في 4 حزيران عُقدت في ضريح مؤسس الثورة الإسلامية، آية الله روح الله الخميني، المراسم السنوية لإحياء ذكرى وفاته عام 1989. في هذا العام أيضًا خطب حفيده، حجة الإسلام حسن الخميني، كلمات في ذكراه. أكّد الخميني الحفيد في خطابه على الحاجة إلى الوحدة، وهاجم نشاطات المجموعات التكفيريّة في المنطقة وأعرب عن ثقته بالزعيم الحالي لإيران، علي خامنئي، وعن قدرته على حماية البلاد من أعدائها. وذكرت عدة وسائل إعلام إيرانية بعد المراسم أنّ خطاب الخميني قد تمت مقاطعته من قبل عدد من المتطرّفين الذين وجّهوا له إساءات لفظية.
ليست تلك هي المرة الأولى التي يواجه فيها حفيد زعيم الثورة العداء من قبل عناصر متطرّفة في اليمين الإيراني. في نيسان الأخير هدّد أعضاء المجموعة المتطرّفة “أنصار حزب الله” بمنع الخميني من إلقاء خطابه بل ومهاجمته جسديّا إذا لم يلغِ زيارته المخطّط لها في مدينة جرجان شمال إيران. وردّا على ذلك صرّح الخميني أنّه لا يخشى من هذه التهديدات وأعرب عن ثقته بأنّ “أنصار الإمام الخميني” سيوقفون المتطرّفين في مكانهم. في نهاية الأمر أقام الخميني زيارته كما كان مخطّطا له في شهر أيار، ولكن بعد ذلك اتّهمت وسائل الإعلام الإصلاحية الإيرانية سلطات البثّ الرسمية أنّها منعت بشكل مقصود بثّ خطابه على التلفزيون. وقبل أسابيع معدودة من ذلك اضطرّ الخميني إلى إلغاء مشاركته في مؤتمر أجري في جامعة بروجرد غربيّ إيران في أعقاب تهديدات من قبل المتطرّفين الذين تظاهروا أمام الجامعة وطالبوا بإلغاء محاضرته المخطّط لها.
استقبال الخميني الحفيد في جرجان في شهر أيار الأخير
في السنوات الأخيرة، واجه الخميني في عدة فرص المضايقات من قبل اليمين المتطرّف. في مراسم الذكرى السنوية لوفاة جده في حزيران 2010 تمّت مقاطعة خطابه من قبل متظاهرين منعوه بشكل غير مسبوق من إتمام كلامه. ردّد المتظاهرون شعارات تندّد به وبالمعارضة الإصلاحية، على خلفية الأزمة السياسية التي حلّت بإيران في أعقاب الانتخابات الرئاسية قبل ذلك بعام. بعد عامين من ذلك تمّت مقاطعة خطابه مجدّدا عدّة مرات من قبل أنصار النظام، الذين وجّهوا له شعارات تنديد.
يُعتبر حسن الخميني (43) أبرز أحفاد زعيم الثورة الإسلامية الخمسة عشر. هو الابن الأكبر لأحمد الخميني، نجل زعيم الثورة الأصغر ومساعده الأساسي والذي توفي عام 1995 في سنّ الخمسين بعد إصابته بأزمة قلبية. بدأ حسن في التسعينيات بتأهّله الديني لدى كبار رجال الدين في مدينة قم، وبعد وفاة والده بدأ بإدارة ضريح الخميني المسؤول أيضًا عن الحفاظ على تراثه. ابتعد الخميني الشاب خلال السنين عن المشاركة السياسية، ولكن في السنوات الأخيرة ازدادت تصريحاته في شؤون سياسية حساسة. ورغم أنّه يتجنّب عادة التعبير عن مواقف سياسية مثيرة للجدل، فإنّ ميوله السياسية واضحة جدا وهو ينتمي إلى التيار الإصلاحي المعتدل في السياسة الإيرانية.
وجّه الخميني عام 2008 انتقادات لتنحية مرشّحين إصلاحيين عن انتخابات مجلس الشورى من قبل “مجلس صيانة الدستور”. وفي الانتخابات الرئاسية الإيرانية بعد عام من ذلك، وخلال الأزمة التي حلّت بالبلاد في أعقابها، تمّت الإشارة إلى اسمه كأحد داعمي مرشّح المعارضة الإصلاحية، مير حسين موسوي. بعد فترة قصيرة من انتخاب أحمدي نجاد ثانية والمثير للجدل للرئاسة خرج الخميني من إيران لفترة قصيرة وتغيّب بشكل تظاهري عن مراسم تتويج الرئيس.
