى الأشخاص الذين يريدون العمل، تربية أطفالهم، وبناء منازلهم وفق تصاريح بناء”. وأضافت: “لا يتميز المجتمع الحاريدي بعدم التجند للخدمة العسكرية والتطرف فحسب، بل هنا حوار نسوي حاريدي، يتطرق إلى دمج الحاريديين في الأكاديميات، وغيرها. في هذا السياق، يقول معتصم: “تكمن المشكلة الأساسية في النزاع في عدم التعارف بين كلا الجانبين. فالفلسطينون في القدس الشرقية لا يفكرون في اليهود في القدس الغربية، وتسعى مبادرة 0202 إلى تقليص هذه الفجوات”.
هناك فوارق في التغطية الإعلامية في القدس الشرقية والقدس الغربية، وبين وسائل الإعلام في المجتمع الحاريدي من حيث المحتويات والتعابير، أوضح معتصم وشير. “لا تتجاهل وسائل الإعلام العربية في القدس الشرقية زيارة اليهود إلى الحرم القدسي الشريف أبدا، ولا الاعتقالات، وإطلاق سراح الأسىرى”، قالت شير. “إضافة إلى ذلك، فهي تتناول قضايا يومية ومعنى أن يكون الإنسان فلسطينيا في القدس – من ناحية العمل، البطالة، نقص الاستثمار في المؤسسات التربوية، وغيرها. بالمقابل، تتناول وسائل الإعلام الحاريدية كثيرا السياسية الحاريدية ، فيما يتعلق بالالتحاق بالجيش، أيام السبت، والتوتر بين الحاريديين والعلمانيين”.
تطرق معتصم وشير إلى ردود الفعل المختلفة التي يواجهانها. “يعتقد اليساريون أننا يمينيون، والعكس صحيح”، قال معتصم. “مثلا، عندما يشاهد اليمينيون ترجمات مثل ‘قوات الاحتلال’ يغضبون، بالمقابل يدعي اليساريون أننا ننشر منشورات سيئة فقط”. أكدت شير أن الترجمات لا تتضمن تحليلات، بل تعرض وجهات نظر لا تتحدث عنها نشرات الأخبار المركزية. “مثلا، هناك تعليقات أحيانا مثل، ‘أنتم تشكلون الناطقين باسم حماس’، ولكن نحن نترجم فحسب. بالمقابل، هناك من يحترم جهودنا. خلافا للصحافيين، نحن لا نفكر في جمهور الهدف، بل ننقل الأقوال الحقيقية”.