تمر مثل هذه الأيام وأنت تجد بالنهاية أنك اكتشفت شيئًا جديدًا.توجهتُ اليوم لتغطية مظاهرة الناصرة التي دعت إليها لجنة المتابعة العليا لقضايا عرب إسرائيل والتي تهدف لدعم غزة.ركبتُ حافلة كانت تضم شبان فلسطينيين وانطلقت من مقهى “آروما” في هار هتسوفيم (جبل سكوباس) وجلست بجانب شاب عمره 19 عامًا واسمه يونس من قرية عين نقوبا الواقعة قرب أبو غوش.اتضح أن يونس، الذي كان يعتمر الكوفية الفلسطينية، هو شاب لطيف ينوي دراسة هندسة الحاسوب ويعمل حاليًا في أحد المستشفيات في القدس.حاورته وشرح لي عن سبب توجهه من منطقة القدس لدعم سكان غزة.
كان ذلك شعورًا غريبًا بأن أكون من وسط الأكثرية في إسرائيل وأسافر وحدي كيهودي في حافلة تقل أفرادًا من فئة من الأقليات في إسرائيل، بالطريق إلى مظاهرة في “الجانب الآخر”، أيضًا كصحفي ينظر إلى كل شيء من الجانب، ظاهريًا.أدركت بأنه سينتابني شعورًا غريبًا قبل أن أسافر، ولكن، ما لم أعرفه هو درجة العنف التي ستنتهي بها المظاهرة.
وصلنا إلى الناصرة.وسارت المسيرة بشكل هادئ ومحترم، رغم الشعارات الجارحة ضدّ إسرائيل ورغم الملصقات التي كانت تحمل صورًا مريعة لأطفال ضحايا في غزة كُتب عليها بالعربية “بنك الأهداف الإسرائيلية”.حاولت مجموعة من الشبان، بالطريق، الخروج يسارًا عن المسار المحدد للمظاهرة والتوجه إلى الشارع الرئيسي، ولكن قال أعضاء لجنة المتابعة عبر مكبرات الصوت إن على المظاهرة أن تتابع مباشرة.في نهاية المظاهرة كان هناك خطاب واحد ووحيد لرئيس لجنة المتابعة، الذي انتقد فيه إسرائيل بشدة، وكذلك انتقد مصر أكثر وادعى أن مصر أيضًا تتحمل مسؤولية أكبر بخصوص “الجريمة في غزة”.
تمكنتُ بطريق العودة أن أجري مقابلة مع امرأة أيضًا، محجبة، قبل أن بدأ عشرات الأشخاص يركضون مسرعين قادمين من الخلف، ومن ثم سمعت صوت انفجار ورائحة غاز مسيل للدموع.كنت بعيدًا جدًا، وتمكنت من التقاط صورة أو اثنتين، رغم الاختناق والدموع.في الأسفل، عند نقطة التقاء الحافلة، انتظر يونس.تبادلنا أطراف الحديث وإذ بقوات كبيرة من الشرطة تصل إلى المكان على صهوات الخيول.بدأ أفراد الوحدة الشرطية الخاصة “يسام” بإلقاء قنابل الدخان باتجاه المتظاهرين الذين كانوا قد بدأوا بالدخول إلى الحافلات.ثم بدأت حالة من الفوضى.سحب رجل قربي فأسًا لكي يرميها على رجال الشرطة، ولكن الأشخاص القريبين منه منعوه من فعل ذلك.طلب منا رجال الشرطة الابتعاد عن المكان، حينها بدأنا أنا ويونس نركض في الشارع بينما كان خلفنا شبان ورجال شرطة يلاحقونهم.
انعطفنا يسارًا ودخلنا إلى زقاق اتضح أنه دون مخرج.فوقنا، على الشرفة، كانت هناك مجموعة من الأشخاص التي بدأت تصرخ وتحاول أن توجهنا إلى أمكان لنختبئ فيها.كان أحد الشبان يركض وكان خلفه عدد من أفراد حرس الحدود الذين كانوا يعتمرون خوذات.اعتقلوا يونس مباشرة، الذي لم يفعل شيئًا ولم يعترض، وقيدوه.حاولت أن أخبرهم بأنني صحفي وأنه كان قربي ولم يفعل أي شيء، إنما دون جدوى.اقتادوه إلى سيارة الشرطة، عند أول الشارع، ووضعوه مع عشرة معتقلين آخرين.حاولت إقناع ضباط الشرطة (بينهم قائد القوة، برتبة نائب مفتش عام) بأنه بريء وأنني كنت قربه ولكن دون جدوى.طُلب مني بفظاظة أن أنصرف من المكان قبل أن يتم اعتقالي بتهمة إعاقة عمل الشرطة.تم اعتقال يونس واقتيد إلى مركز شرطة الناصرة.مشيت خلف سيارة الشرطة وبالطريق رأيت النائبة حنين الزعبي وهي تحاول أن تقنع بعض الشبان بإثارة الشغب. قرب مركز الشرطة، الذي كانت بوابته مقفلة، بدأ محامون وعائلات المعتقلين بالتجمهر.تم منع الجميع من الدخول.ثم جاء رئيس البلدية السابق؛ رامز جرايسي، النائب باسل غطاس (التجمع) ومحمد بركة (الجبهة) الذي تم اعتقال أحد أبنائه.
حاول نواب الكنيست دخول مركز الشرطة بالقوة إنما تم إبعادهم بقوة وتطور الأمر إلى عراك تضمن التدافع والصراخ.في الخلف، كانت تحرض حنين زعبي الشبان على ترديد هتافات ولكن أحدًا لم يستجب إليها.كانت الأجواء مشحونة وعنيفة.لا أعرف حتى هذه اللحظة ما الذي حدث مع يونس، هاتفه مقفل.
تمكنت، قبل أن أخرج من البيت، أن أطالع في الفيس بوك ما قاله ليبرمان حول دعوته الإسرائيليين لمقاطعة أصحاب المصالح العربية الذين أعلنوا اليوم مشاركتهم بالإضراب العام.
استطعت اليوم أن أرى بأم عيني كم ضعيف هو ذلك النسيج الاجتماعي لدينا في البلاد، بين العرب واليهود.أي ريح يمكنها أن تمزقه.حالت أعجوبة فقط حتى اليوم دون أن يتمزق ذلك النسيج.إنما لدينا قادة، أمثال ليبرمان، ميري ريغيف، حنين زعبي وغيرهم، يتوقون لأن يحدث ذلك.برأيي، أولئك القادة أخطر من حماس.لمواجهة حماس لدينا القبة الحديدية وجنود متمرسين وشجعان يعرضوّن حياتهم للخطر ويضحون بها أيضًا.لم ولن تكون غزة يومًا ما جزءًا من دولة إسرائيل.ولكن الناصرة هي كذلك.نحن نعيش مع عرب إسرائيل وسنستمر بالعيش معًا، جنبًا إلى جنب.شممت اليوم رائحة حرب أهلية وأخاف أنه ليس لدينا قوة مضادة قوية ضدّ المحرضين والمخربين.
نُشر المقال للمرة الأولى في موقع Can Think