وفي ذروة الأزمة السياسية في شباط 2010 أرسل الخميني رسالة شديدة اللهجة إلى رئيس سلطات البثّ، في أعقاب برنامج تم بثّه في التلفزيون الإيراني وتضمّن مقاطع من خطاب ألقاه جدّه عام 1981، وجّه خلاله قوات الأمن لقمع مسيرات سياسية لم تحصل على ترخيص. قال الخميني إنّ البرنامج تجاهل الظروف الخاصة (حرب إيران – العراق) التي سادت في إيران في تلك الفترة، واتّهم سلطات البثّ بتشويه صورة زعيم الثورة. وخرج الخميني الحفيد في الماضي ضدّ تدخّل القوات المسلّحة في السياسة، وهو يذكّر بالتصريحات الواضحة التي كتبها جدّه في هذا الموضوع في وصيّته السياسية. وفي مقابلاته مع وسائل الإعلام ظهرت محاولات الخميني الشاب بالتوجّه إلى الشباب في إيران، على سبيل المثال بواسطة التأكيد على محبّته لكرة القدم.
في السنة الماضية أيضًا عبّر الخميني عن مواقف معتدلة في الشؤون الداخلية. وفي مقابلة مع الصحيفة اليومية الإصلاحية “شرق” في آذار 2015 قال إنّ دعم النظام والانتقادات حول ما يحدث لا يناقض أحدها الآخر. لقد عارض التطرّف من اليمين ومن اليسار وقال إنّ جدّه التقيّ أيضًا دعا إلى محاربة التعصّب. وفي إجابته على سؤال مجري المقابلة لماذا لا يعبّر عن مواقفه بشكل أكثر قوة أجاب الخميني إنّ الظروف تفرض السكوت في بعض الأحيان. وفي اللقاء الذي أجراه مؤخرا مع وزير الإرشاد الإسلامي، علي جنّتي، مع كبار مسؤولي وزارته ومع شخصيات ثقافية، فنّية وصحفية كبيرة، مدح الخميني الوزير بل ووصفه بـ “وزير الإرشاد المظلوم”. تم تفسير كلامه أنّه تعبير عن دعم جنّتي على خلفية الانتقادات التي وُجّهت ضدّه من قبل المؤسسة المحافظة.
ويمكننا أن نرى زيادة الهجمات من قبل العناصر المتطرّفة ضدّ الخميني في الأشهر الأخيرة على خلفية التقارير حول نيّته بالترشّح لانتخابات “مجلس خبراء القيادة” المرتقبة في آذار 2016. والمجلس، المؤلف من 86 رجل دين، مسؤول بحسب الدستور الإيراني عن الرقابة على أعمال قائد الثورة، وتعيين خليفة له بل وعزله إذا وجد أنه لم يعد مؤهّلا للاستمرار في تولّي منصبه. تجري انتخابات المجلس مرّة كل ثمانية أعوام، وهناك أهمية خاصة للمعركة القادمة على ضوء الاحتمال الكبير بأن يتطلّب من المجلس المنتخب أن يختار المرشد الأعلى القادم، على خلفية الحالة الصحّية المتردّية للخامنئي.
وقد صرّح الخميني نفسه في الأشهر الأخيرة أنّه لم يتّخذ بعد قرارا بخصوص انضمامه إلى الساحة السياسية، ولكن وسائل الإعلام الإيرانية تناقش مؤخرا إمكانية أن يحاول رجال الدين المنتمين للجناح المعتدل في السياسة الإيرانية، وعلى رأسهم الرئيس الأسبق ورئيس “مجلس تشخيص مصلحة النظام”، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، إدخال الخميني للمجلس في إطار جهودهم الرامية إلى تعزيز قبضتهم عليه على حساب الجناح المتطرّف في المعسكر المحافظ. وفي مقال نُشر في أحد المواقع الإصلاحية بعد زيارة الخميني لجرجان قيل إنّ اليمين المتطرّف يحاول الإضرار بحظوظه في أن يُنتخب لـ “مجلس خبراء القيادة”، من خلال المسّ بشخصيّته. الخميني هو الخطر الأكبر على مصالح المتطرّفين في إيران، كما جاء في المقال، الذين يدركون جيّدا الدعم الذي يحظى به من قبل الشعب، مسؤولي النظام والمؤسسة الدينية. وقد أفاد المقال – الذي أظهر ترحيبا حارّا بالخميني – أنّ الكثيرين يعتبرون “آية الله الشاب” بصفته “الخميني الجديد للثورة الإسلامية”.
ومن السابق لأوانه أن نقدّر إذا ما كان الخميني سيقرّر القفز في الأشهر القادمة إلى مياه الجمهورية الإيرانية الباردة أم سيفضّل الابتعاد عنها في الوقت الراهن. ومن الواضح، مع ذلك، أنّ نشاطه العام يشكّل تحدّيا كبيرا أمام اليمين الإيراني المحافظ. نسبه العائلي، علاقاته الدينية، سنّه الصغير ومواقفه المعتدلة قد تجعله عاجلا أو آجلا مرشّحا رائدا لتولي منصب رئيسي في القيادة الإيرانية، وربما أيضًا محاولة المشي في أعقاب جدّه.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع Can Think