بعد أنابوليس، كامب دايفيد، واي، شرم الشيخ، مدريد، وأوسلو، ولا سيّما في فترة لا تُستخدَم فيها جريدة الأمس لرَزم السمك، بل تبقى في جوجل إلى الأبد، لا يُريد أي محلل سياسي في إسرائيل أن يؤتى على ذكره لاحقًا كساذج.
ولذلك اختار معظم أعمدة التحليل في الصحافة الإسرائيلية هذا الصباح خطًّا يتراوح بين التفاؤل الحذِر والريبة الواقعية.
تصدّر الصفحةَ الأولى لصحيفة يديعوت أحرونوت العنوانُ “بالقدم اليُسرى”، عمود المحلل السياسي العريق ناحوم برنيع، “نقطة البداية هذه المرة صعبة جدا، الفجوة بين أهداف كلٍّ من الطرفَين وهوة الشك المتبادل كبيرتان، وللأسف الشديد مبرَّرتان”، قال برنيع، وأجمل أنّ “الاتفاق ممكن الحدوث فقط عندما يكون ثمن عدم التوصل إلى اتفاق باهظًا أكثر من ثمن المماطلة”. واختار زميلاه في الصحيفة، شمعون شيفر وألكس فيشمن خطًّا مماثِلًا. “تحديد مهلة تسعة أشهر للمفاوضات أمر مصطنَع. هكذا يخفضون توقعات إحراز إنجازات فوريّة، ويتيحون للطرفَين إدارة مفاوضات تحت الرقابة الإعلامية دون أن يظهر عنوانٌ كلَّ أسبوع عن فشل المحادثات”، أوضح فيشمن. وأوجز فيشر: “يبدو أنه بعد عقود من جولات المفاوضات الجوفاء، حان الوقت لوضع مسودة عملية على الطاولة”.
في الصحيفة اليمينية “مكور ريشون”، تطرّق المحلل السياسي أمنون لورد إلى واقع أنّ المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين ليست الأمر الأهم الذي يجري في الشرق الأوسط حاليّا، على ضوء التغييرات في مصر والقتال في سورية. “في الفترة التي يتواجد الشرق الأوسط فيها بحالة عدم استقرار والحروب الأهلية تهدّد بالانتقال إلى داخل الأراضي المحتلة، فإن هذا هو الوقت الأسوأ لمحادثات علنية. ستجري المحادثات دون طقوس رسمية، كما يبدو، في واشنطن، بين مسؤولي الصف الثاني. يمسّ أبو مازن ونتنياهو أحدهُما الآخر بعصا طولها عشرة أمتار”.
يقدّم شلوم يروشلمي، المحلل السياسي لصحيفة “معاريف” تحليلًا ساخرًا للظروف التي أدت إلى المفاوضات: “أراد بنيامين نتنياهو دائمًا إجراءً. ليس بالضرورة إجراءً سياسيًّا، لكن إجراء ما. نوع ما من المفاوضات يحرره من الضغط الأمريكي”. لكن يروشلمي كعادته ليس مفرطًا في التشاؤم، لذلك يضيف متسائلًا: “هل نتنياهو مستعدّ لإجراء تاريخي كهذا؟ هل سيطرح في نهاية الأمر حلًّا دائما لاستفتاء شعبي؟”
وكما جرت العادة بعد خطوات من هذا النوع، يحظى نتنياهو بالدعم من موضعَين أساسيَّين: صحيفة “إسرائيل اليوم” التي تغطي الأحداثَ عامّة بطريقة مؤيدة لرئيس الحكومة، وصحيفة “هآرتس” القريبة من اليسار، الذي يبذل جهودًا لتهيئة أرضية ملائمة لاستئناف المفاوضات.
تحمل افتتاحية “هآرتس” العنوان: “نتنياهو يستطيع”، وتقدّر: “يترأس نتنياهو حكومة يمين – وسط تحوي مركبات متشددة. لكنّ شيئا لن يسعه الوقوف في طريقه إن قرّر التوصل إلى اتفاق. لرئيس الحكومة قوة هائلة، ليس لديه حتى الآن منافسون بوسعهم استبداله، والمعارضة ستدعم أيّ اتفاق”. وتشرح الصحيفة التي تنتقد غالبًا قرارات رئيس الحكومة، ربما لكونه يحظى بتأييد واسع جدا، لكنه لم يختر حتى الآن تجييره لاتفاق سياسي: “نتنياهو يستطيع. إنه من أقوى رؤساء الحكومات في تاريخ إسرائيل ومن أكثرهم بقاءً في منصبه، ويُمنع أن تروّعه التهديدات الصاخبة العقيمة من قبل عدد من شركائه في اليمين… السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يريد نتنياهو، لا هل يستطيع. سيكون عليه أن يجيب عنه في الفترة القادمة”.
لم يكتف ألوف بين، رئيس تحرير جريدة “هآرتس” بالافتتاحية، بل آثر كتابة عمودٍ ثانٍ، مذيًّلا بتوقيعه هذه المرة. فتَحْتَ العنوان “فرصة عمر نتنياهو” آثر بين انتهاج موقف تفاؤلي، وحثّ نتنياهو على اتخاذ قرارات شُجاعة. “يمكن لنتنياهو الآن أن يستعرض قدراته كسياسي ودبلوماسي، أن يعيد تشكيل حدود الدولة، وأن يؤثر في شكل الشرق الأوسط الذي سيقوم من الدمار الذي أحدثه الربيع العربي. إذا نجح، فسيبرز بين رؤساء الحكومات، ليس فقط بسبب خبرته ومدة بقائه في المنصب، إنما بفضل إرثه السياسي أيضًا”.
وأوجز محلل “إسرائيل اليوم”، الصحفي بوعز بيسموط: “إنّ استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين هو، من جهة إسرائيل، أمر إيجابيّ. للأمريكيين والفلسطينيين أيضًا لا خيار أفضل. لكن اللاعبين هم أنفسهم منذ 2010، المشاكل هي عينها، والآمال هي ذاتها. لا يبقى الآن سوى الأمل ألّا تكون المحادثات هي نفسها”.