في بريطانيا تحديدا، حدثت قبل يومين (السبت) لحظة شبه خيالية بالنسبة للشعب السوري – للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية قبل خمس سنوات، تتوحّد الأوركسترا السورية في حفل مذهل لمرة واحدة. أقيم الحفل في مهرجان ضخم في إنجلترا، وبُث في بثّ حيّ في أماكن مختلفة في أرجاء العالم، ومن بينها أيضًا سوريا ومعسكر اللاجئين الزعتري في الأردن. كان من بين المشاركين المطربة السورية فايا يونان، المطرب التونسي منير الطرودي والموسيقية الموريتانية نورة منت سيمالي.
الأوركسترا التي تأسست في دمشق عام 1990 وأصبحت أوركسترا احترافيّة في العام 2003 بقيادة عصام رفيع، تفككت مع اندلاع الحرب فانتشر عازفوها في كل حدب وصوب. والآن يطالب بعضهم اللجوء في الشرق الأوسط، في أوروبا، أو في الولايات المتحدة، ولا يزال بعضهم يكافح من أجل البقاء في وطنهم في سوريا. ولكن أدى تعاون موسيقي واحد مع فرقة موسيقية بريطانية قبل سنوات طويلة إلى توحّدهم مجددا.
دايمون ألبورن هو المغني الرئيسي في فرقة بريطانية معروفة – فرقة غوريلاز، والتي ظهرت عام 2010 في قلعة دمشق وبيروت مع الأوركسترا السورية. لقد خرج ألبورن سعيدا من زيارته الأولى إلى سوريا وتحدث لصحيفة الغارديان قائلا إنّ “نداء الصلاة في الصباح بدمشق عندما تكون على قمة جبل يجعلك ببساطة غير قادرة على الكلام”.
بعد اندلاع الحرب في سوريا تابع ألبورن من بعيد الأحداث فيها وشعر عاجزا وقلقا حول مصير أصدقائه في الأوركسترا. ولذا فقد فرح عندما اقترح عليه قائد الأوركسترا، عصام رفيع، تنظيم حفل توحيد، رغم أنّ ذلك يبدو له كفكرة خيالية ومستحيلة التحقيق. ومن أجل تنفيذ هذا المشروع الطموح – توحيد خمسين عضو من الأوركسترا من جميع أنحاء المعمورة، اضطرّ المنظّمون إلى استئجار طائرة بوينج 737 بأكملها.
نجحت الجهود الكثيرة فأقيم الحفل، ولكن المبادر إليه، عصام رفيع، لم يكن قادرا على المشاركة في هذا اليوم الكبير – حيث إنّه ينتظر استيضاح طلب لجوئه في الولايات المتحدة، وحتى ذلك الحين لا يمكنه مغادرة حدودها. مقارنة بعصام رفيع، فقد استطاع أخوه وأخواته اللذين يعزفون في الأوركسترا أيضًا، أن يحصلوا على تأشيرة وأن يشاركوا في حفل التوحيد، وهذه هي المرة الأولى التي يرى فيها أفراد الأسرة بعضهم البعض منذ أن ترك سوريا عام 2013.
ولكن الانقسام في سوريا لم يغبْ عن أعضاء الأوركسترا. فكان يؤيّد بعضهم نظام بشّار الأسد، وبينما يعارضه بشدّة آخرون كانوا قد هربوا من البلاد المضطربة. ولكن الجميع يوافق على أنّ الوضع الحالي في سوريا يجب أن ينتهي. وقد انتهى الحفل بطبيعة الحال بأغنية مخصصة لدمشق. قال لي أحد العازفين إنّ صوت عزف الأوركسترا الكبيرة قد أعاده مجددا إلى الذكريات الجميلة من موطنه سوريا – “في لحظات معينة عندما كنا نعزف، كنت قادرا تماما على شمّ رائحة دمشق”.
كان الهدف من الحفل هو إجراء لقاء بين الجمهور البريطاني وأحد جوانب الثقافة السورية وفتح أعينه على التنوع الإنساني السوري، بخلاف الصورة المرسومة في التقارير حول سوريا وحول اللاجئين السوريين في الأخبار. وكما يمكن أن نرى في الفيديو المرفق، فقد سُحر الجمهور تماما بالموسيقى الساحرة الخاصة بالأوركسترا، والمتأثرة عميقا من التراث الموسيقيّ العربي.
التعاون الموسيقي بين الأوركسترا السورية وفرقة غوريلاز قبل اندلاع الحرب في سوريا: