ثمّة مَن يعتقد أنّ مَن قتل رئيس الولايات المتحدة جون كينيدي هي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) أو المافيا الأمريكيّة. ثمّة مَن يؤمن أنّ الإنسان لم يهبط مُطلقًا على القمر، وأنّ هذا مجرّد عرض مسرحيّ. سمعنا أيضًا عن أشخاص يدّعون أنّ الاتّحاد السوفياتي اخترع فيروس الإيدز كجزء من الحرب الباردة، وثمة طبعًا من يؤمِن أنّ هناك كائنات غريبة تهبط على الأرض يوميًّا وتخطف البشر.
للإسرائيليين أيضًا نظريات المؤامرة المرتبطة بهم. حتّى تستمتعوا بها أنتم أيضًا، جمعنا لكم أربع نظريّات مؤامَرة من صناعةٍ إسرائيلية. مَن يريد أن يصدّقها، فليفعل ذلك على مسؤوليته.
فيروس أبي عمّار السريّ
“يجب التخلّص منه … ثمة فرصة الآن. لم ولن تكونَ هناك فرصة أخرى”، هكذا جرى القبض على رئيس أركان الجيش حينذاك، شاؤول موفاز، يقول لرئيس الحكومة أريئيل شارون عام 2002، دون أن ينتبه إلى أنّ الميكروفونات تسجّل كلامه. بعد نحو عامَين، حين توفي ياسر عرفات في مستشفى عسكريّ في ضواحي باريس عام 2004، تذكّر كثيرون هذا التصريح كدليل على الرغبة الإسرائيلية بقتله.
لدى الفلسطينيين والعالم العربي عامّةً، الافتراض الرئيسي هو أنّ إسرائيل مسؤولة عن الوفاة، وأنه لا داعي لفحص ذلك مُطلقًا. إسرائيل، بالطبع، لا تعترف بذلك. الادّعاء السائد هو أنّ عرفات مات متسمّمًا من البولونيوم، مادّة سامّة جدًّا لا تُخلّف آثارًا.
منذ موته، لدى كلّ طرف اختصاصيّون يشهدون لصالحه. ففي تشرين الثاني 2013، ادّعى طاقم علماء سويسريّ أنّ ثمة احتمالًا كبيرًا أن يكون عرفات قد سُمّم، وبعد ذلك بشهر ردّ طاقم فرنسي أنّ أمرًا كهذا لم يحدث أبدًا، وأنّ الاحتمال الأكبر هو أنّ عرفات مات موتًا طبيعيًّا.
“إسرائيل هي المتهم الأول والأساسي والوحيد في قضية اغتيال ياسر عرفات”، هكذا أعلن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح توفيق الطيراوي. لكنّ في إسرائيل نفسها مَن هو مقتنع بمؤامرة أخرى: أصيب عرفات خلال حياته بفيروس الإيدز، وأُخفي هذا خوفًا من العار.
موت الأميرة
كُتب الكثير حول وفاة الأميرة البريطانيّة ديانا، “ليدي دي”، قبل الأوان، وهي التي لاقت حتفها في حادث طرق غامض، وإلى جانبها عشيقها عماد “دودي” الفايد في الشارع السريع في باريس. عام 2008، قرّر محقّق خاصّ في القضيّة أنّ ديانا، عشيقها، وسائقهما قُتلوا بسبب “إهمال خطير” لسائق السيّارة التي سافروا بها وقت الحادث، حين حاولوا الهروب من مصوّري باباراتزي في العاصمة الفرنسيّة.
أثيرت شائعات لا تُحصى حول ملابسات الوفاة. شخص يُعرَف بلقب “الجندي N”، قنّاص سابق في وحدة النخبة في القوّات الخاصّة البريطانيّة، تباهى أمام أسرته بأنه يعرف أنّ وحدته شاركت في “اغتيال” الأميرة. إلى جانب ذلك، ثمّة مَن يعتقد أنّ الأمير تشارلز، زوج ديانا السابق، هو المسؤول عن وفاتها، لأنها كانت حاملًا بطفل من الفايد، ما أثار سخط تشارلز.
وحتّى في هذه الحالة طبعًا، ثمّة مَن وجد مؤامرة يهودية، مهما كان مشكوكًا فيها، مشيرين إلى أنّ إسرائيل خشيت من العلاقة الرومنطيقية بين الأميرة وبين مليونير من أصل عربي، فحرصت على إنهائها في ذروتها. طبعًا، ليس ثمة أيّ دليل على صحّة هذه الرواية.
رابين وتورُّط الشاباك
في إسرائيل نفسِها، لا موضوعَ يُثير خيال محبّي المؤامَرات أكثر مران اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية، إسحاق رابين، في 4 تشرين الثاني 1995، في نهاية اجتماعٍ لدعم حكومته في تل أبيب، وفي ذروة عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. نظريّات عديدة، مختلفة، ومتناقضة طُرحت خلال السنين. ثمّة مَن يدّعي أنّ الشاباك عرف بنوايا يغآل عمير لاغتيال رابين، وهناك مَن يدّعي أيضًا أنّ عمير ليس القاتل إطلاقًا. هناك مَن يقدِّر أنّ شمعون بيريس، شريك رابين وغريمه، هو مَن يقف خلفَ العمل، وثمّة مَن يتذاكَون أكثر مدَّعين أنّ رابين نفسه أخرَج موتَه.
وفق إحدى النظريّات، خطّط الشاباك الإسرائيلي لمحاولة اغتيال موجَّهة تجاه قيادة اليسار، من أجل جعل الشعب يتعاطف مع عملية السلام مع الفلسطينيين. بالتباين، ثمّة مَن يدّعي أنّ الشاباك نفسَه سيطرت عليه عناصر يمينيّة أرادت اغتيال رابين بأيّ ثمن. ويستنِد أشخاص كهؤلاء إلى ما تجلّى بعد الاغتيال، حيث إنّ أحد ناشطي اليمين البارزين في فترة ما قبل الاغتيال، أفيشاي رفيف، كان في الواقع رجل شاباك. هناك مَن نسج نظريّة أكثر إحكامًا، تُفيد أنّ الأمن العامّ (الشاباك) زوّد عمير بعيارات فارغة، وأوعز إليه بإطلاقها تجاه رابين. حين أطلق عمير النار، أدخل رجال الشاباك رابين إلى سيّارة، وهناك أطلقوا النار عليه واغتالوه.
قبل دقائق قليلة من اغتيال رابين، وقف على المنصّة مع المطربة ميري ألوني، وغنّى معها “أغنية للسلام”. بعد الاغتيال، عُرضت الورقة التي كُتبت عليها كلمات الأغنية، التي طواها رابين وأدخلها إلى جيبه، مثقوبةً من رصاصة القاتل، ومُلَطَّخة بدم رابين. يعرض هواة المؤامَرات الورقة الملطَّخة بالدم كدليلٍ آخر – طُويت الورقة إلى أربعة أقسام في جيب رابين، لكنّ رصاصة القاتل أحدثت فيها ثقبًا واحدًا فقط. وكانت المحاكم الإسرائيلية قد رفضت كلّ الالتماسات التي قدّمها هواة المؤامرات في هذا الشأن.
“دعونا نسمح لهم بتفجير البرجَين التوأمَين”
يبدو أنّ هذه هي أمّ جميع نظريّات المؤامَرة – نظريات تفجيرات 11 أيلول 2001. تتضمّن أكثرية النظريّات ادّعاءات بأنّ الإدارة الأمريكية أو قادتها عرفوا بالهجمات المستقبليّة، ولكنهم رفضوا فعل شيء، أو حتّى شاركوا في التخطيط والتنفيذ. هنا أيضًا يمكن إيجاد ادّعاءات لا أساسَ لها من الصحّة: لم تصطدم الطائرتان بالبرجَين إطلاقًا، بل حدث الانفجار نتيجةً عبوات ناسفة، لم تصطدم أية طائرة بالبنتاغون، فيما الرحلة 93 التي تحطّمت في بنسلفانيا لم تتحطّم مُطلقًا، بل اختفت. بين الاختصاصيّين في النظريات، التقسيم هو لنوعَين: نَوع “دعونا نسمح لذلك يحدث”، أي أنّ الأمريكيين سمحوا للقاعدة بتنفيذ التفجيرات، و”دعونا نفعل ذلك عمدًا”، أي أنّ الأمريكيين شاركوا مشاركةً فعّالة في التفجيرات.
أحد الادّعاءات الأكثر شُيوعًا في هذا السياق هو أنّ إدارة بوش كانت معنيّة بكارثة تبرّر الردّ المُكثَّف الذي يؤدي إلى تواجُد الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط، لا سيّما في أفغانستان والعراق، للسيطرة على مصادر النفط في تلك المنطقة من العالم. ويرتكز داعمو هذه النظريّة بشكل أساسيّ إلى وثيقةٍ رسميّة بعنوان “إعادة بناء منظومة الدفاع الأمريكية”، كُتبت في التسعينات، وشملت استراتيجية كاملة لزيادة قوّة الولايات المتّحدة. حسب هذا الادّعاء، تصف الوثيقةُ الاستراتيجيّةَ التي انتهجها رئيس الولايات المتحدة، جورج و. بوش بعد التفجيرات.
أثارت جملة واحدة في الوثيقة اهتمامًا خاصَّا: “من المرجّح أن تكون عمليّة التحويل، حتّى لو أدّت إلى تغيير ثوريّ، طويلةً جدَّا، إلّا إذا جرى حدث كارثيّ يكون محفزًا أشبه ببيرل هاربر”. كان قصد الكتبة ما يلي: لتحقيق استراتيجيتنا، نحتاج إلى كارثة بحجمٍ هائل، مثل الهجوم الياباني على القوات الأمريكية، الذي أدخل الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية. من هنا، يُطرح الشكّ في أنّ الأمريكيين ضحّوا بحياة نحو 3 آلاف شخص للشروع في “حملة صليبيّة” في الشرق الأوسط.
هل ظننتم أن لا أحد اتّهم اليهود في هذه الحالة؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد أخطأتم. ثمّة مَن يدّعي أنه بطريقةٍ أو بأخرى، قرّر العمّال اليهود والإسرائيليون الذي كانوا في مبنيَي مركز التجارة العالمي التغيّب عن العمل بسبب إنذارٍ تلقَّوه مُسبقًا. من الصّعب على مَن يروّج لذلك أن يشرح كيف لقي بين 250 و500 يهوديّ حتفهم في هذه الكارثة، رغم “الإنذار المسبق”. أمّا النسخة الأخرى الأكثر تواضعًا في الرواية فتفيد بأنّ إسرائيل أرادت إحداث الفتنة بين الولايات المتحدة والعالم العربي، وأنّ “الموساد” وحده كان قادرًا على اختراق الترتيبات الأمنيّة المشدّدة للإدارة الأمريكية.
لماذا يؤمن الناس بهذه النظريّات؟ يُنظَر إلى الأحداث الكبرى وغير المعقولة كوفاة زعيم، تفجير ضخم، أو حرب، على أنّ قوى كبرى تحرّكها. يبدو أنّ الناس يميلون إلى التصديق أنّ ثمة قوالب معيّنة، رغم الفوضى التي نعيش فيها. داخل تعقيد المصالح والقوى المتناقضة التي تميّز حياتنا، يسهل علينا أن نصدّق أنّ ثمة قوّة كبرى، سريّة، وغير منظورة تُدير حياتنا في الواقع. فهل هذا صحيح؟ بإمكانكم أن تختاروا قناعاتكم، لكننا شخصيًّا لم نقتنِعْ.